المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌الحلقة الثانية بسم اللَّه الرحمن الرحيم أيها الإِخوة المؤمنون السلام عليكم - فقه الإسلام = شرح بلوغ المرام - جـ ٤

[عبد القادر شيبة الحمد]

الفصل: ‌ ‌الحلقة الثانية بسم اللَّه الرحمن الرحيم أيها الإِخوة المؤمنون السلام عليكم

‌الحلقة الثانية

بسم اللَّه الرحمن الرحيم أيها الإِخوة المؤمنون السلام عليكم ورحمة اللَّه وبركاته. أما بعد:

فإن اللَّه تبارك وتعالى قد لفت انتباه الناس فى ثنايا ذكره لحِكَم الحج وأحكامه إلى أن إخلاص العبادة للَّه وإقامة سوق ذكره وشكره هى من أهم مقاصد الحج وفى ذلك يقول: {وَإِذْ بَوَّأْنَا لِإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ الْبَيْتِ أَنْ لَا تُشْرِكْ بِي شَيْئًا} ، ثم يقول فى نفس المقام بعد أن ذكر بعض مقاصد الحج وأحكامه:{فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثَانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ (30) حُنَفَاءَ لِلَّهِ غَيْرَ مُشْرِكِينَ بِهِ} ثم يصف خطورة الشرك، والعاقبة السيئة التى يؤول إليها المشرك، والحالة البشعة التى يتمثلها حيث يقول:{وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ السَّمَاءِ فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ} ثم يثنى على المخلصين له المعظمين لأمره، القائمين بحدوده، فيقول:{ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ} ثم يختم ما ذكره عن الحج فى سورة الحج ببيان أن منافع العبادة تعود على العباد لأن اللَّه غنى عن العالمين فيقول: {لَنْ يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا وَلَكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنْكُمْ كَذَلِكَ سَخَّرَهَا لَكُمْ لِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَبَشِّرِ الْمُحْسِنِينَ} أى إن اللَّه تبارك وتعالى أمركم بهذه الشرائع ومنها ذبح الهدى ولن يرتفع إلى اللَّه شئ من لحومها ودمائها فهو الصمد الذى لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد وإنما ترتفع إليه أعمالكم الصالحة فيجزيكم عليها أحسن الجزاء وأعظم الأجر. ولذلك كذلك كان الإهلال بالتوحيد عند الدخول فى النسك هو أبرز مظاهر الحج فى هذا المقام حيث يلبى فيقول: لبيك اللهم لبيك لبيك لا شريك لك لبيك إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك" ففى هذه التلبية إعلان الاستجابة للَّه،

ص: 231

وإظهار طاعته وامتثال أمره تعالى بما هو أهله من الحمد والشكر المستوجب لأن يُخَصَّ بالتوحيد ويُفردَ بالألوهية والربوبية والأسماء الحسنى والصفات العلى ولذلك لا يجوز لمن يقول لبيك اللهم لبيك أن يذل إلا للَّه، فليس له أن يضرع إلا لربه وأن يستغيث إلا به وأن يلجأ إلا إليه فتكون صلاته للَّه وحجه للَّه ونسكه كله للَّه لأنه سيده ومالكه ومصلح شأنه ومدبر أمره. فالذى يأوى إليه يأوى إلى ركن شديد، ولذلك كان رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يكثر أن يقول: يا حي يا قيوم يا بديع السماوات والأرض يا ذا الجلال والإكرام برحمتك أستغيث فأصلح لى شأنى كله ولا تكلنى إلى نفسى أو إلى أحد من خلقك طرفة عين إنك إن وكلتنى إلى نفسى أو إلى أحد من خلقك وكلتنى إلى عجز وضعف وفاقة. ولذلك يجب على الحاج أن يحذر جميع صور الشرك فلا يحلف إلا باللَّه لأن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم سمع عمر رضى اللَّه عنه فى رهط وهو يحلف بأبيه فقال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: لا تحلفوا بآبائكم ولا بالطواغى من كان حالفا فليحلف باللَّه أو ليذر" وفى رواية: "من حلف بغير اللَّه فقد أشرك" قال عمر رضى اللَّه عنه فما حلفت بشئ من ذلك بعد ذلك لا ذاكرا ولا آثرا. أو لا أحلف بغير اللَّه ولا أنقل عن غيرى أنه حلف بغير اللَّه. كما لا يجوز للحاج أن يتمسح بجدران بعض الأماكن والمساجد إلا ما أذن فيه الإسلام من لمس الحجر. الأسود وتقبيله ولمس الركن اليمانى من غير تقبيل أما ما عدا ذلك من الأبواب وجدران المساجد أو بعض القبور أو البيوت فلا يحل لأحد أن يُقَبلها ولذلك لما

ص: 232

قبل عمر -رضى اللَّه عنه- الحجر الأسود قال: واللَّه إنى أعلم أنك حجر لا تضر ولا تنفع ولولا أنى رأيت رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يقبلك ما قبلتك" كما لا يجوز أن يذبح المسلم قربانا لغير اللَّه فلا يذبح لنبى ولا لولى ولا للملائكة ولا للجن لأن اللَّه تبارك وتعالى حرَّم الذبح لغيره حيث يقول: {فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ} وكما قال عز وجل لخير خلقه، وسيد أنبيائه ورسله محمد صلى الله عليه وسلم:{قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (162) لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ (163) قُلْ أَغَيْرَ اللَّهِ أَبْغِي رَبًّا وَهُوَ رَبُّ كُلِّ شَيْءٍ} وقد أخبر اللَّه تبارك وتعالى أنه لا يقبل من العمل إلا ما كان خالصا لوجهه الكريم ولذلك يقول: {تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (1) الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ} قال أهل العلم: أحسن العمل أن يكون خالصا صوابا والخالص ما كان لوجه اللَّه والصواب ما كان على منهج رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم كما بين الرب تبارك وتعالى أنه يحبط جميع الأعمال المشوبة بالشرك حيث يقول: {وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا} وأشار إلى خطورة هذا الأمر حيث خاطب المعصوم من الشرك المحفوظ من الخطايا والسيئات إمام المرسلين صلى الله عليه وسلم: {قُلْ أَفَغَيْرَ اللَّهِ تَأْمُرُونِّي أَعْبُدُ أَيُّهَا الْجَاهِلُونَ (64) وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ (65) بَلِ اللَّهَ فَاعْبُدْ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ (66) وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ} .

لذلك يجب على الحاج أن يحذر أشد الحذر من كل ألوان الشرك

ص: 233

حتى يسلم له عمله الصالح فيرجع مغفور الذنب مشكور السعى مرفوع الدرجات. كما يجب عليه كذلك أن يصون جسمه من أكل الحرام ولسانه من أعراض الناس ويده من إيذاء أحد من خلق اللَّه فإن من غُذِىَ بالحرام لا يستجاب دعاؤه وإذا قال لبيك: قيل له لا لبيك ولا سعديك وحجك مردود عليك، وكما أخبر رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم أن الرجل يطيل السفر أشعث أغبر ومطعمه حرام وملبسه حرام يمد يديه إلى السماء يا رب يا رب أنَّى يستجاب لذلك. فطيب المطعم من أهم أسباب سلامة القلب وسعادة النفس واستجابة الدعاء ولذلك أثر أن رجلا قال للنبى صلى الله عليه وسلم ادع اللَّه أن يجعلنى مستجاب الدعاء فقال له صلى الله عليه وسلم أطب مطعمك تستجب دعوتك. وينبغى للحاج أن يستفيد من هذا التجمع الإسلامى العظيم بسؤال أهل العلم منهم عما يجهل، وبذل المعروف فيما يقدر، وتبادل الآراء فيما يعود على الأمة الإِسلامية بالخير، وفيما يدفع عنها من الشر، وفيما يربط بين قلوبهم من الود. إن المسلمين فى توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى، وليعلم المسلم أن من دل على خير فله مثل أجر فاعله، ومن سن سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها لا ينقص من أجورهم شئ. وفى حلقات قادمة إن شاء اللَّه نتحدث عن مناسك الحج، وأفعال تلك المناسك كما تلقاها المسلمون جيلا بعد جيل عن حبيب اللَّه

ص: 234