الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الحلقة الثامنة
بسم اللَّه الرحمن الرحيم أيها الإِخوة المؤمنون السلام عليكم ورحمة اللَّه وبركاته أما بعد:
فقد ذكرت فى حديث سابق حرص رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم على الأكل من هديه وهدى أزواجه أمهات المؤمنين رضى اللَّه عنهن وكان رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قارنا وكانت أزواجه رضى اللَّه عنهن متمتعات فقد روى البخارى ومسلم فى صحيحيهما من حديث الصديقة بنت الصديق حبيبة رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم عائشة أم المؤمنين رضى اللَّه عنها قالت: خرجنا مع رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم لخمس بقين من ذى القعدة ولا نرى إلا الحج فلما دنونا من مكة أمر رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم من لم يكن معه هدى إذا طاف وسعى بين الصفا والمروة أن يحل. قالت: فَدُخِل علينا يوم النحر بلحم بقر فقلت: ما هذا؟ فقيل: نحر رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم عن أزواجه". ووسعت الشريعة الإِسلامية على المسلمين فأذنت لهم فى الإدخار من لحوم الهدايا فوق ثلاثة أيام، وأجاز لهم رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم أن يتزودوا منها لأسفارهم فقد روى البخارى ومسلم فى صحيحيهما من حديث جابر بن عبد اللَّه رضى اللَّه عنهما قال: كنا لا نأكل من لحوم بُدْننا فوق ثلاث فرخَّص لنا رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فقال: "كلوا وتزودوا" فأكلنا وتزودنا. وكما أذن اللَّه تبارك وتعالى فى الأكل من الهدايا فقد أذن كذلك فى الانتفاع بها قبل نحرها وفى ذلك يقول الرب تبارك وتعالى: {لَكُمْ فِيهَا مَنَافِعُ
إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى} أى إلى وقت نحرها. وقد بين رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم بعض هذه المنافع وأن منها الإِذن لصاحبها بركوبها فقد روى البخارى ومسلم فى صحيحهما من حديث خادم رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم أنس بن مالك رضى اللَّه تعالى عنه قال: رأى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم رجلا يسوق بَدَنَةً، فقال:"اركبها" فقال: إنها بدنَة، قال:"اركبها" قال: إنها بدنة، قال:"اركبها" ثلاثا وفى رواية لأحمد والنسائى من حديث أنس بن مالك رضى اللَّه عنه أن النبى صلى الله عليه وسلم رأى رجلا يسوق بدنة قد أجهده المشى فقال: "اركبها" قال: إنها بدنة، قال:"اركبها وإن كانت بدنة" كما روى مسلم وأحمد والنسائى وأبو داود من حديث جابر بن عبد اللَّه الأنصارى رضى اللَّه عنهما أنه سئل عن ركوب الهدى فقال: سمعت رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يقول: "اركبها بالمعروف إذا أُلْجِئتَ إليها حتى تجد ظهرا" وقد رغَّب اللَّه تبارك وتعالى فى تسمين البُدْن وسائر أنواع الهدايا حيث يقول فى كتابه الكريم: {ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ} على أن المراد بالشعائر هنا الهدايا، وإنما سميت شعائر لإشعارها بما يُعْرَفُ به أنها هدى كطعن حديدة بسنامها وتقليدها. وقد كان رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم إذا أهدى هديا قلَّده فقد روى البخارى ومسلم فى صحيحيهما من حديث الصديقة بنت الصديق عائشة أم المؤمنين رضى اللَّه عنهما قالت: أهدى النبى صلى الله عليه وسلم مرة إلى البيت غنما فقلَّدها" كما روى
مسلم فى صحيحه من حديث حبر الأمة وترجمان القرآن عبد اللَّه بن عباس رضى اللَّه عنهما قال: صلى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم الظهر بذى الحليفة ثم دعا بناقته فأشعرها فى صفحة سنامها الأيمن وسلت الدم عنها، وقلَّدها نعلين" كما روى البخارى ومسلم من حديث أم المؤمنين عائشة رضى اللَّه عنها قالت: فَتَلْتُ قلائد بُدْن النبى صلى الله عليه وسلم بيدَيَّ ثم قلَّدها وأشعرها" وحرَّم الإسلام على من اشترى هديا أن يُبَدِّله مهما أعطى فيه من ثمن فقد روى البخارى فى تاريخه وأحمد وأبو داود من حديث عبد اللَّه بن عمر رضى اللَّه عنهما قال: أهدى عمر نَجِيبًا فأعطِى بها ثلاثمائة دينار فأتى النبى صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول اللَّه إنى أهديت نجيبا فأُعطيتُ بها ثلثمائة دينار أفأبيعها وأشترى بثمنها بُدْنا؟ قال: لا انحرها إياها. وقد يسَّر اللَّه تبارك وتعالى على المتمتع والقارن إذا لم يتيسر له الهدى أن يصوم ثلاثة أيام فى الحج وسبعة إذا رجع إلى أهله. ولم تتجاوز الشريعة الإِسلامية ذلك إلى القيمة مما يدل دلالة واضحة على أنه لا يجوز لأحد أن يدفع قيمة الهدى لسبب من الأسباب مهما كان ولذلك لم يؤثر عن واحد من أصحاب رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم ولا التابعين لهم بإحسان أن أفتى بجواز ترك ذبح الهدى لمن عليه هدى ودفع قيمته بل يجب عليه نحر الهدى فإن لم يتيسر انتقل إلى صيام ثلاثة أيام فى الحج وسبعة إذا رجع إلى أهله، وهو مخير فى صيام الثلاثة الأيام إن شاء صامها قبل يوم النحر وإن شاء صامها فى أيام التشريق ولم يُرَخِّص الإسلام فى صيام أيام التشريق إلا
لمن لم يجد الهدى. فقد روى البخارى فى صحيحه من حديث عائشة رضى اللَّه عنها وابن عمر رضى اللَّه عنهما قالا: "لم يُرَخَّص فى أيام التشريق أن يصمن إلا لمن لم يجد الهدى" ويجوز صيام هذه الأيام الثلاثة متتابعة ومتفرقة وكذلك يجوز صيام الأيام السبعة متتابعة ومتفرقة وهو مخير فى صيام هذه الأيام السبعة كذلك إن شاء صامها بمكة بعد فراغه من أعمال الحج وإن شاء صامها بعد رجوعه إلى أهله. وصيامها بعد رجوعه إلى أهله أفضل لقوله تبارك وتعالى: {وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ} ولأنه أرفق به وأيسر له. وعلى الحاج أن يبيت بمنى ليلة الحادى عشر وليلة الثانى عشر إن كان متعجلا وله أن يبيت ليلة الثالث عشر كذلك إن لمن يكن متعجلا لقول اللَّه تبارك وتعالى: {وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَنْ تَأَخَّرَ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ لِمَنِ اتَّقَى وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ} ولم يرخص رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فى ترك المبيت بمنى إلا للسقاة والرعاة وقد روى البخارى ومسلم فى صحيحيهما من حديث عبد اللَّه بن عمر رضى اللَّه عنهما قال: "استأذن العباس بنُ عبد المطلب رسولَ اللَّه صلى الله عليه وسلم أن يبيت بمكةَ ليالى منى من أجل سقايته فأذن له. كما روى مالك والترمذى والنسائى، قال الترمذى حديث صحيح من طريق أبى البدَّاح بن عاصم بن عدى عن أبيه رضى اللَّه عنه قال: رخص رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم لرعاء الإِبل فى البيتوتة. وقد خص اللَّه تبارك وتعالى أيام