المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الحلقة الحادية عشرة - فقه الإسلام = شرح بلوغ المرام - جـ ٤

[عبد القادر شيبة الحمد]

الفصل: ‌الحلقة الحادية عشرة

فقه الإسلام

شرح بلوغ المرام من جمع أدلة الأحكام للحافظ ابن حجر العسقلاني رحمه الله

تأليف

عبد القادر شيبة الحمد

عضو هيئة التدريس بقسم الدراسات العليا بالجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة والمدرس بالمسجد النبوي الشريف

[الجزء الرابع]

ص: 275

عليكم حرام، كحرمة يومكم هذا، فى بلدكم هذا، فى شهركم هذا وستلقون ربكم فيسألكم عن أعمالكم ألا فلا ترجعوا بعدى ضلالا يضرب بعضكم رقاب بعض. ألا هل بلَّغت؟ قالوا نعم، قال:"اللهم اشهد، فليبلِّغ الشاهدُ الغائبَ فرُبَّ مُبَلَّغ أوعى من سامع" وقرر كذلك صلى الله عليه وسلم تحديد المسئولية وأنه لا تزر وازرة وزر أخرى فقد روى ابن ماجه والترمذى وصححه من حديث عمرو بن الأحوص رضى اللَّه عنه قال سمعت رسولَ اللَّه صلى الله عليه وسلم يقول فى حجة الوداع: "أو يوم هذا؟ " قالوا يومُ الحج الأكبر، قال: فإن دماءكم وأموالكم وأعراضكم بينكم حرام كحرمة يومكم هذا فى شهركم هذا فى بلدكم هذا ألا لا يجنى جان إلا على نفسه ولا يجنى والد على ولده ولا مولود على والده ألا إن الشيطان قد يئس أن يعبد فى بلدكم هذا أبدا ولكن سيكون له طاعة فى بعض ما تحتقرون من أعمالكم فيرضى بها. ألا وكل دم من دماء الجاهلية موضوع. ألا وإن كل ربا من ربا الجاهلية موضوع. لكم رءوس أموالكم لا تَظْلِمون ولا تظلَمون. وإلى حديث قادم إن شاء اللَّه.

والسلام عليكم ورحمة اللَّه وبركاته.

المدينة المنورة فى 21/ 11/ 1359 هـ

‌الحلقة الحادية عشرة

بسم اللَّه الرحمن الرحيم أيها الإخوة المؤمنون.

ص: 272

السلام عليكم ورحمة اللَّه وبركاته أما بعد:

فإنه ينبغى للحجاج وهم فى منى ومكة أن يعرفوا أنهم فى أرض الحرم التى لا يُنَفَّرُ فيها صيد ولا يقطع منها شجر. ولقد جعل اللَّه تبارك وتعالى بيته المحرم منطقة سلام تدريبا لعباده عليه، ولفتا لانتباههم إليه، وعملا على توسيع دائرة السلام فقد حرَّم على المحرمين أن يتعرضوا للطير وهى تطير فى جو السماء أو تمشى على الأرض من سائر الصيد وفى ذلك يقول اللَّه عز وجل:{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الْأَنْعَامِ إِلَّا مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ غَيْرَ مُحِلِّي الصَّيْدِ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ مَا يُرِيدُ} ولم يستثن الإسلام شيئا يباح أذاه فى الحرم أو للمحرم غير الفواسق المعروفة بالضرر والأذى وهى العقرب والحية والكلب العقور وسائر أمثاله من السباع العادية وكذلك الغراب والحدأة والفأرة فقد روى البخارى ومسلم فى صحيحيهما واللفظ لمسلم من حديث الصديقة بنت الصديق عائشة أم المؤمنين رضى اللَّه عنهما أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قال: "خمس فواسق يقتلن فى الحل والحرم: الحية والغراب الأبقع والفأرة والكلب العقور والحُدَيَّا" وفى رواية للبخارى ومسلم من حديث عبد اللَّه بن عمر رضى اللَّه عنهما أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قال: خمس من الدواب ليس على المحرم فى قتلهن جناح: الغراب والحدأة والعقرب والفأرة والكلب العقور" وقد أشار اللَّه تبارك وتعالى إلى أن الصيد كان يقترب من أصحاب رسول اللَّه

ص: 273

-صلى الله عليه وسلم وهم محرمون فلا يتعرضون له امتثالا لأمر اللَّه وتعظيما لحرماته وفى ذلك يقول الرب تبارك وتعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَيَبْلُوَنَّكُمُ اللَّهُ بِشَيْءٍ مِنَ الصَّيْدِ تَنَالُهُ أَيْدِيكُمْ وَرِمَاحُكُمْ لِيَعْلَمَ اللَّهُ مَنْ يَخَافُهُ بِالْغَيْبِ فَمَنِ اعْتَدَى بَعْدَ ذَلِكَ فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ} وقد أباح الإسلام للمحرم أن يأخذ صيد البحر وأن يأكل من صيد البر ما لم يصده هو أو يُصَد من أجله، فقد روى البخارى ومسلم فى صحيحيهما من حديث أبى قتادة رضى اللَّه عنه أنه خرج مع رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فتخلف مع بعض أصحابه وهم محرمون -وهو غير محرم- فرأوا حمارا وحشيا قبل أن يراه. فلما رأوه تركوه، حتى رآه أبو قتادة رضى اللَّه عنه، فركب فرسا له، فسألهم أن ينالوه سوطه فأَبَوا، فتناوله فحمل عليه، فعقره، ثم أكل فأكلوا فقدموا فلما أدركوا رسولَ اللَّه صلى الله عليه وسلم سألوه: قال "هل معكم منه شئ؟ " قالوا: معنا رِجْلُهُ. فأخذها النبى صلى الله عليه وسلم فأكلها وفى رواية للبخارى ومسلم: فلما أتوا رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قال: أمنكم أحد أمره أن يحمل عليها؟ أو أشار إليها؟ قالوا: لا، قال:"فكلوا ما بقى من لحمها" وقد قضى أصحاب رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم على المحرم إذا قتل صيدا، وكان لهذا الصيد نظير من بهيمة الأنعام: الإِبل والبقر والغنم، أن يُلْزمَ بتقريب قربان مثلِه وقد حكموا فى النعامة ببدنة أو ناقة وفى بقرة الوحش ببقرة وفى الغزال بعنز، وفى الضبع بكبش. فقد روى أبو داود وابن ماجه والدارمى من حديث جابر بن عبد اللَّه رضى اللَّه

ص: 274

عنهما قال سألت رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم عن الضبع قال: "هو صيد" ويجعل فيه كبشا إذا أصابه المحرم. أما إذا كان الصيد لا مثيل له من بهيمة الأنعام فعلى من أصابه أن يتصدق بقيمته وسواء فى ذلك من قتل الصيد وهو محرم عمدا أو ناسيا لإِحرامه، وفسروا قوله:"فمن قتله منكم متعمدا" أو قاصدا قتله يعنى ولو كان ناسيا لإِحرامه وفى ذلك يقول اللَّه عز وجل: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّدًا فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ أو كَفَّارَةٌ طَعَامُ مَسَاكِينَ أو عَدْلُ ذَلِكَ صِيَامًا لِيَذُوقَ وَبَالَ أَمْرِهِ عَفَا اللَّهُ عَمَّا سَلَفَ وَمَنْ عَادَ فَيَنْتَقِمُ اللَّهُ مِنْهُ وَاللَّهُ عَزِيزٌ ذُو انْتِقَامٍ (95) أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعَامُهُ مَتَاعًا لَكُمْ وَلِلسَّيَّارَةِ، وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ مَا دُمْتُمْ حُرُمًا وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ} وقد أُثِر عن حبر الأمة وترجمان القرآن عبد اللَّه بن عباس رضى اللَّه عنهما فى قوله عز وجل: {هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ أو كَفَّارَةٌ طَعَامُ مَسَاكِينَ أو عَدْلُ ذَلِكَ صِيَامًا} قال رضى اللَّه عنه: إذا قتل المحرم شيئا من الصيد حُكِمَ عليه فيه. فإن قتل ظبيا أو نحوه فعليه شاةٌ تُذْبَحُ بمكة. فإن لم يجدها فإطعام ستة مساكين، فإن لم يجدها فصيام ثلاثة أيام. فإن قتل أَيِّلا أو نحوه فعليه بقرة فإن لم يجدها أطعم عشرين مسكينا فإن لم يجد صام عشرين يوما، وإن قتل نعامة أو حمار وحش أو نحوه فعليه بدنة من الإِبل فإن لم يجد أطعم ثلاثين مسكينا فإن لم يجد صام ثلاثين يوما. وقضى عمر رضى اللَّه عنه فيمن قتل جرادة أن

ص: 275

يطعم تمرة وروى عنه: قبضة من طعام" وقد قضى اللَّه تبارك وتعالى: أن يَحْكُم فى ذلك اثنان ذوا عدل من المسلمين حيث يقول: {يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ} ولذلك أُثِر أن أعرابيا أتى أبا بكر رضى اللَّه عنه وهو خليفة فقال: قتلتُ صيدا وأنا محرم فما ترى علىَّ من الجزاء؟ فقال أبو بكر رضى اللَّه عنه: لأبَىِّ بن كعب رضى اللَّه عنه وهو جالس عنده: ما ترى فيها؟ فقال الأعرابى: أتيتك وأنت خليفة رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم أسألك فإذا أنت تسأل غيرك؟ فقال أبو بكر رضى اللَّه عنه ما تنكر. يقول اللَّه عز وجل: {فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ} فشاورتُ صاحبى حتى إذا اتفقنا على أمر أمرناك به" كما أثر عن قبيصة بن جابر رضى اللَّه عنه، قال: خرجنا حُجَّاجا فكنا إذا صلينا الغداة اقتدنا رواحلنا فنتماشى نتحدث، قال: فبينا نحن ذات غداة إذ سنح لنا ظبى أو برح فرماه رجل كان معنا بحجر فما أخطأ حشاه. فركب وَوَدَعَه ميِّتًا فعظَّمنا عليه. فلما قدمنا مكة خرجت معه حتى أتينا عمر بن الخطاب رضى اللَّه عنه فقص عليه القصة وإذا إلى جنبه رجل كأن وجهه قَلْبُ فضة يعنى عبد الرحمن بن عوف رضى اللَّه عنه فالتفت عمر رضى اللَّه عنه إلى صاحبه فكلَّمه.

وإلى حديث قادم إن شاء اللَّه.

والسلام عليكم ورحمة اللَّه وبركاته.

المدينة المنورة فى 21/ 11/ 1395 هـ

ص: 276