الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
2- وحدة الأوطان:
أما دعوتهم هذه إلى وحدة الاوطان فمعناها أن العالم يجب أن ينتمي كله إلى وطن واحد، وأن ينتمي إلى جزء من الأرض متعصب رديء صاحب خرافة ووهم، لأن الشريعة البهائية قد طلبت أن تكون الأرض وطناً واحداً لجميع العالم، ويجب أن تنمحي الحدود بين البلدان ودون النظر إلى أي اعتبار، وأن يتعايش الناس فيها دون النظر إلى أي اعتبار سياسي أو اجتماعي.
فيجب على كل شخص أن يحب الأرض كلها ولا يفضل وطناً على آخر؛ فالعالم وطن واحد لكي يلتقي الناس على الحب والولاء المشترك، ولكن لمن سيكون هذا الولاء المشترك؟ إنه بدون أي تفكير سيكون للبهاء وأتباعه، ومن هنا أخذوا يقررون القول بوحدة الأوطان ويذمون كل من يحاول أن يذكر مفهوماً غير هذا.
1.
قال أسلمنت: ((ومن التعصيبات الرديئة التي تلحق بالتعصب الجنسي، التعصب السياسي أو الوطني، فقد حان الوقت لأن تندمج الوطنية الضعيفة ضمن الوطنية العمومية الكبرى التي يكون فيها الوطن عبارة عن العالم بأجمعه، فيقول بهاء الله: قد قيل في السابق: ((حب الوطن من الإيمان)) (1)، وأما في هذا اليوم فلسان العظمة ينطق ويقول:((ليس الفخر لمن يحب الوطن؛ بل لمن يحب العالم)) (2)، ويقول عباس أفندي: ((ومنذ الابتداء لم تكن
(1) ها الحديث موضوع انظر: أسنى المطالب ص126، وانظر تعليق رقم 551 ذكر المراجع التي حكمت عليه أيضاً بالوضع.
(2)
بهاء الله والعصر الجديد ص 161، نقلاً عن البهائية نقد وتحليل ص 114.
هناك حدود بين البلدان المختلفة فلا يوجد جزء مملوك لقوم دون غيرهم)) (1) .
والواقع أن هذه الدعوى يدل ظاهرها على أنها من الأمور التي يتمناها كل إنسان في هذه الأرض المملوءة بالشرور والظلم، والدعوة إلى تحقيقها من الأمور التي تلفت النظر بشدة، إذ إن لها لمعاناً وبريقاً يخطف الأبصار.
والمشكلة لا تكمن في مجرد الدعوى إلى استنباط هذه الفكرة، فهي سهلة جداً ولا يجهلها أحد مهما كان مستواه الثقافي، بعكس ما يظن البهائيون أنهم هم الذين اخترعوا الدعوة إليها، نعم، إن المشكلة لا تكمن في مجرد استنباطها، وإنما تكمن المعضلة في كيفية تحقيقها والأسلوب الذي يبذل ليقنع الناس بها، فهل وفق البهائيون إلى ذلك؟
إن الجواب غير خاف على أحد، فهو يحتل أكبر صيغ النفي: لم يقدم البهائيون من الحلول إلا الدعوة إلى احترام أرض الطاء وإلقاء السلاح، لئلا يخيفوا به الطامعين في الاستيلاء على ديار المسلمين في أرض الخاء التي يناديها المازندراني في كتابه الأقدس ((يا أرض الخاء)) (2) ، أي أرض الخراب يقصد فلسطين التي عاش فيها عيشة الملوك.
لم يقدم المازندراني ولا أتباعه ما ينفع الناس بترك الانتساب إلى أوطانهم والإلتفاف حول الوطن الذي يختاره لهم المازندراني؛ لأن صاحب هذه الدعوة هو نفسه في أوائل من ينادي بالوطنية، وذلك في إظهاره التلهف على أرض الطاء طهران إيران، ونظرته المتعالية المترفعة على الأرض التي آوته إليها يد الغدر والعدوان، الأرض التي عاش فيها عيشة الملوك، ومع ذلك فهو
(1) محادثات لعبد البهاء، انظر: البهائية ص114.
(2)
الأقدس ص 163، ضمن خفايا البهائية.
يسميها أرض الخاء، وكان ينبغي أن يكون هو القدوة فلا يناقض نفسه بنفسه.
ومن هنا فإن المازندراني وأتباعه قد كفوا الناس مهمة الرد عليهم حيث كذبوا أنفسهم بأنفسهم؛ لأن تناقض المازندراني صاحب الفكرة قبل غيره من أتباعه أكبر دليل على كذبهم في إخلاصهم لسعادة البشر، فبينما هو ينهى عن الانتساب إلى وطن بعينه إذا به يبكي ويندب حظه على فراق وطنه-أرض الطاء كما يسميها، ويتأسف لغربته في البلدان بعيداً عن إيران حيث تغرب في العراق وتركيا وفلسطين.
ويظهر هذا في كتابه إلى أحد أصدقائه قائلاً له: ((يا أحمد لا تنس فضلي في غيبتي، ثم اذكر أيامي في أيامك ثم كربتي وغربتي في هذا السجن البعيد)) (1)، ويقصد بهذا السجن وطنه الجديد فلسطين-ثم ينادى أرض الطاء-طهران إيران فيقول:((يا أرض الطاء لا تحزني من شيء قد جعلك مطلع فرح العالمين، افرحي بما جعلك الله أفق النور ولد فيك مطلع الظهور (2) - أي نفسه)) .
وهذا الكلام والأسى والحزن على وطنه طهران وذمه لفلسطين وتسميته لها أرض الخاء تناقض ظاهر؛ إذ كيف يزعم أنه لا يجوز تفضيل وطن على وطن ثم بعد ذلك يمدح وطناً ويذم آخر بدون مبرر إلا مجرد الهوى، ونسي فلسطين وأدرنة التي آوته زمناً دبر فيها مع اليهود الخطط التي ينبغي عليه أن يسلكها لجعل فلسطين يهودية ولانتشار دعوته المشئومة التي أراد منها أن
(1) لوح أحمد ص155، نقلاً عن البهئية 117.
(2)
الأقدس ضمن خفايا البهائية ص162.
تكون ديانة عالمية تنسخ جميع الأديان حسب زعمه.
ثم ذهب يتخبط في جهله فجاء في كتاب الأقدس بكلام يتنزه عنه العامي أن ينسب إليه لكثرة ما فيه من التناقض، ومن الآراء الخيالية والتعاليم الباهتة ويلحق بمحو فكرة الأوطان المختلفة أن يمحي أمراً هاماً جداً من أذهان الناس تبعاً لمحو فكرة الأوطان، ألا وهو محو فكرة الجهاد وحمل السلاح، فقد قاد المازندراني وأتباعه حملة شرسة مضنية في إبطال قتال الكفار أياً كانوا، أو حتى مجرد النية في ذلك.
والنتيجة من وراء هذا الطلب وتقريره لا تحتاج إلى تفكير واجتهاد لاستخلاصها، فالقصد منها هو رد الجميل للروس والإنجليز واليهود الذين كانوا وراء نبوّته ثم ألوهيته وزعامته لكي يبسطوا نفوذهم دون المقاومة أو احتجاج من الناس -وخصوصاً المسلمين- لأن الشريعة الجديدة كما يزعم تأمر بهذه الطاعة، وتنهى عن رفع السلاح في وجود أي جنس من الناس مهما كان دينهم.
وهذا هو السر في وقوف أولئك الطامعين في استعمار البلدان الإسلامية والعربية جنباً إلى جنب، في بناء البهائية وتأييدها والذب عنها.
يقول المازندراني في محو الجهاد:
((حُرم عليكم حمل آلات الحرب إلا حين الضرورة، وأحل لكم لباس الحرير)) .
وقال أيضاً:
((البشارة الأولى التي منحت من أم الكتاب في هذا الظهور الأعظم محو حكم الجهاد من الكتاب)) .