الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
28 /
تفاضلُ الأسماء الحسنى، وذكرُ الاسم الأعظم
لقد مرّ معنا بيانُ أنَّ أسماء الله الحسنى غيرُ محصورةٍ في عدد معيّن، وأنَّ قول النبي صلى الله عليه وسلم:"إنَّ لله تسعة وتسعين اسماً من أحصاها دخل الجَنَّة " لا يفيد حصر الأسماء الحسنى في هذا العدد، وأنَّ قصاراه الدلالةُ على فضيلة هذه الأسماء التسعة والتسعين، وأنَّها اختصت بأنَّ من أحصاها دخل الجنة.
وفي هذا دلالةٌ على تفاضل الأسماء الحسنى خلافاً لمن نفى ذلك، قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: "وقول من قال صفات الله لا تتفاضل ونحو ذلك قولٌ لا دليل عليه
…
، وكما أنَّ أسماءه وصفاته متنوعة فهي أيضا متفاضلة كما دلَّ على ذلك الكتابُ والسنةُ والإجماعُ مع العقل"1. اهـ.
ومما يدل على تفاضل الأسماء الحسنى ما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم في الأخبار الصحيحة أنَّ لله اسماً أعظم إذا سُئل به أَعطى، وإذا دُعيَ به أجاب، ولا ريب أنَّ هذه فضيلةٌ عظيمةٌ اختص بها هذا الاسم الذي وُصف بأنَّه اسم الله الأعظم، ولعلنا نستعرض بعض الأحاديث الواردة في ذلك، ثم نقف بعد ذلك على كلام بعض أهل العلم في تعيينه.
روى الإمام أحمد في المسند، وأهل السنن الأربعة، عن أنس بن مالك رضي الله عنه: أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم سمع رجلاً يقول: اللهم إنِّي أسألك بأنَّ لك الحمد، لا إله إلا أنت وحدك لا شريك لك، المنانُ بديعُ السموات والأرض ذو الجلال والإكرام، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "لقد سألتَ
1 انظر: جواب أهل العلم والإيمان (ص:197 ـ 200) .
الله باسمه الأعظم الذي إذا دُعي به أجاب، وإذا سئل به أعطى"، وزاد أبو داود والنسائي في آخره: "يا حيّ يا قيّوم" 1.
وروى ابن ماجه، والحاكم وغيرهما عن أبي أمامة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "اسم الله الأعظم الذي إذا دُعي به أجاب في ثلاث سور من القرآن، في البقرة، وآل عمران، وطه"2.
وروى الإمام أحمد، وأبو داود، والترمذي عن أسماء بنت يزيد رضي الله عنها: أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم قال: "اسم الله الأعظم في هاتين الآيتين: {وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ لَا إِلَهَ إِلَاّ هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ} 3، وفاتحة آل عمران: {ألم اللهُ لَا إِلَهَ إِلَاّ هُوَ الحَيُّ القَيُّومُ} "4.
وروى أصحاب السنن، وابن حبان عن بريدة رضي الله عنه قال: سمع النبي صلى الله عليه وسلم رجلاً يقول: اللهمّ إنِّي أسألك بأنِّي أشهد أنَّك أنت الله لا إله أنت الأحد الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفواً أحد. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لقد سأل الله باسمه الأعظم
1 المسند (3/265)، وسنن أبي داود (رقم:1495) ، وسنن النسائي (3/52)، وسنن الترمذي (رقم:3544) ، وسنن ابن ماجه (رقم:3858) ، وصححه العلامة الألباني في صحيح الأدب المفرد (رقم:543) .
2 سنن ابن ماجه (رقم:3856) ، ومستدرك الحاكم (1/506)، وحسنه العلامة الألباني في الصحيحة (رقم:746) .
3 سورة البقرة، الآية:(163) .
4 المسند (6/461)، وسنن أبي داود (رقم:1496) ، وسنن الترمذي (رقم:3478) ، وحسنه العلامة الألباني في صحيح الجامع (رقم:980) .
الذي إذا سئل به أعطى وإذا دُعي به أجاب"1.
فهذه بعض الأحاديث الثابتة في ذكر اسم الله الأعظم الذي إذا دُعي به أجاب وإذا سئل به أعطى، ولأجل ذا فقد كان لهذا الاسم ومعرفته والبحث عنه شأن عظيم عند أهل العلم، ولهم في هذا أبحاثٌ كثيرةٌ مطولةٌ ومختصرةٌ، قال الإمام الشوكاني رحمه الله في كتابه تحفة الذاكرين:"وقد اختلف في تعيين الاسم الأعظم على نحو أربعين قولا، قد أفردها السيوطي بالتصنيف"2 اهـ.
ولم يذكر السيوطي في كتابه الذي أفرده في ذلك والذي أسماه "الدر المنظم في الاسم الأعظم" سوى عشرين قولاً، وكثيرٌ منها ظاهرٌ ضعفُه لعدم قيام دليلٍ صحيحٍ صريحٍ على صحته وثبوته، وبعض المتصوفة لهم في هذا الباب أباطيل كثيرةٌ لا يلتفت إلى شيءٍ منها، ويروون في ذلك أحاديثَ موضوعةً وآثارًا مخترعةً، وقصصاً منكرةً يخدعون بها عوام المسلمين ويغرون بها جهالهم، والواجب على كلِّ مسلم أن يكون في دينه على حيطة وحذر من الوقوع في إفك هؤلاء وباطلهم، فكم غرّ هؤلاء من عوام المسلمين، وكم خدعوا من جهالهم، وكم من ضلال وشر وباطل انتشر بسببهم، والله المستعان.
إنَّ أشهر الأقوال في تعيين الاسم الأعظم وأولاها بالصواب وأقربها للأدلة هو أنَّ اسم الله الأعظم هو "الله"، وإلى هذا القول
1 سنن أبي داود (رقم:1493)، وسنن الترمذي (رقم:3475) ، والسنن الكبرى للنسائي (رقم:7666) ، وسنن ابن ماجه (رقم:3857) ، وصحيح ابن حبان (رقم:891،892) ،
2 تحفة الذاكرين (ص:67) .
ذهب جمعٌ كبيرٌ من أهل العلم.
قال الإمام أبو عبد الله بن منده في كتابه التوحيد، وقد اختار فيه أنَّ اسم الله الأعظم هو الله، قال:"فاسمه الله معرفة ذاته، منع الله عز وجل خلقَه أن يتسمّى به أحدٌ من خلقه، أو يدعى باسمه إله من دونه، جعله أول الإيمان وعمود الإسلام، وكلمة الحق والإخلاص، ومخالفة الأضداد والإشراك فيه، يحتجز القائل من القتل، وبه تفتتح الفرائض وتنعقد الأيمان، ويُستعاذ من الشيطان، وباسمه يفتتح ويُختم الأشياء، تبارك اسمه ولا إله غيره"1 اهـ.
ولهذا الاسم الكريم من الخصائص ما ليس لغيره من الأسماء، ومن خصائصه أنَّ الله يضيف سائر الأسماء إليه كقوله:{وَللهِ الأَسْمَاءُ الحُسْنَى} ، ويقال: العزيز والرحمن والكريم والقدوس من أسماء الله، ولا يُقال: الله من أسماء الرحمن، بل إنَّ هذا الاسم الكريم مستلزمٌ لجميع معاني الأسماء الحسنى دالٌ عليها بالإجمال، والأسماء الحسنى تفصيلٌ وتبيينٌ لصفات الإلهية، فلهذه المعاني العظيمة وغيرها مما اختص به هذا الاسم صار غير واحد من أهل العلم إلى اختيار أنَّ الاسم الأعظم هو الله، ومما يُقوي هذا أنَّ هذا الاسم الكريم قد ورد في جميع الأحاديث التي فيها إشارة إلى الاسم الأعظم.
ومن أهل العلم من ذهب إلى أنَّ الاسم الأعظم هو "الحي القيوم"، قال ابن القيم رحمه الله في كتابه زاد المعاد: "فإنَّ صفة الحياة متضمّنةٌ لجميع صفات الكمال، مستلزمةٌ لها، وصفة القيومية متضمّنةٌ لجميع
1 التوحيد (2/21) .
صفات الأفعال، ولهذا كان اسمُ الله الأعظم الذي إذا دُعي به أجاب، وإذا سُئل به أعطى هو اسم الحي القيوم". اهـ1.
وقد ورد هذا الاسم في أكثر الأحاديث التي فيها إشارةٌ إلى الاسم الأعظم، فهذا القول والذي قبله هما أقوى ما قيل في الاسم الأعظم2، وعلى كلِّ حالٍ فهذه مسألة اجتهاد، لعدم ورود دليلٍ قطعي الدلالة على التعيين يجب أن يُصار إليه، إلا أنَّ من دعا الله بالأدعية المتقدّمة فقال في دعائه:"اللهم إنِّي أسألك بأنَّ لك الحمد، لا إله إلا أنت وحدك لا شريك لك، المنانُ بديعُ السموات والأرض، ذو الجلال والإكرام"، أو قال:"اللهمّ إنِّي أسألك بأنِّي أشهد أنَّك أنت الله لا إله ألا أنت، الأحد الصمد، الذي لم يلد ولم يولد، ولم يكن له كفوًا أحد"، فقد دعا الله باسمه الأعظم لإخبار النبي صلى الله عليه وسلم عمّن دعا الله بذلك بأنَّه دعاه باسمه الأعظم الذي إذا سئل به أعطى، وإذا دُعي به أجاب.
على أنَّه ينبغي أن نتذكّر أنَّ لقبول الدعاء شروطاً عديدةً وردت في الكتاب والسنة، وسيأتي لها بسط إن شاء الله.
وفي الختام أسأل الله الكريم لي ولكم التوفيق لكل خير يحبه ويرضاه.
1 زاد المعاد (4/204) .
2 علّق سماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز حفظه الله على هذا الموطن بقوله: "والصواب أنَّ الأعظم بمعنى العظيم، وأنَّ أسماءَ الله سبحانه كلّها حسنى، وكلّها عظيمة، ومَن سأل الله سبحانه بشيء منها صادقاً مخلصاً سالماً من الموانع رُجيت إجابتُه، ويدلُّ على ذلك اختلاف الأحاديث الواردة في ذلك؛ ولأنَّ المعنى يقتضي ذلك، فكلُّ أسمائه حسنى، وكلُّها عظمى عز وجل، والله وليُّ التوفيق".