المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الحلقة الرابعة عشرة - فقه الإسلام = شرح بلوغ المرام - جـ ٤

[عبد القادر شيبة الحمد]

الفصل: ‌الحلقة الرابعة عشرة

كما ينفى الكير خبث الحديد والذهب والفضة وليس للحجة المبرورة ثواب إلا الجنة.

وإلى حديث قادم إن شاء اللَّه تعالى، والسلام عليكم ورحمة اللَّه وبركاته.

المدينة المنورة فى 23/ 11/ 1395 هـ

‌الحلقة الرابعة عشرة

بسم اللَّه الرحمن الرحيم أيها الإِخوة المؤمنون.

السلام عليكم ورحمة اللَّه وبركاته أما بعد:

فقد روى الإِمام أحمد رحمه الله بإسناد صحيح من حديث عمرو بن عَبْسَةَ رضى اللَّه عنه قال: قال رجل يا رسولَ اللَّه ما الإسلام؟ قال: أن يُسلِم للَّه قلبُك وأن يَسلَمَ المسلمون من لسانك ويدك" قال: فأى الإسلام أفضل؟ قال: "الإِيمان" قال: وما الإِيمان؟ قال: "أن تؤمن باللَّه وملائكته وكتبه ورسله، والبعث بعد الموت" قال: فأى الإِيمان أفضل؟ قال: "الهجرة" قال: وما الهجرة؟ قال: "أن تَهجُرَ السوء" قال: فأى الهجرة أفضل؟ قال: "الجهاد" قال: وما الجهاد؟ قال: "أن تقاتل الكفار إذا لقيتهم" قال: فأى الجهاد أفضل؟ قال: "من عُقِرَ جواده وأهريق دمه" قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: "ثم عملان هما أفضل الأعمال إلا من عمل بمثلهما: حجة مبرورة أو عمرة مبرورة" وقد أشرت فى حديث سابق إلى

ص: 285

أن الحجة المبرورة أو العمرة المبرورة هى المنزهة عن المعاصى وهى كذلك التامة الكاملة إجابة لقول الرب تبارك وتعالى: {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ} كما أشار اللَّه تبارك وتعالى إلى أسباب تمام الحج وكماله وأنه هو الخالى من الآثام المُبْتَعِدُ فيه الحاج عن كل معصية، لا يرفث ولا يفسق، ولا يجادل ولا يمارى ولا ينازع، ولا يخاصم، وفى ذلك يقول اللَّه تبارك وتعالى:{فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللَّهُ وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَاأُولِي الْأَلْبَابِ} وعلى الحاج أن يغتنم هذا التجمع العظيم لاكتساب المعارف والمحامد ومعاونة المحتاجين والمساكين، والأمر بالمعروف والنهى عن المنكر وإرشاد الضال، والمحافظة على شعائر الدين والإكثار من ذكر اللَّه عز وجل، فهذا كله من التزود بتقوى اللَّه التى هى خير زاد، ومن أهم ذلك الاستغفار الذى أرشد اللَّه تبارك وتعالى الحجاج إليه فى قوله عز وجل:{ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} ولقد كان من هدى حبيب اللَّه ورسوله وسيد خلقه وإمام رسله محمد صلى الله عليه وسلم أن يستغفر اللَّه تبارك وتعالى عقب كثير من أفعال الخير وأعمال البر فقد ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه كان إذا انتهى من صلاته استغفر اللَّه ثلاثا وفى هذا لفت انتباه الفاعلين للخير ألا يغتروا بما بذلوا من الخير وألا يستكبروا بسبب طاعتهم فإن الطاعة التى تورث الاستكبار شر

ص: 286

من المعصية التى تورث الذلة والانكسار والاستغفار ولذلك وصف الرب تبارك وتعالى أهل الخير السابقين إلى المبرات المسارعين إلى الصالحات أنهم يؤتون ما آتوا وقلوبهم وجلة أنهم إلى ربهم راجعون وفى ذلك يقول الرب تبارك وتعالى: {إِنَّ الَّذِينَ هُمْ مِنْ خَشْيَةِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ (57) وَالَّذِينَ هُمْ بِآيَاتِ رَبِّهِمْ يُؤْمِنُونَ (58) وَالَّذِينَ هُمْ بِرَبِّهِمْ لَا يُشْرِكُونَ (59) وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ (60) أُولَئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ} وقد كان إبراهيم خليل الرحمن وإسماعيل عليهما السلام وهما يقيمان للإِنسانية أفضل بيت يضرعان إلى اللَّه عز وجل أن يتقبل منهما وفى ذلك يقول الرب تبارك وتعالى: {وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (127) رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا وَتُبْ عَلَيْنَا إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ} كما وصف عباد الرحمن بأنهم يمشون على الأرض هونا وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما مع أنهم يبيتون لربهم سجدا وقياما ويقولون ربنا اصرف عنا عذاب جهنم إن عذابها كان غراما وفى ذلك كله يقول اللَّه تبارك وتعالى: {وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا (63) وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّدًا وَقِيَامًا (64) وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا اصْرِفْ عَنَّا عَذَابَ جَهَنَّمَ إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَامًا (65) إِنَّهَا سَاءَتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقَامًا (66) وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا (67) وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَنْ

ص: 287

يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا (68) يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا (69) إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا (70) وَمَنْ تَابَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَإِنَّهُ يَتُوبُ إِلَى اللَّهِ مَتَابًا (71) وَالَّذِينَ لَا يَشْهَدُونَ الزُّورَ وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَامًا (72) وَالَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ لَمْ يَخِرُّوا عَلَيْهَا صُمًّا وَعُمْيَانًا (73) وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا (74) أُولَئِكَ يُجْزَوْنَ الْغُرْفَةَ بِمَا صَبَرُوا وَيُلَقَّوْنَ فِيهَا تَحِيَّةً وَسَلَامًا (75) خَالِدِينَ فِيهَا حَسُنَتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقَامًا} وقد أشار الرب تبارك وتعالى فى مواضع من كتابه إلى أن الاستغفار والإِنابة إلى اللَّه تورث رغد العيش فى الدنيا ورضوان اللَّه تبارك وتعالى فى الآخرة حيث يقول: {فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا (10) يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا (11) وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا} .

والسلام عليكم ورحمة اللَّه وبركاته.

المدينة المنورة فى 24/ 11/ 1395 هـ

هذا وقد تم بحمد اللَّه تعالى الجزء الرابع من فقه الإسلام ويليه الجزء الخامس وأوله: "كتاب البيوع" وما توفيقى إلا باللَّه وصلى اللَّه على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

المدينة المنورة فى الثامن من شوال سنة 1401 هـ.

ص: 288