الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
حيوان وهذا حيوان واختلاف من جهة أن هذا ناطق وهذا صاهل وغير ذلك من الأمور كان ذلك صحيحا: فإن بين الصفتين من التشابه والاختلاف بحسب ما بين الذاتين: فالله تعالى موصوف بصفات الكمال الذي لا نقص فيه منزه عن صفات النقص مطلقا ومنزه عن أن يماثله غيره في صفات كماله: وحينئذ فإثبات أسماء لله وصفاته مع نفي المماثلة لأحد من مخلوقاته هو محض التوحيد فلا يشركه أحد في خصائصه وأوصافه المضافة إليه وله المثل الأعلى: فكل وصف كمال لا نقص فيه بوجه من الوجوه فهو متصف به على وجه لا يماثله فيه أحد: وكل وصف نقص وعيب فهو منزه عنه: ومن أجل أن الاعتماد في نفي التشبيه على الإثبات البريء من التمثيل والنفي الخالي من التعطيل هو الموافق لصريح كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم وهو مقتضى العقول السليمة والفطر المستقيمة من أجل ذلك كان مذهب سلف الأمة وأئمتها وصف الله بما وصف به نفسه أو وصفه به رسوله صلى الله عليه وسلم في النفي والإثبات: فالله سبحانه وتعالى قد نفى عن نفسه مماثلة المخلوقين فقال تعالى: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أحد اللَّهُ الصَّمَدُ لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أحد} فبين سبحانه أنه لم يكن أحد كفوا له: وقال تعالى: {هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيّاً} فأنكر أن يكون له سمي وقد بين سبحانه أن لا مثل له في صفاته ولا أفعاله فإن التماثل في الصفات والأفعال يتضمن التماثل في الذات فإن الذاتين المختلفتين يمتنع تماثل صفاتهما وأفعالهما: إذ تماثل الصفات والأفعال يستلزم تماثل الذوات فإن الصفة تابعة للموصوف بها والفعل أيضا تابع لفاعله: بل هو مما يوصف به الفاعل.
من نفى اشتراك الموجودات في المعنى العام لزمه التعطيل المحض
…
قوله:
فإن قيل إن الشيء إذا شابه غيره من وجه جاز عليه من ذلك الوجه. ما جاز عليه ووجب له ما وجب له، وامتنع عليه ما امتنع عليه، قيل هب أن الأمر كذلك ولكن إذا كان ذلك القدر المشترك لا يستلزم إثبات ما يمتنع على الرب سبحانه ولا نفي ما يستحقه لم يكن ممتنعا كما إذا
قيل أنه موجود حي عليم سميع بصير وقد سمى بعض عباده حيا سميعا عليما بصيرا، قيل لازم هذا القدر المشترك ليس ممتنعا على الرب تعالى، فإن ذلك لا يقتضي حدوثا ولا إمكانا ولا نقصا، ولا شيئا مما ينافي صفات الربوبية وذلك أن القدر المشترك هو مسمى الوجود أو الموجود، أو الحياة أو الحي، أو العلم أو العليم أو السمع أو البصر، أو السميع أو البصير، أو القدرة أو القدير، والقدر المشترك مطلق كلى لا يختص بأحدهما دون الأخر، فلم يقع بينهما اشتراك، لا فيما يختص بالممكن المحدث ولا فيما يختص بالواجب القديم، فإن ما يختص به أحدهما يمتنع اشتراكهما فيه فإذا كان القدر المشترك الذي فيه صفة كمال كالوجود والحياة والعلم والقدرة ولم يكن في ذلك شيء مما يدل على خصائص المخلوقين. كما لا يدل على شيء من خصائص الخالق، لم يكن في إثبات هذا محذورا أصلا، بل إثبات هذا من لوازم الوجود، فكل موجودين لابد بينهما من مثل هذا ومن نفي هذا لزمه تعطيل وجود كل موجود.
ش: يعني أن قال قائل: إن الموجودين إذا تشابها من وجه جاز على أحدهما من ذلك الوجه ما جاز على الآخر ووجب له من ذلك الوجه ما وجب للآخر وامتنع عليه من ذلك الوجه ما امتنع على الآخر قيل له افرض أن ذلك صحيح ولكن إذا كان لازم ذلك القدر المشترك الذي حصل فيه الاتفاق ليس فيه محذور وليس ممتنعا ولا يستلزم نفي صفات كمال ولا إثبات أوصاف نقص كما إذا قيل عن الله سبحانه أنه موجود حي عليم قدير سميع بصير والمخلوق يوصف بهذه الصفات فقد اتفقا في المعنى العام وهو القدر المشترك وهو مدلول الوجود ضد العدم والموجود ضد المعدوم ومدلول الحي ضد الميت والحياة ضد الموت ومدلول العليم ضد الجاهل والعلم ضد الجهل ومدلول القدير ضد العاجز والقدرة ضد العجز. ومدلول السميع ضد الأصم والسمع ضد الصمم ومدلول البصير ضد الأعمى والبصر ضد العمى: فقد اتفقا في مدلول الاسم ومدلول الصفة وذلك هو القدر المشترك
وهو معنى عام كلي ولم يوجب ذلك أن يشترك المحدث الممكن وهو المخلوق مع الواجب القديم وهو الله سبحانه فيما هو من خصائص أحدهما: بل ما أضيف إلى وأحد منهما فهو مختص به وهو على ما يليق به فإن الصفة تتبع الموصوف: فإذا كان القدر المشترك كما لا نقص فيه: ولم يحصل اشتراك فيما يختص بكل منهما لم يكن في إثبات ذلك القدر محذور؟ بل إثباته من مقتضيات الوجود: فإن الموجودات لابد بينها من الاتفاق في المعنى العام ومن نفى هذا المعنى المشترك لزمه تعطيل سائر الموجودات عن الوجود.
قوله:
ولهذا لما اطلع الأئمة على أن هذه حقيقة قول الجهمية سموهم معطلة، وكان جهم ينكر أن يسمى الله شيئا، ولربما قالت الجهمية هو شيء لا كالأشياء. فإذا نفى القدر المشترك مطلقا، لزم التعطيل العام، والمعاني التي يوصف بها الرب تعالى، كالحياة والعلم والقدرة، بل والوجود والثبوت والحقيقة ونحو ذلك تجب لوازمها، فإن ثبوت الملزوم يقتضي ثبوت اللازم، وخصائص المخلوق التي يجب تنزيه الرب عنها ليست من لوازم ذلك أصلا. بل تلك من لوازم ما يختص بالمخلوق من وجود وحياة وعلم، ونحو ذلك، والله سبحانه منزه عن خصائص المخلوقين وملزومات خصائصهم، وهذا الموضع من فهمه فهما جيدا وتدبره زالت عنه عامة الشبهات وانكشف له غلط كثير من الأذكياء في هذا المقام، وقد بسط هذا في مواضع كثيرة. وبين فيها: أن القدر المشترك الكلي لا يوجد في الخارج إلا معينا مقيدا وأن معنى اشتراك الموجودات في أمر من الأمور هو تشابهها من ذلك الوجه، وأن ذلك المعنى العام يطلق على هذا وهذا لأن الموجودات في الخارج لا يشارك أحدها الأخر في شيء موجود فيه، بل كل موجود متميز عن غيره بذاته وصفاته وأفعاله.