الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فقولهم ظاهر التناقض والاختلاف: يعني وأهل السنة أثبتوا كل ما جاء به الرسول وأولئك جعلوا الجميع تخييلا وتوهيما ومعلوم بالأدلة الكثيرة السمعية والعقلية فساد مذهب هؤلاء، ومذهب الملاحدة. فتعين أن يكون الحق مذهب السلف أهل السنة والجماعة.
أمور أربعة يتضح بهافساد مسلك المعطلة
…
فساد مسلك المعطلة يتضح في أربعة أمور
قوله: فإن هذه الطريقة لا يحصل بها المقصود لوجوه:
أحدها: أن وصف الله تعالى بهذه النقائص والآفات أظهر فسادا في العقل والدين من نفي التحيز والتجسيم، فإن هذا فيه من الاشتباه والنزاع والخفاء ما ليس في ذلك، وكفر صاحب ذلك معلوم بالضرورة من دين الإسلام والدليل معرف للمدلول ومبين له، فلا يجوز أن يستدل على الأظهر الأبين بالأخفى، كما لا يفعل مثل ذلك في الحدود.
الوجه الثاني: أن هؤلاء الذين يصفونه بهذه الصفات يمكنهم أن يقولوا. نحن لا نقول بالتجسيم والتحيز، كما يقوله من يثبت الصفات وينفي التجسيم فيصير نزاعهم مثل نزاع مثبتة الكلام وصفات الكمال. فيصير كلام من وصف الله بصفات الكمال ومن وصفه بصفات النقص وأحدا ويبقى رد النفاة على الطائفتين بطريق وأحد وهذا في غاية الفساد. الثالث: أن هؤلاء ينفون صفات الكمال بمثل هذه الطريقة، واتصافه صفات الكمال واجب ثابت بالعقل والسمع. فيكون ذلك دليلا على فساد هذه الطريقة.
ش: يعنى أن الاعتماد في تنزيه الله على نفي التجسيم والتحيز ونحو ذلك لا يحصل به المراد لأمور:
أحدها: أن وصف الرب بهذه الآفات والعيوب أظهر فسادا في المعقول الصريح والمنقول الصحيح من وصفه بالتجسيم والتحيز فإن وصفه
بهذه النقائص أمر واضح الفساد وبين البطلان لكل ذي عقل سليم وفطرة مستقيمة. وكفر صاحبه واضح لا إشكال فيه بينما التجسيم والتحيز والتركيب ألفاظ مجملة تحتمل الحق والباطل لما فيها من الاشتباه وخفاء المراد وحينئذ لا يجوز الاستدلال بما فيه الاشتباه وخفاء على ما هو واضح بين، فشأن الدليل إيضاح المدلول وتعريفه. فهو كالحد الذي يشرح المحدود ويعرفه تعريفا واضحا.
ثانيها: أن الذين يصفون الله بهذه النقائص والعيوب يستطيعون أن يقولوا: نحن نصف الله بهذه الأوصاف دون أن نصفه بالجسمية والتحيز، وإذا أجابوا بهذا الجواب كان النزاع مع من يثبت أوصاف النقص كالنزاع مع من يثبت أوصاف الكمال من كلام وعلم وقدرة إلى غير ذلك من الصفات ويكون رد المعطلة على الجميع وأحدا، بأن يقولوا: لا نصف الله بالصفات الواردة في الكتاب والسنة كما لا نصفه بأوصاف النقص: لأنه لا يتصف بهذه أو تلك إلا جسم متحيز وهذا ممتنع في حق الله، فتبين بهذا فساد الطريق الذي سلكوه في ردهم على من يصف الله بأوصاف النقص.
ثالثها: أن هؤلاء المعطلة ينفون عن الله أوصاف الكمال بهذا الطريق الفاسد في حين أن الرب سبحانه متصف بأوصاف الكمال ونعوت الجلال، كما وردت بذلك النصوص وكما هو مقتضى العقل السليم والفطرة المستقيمة؟ فيكون نفيهم هذا دليلا على فساد طريقتهم: وأنهم لم يستفيدوا بها إحقاق حق وإنما استفادوا إطال ما هو حق ثابت بالعقل والشرع.
قوله:
الرابع: أن سالكي هذه الطريقة متناقضون، فكل من أثبت شيئا منهم ألزمه الآخر بما يوافقه فيه من الإثبات. كما أن كل من نفى شيئا منهم الزمه الآخر بما يوافقه فيه من النفي. فمثبتة الصفات كالحياة والعلم
والقدرة والكلام والسمع والبصر. إذا قال لهم النفاة كالمعتزلة هذا تجسيم إن هذه الصفات أعراض والعرض لا يقوم إلا بالجسم أولانا لا نعرف موصوفا بالصفات إلا جسما قالت لهم المثبتة: وأنتم قد قلتم أنه حي عليم قدير. وقلتم ليس بجسم وأنتم لا تعلمون موجودا حيا عالما قادرا إلا جسما فقد أثبتموه على خلاف ما علمتم. فكذلك نحن وقالوا: لم أنتم أثبتم حيا عالما قادرا بلا حياة ولا علم ولا قدرة. وهذا تناقض يعلم بضرورة العقل. ثم هؤلاء المثبتون إذا قالوا لمن أثبت أنه يرضى ويغضب ويحب ويبغض إلى من وصفه بالاستواء والنزول والإتيان والمجيء. وبالوجه واليد ونحو ذلك إذا قالوا: هذا يقتفي التجسيم. لأنا لا نعرف ما يوصف بذلك إلا ما هو جسم.
قالت المثبتة فأنتم قد وصفتموه بالحياة والعلم والقدرة والسمع والبصر والكلام وهذا كهذا. فإذا كان هذا يوصف به الجسم فالأخرى كذلك. وإن أمكن أن يوصف بأحدهما ما ليس بجسم فالآخر كذلك فالتفريق بينهما تفريق بين المتماثلين.
ش: يقول المؤلف: الرابع من الأمور التي يتضح بها فساد المسلك المذكور: هو أن هؤلاء المبتدعين الرادين على من يصف الله بأوصاف النقص بنفي التجسيم والتحيز متناقضون ومتضاربة أقوالهم فمن يثبت شيئا من الصفات يرد على من ينازعه في إثباتها قائلا: أنت توافقني على إثبات الأسماء، ومن ينفي شيئا من الصفات يقول له من ينفي الصفات كلها: أنت توافقني في نفي شيء من الصفات، ثم شرح الشيخ هذه القضية بمناقشة الأشعري مع المعتزلي بقوله: "فمثبتة الصفات كالحياة والعلم والقدرة والكلام والسمع والبصر
…
إلى آخره"، وخلاصة ذلك أن المعتزلة إذا قالوا للأشاعرة أنتم تثبتون الصفات السبع وهي أعراض والأعراض حادثة فهي لا تقوم إلا بجسم حادث ولا يعلم في المشاهد متصف بالصفات إلا ما هو جسم حادث. قال الأشاعرة: وأنتم أيها المعتزلة تثبتون الأسماء لله مع أنه لا
يعلم في المشاهد مسمى حيا عليما قديرا إلا ما هو جسم، فقد أثبتم ذلك على خلاف ما تعلمونه في المشاهد، فنحن إذاً نثبت الصفات السبع لله على خلاف ما هو معلوم في المشاهد، ويقولون أيضا أنتم أيها المعتزلة تثبتون أسماء محضة لا تتضمن صفات وهذا معلوم الفساد بالضرورة.، فإن الحي هو المتصف بالحياة، والعليم هو المتصف بالعلم وهكذا سائر الأسماء. ثم إن هؤلاء المثبتين للصفات السبع إذا قالوا لمن يثبت الصفات الذاتية والفعلية والاختيارية والخبرية نحن لا نجد في الشاهد متصفا بهذه الصفات إلا ما هو جسم، والأجسام متماثلة فمن أثبتها لله فقد مثله بخلقه إذا قالوا هذه المقالة قال لهم سائر أهل الإثبات أنتم قد أثبتم الصفات السبع فما نفيتم هو مثل ما أثبتم فإن كان الذي أثبتموه يقتضي الجسمية والمماثلة فالذي نفيتموه مثله وإلا فلا، وحينئذ فتفريقكم بين الصفات السبع وبين ما عداها تفريق بين متماثلين، وهذا خلاف ما تقتضيه المعقولات بل هو خلاف المعقول والمنقول وقد سبقت الإشارة إلى ذلك.
قوله:
ولهذا لما كان الرد على من وصف الله تعالى بالنقائص بهذه الطريق طريقا فاسدا لم يسلكه أحد من السلف ولا الأئمة، فلم ينطق أحد منهم في وصف الله بالجسم لا نفيا ولا إثباتا، ولا بالجوهر والتحيز ونحو ذلك، لأنها عبارات مجملة لا تحق حقا ولا تبطل باطلا، ولهذا لم يذكر الله في كتابه فيما أنكره على إليهود وغيرهم من الكفار ما هو من هذا النوع، بل هذا هو من الكلام المبتدع الذي أنكره السلف والأئمة.
ش: يقول الشيخ: ومن أجل أن رد المبتدعة على من يصف الله بالبكاء والحزن ونحو ذلك من صفات النقص، بأن هذه الأوصاف لا تقوم إلا بجسم متحيز، من أجل أن هذا الطريق طريق غير صحيح لم يسلكه أحد من سلف الأمة من الصحابة والتابعين وأئمة السنة، فلم يقولوا بأن
الله جسم أو ليس بجسم. وهكذا بالنسبة للجوهر والتحيز ونحوه كالتركيب والعرض، وذلك أن هذه ألفاظ مستحدثة مجملة لا يحصل بواسطتها بيان حق ولا دحض باطل، لذلك لم ترد في القرآن العزيز في رد الله سبحانه على اليهود والنصارى والمشركين الذين نسبوا إليه النقائص والعيوب التي يتقدس عنها، وسلف الأمة وأئمة السنة قد أنكروا على المبتدعين هذه الألفاظ المجملة وبينوا ما تحتها من المعاني التي يقصدونها وقد تقدم ذلك.