الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
القراءة عن ظهر قلب:
إنما "أفراد"1 البخارى فى هذه الترجمة حديث أبى حازم بن سهل بن سعد؛ الحديث الذى تقدَّمَ الآن، وفيه أنه عليه السلام قال للرجل:"فما معك من القرآن"؟ قال: معى سورة كذا وسورة كذا؛ لسور عدها، قال:"أتقرؤهن عن ظهر قلب"؟؛ قال: نعم، قال:"اذهب فقد ملكتكها بما معك من القرآن".
وهذه الترجمة من البخارى رحمه الله مشعرة بأن قراءة القرآن عن ظهر قلب أفضل، والله أعلم.
ولكن الذى صرَّح به كثيرون من العلماء أن قراءة القرآن من المصحف أفضل؛ لأنه يشتمل على التلاوة والنظر فى المصحف، وهو عبادةٌ كما صرَّح به غير واحد من السلف، وكرهوا أن يمضي على الرجل يوم لا ينظر في مصحفه.
واستدلُّوا على أفضلية التلاوة فى المصحف بما رواه الإمام "العلم"2 أبو عبيد رحمه الله في كتابه "فضائل القرآن"3:
1 في "أ": "أورد".
2 في "ل": "العالم".
3 "ص46".
وأخرجه ابن شاهين في "الترغيب""194" من طريق أبي عبيد بسنده سواء، وسنده ضعيف جدًّا، وليس كما قال المصنِّف:"فيه ضعف"، وضعَّفَه الحافظ في "الفتح""9/ 78"، والزبيدي في "إتحاف السادة""4/ 495".
حدثنا نُعَيْم بن حمَّاد، عن بقية بن الوليد، عن معاوية بن يحيى، عن "سليمان بن سليم"1، عن عبد الله بن عبد الرحمن، عن بعض أصحاب النبى صلى الله عليه وسلم، قال: قال النبى صلى الله عليه وسلم: "فضل قراءة القرآن نظرًا على من يقرؤه ظهرًا كفضل الفريضة على النافلة".
وهذا الإسناد فيه ضعف، فإن معاوية بن يحيى هذا هو الصدفى أو الأطرابلسى، وأيا ما كان فهو ضعيف.
وقال الثورى2، عن عاصم، عن زر، عن ابن مسعود قال: أديموا النظر في المصحف.
وقال حمَّاد بن سلمة3 عن على بن زيد، عن يوسف بن ماهك، عن ابن عباس عن عمر، أنه كان إذا دخل بيته نشر المصحف، فقرأ فيه.
وقال حمَّاد4 أيضًا، عن ثابت، عن عبد الرحمن بن أبى ليلى عن
1 وقع اضطراب في هذا الاسم، ففي "أ" و"ط":"سليم بن مسلم"، وفي "جـ":"سليمان بن مسلم".
2 أخرجه أبو عبيد في "الفضائل""ص46"، وعبد الرزاق "ج3/ رقم 5979"، وابن أبي شيبة "10/ 531"، والطبراني في "الكبير""ج9/ رقم 8687، 8696" من طرق عن الثوري به، وسنده حسن.
3 أخرجه أبو عبيد "ص46"، قال: حدَّثَنا حجاج، عن حمَّاد بن سلمة بسنده سواء، وهذا سند مقارب، ورواية حمَّاد بن سلمة عن عليٍّ بن زيد متماسكة، والله أعلم.
4 أخرجه أبو عبيد "ص47" أيضًا قال: حدَّثَنَا حجاج عن حمَّاد بسنده سواء، ويشهد له ما أخرجه ابن أبي شيبة "10/ 562" عن مسروق قال: كان عبد الله -يعني ابن مسعود- يقرأ بنا القرآن في المجلس ثم يجلس بعده يحدِّثُ الناس، لكن الأعمش لم يسمع من مسروق، ولم أجد أحدًا نصَّ على روايته عنه. فالله أعلم.
ابن مسعود أنه كان إذا اجتمع اليه إخوانه؛ نشروا المصحف، "فقرءوا"1 وفسَّرَ لهم.
إسناد صحيح.
وقال حمَّاد2 بن سلمة عن حجاج بن أرطاة، عن ثوير بن أبى فاخته، عن ابن عمر، قال: إذا رجع أحدكم من سوقه فلينشر المصحف وليقرأ.
وقال3 الأعمش عن خيثمة: دخلت على ابن عمر وهو يقرأ فى المصحف، فقال: هذا جزئى الذى أقرأ به الليلة.
فهذه الاثار تدل على أن هذا أمر مطلوب؛ لئلا يُعَطَّلَ المصحف فلا يقرأ منه، ولعله قد يقع لبعض الحفظة نسيان فيستذكر منه، أو تحريف كلمة أو آية، أو تقديم أو تأخير، فالاستثبات أولى، والرجوع إلى المصحف أثبت من أفواه الرجال.
فأما تلقين القرآن؛ فمن فم الملقِّنِ أحسن؛ لأن الكتابة لا تدل على الأداء، كما أن المشاهد من كثير ممن يحفظ من الكتابة فقط؛ يكثر تصحيفه وغلطه، وإذا أدَّى الحال إلى هذا، منع منه إذا وجد شيخًا يوقفه على ألفاظ القرآن، فأما عند العجز عمَّا يلقن؛ فلا يكلف الله نفسًا إلا وسعها، فيجوز عند الضرورة ما لا يجوز عند الرفاهية، فاذا قرأ فى المصحف والحالة هذه؛ فلا حرج عليه، ولو فُرِضَ أنه قد يُحَرِّفُ بعض
1 في "أ": "فقرأ" بالإفراد.
2 أخرجه أبو عبيد "ص46" قال: حدثنا حجاج، عن حمَّاد بن سلمة بسنده سواء، وسنده ضعيف، وابن أرطاة وثوير ضعيفان، وحجاج أمثلهما.
3 أخرجه أبو عبيد "ص47"، وابن أبي شيبة "10/ 530-531" من طريقين عن الأعمش بسنده سواء، وسنده صحيح.
الكلمات عن لفظها على لغته ولفظه.
فقد قال الإمام أبو1 عبيد: حدثنى هشام بن إسماعيل الدمشقى، عن محمد بن شعيب، عن الأوزاعى، أن رجلا صحبهم فى سفر، قال: فحدَّثَنا حديثا، ما أعلمه إلا رفعه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال:"إن العبد إذا قرأ، فحرَّف أو أَخطَأَ؛ كتبه الملك كما أنزل".
وحدَّثَنَا حفص بن أبى غياث، عن الشيبانى، عن بكير بن الأخنس قال: كان يقال: إذا قرأ الأعجمي والذي لا يقيم القرآن؛ كتبه الملك كما أنزل.
وقال بعض العلماء: المدار في هذه المسألة على الخشوع، فإن "كان"2 الخشوع أكثر عند أكثر؛ فهل أفضل، فإن استويا، فالقراءة نظرًا أولى؛ لأنها أثبت، وتمتاز بالنظر إلى المصحف.
قال الشيخ أبو زكريا النواوى رحمه الله فى التبيان: والظاهر أن كلام السلف وفعلهم محمول على هذا التفصيل.
1 أخرجه أبو عبيد "ص47"، وسنده ضعيف، لإعضاله.
وعزاه السيوطي في "الجامع" للديلمي في "مسند الفردوس" عن ابن عباس، فقال المناوي في "فيض القدير" "1/ 416":"فيه هشيم بن بشير، قال الذهبي: حافظ حجة مدلس عن أبي بشر مجهول". أ. هـ. كذا قال! وأبو بشر هذا هو جعفر بن إياس، وهو ثقة، فإن كان رواه عن مجاهد عن ابن عباس؛ ففي روايته عن مجاهد ضعف، وإن كان يرويه عن سعيد بن جبير عن ابن عباس؛ فسنده قوي. والله أعلم.
2 ساقط من "جـ".
تنبيه:
إن كان البخارى رحمه الله أراد بذكر حديث سهل الدلالة على أن تلاوة القرآن عن ظهر قلب أفضل منها فى المصحف، ففيه نظر.
لأنها1 قضية عين، فيحتمل أن ذلك الرجل كان لا يحسن الكتابة، ويعلم ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم منه، فلا يدل على أن التلاوة عن ظهر قلب أفضل مطلقًا في حق من يحسن ومن لا يحسن، إذ لو دل على هذا لكان ذكر حال رسول الله وتلاوته عن ظهر قلب -لأنه أمي لا يدرك الكتابة- أولى من ذكر هذا الحديث بمفرده.
الثانى: إن سياق الحديث إنما هو لأجل استثبات أنه يحفظ تلك السور عن ظهر قلب؛ ليمكنه تعليمها لزوجته، وليس المراد ههنا أن هذا أفضل من التلاوة نظرًا ولا عدمه، والله سبحانه وتعالى أعلم.
1 يعني: أوّلًا؛ لأنه سيذكر وجهًا آخر بعده.