الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
32 /
فضائلُ أخرى لكلمة التوحيد لا إله إلاّ الله
تحدّثنا فيما سبق عن فضائل كلمة التوحيد: لا إله إلا الله من خلال ما ورد من ذلك في القرآن الكريم، تلك الكلمة العظيمة التي لأجلها قامت الأرض والسماوات، وخُلقت جميعُ المخلوقات، وبها أُرسل الرسلُ، وأُنزلت الكتبُ، وشُرعت الشرائعُ، ولأجلها نُصبت الموازين، ووُضعت الدواوين، وقام سوق الجنة والنار، وانقسمت الخليقة إلى المؤمنين والكفار، والأبرار والفجّار، فهي منشأ الخلق والأمر، والثواب والعقاب، وهي الحق الذي أسست عليه الملّة ونُصبت القبلة، وعنها يُسأل الأولون والآخرون يوم القيامة، فلا تزول قَدَما عبدٍ بين يدي الله حتى يُسأل عن مسألتين: ماذا كنتم تعبدون؟ وماذا أجبتم المرسَلِين؟
فجواب الأولى: بتحقيق كلمة التوحيد لا إله إلا الله علماً وإقرارًا وعملاً.
وجواب الثاني: بتحقيق أنَّ محمدا رسول الله علماً وإقرارًا وانقيادًا وطاعةً1.
إنَّ فضائل كلمة التوحيد لا إله إلاّ الله لا يُمكن لمخلوق عدُّها، إذ يترتّبُ عليها من الأجر والثواب والفوائد الجمّة في الدنيا والآخرة ما لا يخطر ببال ولا يدور في خيال، ولعَلِّي أستعرضُ جملةً من فضائل هذه الكلمة من خلال ما ورد من ذلك في حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم.
1 انظر: زاد المعاد لابن القيم (1/34) .
ـ فمن فضائلها: أنَّها أفضلُ الأعمال وأكثرُها تضعيفاً، وتَعدِلُ عِتقَ الرِّقاب، وتكون لقائلها حِرزًا من الشيطان، كما في الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:" من قال: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملكُ وله الحمدُ وهو على كلِّ شيء قديرٌ في يوم مائة مرّة كانت له عِدْل عشرِ رقاب، وكُتب له مائة حسنة، ومُحي عنه مائة سيّئة، ولم يأت أحدٌ بأفضل مما جاء به، إلا أحدٌ عملَ أكثرَ من ذلك"1.
وفيهما أيضاً عن أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من قالها عشرَ مرات كان كمن أَعتقَ أربعة أنفس من وَلَدِ إسماعيل"2.
ـ ومن فضائلها: أنَّها أفضل ما قاله النبيّون، لما ثبت في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنَّه قال:"أفضل ما قلتُ أنا والنبيّون عشيةَ عَرَفَةَ: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملكُ وله الحمدُ وهو على كلِّ شيء قدير"3، وفي لفظ:"خيرُ الدعاءِ دعاءُ يوم عرفة، وخيرُ ما قلته أنا والنبيُّون من قبلي: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملكُ وله الحمدُ وهو على كلِّ شيء قدير"4.
1 صحيح البخاري (رقم:3293)، و (رقم:6403) ، وصحيح مسلم (رقم:2691) .
2 صحيح البخاري (رقم:6404)، وصحيح مسلم (رقم:2693) .
3 أخرجه الطبراني في الدعاء (رقم:874) من حديث علي رضي الله عنه.
4 أخرجه الترمذي في السنن (رقم:3585) من حديث عبد الله بن عمرو. وحسنه العلامة الألباني في السلسلة الصحيحة (4/7،8)، وقال: الحديث ثابت بمجموع هذه الشواهد.
ـ ومن فضائلها: أنَّها ترجحُ بصحائف الذنوبِ يوم القيامة كما في حديث عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما المُخرَّج في المسند، وسنن النسائي، والترمذي، وغيرهما بإسناد جيّد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنَّه قال:"يُصاح برجل من أمّتي على رؤوس الخلائق يوم القيامةِ، فيُنشرُ له تسعةٌ وتسعون سِجِلاً، كلُّ سِجِلٍّ منها مدّ البصر، ثم يقول الله تبارك وتعالى له: أَتُنكر من هذا شيئا؟ فيقول: لا يا ربّ. فيقول عز وجل: أَلَكَ عُذر أو حسنة؟ فيهاب الرجل فيقول: لا يا رب. فيقول عز وجل: بلى إنَّ لك عندنا حسنة، وإنَّه لا ظلم عليك، فتُخرجُ له بطاقة فيها: أشهد أن لا إله إلا الله وأنَّ محمدًا عبده ورسوله، فيقول: يا رب ما هذه البطاقة مع هذه السِجِلَاّت؟ فيقول عز وجل: إنَّك لا تُظلم، قال: فتُوضَع السجلات في كِفَّة والبطاقة في كِفَّة، فطاشت السِجِلَاّت وثقُلت البطاقة"1.
ولا ريب أنَّ هذا قد قام بقلبه من الإيمان ما جعل بطاقته التي فيها لا إله إلا الله تطيش بتلك السِجلاّت، إذ الناس متفاضلون في الأعمال بحسب ما يقوم بقلوبهم من الإيمان، وإلا فكم من قائل لا إله إلا الله لا يحصل له مثل هذا لضعف إيمانه بها في قلبه، فقد ورد في الصحيحين من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنَّه قال: "يخرج من النار من قال لا إله إلا الله وفي قلبه وزن شعيرةٍ من خير، ويخرج من النار من قال لا إله إلا الله وفي قلبه وزن برّة من خير، ويخرج من النار
1 المسند (2/213)، سنن الترمذي (رقم:2639) ، سنن ابن ماجه (رقم:4300) . وقال العلامة الألباني: صحيح. صحيح الجامع (رقم:8095)
من قال لا إله إلا الله وفي قلبه وزن ذرة من خير"1، فدلّ ذلك على أنَّ أهل لا إله إلا الله متفاوتون فيها بحسب ما قام في قلوبهم من إيمان.
ـ ومن فضائل هذه الكلمة: أنَّها لو وُزِنت بالسموات والأرض رجحت بهنّ كما في المسند عن عبد الله بن عمرو، عن النبي صلى الله عليه وسلم:" أنَّ نوحاً قال لابنه عند موته: آمُرُك بلا إله إلا الله، فإنَّ السموات السبع والأرضين السبع لو وُضعت في كفة، ووُضعت لا إله إلا الله في كفة رجحت بهنّ لا إله إلا الله، ولو أنَّ السموات السبع في حلقة مبهمة لقصمتهنّ لا إله إلا الله"2.
ـ ومن فضائلها: أنَّها ليس لها دون الله حجاب، بل تخرق الحُجب حتى تصل إلى الله عز وجل، ففي الترمذي بإسناد حسن عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنَّه قال:" ما قال عبدٌ لا إله إلا الله مخلصاً إلا فُتحت له أبواب السماء حتى تُفضي إلى العرش ما اجتَنَب الكبائر"3.
ـ ومن فضائلها: أنَّها نجاة لقائلها من النار، ففي صحيح مسلم: أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم سمع مؤذِّناً يقول: أشهد أن لا إله إلا الله، فقال:"خرج من النار" 4، وفي الصحيحين من حديث عِتبان رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنَّه قال:"إنَّ الله حرّم على النار من قال: لا إله إلا الله يبتغي بذلك وجه الله"5.
1 صحيح البخاري (رقم:44)، وصحيح مسلم (رقم:193) (325) .
2 المسند (2/170)، وصححه العلامة الألباني في السلسلة الصحيحة (رقم:134) .
3 سنن الترمذي (3590) ، وحسنه العلامة الألباني في صحيح الجامع
ـ ومن فضائل هذه الكلمة: أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم جعلها أفضل شُعب الإيمان، ففي الصحيحين من حديث أبي هريرة رضي الله عنه: أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم قال: "الإيمان بضع وسبعون شعبة، أعلاها قول لا إله إلا الله، وأدناها إماطة الأذى عن الطريق"1.
ـ ومن فضائلها: أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم أخبر أنَّها أفضلُ الذِّكر كما في الترمذي وغيره من حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "أفضل الذِّكر لا إله إلا الله، وأفضل الدعاء الحمد لله"2.
ـ ومن فضائلها: أنَّ من قالها خالصاً من قلبه يكون أسعد الناس بشفاعة الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم يوم القيامة، كما في الصحيح من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أنَّه قال: قيل: يا رسول الله من أَسعد الناس بشفاعتك يوم القيامة؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لقد ظننت يا أبا هريرة أن لا يسألني عن هذا الحديث أحدٌ أول منك لما رأيت من حِرصك على الحديث، أَسعدُ الناس بشفاعتي يوم القيامة من قال لا إله إلا الله خالصاً من قلبه أو نفسه"3.
وفي قول النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث: " من قال لا إله إلا الله خالصاً من قلبه" دليلٌ على أنَّ لا إله إلا الله لا تُقبل من قائلها بمجرّد
1 صحيح البخاري (رقم:9)، وصحيح مسلم (رقم:35) .
2 سنن الترمذي (رقم:3383)، وحسنه العلامة الألباني في صحيح الجامع (رقم:1104) .
3 صحيح البخاري (رقم:99) .
قوله لها بلسانه فقط، بل لا بدّ من استيفاء شروطها والإتيان بقيودها الواردة في الكتاب والسنة، إذ هي لا تُقبل من قائلها إلا بذلك، وعن هذا الموضوع الهام سيكون الكلام القادم إن شاء الله، والحمد لله رب العالمين.