الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
لصرفهم العبادة أو شيئا منها لغير لله أو عبادتهم إياه بغير ما شرعه في كتابه أو على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم كما في آية الشورى. كما ذمهم على أنهم حرموا ما لم يحرمه كما في قوله سبحانه: {وَقَالُوا هَذِهِ أَنْعَامٌ وَحَرْثٌ حِجْرٌ لا يَطْعَمُهَا إِلَّا مَنْ نَشَاءُ بِزَعْمِهِمْ وَأَنْعَامٌ حُرِّمَتْ ظُهُورُها وَأَنْعَامٌ لا يَذْكُرُونَ اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا افْتِرَاءً عَلَيْهِ سَيَجْزِيهِمْ بِمَا كَانُوا يَفْتَرُونَ} الآية.
فالحرام ما حرمه الله والحلال هو ما أحله، كما أن الدين هو ما أنزل به كتبه وأرسل به رسله.
وعمر بن الخطاب هو أبو حفص العدوي الفاروق وزير رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن أيد الله به الإسلام وفتح به الأمصار وهو الصادق الملهم الذي جاء عن المصطفى صلى الله عليه وسلم أنه قال: "لو كان بعدي نبي لكان عمر"، وهو الذي فر منه الشيطان وأعلى به الإيمان، وأعلن الأذان. وقد استشهد رضي الله عنه في أواخر الحجة من سنة 32 وعاش نحوا من ستين سنة، والفضيل بن عياض هو الإمام القدوة أبو علي التميمي اليربوعي المروزي شيخ الحرم حدث عن منصور بن المعتمر وحصين بن عبد الرحمن وعطاء بن السائب وطبقتهم بالكوفة وروى عنه ابن المبارك ويحي القطان والقعنبي وخلق كثير وكان ربانيا قانتا ثقة، قال هارون الرشيد: ما رأيت في العلماء أهيب من مالك ولا أورع من الفضيل. توفي يوم عاشوراء سنة سبع وثمانين ومائة وقد نيف على الثمانين رحمة الله عليه.
الناس في عبادة الله والاستعانة به أربعة أقسام
قوله:
ثم إن الناس في عبادته واستعانتهم به على أربعة أقسام: فالمؤمنون المتقون هم له وبه يعبدونه ويستعينونه وحده، وطائفة تعبده من غير استعانة ولا صبر فتجد عند أحدهم تحريا للطاعة والورع ولزوم السنة، ولكن ليس لهم توكل ولا استعانة ولا صبر بل فيهم عجز وجزع، وطائفة: فيهم استعانة وتوكل وصبر من غير استقامة على الأمر ولا متابعة للسنة، فقد
يمكن أحدهم ويكون له نوع من الحال باطنا وظاهرا، ويعطى من المكاشفات والتأثيرات ما لم يعطه الصنف الأول ولكن لا عاقبة له، فإنه ليس من المتقين والعاقبة للتقوى، فالأولون لهم دين ضعيف ولكنه مستمر باق إن لم يفسده صاحبه بالجزع والعجز، وهؤلاء لأحدهم حال وقوة، ولكن لا يبقى له إلا ما وافق فيه الأمر واتبع فيه السنة. وشر الأقسام من لا يعبده ولا يستعينه فهو لا يشهد أن عمله لله ولا أنه بالله.
ش: لما بين المؤلف أنه لابد في باب القدر مع الصبر من عبادة الله والاستعانة به وأن الله قد قرن بينهما في مواضع عديدة من كتابه وأن العبادة لا تستقيم ولا تصح إلا بالإخلاص والمتابعة، ذكر بعد ذلك أن الناس في عبادة الله والاستعانة به أصناف أربعة أحدها - وهو المحمود - من جمع بين عبادة الله والاعتماد عليه فاستعان بالله واستقام على طاعته وهؤلاء هم الذين حققوا قوله تعالى:{إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} ، وقوله سبحانه:{فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ} فاستعانوا به على طاعته وشهدوا أنه إلههم الذي لا يجوز أن يعبد إلا إياه واعتقدوا أنه ربهم الذي ليس لهم من دونه ولي ولا شفيع وفهموا معنى قوله تعالى: {مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلا مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلا مُرْسِلَ لَهُ مِنْ بَعْدِهِ} ، وقوله:{وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِنْ يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلا رَادَّ لِفَضْلِهِ} ، وقوله:{قُلْ أَفَرَأَيْتُمْ مَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ أَرَادَنِيَ اللَّهُ بِضُرٍّ هَلْ هُنَّ كَاشِفَاتُ ضُرِّهِ أَوْ أَرَادَنِي بِرَحْمَةٍ هَلْ هُنَّ مُمْسِكَاتُ رَحْمَتِهِ} ، والثاني: من عنده تعبد وورع وتحر لاتباع الشرع ولكن عنده إلى جانب ذلك ضعف وخور فلا صبر له وليس عنده استعانة بالله ولا توكل عليه وهؤلاء هم قوم ينظرون إلى جانب الأمر والنهي ويشاهدون إلهية الرب سبحانه الذي أمروا أن يعبدوه غير ناظرين إلى جانب القضاء والقدر والتوكل والاستعانة، فهم مع حسن قصدهم وتعظيمهم لحرمات الله ولشعائره يغلب عليهم الضعف والعجز والخذلان لأن الاستعانة بالله والتوكل عليه واللجوء إليه هي التي تقوي العبد وتيسر
عليه الأمور وقد فقدوها، وإنما التوكل المأمور به ما اجتمع فيه مقتضى التوحيد والعقل والشرع وقد جاء وصف النبي صلى الله عليه وسلم بأنه المتوكل كما فى الحديث الذي رواه البخاري ومسلم عن عبد الله بن عمرو:"أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صفته في التوراة: إنا أرسلناك شاهدا ومبشرا ونذيرا وحرزا للآدميين أنت عبدي ورسولي سميتك المتوكل ليس بفظ ولا غليظ ولا صخاب بالأسواق ولا يجزي بالسيئة السيئة ولكن يجزي بالسيئة الحسنة ويعفو ويغفر ولن أقبضه حتى أقيم به الملة العوجاء فافتح به أعينا عميا وآذانا صما وقلوبا غلفا بأن يقولوا لا إله إلا الله"، ولهذا روي أن حملة العرش إنما أطاقوا حمله بقولهم لا حول ولا قوة إلا بالله. وفى صحيح البخاري عن ابن عباس رضي الله عنه في قوله:{وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ} قالها إبراهيم الخليل حين ألقي في النار وقالها محمد صلى الله عليه وسلم حين {قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُم} "، وحينئذ فأهل العبادة والاستعانة بالله هم المؤمنون المتقون حقا، والثالث: من عنده استعانة بالله وتوكل عليه وعدم جزع، ولكن ليس عنده استقامة على طاعة الله بل هو معرض عن أوامره ومرتكب لنواهيه مشاهد لربوبية الحق غير ناظر إلى حقيقة أمره ونهيه ورضاه وغضبه، وهذا حال كثير من المتصوفة، وقوله: "فقد يمكن أحدهم ويكون له نوع من الحال باطنا وظاهرا ويعطى من المكاشفات والتأثيرات ما لم يعطه الصنف الأول ولكن لا عاقبة له فإنه ليس من المتقين والعاقبة للتقوى" معناه أن هذا الصنف من الناس قد يحصل له ما لا يحصل للصنف الثاني، من العلم بالكونيات والقدرة على التأثير فيها بالحال والقلب كالأحوال الفاسدة من العين والسحر، وكالاطلاع على سيئات العباد وركوب السباع والاجتماع بالجن والمشي على الماء وأمثال ذلك، وكثير من هؤلاء يبنون أحوالهم على منامات وأذواق وخيالات يحتقدونها كشفا؟ وهي خيالات غير مطابقة وأوهام غير صادقة:{إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنَّ الظَّنَّ لا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئاً} ، وهؤلاء كثيرا ما يسلبون أحوالهم، وقد يعودون بأنواع من المعاصي
والفسوق، بل كثير منهم يرتد عن الإسلام لأن العاقبة للتقوى ومن لم يقف عند أمر الله ونهيه فليس من المتقين فهم يقعون في بعض ما وقع المشركون فيه، تارة في بدعة يظنونها شرعة، وتارة في الاحتجاج بالقدر على الأمر، والله تعالى لما ذكر ما ذم به المشركين في سورة الأنعام ذكر ما ابتدعوه من الدين وجعلوه شرعة كما قال تعالى:{سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا وَلا آبَاؤُنَا وَلا حَرَّمْنَا مِنْ شَيْءٍ} ، واعلم أن الكشف والتأثير منه ما هو محمود نافع ومنه ما هو مذموم ضار، كما أنهما قد يقعان للمؤمن الطائع وقد يقعان للمنافق والفاجر، فالأول هو علم الدين والعمل به والأمر به، بأن يؤتى الإنسان من علم الدين والعمل به ما يستعمل به الكشف والتأثير الكوني بحيث تقع الخوارق الكونية تابعة للأوامر الدينية، أو أن تخرق له العادة في الأمور الدينية بحيث ينال من العلوم الدينية ومن العمل بها ومن الأمر بها ومن طاعة الخلق فيها ما لم ينله غيره في مطرد العادة، فهذا أعظم الكرامات والمعجزات وهو حال نبينا محمد صلى الله عليه وسلم وأبي بكر الصديق وعمر بن الخطاب وأمثالهم من المؤمنين المتقين. والثاني: كمخاطبة الشياطين، للمستغيث بغير الله من غائب وميت وقضائهم حوائجهم ودفعهم عنهم بعض ما يضرهم فيظن أحدهم أن الولي أو الميت هو الذي فعل ذلك فيقول أحدهم هذا سر المستغاث به وحاله وإنما هو الشيطان تمثل به ليضل المشرك المستغيث به فقد تدخل الشياطين في الأصنام وتكلم عابديها وتقضي بعض حوائجهم كما كان ذلك في أصنام مشركي العرب.
قال الشيخ رحمه الله: ومن هؤلاء من يأتي إلى قبر الشيخ الذي يشرك به ويستغيث به فينزل عليه من الهواء طعام أو نفقة أو سلاح أو غير ذلك مما يطلبه فيظن ذلك كرامة شيخه وإنما ذلك كله من الشياطين، وهذا من أعظم الأسباب التي عبدت بها الأوثان، وقوله:"فالأولون لهم دين ضعيف ولكنه مستمر باق إن لم يفسده صاحبه بالجزع والعجز وهؤلاء لأحدهم حال وقوة ولكن لا يبقى له إلا ما وافق فيه الأمر واتبع فيه السنة"
يعني أن الصنف الثاني وهو من عنده عبادة وليس له صبر ولا استعانة، له دين ضعيف ومع ضعفه فهو باق مستمر إن لم يغلب على صاحبه الكسل والخمول، وأما هذا الصنف فعنده عمل وصبر ولكن لا يبقى معه من أعماله إلا ما كان على مقتضى شرع الله الذي أنزله في كتابه وعلى لسان رسوله صلى الله عليه وسلم، قال صلى الله عليه وسلم:"من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد".
والرابع: وهو شر الأصناف من يعرض عن عبادة لله والاستعانة به فلا يلاحظ أنه خلق لعبادة لله ولا يدرك أنه لا حول ولا قوة إلا بالله، في حين أن العبادة هي الغاية التي خلق الجن والإنس من أجلها فالعبد لا يكون مطيعا لله ورسوله فضلا أن يكون من خواص أوليائه المتقين إلا بفعل ما أمر به وترك ما نهى عنه، وفى حين أن العبد عاجز عن الاستقلال في جلب مصالحه ودفع مضاره ولا معين له على مصالح دينه ودنياه إلا الله عز وجل فمن أعانه الله فهو المعان ومن خذله فهو المخذول، وهذا تحقيق معنى لا حول ولا قوة إلا بالله فالعبد محتاج إلى الاستعانة بالله في فعل المأمورات وترك المحذورات والصبر على المقدورات كلها، فالصبر واجب على المؤمن حتما وفي الصبر خير كثير، فإن الله أمر به ووعد عليه جزيل الأجر قال عز وجل:{إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ} ، وقال:{وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ، الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ، أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ} .
قوله:
فالمعتزلة ونحوهم من القدرية، الذين أنكروا القدر هم في تعظيم
الأمر والنهي والوعد والوعيد، خير من هؤلاء الجبرية القدرية، الذين يعرضون عن الشرع والأمر والنهي، والصوفية هم في القدر ومشاهدة توحيد الربوبية خير من المعتزلة ولكن فيهم من فيه نوع بدع مع إعراض عن بعض الأمر والنهي والوعد والوعيد حتى يجعلوا الغاية هي مشاهدة توحيد الربوبية والفناء في ذلك ويصيرون أيضا معتزلة لجماعة المسلمين