الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
حسناته، وفي مثل قوله تعالى:{مَا يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ وَمَا أَنَا بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ} وقول النبي صلى الله عليه وسلم في حديث (البطاقة) الذي رواه الإمام أحمد والترمذي وغيرهما: "يجاء برجل من أمتي يوم القيامة فتنشر له تسعة وتسعون سجلا كل سجل مد البصر، فيقال: هل تنكر من هذا شيئا؟، فيقول: لا يا رب، فيقال: ألك عذر، ألك حسنة؟، فيقول: لا يا رب، فيقول: بلى إن لك عندنا حسنة وإنه لا ظلم عليك اليوم قال فتخرج له بطاقة فيها أشهد أن لا إله إلا الله فتوضع البطاقة في كفة والسجلات في كفة – قال صلى الله عليه وسلم فطاشت السجلات وثقلت البطاقة".
خطأ من شهد الربوبية العامة فقط
…
قوله:
فمن نظر إلى القدر فقط وعظم الفناء في توحيد الربوبية، ووقف عند الحقيقة الكونية لم يميز بين العلم والجهل والصدق والكذب والبر والفجور، والعدل والظلم والطاعة والمعصية والهدى والضلال والرشاد والغي، وأولياء الله وأعدائه وأهل الجنة والنار، وهؤلاء مع أنهم مخالفون بالضرورة لكتاب الله ودينه وشرائعه فهم مخالفون أيضا لضرورة الحس والذوق وضرورة العقل والقياس، فإن أحدهم لابد أن يلتذ بشيء فيميز بين ما يأكل ويشرب وما لا يأكل ولا يشرب، وبين ما يؤذيه من الحر والبرد وما ليس كذلك، وهذا التمييز بين ما ينفعه ويضره هو الحقيقة الشرعية الدينية، ومن ظن أن البشر ينتهي إلى حد يستوي عنده الأمران دائما فقد افترى وخالف ضرورة الحس ولكن قد يعرض للإنسان في بعض الأوقات عارض كالسكر والإغماء ونحو ذلك مما يشغله عن الإحساس ببعض الأمور، فإما أن يسقط إحساسه بالكلية مع وجود الحياة فيه فهذا ممتنع، فإن النائم لم يفقد إحساس نفسه بل يرى في منامه ما يسوؤه تارة وما يسره أخرى، فالأحوال التي يعبر عنها بالاصطلام- كالفناء والسكر ونحو ذلك- إنما تنشأ عن عدم الإحساس ببعض الأشياء دون بعض، فهي مع نقص صاحبها لضعف تمييزه لا تنتهي إلى حد يسقط فيه
التمييز مطلقا، ومن نفى التمييز في هذا المقام مطلقا وعظم هذا المقام فقد غلط في الحقيقة الكونية والدينية قدرا وشرعا، وغلط في خلق الله وفي أمره، حيث ظن وجود هذا ولا وجود له، وحيث ظن أنه ممدوح ولا مدح في عدم التمييز وفقدان العقل والمعرفة.
ش: يقول الشيخ إن من احتج بالقدر وشاهد الربوبية العامة فقطلم يفرق بين المأمور والمحظور والمؤمنين والكافرين وأهل الطاعة وأهل المعصية ولم يفرق بين النبي الصادق والمتنبىء الكاذب وأولياء الله وأعدائه وهكذا سائر الأضداد بل يشهدون وجه الجمع من جهة كون الكل بقضاء الله وقدره وإرادته العامة ولا ريب أن الله تعالى خالق كل شيء ومليكه، والقدر هوقدرة الله وهو المقدر لكل ما هو كائن، لكن هذا لا ينفي حقيقة الأمر والنهي والوعد والوعيد، وأن من الأفعال ما ينفع صاحبه فيحصل له به نعيم ومنها ما يضر صاحبه فيحصل له به عذاب، والجميع سواء من جهة المشيئة والربوبية، لكن هناك فرقا آخر من جهة الحكمة والأوامر الإلهية ونهاية الأمور، وحينئذ فالإنسان لابد أن يجوع ويعطش فلا يسوي بين الخبز والشراب وبين الملح الأجاج والعذب الفرات، بل لابد أن يفرق بينهما ويقول هذا طيب وهذا ليس بطيب، فمن الأمور ما هو ملائم للإنسان نافع له يحصل له به اللذة ومنها ما هو مضاد له ضار يحصل له به الألم وهذا الفرق معلوم بالحس والعقل والشرع، مجمع عليه بين الأولين والآخرين فما دام الإنسان حيا فلابد أن يفرق بين ما ينفعه وينعمه ويسره وبين ما يضره ويشقيه ويؤلمه، وهذا حقيقة الأمر والنهي فإن الله تعالى أمر العباد بما ينفعهم ونهاهم عما يضرهم، فقد بعث الرسل بتكميل الفطرة فأرشدوا الخلق إلى ما ينالون به النعيم في الآخرة وينجون به من العذاب، ومن لم يدرك هذا الفرق فإن كان لسبب أزال عقله هو به معذور، وإلا كان مطالبا بما فعله من الشر وما تركه من الخير، وإذاً فهذا الصنف من الناس مع مخالفتهم ما هو معلوم بالضرورة من الدين فهم مخالفون لما هو معلوم بالضرورة من
الحس والعقل، وكونه يفرق بين النافع والضار معناه أنه يستطيع التمييز بين أمر الله وخلقه، فإن الشرع قد فصل له ما ينفعه وما يضره، ومن زعم أن أحدا من الناس يصل به الأمر إلى درجة لا يميز فيها بين هذه المتضادات فقد ضل وافترى، وإن كان الإنسان قد يأتي عليه أحيانا ما يجعله في حالة يضعف فيها تمييزه ويقل فيها إدراكه ووعيه، كحالة السكران والمغمى عليه، هذا شيء مسلم به ولكن مع ذلك فإن إحساسه لا يذهب كله بل يبقى معه شيء من شعوره وإدراكه، فإما أن يذهب تمييزه نهائيا فهذا غير صحيح، وقوله:"ونحو ذلك" يعني كحالة النائم فإن النائم مع أنه أعظم نقصا من حالة السكران والمغمى عليه فإنه لا يذهب إحساسه كله بل يدرك ويشعر بأمور يراها في نومه مما قد يسوؤه أو يسره، فالأحوال التي تعبر عنها الصوفية بالاصطلام إنما تنشأ من عدم إحساس أصحابها ببعض الأمور ولكنها مع نقص حالة أصحابها فهي لا تصل إلى حالة يسقط معها التمييز سقوطا كاملا، ومن ادعى سقوط التمييز سقوطا تاما وعظم الفناء في مشاهدة الربوبية فقد غلط غلطا شنيعا وقصر في أمر الله وشرعه تقصيرا يخرجه إلى كفر أعظم منه في اليهود والنصارى، فإن هؤلاء مع كفرهم يقرون بنوع من الأمر والنهي والوعد والوعيد، بخلاف هؤلاء المباحية المسقطة للشرائع مطلقا، فإنهم يقولون أن العارف إذا صار في هذا المقام لا يستحسن حسنة ولا يستقبح سيئة، لشهوده الربوبية العامة والقيومية الشاملة، وحينئذ فمن ادعى سقوط التمييز سقوطا تاما فقد غلط غلطا بينا في تفريقه بين خلق الله وأمره وفي اعتقاده أن عمله هذا ممدوح فإنه لا وجود لهذا ولا مدح في عدم العلم وسقوط المعرفة، وهذا حال المتأخرين من الصوفية. قال الشيخ: "وأما أئمة الصوفية، والمشايخ المشهورون من القدماء: مثل الجنيد بن محمد وأتباعه، والشيخ عبد القادر وأمثاله، فهؤلاء من أعظم الناس لزوما للأمر والنهي، وتوصية بذلك وتحذيرا من المشي مع القدر، فالشيخ عبد القادر كلامه كله يدور على اتباع المأمور وترك المحذور، والصبر على المقدور، ولا يثبت طريقا تخالف ذلك أصلا، لا هو
ولا عامة المشائخ المقبولين عند المسلمين، وكان يحذر عن ملاحظة القدر المحض بدون اتباع الأمر والنهي، كما أصاب أولئك الصوفية الذين شهدوا القدر وتوحيد الربوبية، وغابوا عن الفرق الإلهي الديني الشرعي المحمدي. الذي يفرق بين محبوب الحق ومكروهه"، والأحوال هي أعمال القلوب التي تسميها الصوفية مقامات أو منازل السائرين إلى الله أو مقامات العارفين، وفيها ما هو من الإيمان وفيها ما هو من وحي الشيطان، والذوق: هو مباشرة الحاسة الظاهرة أو الباطنة للملائم والمنافر، قال ابن القيم: "ولا يختص ذلك بحاسة الفم في لغة القرآن بل ولا في لغة العرب"، قال الله تعالى: {ذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ} ، وقال: {فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ} ، وقال: {فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ} ، وفي الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم: "ذاق طعم الإيمان من رضي بالله ربا، وبالإسلام دينا، وبمحمد صلى الله عليه وسلم رسولا" فأخبر أن للإيمان طعما وأن القلب يذوقه كما يذوق طعم الطعام والشراب "والاصطلام": هو شهود القيومية العامة والفناء في شهود توحيد الربوبية وقوله: "بل يرى في منامه ما يسؤوه تارة وما يسره أخرى"، معناه أن الإنسان الحي غير فاقد للإحساس فقدانا تاما حتى حالة غيبوبته عما حوله من المحسوسات فإنه أحيانا يشاهد وهو نائم ما يزعجه ويؤلمه وهي المرائي السيئة وأحيانا يشاهد ما يسره ويفرح به قلبه وهي المرائي الصالحة، روى مسلم في صحيحه، عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لأعرابي جاءه فقال:"إني حلمت أن رأسي قطع، فأنا أتبعه. فزجره النبي صلى الله عليه وسلم، وقال: لا تخبر بتلاعب الشيطان بك في المنام" وفي رواية: "أن أعرابيا قال: يا رسول الله، رأيت في المنام: كان رأسي ضرب، فتدحرج، فاشتددت في أثره فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا تحدث بتلاعب الشيطان بك في منامك"، وقال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد يخطب، فقال:"لا يحدثن أحدكم بتلاعب الشيطان به في منامه" زاد في رواية "فضحك النبي صلى الله عليه وسلم "، وروى مسلم وأبو داود عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "رأيت الليلة - وفى رواية - رأيت