الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قال بأربعين عاما (كما في رواية مسلم) قال فحج آدم موسى"، فآدم عليه السلام أنما حج موسى لأن موسى لامه على ما فعل لأجل ما حصل لهم من المصيبة بسبب أكله من الشجرة، لم يكن لومه لأحق حق الله في الذنب فإن آدم كان قد تاب من الذنب فتاب عليه. قال تعالى:{ثُمَّ اجْتَبَاهُ رَبُّهُ فَتَابَ عَلَيْهِ وَهَدَى} ، وقال تعالى:{ثُمَّ اجْتَبَاهُ رَبُّهُ فَتَابَ عَلَيْهِ وَهَدَى} ، وموسى ومن هو دون موسى يعلم أنه بعد التوبة والمغفرة لا يبقى ملام على الذنب، وآدم أعلم بالله من أن يحتج بالقدر على الذنب وموسى عليه السلام أعلم بالله تعالى من أن يقبل هذه الحجة فإن هذه لو كانت حجة على الذنب لكانت حجة لإبليس عدو آدم وحجة لفرعون عدو موسى وحجة لكل كافر وفاجر ولبطل أمر الله ونهيه، بل إنما كان القدر حجة لآدم على موسى لأنه لام غيره لأجل المصيبة التي حصلت له بفعله ذلك، وتلك المصيبة كانت مكتوبة وقد قال الله تعالى:{مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ} .
وحينئذ فالعباد مأمورون باتباع المأمور وترك المحذور والصبر على المقدور وعدم ملاحظة القدر المحض بدون اتباع الأمر والنهي خلافا لأولئك الصوفية الذين شهدوا القدر وتوحيد الربوبية وغابوا عن الفرق الإلهي الديني الشرعي الذي يفرق بين محبوب الحق ومكروهه. وبالمراعاة الصحيحة لقدر لله وشرعه يصير الإنسان عابدا حقيقة فيكون مع الذين أنعم الله عليهم من أنبياء وصديقين وشهداء وصالحين وكفى بهذه الصحبة غبطة وسعادة.
الأصلان اللذان لابد منهما في عبادة الله
…
قوله:
وقد جمع الله سبحانه بين هذين الأصلين في غير موضع، كقوله في أم الكتاب:{إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} ، وقوله:{فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ} ، وقوله:{عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ} ، وقوله: {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً، وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ
بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْراً} .
فالعبادة إنما هي لله والاستعاذة والاستعانة لا تكون إلا بالله ولذلك كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول عند الأضحية: "اللهم منك ولك" فما لم يكن بالله لا يكون، فإنه لا حول ولا قوة إلا بالله، وما لم يكن لله لا ينفع ولا يدوم.
ش: يقول الشيخ أن من الأصلين الواجبين في باب القدر: الاستعانة بالله وعبادته والإنابة إليه وقد جمعهما الله في مواضع عديدة من كتابه كما في آية الفاتحة وهود والشورى والطلاق، وحينئذ فالعبادة إنما هي لله والاستعاذة والاستعانة لا تكون إلا بالله ولذلك كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول عند ذبح الأضحية:"اللهم منك ولك" كما في الحديث الذي رواه أبو داود والبيهقي وابن ماجه عن جابر رضي الله عنه ولفظه: "ضحى رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم عيد بكبشين، فقال حين وجههما: وجهت وجهي للذي فطر السموات والأرض حنيفا وما أنا من المشركين إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين لا شريك له وبذلك أمرت وأنا أول المسلمين اللهم منك ولك عن محمد وأمته".
والله سبحانه هو المعطي والمنعم المتفضل كما أنه المانع، وحينئذ فما لم يكن بالله لا يكون فإنه لا تحول من حال إلى حال إلا بالله العلي العظيم، وأي مسعى أو عمل لا يكون لله فإنه غير نافع لصاحبه ومآله إلى الذهاب والزوال، فإن ما عند العباد فانٍ، وما عند الله باقٍ {وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَاباً وَخَيْرٌ أَمَلاً} .
الأصلان اللذان لا بد منهما في عبادة الله
قوله:
ولابد في عبادته من أصلين أحدهما إخلاص الدين والثاني موافقة أمره الذي بعث به رسله، ولهذا كان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول في دعائه:"اللهم اجعل عملي كله صالحا واجعله لوجهك خالصا ولا تجعل لأحد فيه شيئا"، قال الفضيل في قوله تعالى: " {لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً} قال أخلصه وأصوبه قالوا يا أبا علي، ما أخلصه وأصوبه؟، فقال: إذا كان العمل
خالصا ولم يكن صوابا لم يقبل وإذا كان صوابا ولم يكن خالصا لم يقبل"، والخالص: أن يكون لله والصواب أن يكون على السنة، ولهذا ذم الله المشركين في القرآن على اتباع ما شرع لهم شركاؤهم من الدين الذي لم يأذن به الله من عبادة غيره وعبادته بما لم يشرعه من الدين. كما قال تعالى:{أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّه} ، كما ذمهم على أنهم حرموا ما لم يحرمه الله. والدين الحق: أنه لا حرام إلا ما حرم الله ولا دين إلا ما شرعه.
ش: يعني فإن دين الإسلام مبني على أصلين أحدهما أن يعبد الله وحده لا يشرك به شيء. والثاني: أن يعبد بما شرعه على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم وهذان هما حقيقة قولنا أشهد أن لا إله إلا لله وأشهد أن محمدا عبده ورسوله فالإله هو الذي تألهه القلوب عبادة واستعانة ومحبة وتعظيما وخوفا ورجاء وإجلالا، والله عز وجل له حق لا يشركه فيه غيره فلا يعبد إلا الله ولا يدعى إلا الله ولا يخاف إلا الله ولا يطاع إلا الله، وكل من لم يعبد الله بعد مبعث محمد صلى الله عليه وسلم بما شرعه الله من واجب ومستحب فليس بمسلم، ولابد في جميع الواجبات والمستحبات أن تكون خالصة لله رب العالمين كما قال تعالى:{وَمَا تَفَرَّقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَةُ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ} ، وقال تعالى:{تَنْزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ، إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصاً لَهُ الدِّينَ أَلا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِص} ، فكل ما يفعله المسلم من القرب الواجبة والمستحبة كالإيمان بالله ورسوله والعبادات البدنية والمالية والإحسان إلى عباد الله هو مأمور بأن يفعله خالصا لله صوابا على السنة، والشاهد من كلام الخليفة الراشد هو أن العمل لا يكون مقبولا إلا إذا خلا من شوائب الشرك والبدع وكذلك الشاهد من تفسير الفضيل للآية الكريمة هو أن العبادة لها ركنان هما الإخلاص والمتابعة. ومن أجل ما ذكر نجد الله جل وعلا قد ذم المشركين