المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

فهرس الكتاب

- ‌المجلد الأول

- ‌مقدمة

- ‌ أهميّةُ الذِّكر وفضله

- ‌مِن فوائد الذِكر

- ‌ فوائدُ أخرى للذكر

- ‌ فضلُ مجالس الذكر

- ‌ ذِكرُ الله هو أزكى الأعمال وأفضلُها

- ‌ فضلُ الإكثار من ذكرِ الله

- ‌ تنوّع الأدلّة الدّالة على فضل الذِكر

- ‌ ذمُّ الغفلة عن ذكرِ الله

- ‌ من آداب الذِكر

- ‌ أفضلُ الذكر القرآن الكريم

- ‌ نزول القرآن في شهر رمضان

- ‌المطلوب من القرآن فهم معنيه والعمل به

- ‌ آدابُ حملة القرآن

- ‌ تفاضلُ سوَر القرآن، وفضل سورة الفاتحة

- ‌ فضل آية الكرسي، وسورة الإخلاص، وسُوَر أخرى

- ‌ وَسَطيَّةُ أهلِ القرآن

- ‌ أفضليَّةُ القرآن على مجرَّدِ الذكر

- ‌ فضلُ طلب العلم

- ‌أركان التعبد القلبية وغيره من العبادات

- ‌ ذكرُ الله بذكرِ أسمائه وصفاته

- ‌ أهمّيَّةُ العلم بأسماء الله وصفاته

- ‌ اقتضاء الأسماء والصفات لآثارها من العبوديّة لله

- ‌ العلمُ بأسماء الله وصفاته ومنهج أهل السنة في ذلك

- ‌ وصفُ أسماء الله بأنَّها حسنى ومدلول ذلك

- ‌ التحذير من الإلحاد في أسماء الله

- ‌ تدبّرُ أسماء الله وصفاته وعدم تعطيلها وعِظم أثر ذلك على العبد

- ‌ أسماءُ الله الحسنى غيرُ محصورة بِعددٍ معيَّنٍ وبيانُ المراد بقوله: "مَنْ أحصاها دخل الجنّة

- ‌ تفاضلُ الأسماء الحسنى، وذكرُ الاسم الأعظم

- ‌فضائل الكلمات الأربع: سبحان الله والحمد الله ولا أله إلا الله والله أكبر

- ‌ فضائل أخرى لهؤلاء الكلمات الأربع

- ‌ فضائل كلمة التوحيد لا إله إلاّ الله

- ‌ فضائلُ أخرى لكلمة التوحيد لا إله إلاّ الله

- ‌ شروط لا إله إلاّ الله

- ‌ مدلولُ ومعنى كلمة التوحيد لا إله إلاّ الله

- ‌ نواقض شهادة أن لا إله إلاّ الله

- ‌ بيان فساد الذِّكر بالاسم المفرد مظهَراً أو مضمَراً

- ‌ فضل التسبيح

- ‌ من فضائل التسبيح في السُّنَّة

- ‌ تسبيحُ جميع الكائنات لله

- ‌ معنى التسبيح

- ‌ فضلُ الحمدِ والأدلَّةُ عليه من القرآن

- ‌ الأدلّة من السنة على فضل الحمد

- ‌ المواطن التي يتأكّد فيها الحمد

- ‌ أعظم موجبات الحمد العلم بأسماء الرب وصفاته

- ‌ حمد الله على نعمه وآلائه

- ‌ حمدُ الله هو أفضلُ النِّعَم

- ‌ أفضلُ صِيَغِ الحمد وأكملُها

- ‌ تعريفُ الحمد، والفرقُ بينه وبين الشكر

- ‌ فضل الشكر

- ‌ حقيقة الشكر ومكانته عند السلف

- ‌ فضل التكبير ومكانته من الدِّين

- ‌ معنى التكبير وبيان مدلوله

- ‌ التلازم بين الكلمات الأربع

- ‌ حقيقة لا حول ولا قوة إلَاّ بالله

الفصل: ‌ فضل طلب العلم

18/‌

‌ فضلُ طلب العلم

ما من شكٍّ في أنَّ الاشتغال بطلب العلم وتحصيله، ومعرفة الحلال والحرام، ومدارسة القرآن الكريم، وتدبُّره، ومعرفة سنّة رسول الله صلى الله عليه وسلم وسيرته وأخباره هو خيرُ الذكر وأفضلُه، ومجالسه خير المجالس، وهي أفضل من مجالس ذكر الله بالتسبيح والتحميد والتكبير؛ لأنَّها دائرة بين فرض عين أو فرض كفاية، والذكر المجرّد تطوّع محض.

ولهذا فقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم في تفضيل العلم وتقديمه على العبادة، وتقديم العالم على العابد أنَّه قال:" وفضل العالم على العابد كفضل القمر ليلة البدر على سائر الكواكب" خرّجه الإمام أحمد، والترمذي، وابن ماجه، وغيرهم من حديث أبي الدرداء1.

وقد تضمّن هذا الحديث مثلاً بديعاً يتضّح من خلاله مدى الفرق بين العالم والعابد، حيث شبّه صلى الله عليه وسلم العالم بالقمر ليلة البدر، أي ليلة الخامسَ عشر والتي فيها يكون نهاية كمال القمر وتمام نوره، وشبّه العابد بالكواكب، وفي هذا التشبيه سرٌّ لطيف نبّه عليه أهل العلم.

يقول الإمام ابن رجب رحمه الله: "والسّر في ذلك والله أعلم، أنَّ الكوكب ضوءه لا يعدو نفسه، وأما القمر ليلة البدر فإنَّ نوره يشرقُ على أهل الأرض جميعًا فيعمّهم نورُه، فيستضيئون بنوره، ويهتدون به في سيرهم، وإنَّما قال على سائر الكواكب، ولم يقل على

1 المسند (5/196)، وسنن الترمذي (رقم:2682) ، وسنن ابن ماجه (رقم:223) ، وصححه العلامة الألباني في صحيح الجامع (رقم:6297) .

ص: 104

سائر النّجوم؛ لأنَّ الكواكب هي التي تسير ولا يُهتدى بها، فهي بمنزلة العابد الذي نفعه مقصور على نفسه"1.

فدلّ الحديث على تفضيل العلم على العبادة تفضيلاً بيِّناً، وثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم في مسند البزار، ومستدرك الحاكم وغيرهما، من حديث سعد ابن أبي وقّاص رضي الله عنه أنَّه قال:"فضل العلم أحبُّ إليَّ من فضل العبادة، وخير دينكم الورع"2.

ومما يدلّ على تفضيل العلم على جميع النوافل والمستحبّات، بما فيها الذِّكر، أنَّ العلم يجمع جميع فضائل الأعمال المتفرّقة، روي عن معاذ بن جبل رضي الله عنه أنَّه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "تعلّموا العلم فإنَّ تعلُّمه حسنة، وطلبه عبادة، ومذاكرته تسبيح، والبحث عنه جهاد، وتعليمه لمن لا يعلمه صدقة، وبذله لأهله قربة، لأنَّه معالم الحلال والحرام، ومنار سبيل أهل الجنّة، وهو الأنس في الوحشة، والصاحب في الغربة، والمحدث في الخلوة، والدليل على السّرّاء والضّرّاء، والسلاح على الأعداء، والزين عند الأخلاّء، يرفع الله به أقواماً فيجعلهم في الخير قادةً وأئمّةً، تُقتصُّ آثارهم، ويقتدى بأفعالهم، وينتهى إلى رأيهم، ترغب الملائكة في خلّتهم، وبأجنحتها تمسحهم، يستغفر لهم كلّ رطب ويابس، وحيتان البحر وهوامّه، وسباع البرّ وأنعامه، لأن العلم حياة القلوب من الجهل، ومصابيح الأبصار من الظلم، يبلغ العبد بالعلم

1 شرح حديث أبي ذر في طلب العلم (ص:33) .

2 مسند البزار (7/رقم:2969) من حديث حذيفة بن اليمان، والمستدرك (1/92) من حديث سعد، وصححه العلامة الألباني في صحيح الجامع (رقم:4214) .

ص: 105

منازل الأخيار والدرجات العلى في الدنيا والآخرة، والتفكر فيه يعدل الصيام، ومدارسته تعدل القيام، وبه توصل الأرحام، وبه يعرف الحلال من الحرام، وهو إمام العمل، والعمل تابعه، يلهَمه السعداء ويُحرمه الأشقياء". رواه ابن عبد البر في كتابه جامع بيان العلم وفضله، وقال: "وهو حديث حسن جداً، ولكن ليس له إسنادٌ قويٌّ1.

وقد جاء عن السلف الصالح رحمهم الله في تفضيل العلم آثارٌ كثيرةٌ2، يقول الثوري رحمه الله:"ما يُراد الله عز وجل بشيء أفضلُ من طلب العلم، وما طُلب العلم في زمان أفضلَ منه اليوم".

وقال ميمون بن مهران: "إنَّ مثل العالم في البلد كمثل عين عذبة في البلد".

وقال الحسن البصري: "العالم خيرٌ من الزاهد في الدنيا المجتهد في العبادة، ينشر حكمة الله فإن قبلت حمد الله، وإن رُدّت حمد الله".

وقال الإمام الشافعي: "طلب العلم أفضل من صلاة النافلة".

وسئل الإمام أحمد: "أيُّما أحبُّ إليك أن أصلّي بالليل تطوُّعاً أو أجلس أنسخ العلم؟ قال: إذا كنت تنسخ ما تعلم من أمر دينك فهو أحبُّ إليّ". وقال أيضا: "العلم لا يعدله شيء".

وإذا كان أهل العلم بهذه المنزلة الرفيعة والدرجة العالية فإنَّ الواجب على من سواهم أن يحفظ لهم قدرهم ويعرف لهم مكانتهم

1 جامع بيان العلم (1/65) .

2 انظر: جامع بيان العلم وفضله لابن عبد البر (1/99 وما بعدها)، وشرح حديث أبي الدرداء في طلب العلم (ص:36،37) .

ص: 106

وينزلهم منازلهم، فقد رُوي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنَّه قال:"ليس منّا من لم يرحم صغيرنا ويوقّر كبيرنا، ويعرف لِعالمنا [حقَّه] "1.

هذا وإنَّ من عدم معرفة قدر أهل العلم وحفظ مكانتهم الإدّعاءَ بأنَّ علماءَ الأمّة وفقهاءَ الملّة وأهل الحلّ والعقد فيها لا يفقهون غير علم الحيض والنفاس، ممّا يترتّب على ذلك الحطُّ من شأنهم والتقليلُ من قدرهم، وصرفُ النّاس عن الإفادة منهم، وهي مقالةٌ فاسدةٌ وكلمةٌ خطيرةٌ، نشأت قديما عند أرباب البدع وأهل الأهواء، ولكلِّ قومٍ وارثٌ، وفي الغالب أنَّ أهلَ هذه المقالة لا يسلم الواحد منهم من أحد توجهين:

ـ إما توجّه صوفيٌّ، ينحى بهذه المقالة إلى الحطِّ من قدر العلم والتنقيص من مكانته، ليخلص من ذلك إلى تفضيل العبادة والذكر عليه، وربّما استشهد بعض هؤلاء على هذا بما يحكى عن رابعة العدوية أنَّها أتت ليلة بالقدس تصلّي حتى الصباح، وإلى جانبها بيت فيه فقيه يكرر على باب الحيض إلى الصباح، فلمّا أصبحت رابعة قالت له: يا هذا وصل الواصلون إلى ربّهم، وأنت مشتغل بحيض النّساء؟ 2. ولهذا دأب هؤلاء على النهي عن العلم والتحذير منه وعدّه آفة من الآفات، كما يقول أحدهم: "آفة المريد ثلاث: التزوّج، وكتابة الحديث، والأسفار".

1 جامع بيان العلم وفضله لابن عبد البر (1/235)، وانظر: السلسلة الصحيحة للألباني (رقم:2196) .

2 انظر: مجموع الفتاوى لابن تيمية (11/396) .

ص: 107

ـ وإما توجّه فكريٌّ ينحى بهذه المقالة إلى إقحام الناس في متاهاتٍ فكريةٍ وتخرُّصاتٍ عقليةٍ وظنونٍ وأوهامٍ، وهذا يكثر عند أهل الكلام الباطل كالمعتزلة وغيرهم.

روي عن إسماعيل بن علَيَّة، قال حدّثني اليسع، قال: تكلّم واصل ابن عطاء يومًا، فقال عمرو بن عبيد:"ألا تسمعون؟ ما كلام الحسن وابن سيرين عندما تسمعون إلاّ خرقة حيض ملقاة".

وروي أنَّ زعيمًا من زعماء أهل البدع كان يريد تفضيل الكلام على الفقه فكان يقول: "إنَّ علم الشافعي وأبي حنيفة جملته لا يخرج من سراويل امرأة". ذكر هذا والذي قبله الشاطبي في كتابه الاعتصام1، ثم قال:"هذا كلام هؤلاء الزائغين قاتلهم الله".

ولا ريب أنَّ هذه توجُّهاتٌ متحلّلةٌ من ربقة العلم مستحكمةٌ في الهوى والباطل، فنسأل الله أن يحفظنا وإيّاكم من الأهواء المطغية، والفتن المردية، بمنّه وكرمه، كما نسأله أن يحفظ علينا علماءنا الذين هم أمناء الشريعة وحفّاظ الدّين وأنصار الملّة، وأن يجزيهم عن الإسلام وأهله خير الجزاء، وأن يعلي قدرهم في الدنيا والآخرة، وأن ينصر بهم دينه ويعلي بهم كلمته إنّه وليُّ ذلك والقادر عليه.

(2/239) .

ص: 108