المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

التشريق وهى الأيام الثلاثة التى تلى يوم النحر بالأمر بذكره - فقه الإسلام = شرح بلوغ المرام - جـ ٤

[عبد القادر شيبة الحمد]

الفصل: التشريق وهى الأيام الثلاثة التى تلى يوم النحر بالأمر بذكره

التشريق وهى الأيام الثلاثة التى تلى يوم النحر بالأمر بذكره حيث قال: {وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ} قال ابن عباس رضى اللَّه عنهما: "الأيام المعدودات هى أيام التشريق" وإلى حديث قادم إن شاء اللَّه.

والسلام عليكم ورحمة اللَّه وبركاته.

المدينة المنورة فى 20/ 11/ 1395 هـ

‌الحلقة التاسعة

بسم اللَّه الرحمن الرحيم أيها الإِخوة المؤمنون.

السلام عليكم ورحمة اللَّه وبركاته أما بعد:

فقد أشرت فى حديث سابق إلى أن اللَّه تبارك وتعالى خص أيام التشريق وهى الأيام الثلاثة التى تلى يوم النحر بذكره وشكره وإن كان سوقُ الحج كلُّه إنما قام لذكر اللَّه تعالى وشكره كذلك وفى ذلك يقول اللَّه تبارك وتعالى: {وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ} قال ابن عباس رضى اللَّه عنهما: الأيام المعدودات هى أيام التشريق. وسميت أيام التشريق لأن العرب كانوا يشرقون فيها لحوم الهدايا والأضاحى أى يُقَدِّدونها أو لأن الهدى لا ينحر حتى تشرق الشمس وقد روى مسلم فى صحيحه من حديث نُبيْشَةَ الهذلى رضى اللَّه عنه أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قال: "أيام التشريق أيام أكل وشرب وذكر اللَّه" وقد أشار اللَّه تبارك وتعالى إلى أن أيام التشريق أيام

ص: 264

ذكر للَّه تبارك وتعالى فى مواضع من كتابه الكريم كقوله: {وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ} وكقوله عز وجل: {فَإِذَا قَضَيْتُمْ مَنَاسِكَكُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَذِكْرِكُمْ آبَاءَكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْرًا} وكما قال اللَّه عز وجل: {لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ} وكما قال اللَّه عز وجل: {وَلِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنْسَكًا لِيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ فَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَلَهُ أَسْلِمُوا وَبَشِّرِ الْمُخْبِتِينَ (34) الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَالصَّابِرِينَ عَلَى مَا أَصَابَهُمْ وَالْمُقِيمِي الصَّلَاةِ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ (35) وَالْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُمْ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ لَكُمْ فِيهَا خَيْرٌ فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا صَوَافَّ فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ كَذَلِكَ سَخَّرْنَاهَا لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} وذِكرُ اللَّه تبارك وتعالى فى هذه الأيام يتمثل فى رمى الجمار الثلاث التى جعلتها الشريعة الإِسلامية من مناسك الحج وواجباته فإنها أوجبت على الحاج أن يبيت بمنى ليلتين بعد العيد إن تعجل وثلاث ليال إن تأخر وأوجبت عليه أن يرمى الجمار الثلاث بعد الزوال كل يوم من اليومين الأولين من أيام التشريق إن تعجل وفى الثالث كذلك إن تأخر وإنما كان رمى الجمار ذكرًا للَّه عز وجل لأن هدى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فى رمى الجمار أنه كان يذكر اللَّه عز وجل عند كل حصاة فقد روى البخارى ومسلم فى صحيحيهما من حديث عبد اللَّه بن مسعود رضى اللَّه عنه أنه انتهى إلى الجمرة الكبرى

ص: 265

فجعل البيت عن يساره ومنى عن يمينه ورمى بسبع حصيات يُكبِّر مع كل حصاة ثم قال: هكذا رمى الذى أنزلت عليه سورة البقرة يعنى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم كما أوضح رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم أن رمى الجمار إنما جعل لإِقامة ذكر اللَّه عز وجل فقد روى الترمذى وقال: حديث حسن صحيح من حديث عائشة رضى اللَّه عنها أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قال: إنما جعل رمى الجمار والسعى بين الصفا والمروة لإقامة ذكر اللَّه. كما روى مالك فى الموطأ من طريق نافع أن ابن عمر رضى اللَّه عنهما كان يقف عند الجمرتين الأوليين وقوفا طويلا يكبر اللَّه ويسبحه ويحمده ويدعو اللَّه ولا يقف عند جمرة العقبة كما روى البخارى من طريق سالم عن ابن عمر رضى اللَّه عنهما أنه كان يرمى الجمرة الدنيا بسبع حصيات يكبر على إثر كل حصاة ثم يتقدم حتى يسهل فيقوم مستقبل القبلة طويلا ويدعو ويرفع يديه ثم يرمى الوسطى بسبع حصيات يكبر كلما رمى بحصاة ثم يأخذ بذات الشمال فيُسْهِل ويقوم مستقبل القبلة ثم يدعو ويرفع يديه ويقوم طويلا ثم يرمى جرة ذات العقبة من بطن الوادى بسبع حصيات يكبر عند كل حصاة ولا يقف عندها. وقد أوضح اللَّه تبارك وتعالى فى كتابه الكريم أن رمى الجمار الثلاث يكون فى ثلاثة أيام وهى التى تلى يوم النحر وأما من تعجل ورمى فى يومين فقط فلا حرج عليه، حيث يقول:{فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَنْ تَأَخَّرَ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ لِمَنِ اتَّقَى} وصرح بذلك رسول اللَّه

ص: 266

-صلى الله عليه وسلم فقد روى أحمد فى مسنده وأصحاب السنن من حديث عبد الرحمن ابن يَعْمَرَ الدِّيلى رضى اللَّه عنه قال سمعت رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يقول: "أيام منى ثلاثة فمن تعجل فى يومين فلا إثم عليه ومن تأخر فلا إثم عليه. كما روى أحمد من حديث عقبة بن عامر رضى اللَّه عنه أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قال: يوم عرفة ويوم النحر وأيام التشريق عيدنا أهل الإسلام وهى أيام أكل وشرب وذكر اللَّه" وقد حدَّد رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم الوقت الذى ترمى فيه الجمار من أيام منى بعد يوم النحر وأنها لا ترمى إلا بعد زوال الشمس فقد روى البخارى ومسلم فى صحيحيهما من حديث جابر بن عبد اللَّه الأنصارى رضى اللَّه عنهما قال: رمى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم الجمرة يوم النحر ضحى وأما بعد ذلك فإذا زالت الشمس" كما روى البخارى من طريق وَبَرَةَ رحمه الله قال سألت ابن عمر رضى اللَّه عنهما متى أرمى الجمار؟ قال: إذا رَمَى إمَاْمُك! فأعدت عليه المسألة فقال رضى اللَّه عنه: كنا نَتَحيَّن فإذا زالت الشمس رمينا". وقد أجاز رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم لمن كان معه طفل صغر مُحْرِمٌ بالحج أن يرمى عنه الجمار بعد أن يرمى عن نفسه فقد روى ابن ماجه من حديث جابر بن عبد اللَّه الأنصارى رضى اللَّه عنهما قال: حججنا مع رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم ومعنا النساء والصبيان فلبينا عن الصبيان ورمينا عنهم، وأما من عجز عن الرمى لمرض أو كبر سن أو أن تكون المرأة حبلى وتخاف على نفسها أى جنينها فإنه يجوز لكل واحد من

ص: 267

هؤلاء أن يوكِّل من يرمى عنه الجمرات على أن يقوم الوكيل بالرمى عن نفسه ثم يرمى عن موكله. ولا حرج على الوكيل أن يرمى عن موكله بعد أن يرمى عن نفسه وهو فى نفس مكانه فيرمى عن نفسه الجمرة الأولى التى تلى مسجد الخيف بسبع حصيات ثم يرميها عن موكله بسبع حصيات كذلك وهو فى محله ولا حرج عليه فى ذلك ثم إذا رمى الجمرة الوسطى عن نفسه رمى عن موكله كذلك ثم إذا رمى جمرة العقبة عن نفسه رمى عن موكله كذلك. ويجوز للوكيل أن يرمى عن أكثر من شخص ما دام الذى وكَّله عاجزا عن الرمى بنفسه. ولا يشرع رمى الجمار بحصى كبار أو رميها بنعل ونحوه لأن ذلك لم يرد عن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم ولا عن أحد من أصحابه رضى اللَّه عنهم أجمعين ولأنه قد يسقط على أحد الحجاج فيؤذيه كما أنه لم يرد عن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم ولا فى أحد من أصحابه -رضى اللَّه عنهم- أنهم كانوا يلعنون الجمرة عند رميها. وقد ثبت أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم كان يرميها بمثل حمى الخَذْف وهى حصى صغار أكبر من الحمصة قليلا. فقد روى مسلم فى صحيحه من حديث جابر بن عبد اللَّه رضى اللَّه عنهما قال رأيت رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم رمى الجمرة بمثل حصى الخذف. وإلى حديث قادم إن شاء اللَّه تعالى.

والسلام عليكم ورحمة اللَّه وبركاته.

المدينة المنورة فى 20/ 11/ 1395 هـ

ص: 268