المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الفصل الخامسالطرق والحيل التي يستعملها الباطنيون لإغواء الناس - فرق معاصرة تنتسب إلى الإسلام وبيان موقف الإسلام منها - جـ ٢

[د. غالب بن علي عواجي]

فهرس الكتاب

- ‌الباب الخامسالباطنية

- ‌الفصل الأولتمهيد في بيان خطر هذه الطائفة

- ‌الفصل الثانيمتى ظهر مذهب الباطنية

- ‌الفصل الثالثالغرض من إقامة هذا المذهب وكيف تأسس

- ‌الفصل الخامسالطرق والحيل التي يستعملها الباطنيون لإغواء الناس

- ‌الفصل السادسعقائد الباطنية

- ‌أولاً: عقيدتهم في الألوهية:

- ‌ثانياً: اعتقادهم في النبوات:

- ‌ثالثاً: اعتقادهم في الآخرة:

- ‌رابعاً: اعتقادهم في التكاليف الشرعية:

- ‌الباب السادسالنصيرية

- ‌الفصل الأولتمهيد في بيان خطر النصيرية

- ‌الفصل الثاني(زعيمهم) وسبب انفصاله عن الشيعة وموقفهم منه

- ‌الفصل الثالثأسماء هذه الطائفة والسبب في إطلاقها عليهم

- ‌الفصل الرابعنشأة النصيرية

- ‌الفصل الخامستكتم النصيرية على عقائدهم

- ‌الفصل السادسطريقتهم في تعليم مذهبهم

- ‌الفصل السابعأهم عقائد النصيرية

- ‌1- تأليه علي رضي الله عنه

- ‌2- القول بالتناسخ:

- ‌الفصل الثامنعبادات النصيرية

- ‌الفصل التاسعأعياد النصيرية

- ‌الفصل العاشرموقف النصيرية من الصحابة

- ‌الفصل الحادي عشرفرق النصيرية

- ‌الفصل الثاني عشرأماكن النصيرية

- ‌الفصل الثالث عشرمحاولات لم تثمر

- ‌الباب السابعالدروز

- ‌الفصل الأولتمهيد: في بيان خطر هذه الفرقة

- ‌الفصل الثانيالتعريف بالدروز

- ‌ أصل الدروز:

- ‌الفصل الثالثزعيمهم

- ‌الفصل الرابعأسماء الدروز

- ‌الفصل الخامسكيف انتشرت العقيدة الدرزية

- ‌الفصل السادسمعاملة الدروز لمن يكشف شيئاً من عقائدهم

- ‌الفصل السابعأماكن الدروز

- ‌الفصل الثامنطريقة الدروز في تعليم ديانتهم

- ‌الفصل التاسعمن هو الحاكم بأمر الله الذي ألهه الدروز

- ‌هلاك الحاكم:

- ‌الفصل العاشرأهم عقائد الدروز

- ‌1- ألوهية الحاكم:

- ‌2- القول بالتناسخ:

- ‌3- إنكار القيامة:

- ‌4- عداوتهم للأنبياء:

- ‌5- إنكارهم التكاليف:

- ‌الفصل الحادي عشرالدروز في العصر الحاضركمال جنبلاط ودوره في تثبيت عقيدة الدروز

- ‌الفصل الثاني عشرالفرق بين النصيرية والدروز

- ‌مراجع فرقة الباطنية

- ‌أ-مراجع الباطنية عموماً:

- ‌ب- مراجع فرقة النصيرية:

- ‌جـ- مراجع فرقة الدروز:

- ‌الباب الثامندراسة عن البهائية

- ‌الفصل الأولنبذة عن أساس ظهور البهائيةوبيان صلتها بالبابية

- ‌1- زعيم البابية:

- ‌2- صلتهم بالمستعمرين في ذلك الوقت:

- ‌3- نهاية الشيرازي:

- ‌5- الكتاب المقدس للبابية:

- ‌6- هزيمة البابية:

- ‌الفصل الثانيخطر البهائية

- ‌الفصل الثالثزعيم البهائية

- ‌ثقافته:

- ‌عمالته هو وأسرته لأعداء الإسلام والمسلمين:

- ‌وفاة المازندراني:

- ‌الفصل الرابعدعايات للبهائيين

- ‌1- وحدة الأديان:

- ‌2- وحدة الأوطان:

- ‌3- وحدة اللغة:

- ‌4- السلام العالمي:

- ‌5- المساواة بين الرجال والنساء:

- ‌6- عقائد أخرى للبهائيين:

- ‌أ- ما يتعلق بالعقائد والديانات:

- ‌ب- ما يتعلق بالأحكام الفقهية:

- ‌الفصل الخامسأمثلة من تأويلات البهائيةللقرآن الكريم

- ‌الفصل السادسموقف البهائية من السنة النبوية

- ‌الفصل السابعالسبب في انتشار تعاليم البهائية

- ‌الفصل الثامنكتاب البهائية الذي يقدسونه

- ‌الفصل التاسعأماكن البهائية

- ‌من مراجع البهائية

- ‌الباب التاسعالقاديانية

- ‌تمهيد: التحذير من ظهور دجالين يدعون النبوة بعد محمد صلى الله عليه وسلم:

- ‌الفصل الأولكيف نشأت القاديانية

- ‌الفصل الثانيزعيم القاديانية

- ‌1- اسمه وأسرته:

- ‌3- صفاته وأخلاقه:

- ‌الفصل الثالثختم النبوة وموقف القادياني منه

- ‌الفصل الرابعكيف وصل القادياني إلى دعوى النبوة

- ‌2- إلهاماته:

- ‌3- دعواه أنه المسيح الموعود:

- ‌دور صديقه الحكيم نور الدين في دفعه إلى الأمام:

- ‌4- ادعاؤه النبوة:

- ‌الفصل الخامسنبوءات الغلام المتنبئ

- ‌الفصل السادسغلوه وتفضيله نفسه على الأنبياء وغيرهم

- ‌الفصل السابعأهم عقائد القاديانية

- ‌1. التناسخ والحلول:

- ‌2. التشبيه:

- ‌الفصل الثامنعلاقة القاديانية بالإسلام وبالمسلمين وبغير المسلمين،وموقف علماء الهند وباكستان من القاديانيين

- ‌الفصل التاسعأسباب انتشار القاديانية

- ‌الفصل العاشروفاة القادياني

- ‌الفصل الحادي عشربعض زعماء القاديانية

- ‌ الحكيم نور الدين البهيروي:

- ‌محمود أحمد:

- ‌الخواجة كمال الدين:

- ‌ شخصيات أخرى قاديانية

- ‌الفصل الثاني عشرالفرع اللاهوري القادياني

- ‌من أهم مراجع القاديانية

الفصل: ‌الفصل الخامسالطرق والحيل التي يستعملها الباطنيون لإغواء الناس

‌الفصل الخامس

الطرق والحيل التي يستعملها الباطنيون لإغواء الناس

من المبادئ الأساسية عند الباطنية تقديس النفاق والكذب والخداع، ومن الوصايا الهامة التي يجب أن يسير بموجبها كل داعية باطنية هي أن يجاري من يخاطبه، ويوافقه في مذهبه تماماً، بل ويحسِّن له الغلو فيه، ويريه أنه أحرص منه على التزامه به.

فإذا كان المدعو شيعياً فإنه يجب أن يكون مذهب الداعية شيعياً أيضاً، وإذا كان المدعو فاجراً مستهتراً أو ناسكاً متعبداً أو يهودياً أو نصرانياً أو مجوسياً فإن مذهب الداعي كذلك.

فإذا كان المدعو فاجراً حسَّن له الداعي انتهاب اللذات، وأن الحياة منتهية والدنيا فانية.

وإذا كان المدعو ناسكاً حسن له التعبد والزهد وعدم الالتفات إلى الدنيا.

وإذا كان المدعو يهودياً حسَّن له الداعي مذهبه، وأظهر له تعظيم السبت، وشتم النصارى والمسلمين جميعاً.

وإذا كان مجوسياً يظهرون عنده تعظيم النار والضوء والشمس وغير ذلك من مذهب المجوس.

ومن وجدوه نصرانياً يظهرون عنده الطعن في اليهود والمسلمين جميعاً، وأن القول بالأب والابن وروح القدس حق، ويعظمون الصليب عندهم.

ص: 503

ومن وجدوه فيلسوفاً فهو منهم وقد وصل الحبيب إلى المحبوب لاتفاق هؤلاء مع الفلاسفة في دعوى أن النصوص لها ظاهر وباطن، وإنكار الشرائع، وقالوا بسائر أقوال الفلاسفة مع قدم العالم، وإبطال المعاد والمعجزات وغيرها من أقوال الفلاسفة.

ومن وجدوه ثنوياً فقد ظفروا ببغيتهم فيدخلون عليه بإبطال التوحيد والقول بالسابق والتالي.

وهكذا فإن مذهبهم هو مذهب المدعوين، مهما كان هذا المذهب، يتلونون تلون الماء بالإناء الذي فيه والنتيجة من كل ذلك هو استجلاب المدعو ثم إخراجه من دينه إلى دين الباطنية.

ولهم حيل وطرق للوصول إلى قلوب الناس والتدرج بهم في الكفر شيئاً فشيئاً. وقد ذكرها الغزالي قائلا: ((ففي الاطلاع على هذه الحيل فوائد جمة لجماهير الأئمة)) (1) .

وسبب استتارهم وراء هذه الحيل هو الخوف من إظهار كفرهم بطريقة مكشوفة، وترتيب حيلهم هذه كما يلي:

الزرق والتفرس، ثم التأنيس، ثم التشكيك، ثم التعليق، ثم الربط، ثم التدليس، ثم التأسيس، ثم الخلع، ثم المسخ أو السلخ.

وفيما يلي تعريف موجز بهذه الحيل:

الحيلة الأولى:

وهي حيلة الزرق والتفرس، ومعناها: أن يكون الداعي ذكياً فطناً صاحب فراسة، يميز بين من يطمع في استدراجه لقبول دعوته، ومن لا يطمع في ذلك

(1) فضائح الباطنية ص 21.

ص: 504

وله معرفة بتأويل النصوص وإخراجها عن معانيها الظاهرة إلى المعاني الباطنة، وأن لا يبدأ بالمخالفة للمدعو بل يوافقه ثم يستدرجه بعد ذلك على حسب الخطط الباطنية إذا تفرس فيه القبول.

الحيلة الثانية:

وهي التأنيس: والمراد بها الوصول إلى قلب المدعو واستمالته بلطف الحديث وذكر بعض الآيات والأحاديث والأشعار، وبحث جوانب من الأمور اليومية، وإلقاء خطب ومواعظ، ويظهر له كل أمر يزيد في الأنس بينهما ويقرِّب بين الأفهام.

الحيلة الثالثة:

هي التشكيك: وهي أن يسأل الداعي المدعو عن مسائل في أمور الدين، وهي مسائل يعجز المدعو عن الإجابة عنها لجهله، وذلك أن الدعاة الباطنيين يركزون دعوتهم في العوام.

وأيضاً لأن بعض تلك المسائل تعبدية قد لا تعرف الحكمة فيها، كأن يسأله عن متشابه القرآن، ومسائل يعجز المدعو عن الإجابة عنها لجهله، وذلك أن الدعاة الباطنيين يركزون دعوتهم في العوام.

وأيضاً لأن بعض تلك المسائل تعبدية قد لا تعرف الحكمة فيها، كأن يسأله عن متشابه القرآن، ومسائل فقهية: لم أمر بالغسل من المني، ومن الغائط والبول بالوضوء وهما أغلظ نجاسة؟ ولم أمرت الحائض بقضاء الصوم دون الصلاة وهما واجبان على السواء، ولم كانت أبواب الجنة ثمانية وأبواب النار سبعة؟ وعن رمي الجمار، والإحرام، والطواف، وعن الحروف التي في أوائل

ص: 505

السور {آلمر} ، و {كهيعص} وغير ذلك، ويعظمون أمرها ويدّعون أن لكل ذلك جواباً لا يعرفه كل أحد، بل علم ذلك إليهم وإلى إمامهم المستور بزعمهم.

الحيلة الرابعة:

وهي التعليق: فتتم بعد طرح تلك المسائل، فإذا طلب المدعو الاستفسار عنها، وتعلق قلبه بها وبمعرفتها قالوا له: إننا لا نخبرك بشيء حتى تعطينا العهد والميثاق، فإذا رضي بذلك نقلوه إلى الحيلة الخامسة، وهي الربط.

الحيلة الخامسة:

وهي الربط: وهي إحكام قبضتهم عليه بما يؤخذ عليه من العهود والمواثيق الغليظة في عدم إفشائه سراً من أسرارهم، وأنه إذا فعل ذلك فقد استوجب لعنة الله وغضبه، وأنه مخلد في النار أبد الآباد

إلى آخر تلك الإيمان الطويلة التي لا يؤمنون بها هم.

فإذا كان المدعو ذكياً موفقاً عرف أن هذه الأيمان كلها لا تطلب منه إلا لأن ما سيخبرونه به غير مرضي وليس فيه حق، لأن الحق لا يتكتم عليه أهله، ويتذكر قول الله تعالى:{وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلا تَكْتُمُونَهُ} (1) ، وآيات كثيرة يحذر الله فيها من كتمان العلم، وأن كتمانهم لعلمهم دليل على أنه مليء بالعورات والفضائح.

الحيلة السادسة:

وهي التأسيس: وهي إظهارهم تعظيم الشرع والرغبة في طلب العلم

(1) آل عمران: 187

ص: 506

والمحافظة على أوامر الدين، وأن تلك العهود التي أعطاهم المدعو يجب احترامها، وهم في الواقع إنما يظهرون له هذه الأمور من أجل اصطياده، وإلا فهم لا يؤمنون بعهد ولا بميثاق.

ومنها اشتراطهم أخذ العلم عن الإمام المعصوم المستور الذي يزعمون أنه هو الطريق إلى علم النبي الناطق والوصي، وهو الأساس إلى علم الناطق، وزعمهم أنه مستور، لأنهم يعلمون أن لا وجود له، فلئلا يطالبهم المدعو بلقائه زعموا أنه مستور، وإنما هو دجل وتمويه وخداع للمدعو.

وقد ذكر الغزالي سبعة أمثلة لهذا المسلك وأطال في شرحها.

الحيلة السابعة:

التأسيس: وهي أنهم يضعون مقدمة لا تنكر في الظاهر، ولا تبطل الباطن، يستدرج فيها المدعو بحيث لا يدري، ويوهمونه أن الله تعالى جعل لكل شيء ظاهراً وباطناً، ويستدلون عليه بقوله تعالى:{وَذَرُوا ظَاهِرَ الْأِثْمِ وَبَاطِنَهُ} (1) ، ونصوص أخرى.

ثم يقال له: الظاهر قشور والباطن هو اللب، والظاهر رمز والباطن المعنى المقصود، ثم يؤسسون في نفسه الشغف لمعرفة البواطن والإعراض عن ظواهر النصوص..لأنه وصل بزعمهم إلى مرتبة وهي طلب العلم الباطني.

الحيلة الثامنة:

وهي الخلع من الدين: فهي أن يقول الداعي للمدعو: إن فائدة الظاهر أن يفهم ما أودع فيه من علم الباطن لا العمل به، فمتى وقف المدعو على الباطن

(1) سورة الأنعام: 120

ص: 507

سقط عنه حكم الظاهر، وهو المراد -بزعمهم الكاذب- لقوله تعالى:{وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ} (1) ، أي يضع عنهم هذه التكاليف الشاقة من صلاة وصيام وغيرها من شرائع الإسلام بعد أن يعرفوا بواطن النصوص التي تدعو إلى القيام بتلك التكاليف وهذا مثل خرافة غلاة الصوفية حين يصلون إلى اليقين بزعمهم.

الحيلة التاسعة:

الانسلاخ من الدين أو حيلة السلخ: فهي أنهم إذا أنسوا من المدعو الإجابة وصار منهم، أعلموه أنه قد أطلق من وثاقه وحل له كل ما حرم على غيره من الناس الذين لم يدخلوا مذهبهم:{الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ} (2)

وزالت عنه جميع التكاليف، ولا يحرم عليه شيء (3) .

ولهم حيل في إسقاط التكاليف عن المدعو، حيث يوهمونه أن التكاليف تسقط عنه تلقائياً إذا تدرج في المعرفة ووصل إلى معرفة أن التكاليف إنما كانت موضوعة في الظاهر للناس الجهال حتى يطلبوا العلم ويخرجوا عن مشقة التكاليف.

لأن الإمام المعصوم المستور ونوّابه يعلمون معنى القيام بتلك التكاليف ومعناها الحقيقي، فتسقط عنهم فريضة الصلاة إذا دفع للإمام مبلغ 12ديناراً، ويقرأ له الإمام قول الله تعالى: {وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلالَ الَّتِي كَانَتْ

(1) سورة الأعراف: 157

(2)

سورة المائدة: 5

(3)

انظر لتفصيل تلك الحيل: فضائح الباطنية ص 21- 22، وبيان مذهب الباطنية وبطلانه ص 25-30.

ص: 508

عَلَيْهِمْ} (1) ، ويفهمه أن الصلاة معناها الحقيقي -بزعمهم- معرفة أسرار الباطن، أو معرفة خمسة أسماء وهي: علي والحسين والحسن ومحسن وفاطمة.

ثم يسقطون عنه فريضة الصوم بعد أن يدفع المبلغ المذكور للإمام، ثم يفهمونه أن الصوم إنما المقصود منه كتمان أسرار الباطنية، أو معرفة ثلاثين رجلاً أو ثلاثين امرأة يعدّونهم في كتبهم، وليس معنى الصوم الامتناع عن الأكل والشرب، ويقرأ عليه قوله تعالى:{إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْماً فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنْسِيّاً} (2) . فلو كان معنى الصوم ترك الطعام لقال: فلن أطعم؛ فدل على أن الصيام هو الصمت والسكوت عن إبداء أسرار الأئمة بزعمهم.

ثم يسقطون عنه الحج بتفهيمه أن المقصود بالحج إنما هو زيارة مشائخهم لا الذهاب إلى مكة.

ثم يسقطون عنه حرمة الخمر والميسر بتفهيمه أن المقصود بهما أبو بكر وعمر رضوان الله عليهما ولعن الباطنية، فأما الخمر المصنوع من العنب وسائر ما يصنع منه فليس بحرام، لأن كل ما تنبت الأرض حلال:{قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ} (3) ، {لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُوا إِذَا مَا اتَّقَوْا وَآمَنُوا} (4) .

ثم يسقطون عنه وجوب الاغتسال من الجنابة بدعوى أن الطهارة هي

(1) سورة الأعراف: 157

(2)

سورة مريم: 26

(3)

سورة الأعراف: 32

(4)

المائدة: 93

ص: 509

طهارة القلب، وأن المؤمن طاهر بذاته والكافر نجس بذاته والكافر نجس بذاته ولا يطهره الماء ولا غيره، بل إن الجنابة المقصود بها موالاة أضداد الأنبياء والأئمة، وأما المنيّ فهو طاهر إذ هو أصل الإنسان، ولو كان الاغتسال منه لنجاسته لكان الاغتسال من البول والغائط أولى بزعمهم.

وعلى هذا فإن معنى الآية {وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُوا} (1) أي إن كنتم لا تعرفون معنى الباطن فتعلموا واعرفوا العلم الباطني.

ثم يسقطون عنه حرمة الزنا، ويسمونه المشهد الأعظم ونهاية الفوز، وإن إحلال الزنا هو دخول الجنة، ويتلو عليه قوله تعالى:{فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ} (2) . وقوله تعالى: {قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ} (3) . ويفسر له الزينة هنا بأنها ما خفي من أسرار النساء التي لا يطلع عليها إلا المخصوص بذلك.

ويسلك به مسالك ملتوية، وفي نهايتها يبدأ بتطبيق ما تعلمه المدعو من جواز الفحش والفجور، وأن ذلك حلال، فيبدأ يطبق ذلك على زوجته فيبيحها للمدعو، ثم يحضر المشهد الأعظم وهو اجتماع الرجال والنساء في مكان واحد وإطفاء السرج بعد أن تدار الكؤوس، وتحمى الرؤوس، ثم يتناهبون النساء ويسمون ذلك صيداً كما أشرنا إلى ذلك فيما تقدم (4) .

وهكذا ينقضون الإسلام درجة درجة إلى أن يوهموا المدعو أنه أصبح فوق

(1) المائدة: 6

(2)

السجدة: 17

(3)

سورة الأعراف: 32

(4)

ذكرها الديلمي في بيان مذهب الباطنية وبطلانه ص 11-15.

ص: 510

مستوى التكاليف لتعمقه في العلم ومعرفته لبواطن تلك الظواهر فيصل إلى تحقيق قول الله تعالى: {وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ} (1) ، وهو في الحقيقة يصل إلى حمأة الفساد والإفلاس من الدين ومشابهة البهائم والخروج عن الإنسانية المكرّمة، فلا يعرف بعد ذلك معروفاً ولا ينكر منكراً، مات قلبه وضميره فهو أضل من البهائم، لأنها لا تعرف تلك المسالك الشيطانية التي وصل إليها هؤلاء المفسدون.

وينبغي أن تعلم أن ما قدمناه من ذكر تلك الحيل لا تتم على عجل، بل إنهم يدرسون الشخص دراسة لا نظير لها إذا وقع عليه اختيارهم، ولا ينبغي أن تفهم أن تلك التعليمات تلقى عليه بهذه البساطة التي عرضناها؛ بل إنه يمر بتعقيدات وتعليمات وصقل، قد يأخذ فيها مدداً طويلة أو قصيرة حسب ميوله وذكائه وتقبله، ولهذا يحكمون عليه قبضتهم.

وهذا ما يفسره وقوف التابعين لهم في صفهم ودفاعهم عن هذه العقيدة، لا يهمهم حتى تقديم دمائهم في سبيل نشرها وعلوّ شأنها، وذلك لتشبعهم بتلك التعاليم الملتوية ومسخ فكر الداخل وتفريغه من كل علاقة إلا بهذا المذهب.

ولمزيد من التفاصيل عن حيلهم وخططهم في استجلاب الناس إلى دعوتهم وترتيبهم العميق الذي لا يدركه المدعو إلا بعد الإطاحة به- ننقل هنا ما باح به أحد علمائهم المعاصرين؛ حيث قال ما نصه:

((ولقد وُفّقت الحركة الإسماعيلية بين جهاز الدعاية الذي نظمته خير تنظيم، وبين نظام الفلك ودورته، فجعلوا العالم الذي كان معروفاً في

(1) الحجر:99

ص: 511

عصرنا، مثل السنة الزمنية، والسنة مقسمة إلى اثني عشر شهراً، وإذاً فيجب أن يقسم العالم إلى اثني عشر قسماً، وسموا كل قسم جزيرة، وجعلوا على كل جزيرة من هذه الجزر داعياً هو المسئول الأول عن الدعاية فيها، وأطلقوا عليه لقب ((داعي دعاة الجزيرة)) أو ((حجة الجزيرة)) .. إلى أن يقول:

((والشهر ثلاثون يوماً، ولذلك كان لكل داعي جزيرة ثلاثون داعياً نقيباً لمساعدته في نشر الدعوة، وهم قوته التي يستعين بها في مجابهة الخصوم، وهم عيونه التي يعرف بها أسرار الخاصة والعامة.

واليوم مقسم إلى أربع وعشرين ساعة، اثنتي عشرة ساعة بالليل، واثنتي عشرة ساعة بالنهار، فجعل الإسماعيلية لكل داع نقيب أربعة وعشرين داعياً منهم اثنا عشر داعياً ظاهرين كظهور الشمس بالنهار، واثنا عشر داعياً محجوباً مستتراً استتار الشمس بالليل.

وبعملية حسابية نجد أن عدد الدعاة الذين بثهم الإسماعيلية في العالم كان حوالي (8640) داعياً في وقت واحد، وذلك بخلاف عدد آخر من الدعاة لا يشملهم هذا، وهم الدعاة الذين يكونون دائماً في مركز الدعوة الرئيسي مع الإمام.

علماً بأن لكل فئة من هؤلاء الدعاة عمل خاص لا يتعداه، حفظاً لنظام الدعوة وسريتها، فدعاة النهار الاثنا عشر في كل جزيرة كانوا يعرفون بالمكاسرين أو المكالبين، وهم أصغر طبقة في درجات الدعاة.

وعلى عاتق المكالب تقع مهمة مجادلة العلماء والفقهاء أمام جماهير الناس وكأنهم تلاميذ يريدون الإفادة من أساتذتهم دون أن يخالج الشك العلماء والفقهاء أو الجماهير المجتمعة للأخذ عن هؤلاء العلماء أو الفقهاء بأن

ص: 512

من يجادله أو يناقشه مناقشة علمية عنيفة أنه من الدعاة -انظر إلى هذا الدهاء والمكر.

وفي أغلب الأحيان يظهر عجز العالم عن الجواب الصحيح، أو تبدو منه أخطاء فيسخر منه الداعي المكاسر ويتركه، وهنا تظهر عبقرية الداعي المكاسر، فيسرع إليه الناس يلتمسون منه الجواب الشافي عن الأسئلة التي طرحها، والموضوعات الني ناقش فيها العلماء.

ومن الظاهر أن الداعي المكاسر كان يختار اختياراً خاصاً، ولا يسمح له بالمكاسرة إلا بعد امتحان عسير وتجارب كثيرة، ونجد في بعض الكتب الإسماعيلية الشروط الواجب توفرها عند اختيار الداعي المكاسر، والخصال التي يجب أن يتحلى بها، من ذلك أن يكون من نفس البيئة التي سيكاسر فيها؛ ولد ونشأ بها حتى يكون معروفاً عند الجمهور، ويجب أن يكون حسيباً ونسيباً بين قومه..إلى أن يقول:

((فإذا وثق داعي الجزيرة في شخص تتوفر فيه هذه الشروط شرع في تعليمه العلوم الإسلامية حتى يتبحر فيها! فإذا تم له ذلك أخذ يلقنه مسائل الخلاف بين المذاهب وآراء أهل الملل. والنحل كلها من فرق إسلامية وغير إسلامية، ويظهر له موطن الضعف في كل مذهب، وفي كل رأي.

ثم يعلمه كيف يجادل في اختلاف هذه الآراء، وكيف يناقش أصحابها فإذا تم له ذلك يبدأ الداعي في تدريبه على تفهم نفسية كل جماعة من الجماعات، وكيف يخاطب كل طائفة من الطوائف حتى يستميل الناس إليه.

فإذا أتقن كل هذه الأمور وتدرب عليها ونجح فيها النجاح الملحوظ سمح له الداعي أن يكاسر ويجادل الفرق الأخرى دون أن يشعر أحد بأنه إسماعيلي

ص: 513

المذهب، بل يجب أن يكتم ذلك كتماناً شديداً، ولذلك يجب أن يكون المكاسر ذكياً ذا فراسة حتى لا يخطئ في معرفة نفسية المجتمع أو تقدير الناس الذين يخاطبهم.

فإذا فرض ووجد المكاسر أمامه خصماً عنيداً أكثر منه علماً وتبحراً في مختلف الفنون وجب على المكاسر في هذه الحالة -أن يلج في المسائل الفلسفية العميقة التي لا حد لها، والتي لا يفهمها العامة، ويدخل معه في مناقشات باطنية هي من أخص خواص الفلسفة الإسماعيلية التي لا يعرفها غير الدعاة، وبذلك ينجو المكاسر من الظهور بمظهر الضعف أمام العامة، بل ربما عظم شأنه في أعينهم؛ لأنه يتحدث عن أشياء لا يفهمونها ولا يعرفون كنهها.

هكذا كان الداعي المكاسر أو الداعي المكالب الذي كانت مرتبته أقل مراتب النظام الإسماعيلي للدعاية، فإذا كان هذا هو شأن أصغر الدعاة استطعنا أن ندرك ما كان عليه أمر كبار الدعاة على اختلاف درجاتهم وتباين مراتبهم.

وفي حالة توصل الداعي المكاسر إلى إقناع أحد المستجيبين ممن يرغبون الوصول إلى معرفة الحقيقة يأخذه إلى أحد الدعاة الذين هم أعلى منه مرتبة، فيلاطفه ويفاتحه في لين ورفق دون أن يظهر له صفته المذهبية أو شيئاً من عقائده؛ بل يكتفي بإطلاعه على بعض المسائل المذهبية، ويلمح له ببعض التأويلات الباطنية التي لا ضير في كشفها.

فإذا أصر المستجيب على الاستزادة من المعرفة أحاله إلى الداعي المأذون، وهو من دعاة الليل الذي يبدأ بأخذ العهود والمواثيق، فإذا وثق بإخلاص المستجيب بدأ يكاشفه ببعض الأسرار الخفية التي لا ينفر منها، ويتدرج به حتى

ص: 514

يطمئن الداعي المأذون إلى إخلاصه، ويطمئن المستجيب إلى الداعي ويثق به.

عندئذ ينقله إلى الداعي الذي أرقى منه مرتبة، وهكذا يتدرج المستجيب بين الدعاة حتى يسمح له أخيراً بحضور مجالس داعي دعاة الجزيرة الذي له وحده الحق في أن يعلم الناس التأويلات الباطنية للدين والقرآن والحديث، كما يعلّم الدعاة فلسفة الدعوة المذهبية أي علم الحقيقة.

صحيح كان داعي الدعاة يلقي المجالس والأحاديث على العامة الذين أخذت عليهم العهود والمواثيق دون أن يصلوا بعد إلى درجة عالية في علوم الدعوة، ولكن هذا المحاضرات كانت بعيدة عن الأسرار الإسماعيلية العليا)) (1) .

ثم ذكر بعد ذلك مراتب كبار الدعاة الذين كانوا يلازمون مركز الإمامة، وهي 16 مرتبة.

فانظر أخي الكريم إلى هذه الخطط الشيطانية، وانظر كيف يدخلون إلى قلوب الناس ويسرون فيهم سريان النوم.

ولك أن تعجب من حال المدعو وهم يقذفونه من شيخ إلى شيخ كأنه كرة في أيديهم دون أن يعلم الحال الذي سيوردونه عليه.

كما يحق لك أن تعجب من كثرتهم وتماسكهم؛ حيث ينتشرون في البلد الذي ينكب بهم مثل انتشار الجراثيم في الجسم السليم ثم يحكمون الطوق عليه ليقع فريسة هامدة أمامهم.

وكيف يدرسون نفسيات الناس وميولهم، ويعرفون كل شيء عنهم قبل الإقدام عليهم.

(1) أعلام الإسماعيلية ص 18- 24 تحت عنوان ((أسرار نظام الدعوة)) .

ص: 515

فأين دعاة الحق من مثل هذه التنظيمات؟! إن كثيراً منهم قد يجهل حتى أدنى الآداب التي يقابل بها الناس.

ولو عرضت الدعوة الصحيحة إلى الإسلام، ولو بقليل من هذه الخطط لكان للعالم الإسلامي شأن غير شأنه الموجود اليوم، فإن جودة عرض البضاعة تغري بشرائها.

ومن هنا نجد هذا الباطني يتمدح بهذا الجانب فيقول: ((وبفضل هذا التنظيم الدقيق انتشرت الدعوة الإسماعيلية بشكل لم تعهده أي دعوة إسلامية وغير إسلامية من قبل في جميع الأقاليم، وبين كل طبقات المجتمع على السواء)) (1) .

الذي يهمنا من كلامه هذا هو الإشارة إلى دقتهم في التخطيط وحبك المؤامرات بغض النظر عن مبالغته في انتشار دعوتهم الخبيثة؛ فلقد انتشرت الدعوات الإسلامية الصحيحة انتشاراً لم تصل إلى القرب منها أية دعوة في العالم بأسره، ولم يثبت أصحاب أية دعوة في التمسك بمبادئهم ثبوت أصحاب العقيدة الصحيحة على مرِّ التاريخ.

* * * * * * * * * * * * * * * * *

(1) المصدر السابق ص 25.

ص: 516