الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
دور صديقه الحكيم نور الدين في دفعه إلى الأمام:
لقد كان لنور الدين اليد العليا على الغلام؛ حيث كان يمهد له الصعاب ويشاركه في إبراز القضايا الخطيرة وطريقة حلها وتوجيهها، ومن ذلك تفسير دمشق الواردة في صحيح مسلم أن المسيح ينزل في دمشق. فكيف ذلك ونزول القادياني كان في قاديان وبين البلدتين من البعد وعدم العلاقة بينهما ما لا يخفى على أحد.
وهذه القضية أثارها نور الدين، وهي قضية خطيرة إن لم يوجد لها حل وتوجيه مقبول عند الناس، وبعد تفكير اهتدى الغلام إلى الحل الذي أطلعه الله عليه-حسب قوله- وهو أن دمشق التي ينزل فيها المسيح ليست هي دمشق المعروفة بالشام، ولكن المراد بدمشق أنها قرية يسكنها رجال طبيعتهم يزيدية-أي قاديان- فاتفقت في الوصف مع دمشق الشام من حيث إن طبيعة أهل هاتين المدينتين يزيدية. فقال:
((وإنه لما كانت قرية قاديان شبيهة بدمشق أنزلني فيها لأمر عظيم- أي قاديان- بطرف شرقي عند المنارة البيضاء من المسجد الذي من دخله كان آمناً)) (1) يعني المسجد الذي بناه بقاديان ليحج إليه اتباعه المرتدون عن الإسلام مضاهاة للمسجد الحرام، وجعل عنده منارة بيضاء ليضلل الناس في صدق الحديث عليه لنزوله أو ظهوره عند هذه المنارة التي بناها.
تأويل الرداءين الأصفرين:
كما أول نصوصاً كثيرة تأويلات باطنية ضالة؛ مثل تأويل ما جاء في أحاديث نزول المسيح أنه ينزل وعليه رداءان أصفران أولهما القادياني على
(1) ماهي القاديانية؟ ص38- 40، القادياني والقاديانية ص58.
نفسه بأنهما المرضان اللذان كانا يلازمانه وهو الصداع الشديد والدوار الذي في مقدم رأسه، وكثرة البول الناتج عن السكر الذي أصابه (1) ، وأن الله ابتلاه بهذا لئلا يقع الخلل في نبوءة الرداءين الأصفرين زيادة في تثبيت الناس فيه، وسخر من الأحاديث التي تدل على نزول المسيح ابن مريم من السماء، وزعم أن النبي محمد صلى الله عليه وسلم ألقى الله عليه علماً إجمالياً عن المسيح ليكمل تفصيله-على النحو المذكور- القادياني حين بعثته الجديدة من الهند، وقرر أن قبر المسيح ابن مريم موجود في كشمير وتعسف في ذلك، وجاء بالعجائب والغرائب من التأويلات التي لا تستند إلا على الهوى وعدم المبالاة، وهكذا أثبت لنفسه أنه هو المثيل للمسيح ابن مريم لوجود التشابه التام بينهما في المسكنة والتواضع والثقة في الله والتوكل عليه، وتجديد كل منهما للدين كما كان يذكر الغلام.
إلا أنه يرد سؤال مهم؛ وهو أنه من الضروري أن يكون مثيل المسيح أيضاً نبيٌّ؛ لأن المسيح كان نبياً؟ وهذا سؤال يبدو أنه قد يُشّكِّلُ عقبة أمام القادياني، وهو نفسه صاحب هذا السؤال، ولكن أجاب عنه بقوله بعد إيراد السؤال:
((فالجواب الأول عن هذا، أن سيدنا ومولانا ما اشترط للمسيح القادم بالنبوة، وكتب بكل وضوح أنه سيكون رجلاً مسلماً متبعاً للشريعة الفرقانية شأن عامة المسلمين ولا يُظْهر شيئاً أكثر من هذا)) (2) .
وعلى هذا فهو ليس المسيح وليس نبياً، قال:((وإني ما ادعيت قط أني المسيح ابن مريم، والذي يتهمني بهذا فإنه المفتري الكذاب، بل الذي قد نشر من جانبي منذ سبعة أو ثمانية أعوام هو أني مثيل المسيح)) (3) .
(1) براهين أحمدية ص201، وسيرة المهدي 2/238. عن القاديانية دراسة وتحليل.
(2)
توضيح مرام ص19، القادياني والقاديانية.
(3)
إزالة أوهام للميرزا ص190، القادياني والقاديانية.
لكنه لم يقف عند هذا الحد فيما بعد، وهذا الكلام إنما جاء في مرحلة من مراحل التخطيط للنبوة، ومن هنا فإنه قد ارتفع بعد أن أثبت مِثْلِيَّتَهُ للمسيح إلى أنه هو نفسه المسيح وأمه، فقال:((وهذا هو عيسى المرتقب، وليس المراد بمريم وعيسى في العبارات الإلهامية إلا أنا)) . وقال: ((وهو قد سماني بمريم في الجزء الثالث من البراهين الأحمدية، ثم نشأتُ في الصفة المريمية إلى سنتين كما هو الظاهر من البراهين الأحمدية ومازالت أنمو وأتربى وراء الحجاب ثم
…
نفخ فيّ روح عيسى كمريم وحملتُ بعيسى على وجه الاستعارة، ثم بعد عدة أشهر جعلت عيسى-بعد أنت كنت مريم- بإلهام جاءني في آخر الجزء الرابع من البراهين الأحمدية، فهكذا أصبحت ابن مريم)) (1) .
وقد حاول الميرزا بشير محمود تأسيس هذه الفكرة؛ حيث زعم أن كلمة ((مريم)) تعني حالة ووضعاً خاصاً من أوضاع المؤمنين في مرحلة من مراحل حياتهم، ثم ينتقلون إلى ((العيسوية)) الهداية التامة (2) .
وبهذا البهتان العظيم والخيال السقيم والعقوق أيضاً لأمه، لأنه صار ابناً لمريم وليس لأمه ((جراغ بي بي)) أراد أن يثبت نبوته، والذي يظهر لي أن هذه التلفيقات في أفكاره ترجع إلى أنه كان متأثراً بالقول بالتناسخ إلا أنه لم يجرؤ على التصريح به في تلك الفترة، فحاول تغطيته بمثل تلك العبارات المملوءة بالغموض عن عمد.
وقد أطال كثير ممن كتب عن القادياني الرد على هذه الأفكار، والواقع أنه لا ينبغي مجرد الاهتمام بها ولا الردود عليها؛ فهي أحط من أن تثبت أمام
(1) إزالة أوهام للميرزا ص659، ما هي القاديانية ص41.
(2)
معتقدات الجماعة الأحمدية الإسلامية من كتاب دعوة الأمير للميرزا بشير محمود، انظر ص29- 30.
المناقشة والجدال، ومن الجدير بالتنبيه إليه أن بشير محمود أحمد في كتابه:((دعوة الأمير)) قد ذكر كلاماً كثيراً حول إثبات وفاة المسيح عيسى ابن مريم، وزعم أن الذين يقولون بحياته إلى يومنا الحاضر لا يعرفون الله حق معرفته؛ حيث جعلوا المسيح مثيلاً له في عدم الفناء، وزعم أن اعتقاد حياة المسيح إلى اليوم فيه تأييد للنصارى في زعمهم ألوهية عيسى، أو أنه ابن الله! وهي مغالطة واضحة؛ فإن المسلمين حين يقولون: إن المسيح حي الآن في السماء، لا يقولون: إن حياته مثل حياة الله، بل يثبتون أنه سيرجع إلى الدنيا ثم يموت بعد ذلك كغيره من البشر.
وقد اعتبر الميرزا بشير محمود القول بأنه عيسى رفع إلى السماء ومحمداً مدفون في الأرض من أشد الإهانات التي توجه للرسول محمد صلى الله عليه وسلم ومنزلته عند الله، ويقول: كيف أن الرسول محمد صلى الله عليه وسلم حبيب الله تركه للهموم والمصائب ولم يرفعه إلى السماء، وعيسى بمجرد أن تعرض لأدنى خطر رفعه الله إليه وجاء بشخص مثيل له ليصلب!؟ إلخ ما أورده من مغالطات شريرة، فإنه من المعلوم لدى أفهام العقلاء أن كون عيسى رفع ومحمد صلى الله عليه وسلم مدفوناً في الأرض، هذا ليس إهانة للرسول صلى الله عليه وسلم لا من قريب ولا من بعيد، فالأرض والسماء كلها لله، وقد اختار الله أن يكون الأمر على ما ذكر ولا يسأل الله عز وجل عما يفعل، ولا يعترض إلا جاهل، ونحن مع النصوص؛ ما أثبتته نثبته، وما نفته ننفيه، وقد نفت النصوص أن عيسى صلب بل إنه رفع، فيجب اعتقاد ذلك، والقول بأن الرسول محمداً صلى الله عليه وسلم مدفون في الأرض إهانة (1) له، هذه الإهانة لا وجود لها إلا في أذهان المغالطين.
كما أنه أورد شبهاً تدل على وفاة المسيح بزعمه، هي في واقعها تحريفات
(1) معتقدات الجماعة الأحمدية الإسلامية من 9- 29.