الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
صلى الله عليه وسلم أنا ورجلان من بني عمي فقال أحدهما: يارسول الله أمرنا على بعض ما ولاك الله عزوجل.
وقال الاخر مثل ذلك فقال: إنا والله لانولي هذا العمل أحدا يسأله أو أحدا يحرص عليه ".
وعن أنس (1) رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " من ابتغى القضاء، وسأل فيه شفعاء وكل إلى
نفسه، ومن أكره عليه أنزل الله عليه ملكا يسدده " (2) .
والخوف من العجز عن القيام بالقضاء على الوجه الاكمل هو السبب في امتناع بعض الائمة عن الدخول في القضاء.
ومن طريف ما يروى في هذا: أن حياة بن شريح دعي إلى أن يتولى قضاء مصر. فلما عرض عليه الامير امتنع فدعا له بالسيف. فلما رأى ذلك أخرج مفتاحا كان معه وقال: هذا مفتاح بيتي ولقد اشتقت إلى لقاء ربي. فلما رأى الامير عزيمته تركه.
من يصلح للقضاء:
ولا يقضي بين الناس إلا من كان عالما بالكتاب
(1) رواه الترمذي وأبو داود.
(2)
أي يرشده إلى الحق والصواب
والسنة فقيها في دين الله قادرا على التفرقة بين الصواب والخطأ. بريئا من الجور بعيدا عن الهوى.
وقد اشترط الفقهاء في القاضي أن يبلغ درجة الاجتهاد (1) فيكون عالما بآيات الاحكام وأحاديثها، عالما بأقوال السلف ما أجمعوا عليه وما اختلفوا فيه، عالما باللغة وعالما بالقياس، وأن يكون مكلفا ذكرا عدلا سميعا بصيرا ناطقا.
وهذه الشروط تعتبر حسب الامكان ويجب تولية الامثل فالامثل.
فلا يصح قضاء المقلد ولا الكافر ولا الصغير ولا المجنون ولا الفاسق ولا المرأة (2) لحديث أبي بكرة قال: لما بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أهل فارس ملكوا عليهم بنت كسرى قال: " لن يفلح
(1) هذا هو الذي ذهب إليه الشافعي وهو قول عند المالكية والقول الاخر أنه مستحب. ولم يشترط أبو حنيفة هذا الشرط.
(2)
جوز أبو حنيفة للمرأة أن تكون قاضية في الاموال. وقال الطبري: يجوز للمرأة أن تكون قاضيا في كل شئ. قال في نيل الاوطار - قال في الفتح: " وقد اتفقوا على اشتراط الذكورة في القاضي الا عند الحنفية. واستثنوا الحدود. وأطلق ابن جرير. ويؤيد ما قاله الجمهور أن القضاء يحتاج إلى كمال الرأي ورأي المرأة ناقص ولاسيما في محافل الرجال "
قوم ولوا أمرهم امرأة " (1) .
وقد اشترط الفقهاء أيضا مع هذه الشروط تولية الحاكم للقاضي فانها شرط في صحة قضائه وهذا بخلاف المتداعيين إذا ارتضيا حكما يقضي بينهما ممن ليس له ولاية القضاء، فقد أجازه مالك وأحمد (2) ولم يجوزه أبو حنيفة إلا بشرط أن يوافق حكمه حكم قاضي البلد.
وقد ذكر الله لنا المثل الاعلى في القضاء فقال جل شأنه: " يا داود إنا جعلناك خليفة في الارض فاحكم بين الناس بالحق ولا تتبع الهوى فيضلك عن سبيل الله إن الذين يضلون عن سبيل الله لهم عذاب شديد بما نسوا يوم الحساب "(3) وإذا كان هذا الخطاب موجها إلى داود عليه السلام فهو في الواقع موجه إلى ولاة الامور لان الله لم يذكر ذلك إلا ليبين لنا المثل الاعلى في
(1) رواه احمد والبخاري والنسائي والترمذي وصححه.
(2)
ومتى رضي المتداعيان حكمه وحكماه ثم حكم لزمهما حكمه ولا يعتبر رضاهما بالحكم ولايجوز للحاكم نقضه. وللشافعي قولان: أحدهما يلزمه حكمه. والثاني لا يلزم إلا بتراضيهما بل يكون ذلك كالفتوى. وهذا التحكيم في قضايا الاموال.
أما الحدود واللعان والنكاح فلا يجوز فيها التحكيم بالاجماع.
(3)
سورة ص آية 26
الحكم وأن داود وهو نبي معصوم يخاطبه الله بقوله: " ولا تتبع الهوى فيضلك عن سبيل الله ".
فإذا كان النبي وهو معصوم يخشى عليه من اتباع الهوى فأولى بأن يخشى على غيره من غير المعصومين.
وعن أبي بريدة عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " القضاة ثلاثة: واحد في الجنة، واثنان في النار.
فأما الذي في الجنة فرجل عرف الحق فقضى به. ورجل عرف الحق فجار في الحكم فهو في النار. ورجل قضى للناس على جهل فهو في النار " (1) .
ومع الكتاب والسنة كان بعض القضاة يرجع في قضائه إلى أقوال الائمة واختيار الرأي القوي الذي يتفق مع الحق بعد انتهاء عصر الاجتهاد.
ذكر محمد بن يوسف الكندي ان ابراهيم بن الجراح تولى القضاء في سنة 204.
وقد قال عمربن خالد: ما صحبت أحدا من القضاة كابراهيم بن الجراح.
كنت إذا عملت له المحضر وقرأته عليه أقام عنده ما شاء الله أن يقيم ويرى فيه رأيه، فإذا أراد أن يقضي به دفعه إلي لانشى
(1) رواه أبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه والحاكم وصححه
منه سجلا فأجد في ظهره: قال أبو حنيفة كذا.
وفي سطر: قال ابن أبي ليلى كذا.
وفي سطر آخر: قال أبو يوسف وقال مالك كذا.
ثم أجد على سطر منها علامة كالخط فأعلم أن اختياره وقع على ذلك القول فأنشئ السجل عليه.
وقد رأى بعض العلماء إلزام القضاة بالقضاء بمذهب معين منعا للاضطراب وبلبلة الافكار.
قال الدهلوي: إن بعض القضاة لما جاروا في أحكامهم صار أولياء الامور يلزمون القضاة بأن يحكموا بمذهب معين لا يعدونه، ولم يقبل منهم إلا ما لا يريب العامة وتكون شيئا قد قيل من قبل.
قضاء من ليس بأهل للقضاء: قال العلماء: كل من ليس بأهل للحكم فلا يحل له الحكم، فإن حكم فهو
آثم ولا ينفذ حكمه وسواء وافق الحق أم لا، لان اصابة الحق اتفاقية ليست صادرة عن أصل شرعي فهو عاص في جميع أحكامه سواء وافق الصواب أم لا. وأحكامه مردودة كلها. ولا يعذر في شئ من ذلك.
النهج القضائي: وقد بين لنا الرسول صلى الله عليه وسلم المنهج الذي ينبغي