المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌دين الله هو ما بعث به رسله - التحفة المهدية شرح العقيدة التدمرية - جـ ٢

[فالح بن مهدي آل مهدي]

فهرس الكتاب

- ‌المجلد الثاني

- ‌الاعتماد على الاثبات المجرد عن نفي التشبيه طريقة المشبهة

- ‌معنى التشبيه عند المعطلة

- ‌المحذور الذي نفته الأدلة هو أن يكون لله شريك أو مثيل

- ‌من الصفاتيه من لا يصف الصفات بالقدم

- ‌اصطلاح المعتزلة والجهمية في مسمى التشبيه

- ‌فساد القول بتماثل الأجسام

- ‌معنى الأفعال الاختيارية

- ‌معنى الهيولى

- ‌قول الروافض لا ولاء الا ببراء

- ‌من دخل في اسم مذموم في الشرع كان مذموما

- ‌بيان فساد طريقة المعطلة

- ‌من نفى اشتراك الموجودات في المعنى العام لزمه التعطيل المحض

- ‌الاشاعرة يجمعون بين الأمرين المتناقضين

- ‌اضطراب أساطين الكلام في المسائل الخمس

- ‌بيان فساد مسلك المعطلة في ردهم

- ‌أمور أربعة يتضح بهافساد مسلك المعطلة

- ‌الأعتماد على مجرد نفي التشبيه لا يكفي في إثبات الصفات

- ‌اعتراض المعتزلة على الأشاعرة

- ‌سورة (قل هو الله أحد) : هي نسب القرآن

- ‌اشارة الشارح إلى القاعدة السابعة

- ‌ الأصل الثاني من نوعي التوحيد

- ‌معنى حديث الأنبياء اخوة لعلاة

- ‌دين الأنبياء واحد وان اختلفو افي الشرعة والمنهاج

- ‌أول الرسل يبشر بآخرهم

- ‌تنازع الناس في اسلام من تبقى من أمة موسى وعيسى

- ‌ ما وقع من الغلط في مسمى "التوحيد

- ‌القرآن منزل غير مخلوق

- ‌اقرار المرء بأن الله خالق كل شيء لا يغني عنه إلا إذا نطق بالشهادتين

- ‌معنى الجبر

- ‌مذهب القدرية والجهمية في الوعد والوعيد

- ‌لابد من تحقيق الشهادتين

- ‌مراتب القدر

- ‌مجرد الأسباب لايوجب حصول المسبب

- ‌حديث ما منكم أحد إلا وقد كتب مقعده من الجنة أو النار

- ‌اتفاق الناس على ان الفعل يلائم الفاعل او ينافره يعلم بالعقل

- ‌المعتزلة لا يثبتون حكمة تعود إلى الله تعالى فيما خلقه وأمر به

- ‌خطأ من شهد الربوبية العامة فقط

- ‌قول بعض الصوفية أريدأن لا أريد

- ‌الفناء يراد به ثلاثة أمور

- ‌مخالفة الجبرية للعقل والقياس

- ‌المؤمن مأمور بأن يفعل المأمور ويترك المحذور

- ‌لابد للعبد في الأمر من أصلين وفي القدر من أصلين

- ‌الأصلان اللذان لابد منهما في عبادة الله

- ‌الناس في عبادة الله والاستعانة به أربعة أقسام

- ‌دين الله هو ما بعث به رسله

- ‌اشارة الشارح إلى أن الرسالة التدمرية لم تشرح قبله

- ‌مراجع الكتاب

الفصل: ‌دين الله هو ما بعث به رسله

ش: يقول الشيخ إذا عرف كل ما تقدم من التفصيل في بحث القدر فليعلم أن القدرية المعتزلة - وهم نفاة القدر - هم من جهة تعظيم أوامر الله ونهيه واحترام وعد الله ووعيده أفضل من القدرية المجبرة وهم الذين يغلون في إثبات القدر حتى يسلبوا العبد قدرته واختياره كما سبق بيان ذلك. فإن المجبرة بسلبهم قدرة العبد واختياره لم يعظموا شرع الله ووعده ووعيده بل أعرضوا عن ذلك، وهؤلاء الصوفية المجبرة هم من جهة ملاحظتهم القضاء والقدر وعموم المشيئة أفضل من أولئك المعتزلة حيث قالوا إن العبد يخلق أفعال نفسه، على أن في الصوفية المجبرة من هو متلبس بشيء من البدع وفيه إعراض عن بعض أوامر الله ونهيه وعدم اكتراث بوعيده حتى يصل بهم الحال إلى أن يجعلوا مشاهدة الربوبية العامة والاستغراق في ملاحظتها هو الغاية المطلوبة من توحيد الله، وبهذا يكونون بمنأى عن جماعة المسلمين، وفي حيز عن شرع الله، وينطبق عليهم بهذا الاعتبار وصف المعتزلة على أن بدعتهم قد تكون أشنع وأخبث من بدعة القدرية المعتزلة. وكل من نفاة القدر والمحتجين به كان منشؤهم ومنطلق بدعتهم هو البصرة بالعراق.

ص: 148

‌دين الله هو ما بعث به رسله

قوله:

إنما دين الله ما بعث به رسله، وأنزل به كتبه، وهو الصراط المستقيم، وهو طريق أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم خير القرون وأفضل الأمة، وأكرم الخلق على الله تعالى بعد النبيين، قال تعالى:{وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ} فرضي عن السابقين الأولين رضا مطلقا ورضي عن التابعين لهم بإحسان، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم في الأحاديث الصحيحة خير القرون القرن

ص: 148

الذين بعث فيهم، ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم، وكان عبد الله بن مسعود رضي الله عنه يقول:"من كان منكم مستنا فليستن بمن قد مات، فإن الحي لا تؤمن عليه الفتنة أولئك أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، أبر هذه الأمة قلوبا، وأعمقها علما وأقلها تكلفا، قوم اختارهم الله لصحبة نبيه صلى الله عليه وسلم، وإقامة دينه، فاعرفوا لهم حقهم، وتمسكوا بهديهم، فإنهم كانوا على الهدى المستقيم"، وقال حذيفة بن اليمان رضي الله عنهما:"يا معشر القراء، استقيموا وخذوا طريق من كان قبلكم، فوالله لئن اتبعتموهم لقد سبقتم سبقا بعيدا، ولئن أخذتم يمينا وشمالا لقد ضللتم. ضلالا بعيدا"، وقال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه:"خط لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم خطا وخط لنا خطوطا عن يمينه وعن شماله ثم قال: "هذا سبيل الله وهذه سبل على كل سبيل منها شيطان يدعو إليه" ثم قرأ {وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ} ، وقد أمرنا سبحانه أن نقول في صلاتنا: {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ، صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ} ، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: "اليهود مغضوب عليهم والنصارى ضالون" وذلك أن اليهود عرفوا الحق ولم يتبعوه والنصارى عبدوا الله بغير علم ولهذا كان يقال: "تعوذوا بالله من فتنة العالم الفاجر والعابد الجاهل، فإن فتنتهما فتنة لكل مفتون"، وقال تعالى: {فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدىً فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلا يَضِلُّ وَلا يَشْقَى} ، قال ابن عباس رضي الله عنهما: "تكفل الله لمن قرأ القرآن وعمل بما فيه أن لا يضل في الدنيا ولا يشقى في الآخرة وقرأ هذه الآية"، وكذلك قوله تعالى:{ألم ذَلِكَ الْكِتَابُ لا رَيْبَ فِيهِ هُدىً لِلْمُتَّقِينَ، الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ، وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَبِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ، أُولَئِكَ عَلَى هُدىً مِنْ رَبِّهِمْ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} فأخبر أن هؤلاء مهتدون مفلحون وذلك خلاف المغضوب عليهم والضالين.

فنسأل الله أن يهدينا وسائر إخواننا صراطه المستقيم صراط الذين أنعم

ص: 149

الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين، وحسن أولئك رفيقا وحسبنا الله ونعم الوكيل والحمد لله رب العالمين وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا.

ش: يعني أن ما عليه المبتدعة والملاحدة من جبرية وقدرية وجهمية ومعتزلة وغيرهم ممن زاغ عن سبيل المؤمنين ليسوا على هدى ولا شرع من الله، وإنما دين الله هو ما شرعه في كتابه العزيز، "الذي فيه نبأ ما قبلنا وخبر ما بعدنا وحكم ما بيننا الذي هو الفصل ليس بالهزل من تركه من جبار قصمه الله، ومن ابتغى الهدى من غيره أضله الله هو حبل الله المتين وهو الذكر الحكيم وهو الصراط المستقيم هو الذي لا تزيغ به الأهواء ولا تلتبس به اللسنة ولا تشبع منه العلماء ولا يخلق عن كثرة الرد ولاتنقضي عجائبه وهو الذي لم تنته الجن إذ سمعته حتى قالوا: {إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآناً عَجَباً، يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ فَآمَنَّا بِهِ} من قال به صدق ومن حكم به عدل ومن عمل به أجر ومن دعا إليه هدي إلى صراط مستقيم"، كما قال ذلك الخليفة الراشد علي بن أبي طالب رضي الله عنه فيما رواه أبو عيسى الترمذي رحمه الله، وكذلك دين الله هو ما سنه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقد شرع الشرائع وسن السنن بإذن ربه ووحيه، لا من تلقاء نفسه كما شهد لله له بذلك في قوله عز وجل {مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى إِنْ هُوَ إِلَاّ وَحْيٌ يُوحَى} ، وعلى هذا النهج المستقيم درج الصحابة رضي الله عنهم أجمعين يستضيؤون بمشكاة القرآن فيهديهم أقوم الطريق ويتحاكمون إليه وإلى سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولقد مدحهم سبحانه وأثنى عليهم حيث قبلوا عن رسول الله ما بلغه إليهم وهم المهاجرون والأنصار الذين ضرب بهم المثل في التوراة والإنجيل والقرآن فقال:{مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ} الآية، وقال:{لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ} الآية، فهم حجة الله على خلقه بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم يؤدون عن رسوله ما أدى إليهم لأنه بذلك أمرهم فقال:"ليبلغ الشاهد منكم الغائب"،

ص: 150

ولقد مدحهم رسول الله صلى الله عليه وسلم كما في الحديث الذي رواه مسلم عن عمران بن حصين رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "خير أمتي قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم - قال عمران: فلا أدري أذكر بعد قرنه مرتين أو ثلاثا - ثم إن بعدكم قوم يشهدون ولا يستشهدون ويخونون ولا يؤتمنون وينذرون ولا يوفون ويظهر فيهم السمن"، وروى مسلم أيضا بسنده عن ابن مسعود أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"خير الناس قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم ثم يجيء قوم تسبق شهادة أحدهم يمينه ويمينه شهادته"، ومعنى الخيرية في الأحاديث راجعة لفضيلة أهل ذلك القرن في العلم والإيمان والأعمال الصالحة التي يتنافس فيها المتنافسون ويتفاضل فيها العاملون، فقد غلب الخير وكثر أهله واعتز فيها السلام والإيمان وكثر فيها العلم والعلماء ثم الذين يلونهم فضلوا على من بعدهم لظهور الإسلام فيهم وكثرة الداعي إليه والراغب فيه والقائم به وما ظهر فيه من البدع أنكر واستعظم وأزيل كبدعة الخوارج والقدرية والرافضة، فهذه البدع وإن كانت قد ظهرت فأهلها في غاية الذل والمقت والهوان ويكثر القتل فيمن عاند منهم ولم يتب. والمشهور في الروايات أن القرون المفضلة ثلاثة الثالث دون الأولين في الفضل لكثرة البدع فيه، لكن العلماء متوافرون والإسلام فيه ظاهر والجهاد فيه قائم، وإذاً فالشاهد من آية براءة وحديث عمران بن حصين هو مدح أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم والثناء عليهم، لاستقامتهم على أمر الله وتمسكهم بهدي رسول الله. وقوله:"فرضي الله عن السابقين رضا مطلقا ورضي عن التابعين لهم بإحسان" معناه أن الله أوجب لجميع أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم الجنة والرضوان وشرط على التابعين شرطا لم يشرطه فيهم وهو اتباعهم إياهم بإحسان، فالصحابة حصل لهم بصحبتهم للرسول صلى الله عليه وسلم إيمان ويقين لم يشركهم فيه من بعدهم، ومعنى الذين اتبعوهم بإحسان الذين اتبعوا السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار وهم المتأخرون عنهم من الصحابة فمن بعدهم إلى يوم القيامة وليس المراد بهم التابعين اصطلاحا، وهم كل من أدرك الصحابة ولم يدرك النبي صلى الله عليه وسلم، بل

ص: 151

هم من جملة من يدخل تحت الآية فتكون (مِن) في قوله (من المهاجرين) على هذا للتبعيض وقيل أنها للبيان فيتناول المدح جميع الصحابة ويكون المراد بالتابعين من بعدهم من الأمة، والمهاجرون جمع مهاجر، وأصل المهاجرة عند العرب: أن ينتقل الإنسان من البادية إلى المدن والقرى، والمراد به في الشريعة: من فارق أهله ووطنه وجاء إلى بلد الإسلام وقصد النبي صلى الله عليه وسلم رغبة فيه وإيثارا، ثم هي عموما الانتقال من بلد الشرك إلى بلد الإسلام وأثر ابن مسعود في وصف الصحابة رضي الله عنهم أجمعين رواه رزين بن معاوية العبدري، ومثله ما جاء عن عبد العزيز بن عبد الله بن أبي سلمه أنه قال:"عليك بلزوم السنة فإنها لك بإذن الله عصمة فإن السنة إنما جعلت ليستن بها ويقتصر عليها، وإنما سنها من قد علم ما في خلافها من الزلل والخطأ والحمق والتعمق فارض لنفسك بما رضوا به لأنفسهم فأنهم عن علم وقفوا وببصر نافذ كفوا ولهم كانوا على كشفها أقوى وبالفضل لو كان فيها أحرى، وإنهم لهم السابقون وقد بلغهم عن نبيهم ما يجري من الاختلاف بعد القرون الثلاثة، فلئن كان الهدى ما أنتم عليه لقد سبقتموهم إليه، ولئن قلتم حدثَ حدثٌ بعدهم فما أحدثه إلا من ابتغى غير سبيلهم ورغب بنفسه عنهم واختار ما نحته فكره على ما تلقوه عن نبيهم صلى الله عليه وسلم وتلقاه عنه من تبعهم بإحسان ولقد وصفوه منه ما يكفي وتكلموا منه بما يشفي فمن دونهم مقصر ومن فوقهم مفرط، لقد قصر دونهم أناس فجفوا وطمح آخرون فغلوا، وإنهم فيما بين ذلك لعلى هدى مستقيم"، وأثر حذيفة رواه البخاري، ومعشر القراء المراد بهم علماء القرآن والسنة، وقوله:"فقد سبقتم" قيل الرواية الصحيحة بفتح السين والباء، والمشهور ضم السين وكسر الباء، والمعنى على الأول اسلكوا طريق الاستقامة لأنكم أدركتم أوائل الإسلام فاستمسكوا بالكتاب والسنة لتسبقوا إلى خير، إذ من جاء بعدكم وإن عمل بعملكم لا يصل إلى سبقكم إلى الإسلام، وعلى الثانية سبقكم المتصفون بتلك الاستقامة إلى الله فكيف ترضون لنفوسكم هذا التخلف المؤدي إلى

ص: 152

انحراف عن سنن الاستقامة يمينا وشمالا الموجب للهلاك الأبدي، وحذيفة هو ابن اليمان صاحب سر رسول الله صلى الله عليه وسلم، شهد أحدا وروى عنه جماعة من الصحابة والتابعين مات بالمدائن سنة 36هـ. وقول عبد الله بن مسعود رضي الله عنه:"خط لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم خطا الخ" رواه الإمام أحمد في المسند، قال محمد بن نصر المروزي في كتابه السنة قال الله عزوجل:{وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ} فأخبر الله أن طريقه واحد مستقيم وأن السبل كثيرة تصد من اتبعها عن طريقه المستقيم ثم بين لنا النبي صلى الله عليه وسلم ذلك بسنته. وروى بسنده عن أبي وائل عن عبد الله قال: "خط لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم خطا ثم قال: هذا سبيل الله ثم خط خطوطا عن يمينه وشماله وقال هذه سبل على كل سبيل منها شيطان يدعو إليه وقرأ {وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ} الآية"،فحذرنا الله ثم رسوله المحدثات والأهواء الصادة عن اتباع أمر الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم، ثم أخبرنا النبي صلى الله عليه وسلم أن الله لا يدع عبده المؤمن مع ما بين له في كتابه وسنة نبيه حتى يعضه وينبهه بما يخطر بقلبه ليعتصم بذلك من دعاء الشياطين إلى الصد عن سبيله وعن طريق مرضاته، وروى بسنده عن النواس بن سمعان رضي لله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"ضرب الله مثلا صراطا مستقيما وعلى جنبتي الصراط سور فيه أبواب مفتحة وعلى الأبواب ستور مرخاة وعلى باب الصراط داع يقول أيها الناس ادخلوا الصراط جميعا ولا تتعوجوا وداع يدعو من فوق الصراط فإذا أراد فتح شيء من تلك الأبواب قال ويحك لا تفتحه فإنك إن تفتحه تلجه" فالصراط: الإسلام والستور: حدود الله والأبواب المفتحة محارم الله وذلك الداعي على رأس الصراط كتاب الله والداعي من فوقه واعظ في قلب كل مسلم. وروى بسنده عن مجاهد في قول الله تعالى: {وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُل} قال البدع والشبهات، وروى أبو بكر محمد بن الحسين الآجري في كتابه الشريعة بسنده عن عبد الرحمن بن عمرو السلمي وحجر الكلاعي قالا دخلنا على العرباض بن

ص: 153

سارية رضي الله عنه وهو مريض فقلنا له: إنا جئناك زائرين وعامدين ومقتبسين، فقال عرباض رضي لله عنه:"إن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى صلاة الغداة ثم أقبل علينا بوجهه فوعظنا موعظة بليغة ذرفت منها العيون ووجلت منها القلوب فقال قائل يا رسول لله إن هذه لموعظة مودع فما تعهد إلينا، قال: أوصيكم بتقوى الله عز وجل والطاعة والسمع وإن عبدا حبشيا فإنه من يعش منكم بعدي سيرى اختلافا كثيرا فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين عضوا عليها بالنواجذ وإياكم ومحدثات الأمور فإن كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة" كما رواه أبو داود والترمذي والنسائي وحينئذ فالشاهد من حديث ابن مسعود الحث على لزوم السنة والتحذير من سلوك سبيل البدعة وأن الخير كله في الاتباع والشر كله في الابتداع، ولقد أمرنا الله جل وعلا أن نسأله أن يهدينا الصراط المستقيم صراط الذين أنعم عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين غير المغضوب عليهم ولا الضالين، فإنه إذ هدانا هذا الصراط أعاننا على طاعته وترك معصيته فلم يصبنا شر لا في الدنيا ولا في الآخرة، والذنوب من لوازم النفس وكل أحد محتاج إلى الهدى كل لحظة، وهو إلى الهدى أحوج منه إلى الأكل والشرب، ولهذا أمر به في كل صلاة لفرط الحاجة إليه، قال الشيخ:"وإنما يعرف بعض قدره من اعتبر أحوال نفسه ونفوس الإنس والجن المأمورين بهذا الدعاء ورأى ما فيها من الجهل والظلم اللذين يقتضيان أن يدعو الإنسان بما حصل به شفاءها في الدنيا والآخرة فيعلم أن الله تعالى بفضله ورحمته جعل هذا الدعاء من أعظم الأسباب المقتضية للخير المانعة من الشر"، وقوله صلى الله عليه وسلم:"اليهود مغضوب عليهم" هذا الحديث رواه الترمذي، ولفظه عن عدي بن حاتم قال: أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو جالس في المسجد فقال: القوم هذا عدي بن حاتم، وجئت بغير أمان ولا كتاب فلما دفعت إليه أخذ بيدي، وقد قال قبل ذلك إني لأرجو أن يجعل الله يده في يدي، قال: فقام بي فلقيته امرأة وصبي معها فقالا: إن لنا إليك حاجة فقام معهما حتى قضى حاجتهما ثم أخذ بيدي حتى أتى بي داره فألقت له الوليدة وسادة فجلس

ص: 154

عليها وجلست بين يديه فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: ما يضيرك أيضيرك أن تقول لا إله إلا الله فهل تعلم من إله سوى الله؟، قال: قلت: لا. ثم تكلم ساعة ثم قال: ما يضيرك أن تقول الله أكبر، أو تعلم شيئا أكبر من الله؟، قال: قلت لا، قال: فإن اليهود مغضوب عليهم والنصارى ضلال، قال فقلت: فإني حنيف مسلم، قال: فرأيت وجهه ينبسط فرحا"، وكون اليهود مغضوب عليهم هو من جهة عدم العمل فهم يعلمون الحق ولا يتبعونه قولا أو عملا وكون النصارى ضالين هو من جهة عملهم بلا علم فهم يجتهدون في أصناف من العبادات بلا شريعة من الله ويقولون على الله ما يعلمون. وهذا معنى قول الشيخ "وذلك أن اليهود عرفوا الحق ولم يتبعوه والنصارى عبدوا الله بغير علم" ومن أجل وصف اليهود والنصارى بما ذكر كان السلف رحمهم الله يقولون "احذروا فتنة العالم الفاجر والعابد الجاهل فإن فتنتهما فتنة لكل مفتون "، وذلك أن الأول يشبه المغضوب عليهم الذين يعلمون الحق ولا يتبعونه، والثاني: يشبه الضالين الذين يعلمون بغير علم، قال سفيان بن عينية: "من فسد من علمائنا ففيه شبه من اليهود ومن فسد من عبادنا ففيه شبه من النصارى"، ومع أن الله قد حذرنا سبيل اليهود والنصارى فلابد من وقوع ما قدره الله وقضاه مما أخبر به رسوله صلى الله عليه وسلم فيما أخرجاه في الصحيحين عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لتتبعن سنن من كان قبلكم حذو القذة بالقذة حتى لو دخلوا جحر ضب لدخلتموه، قالوا: يا رسول الله اليهود والنصارى؟، قال: فمن"، وفيما رواه البخاري في صحيحه عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا تقوم الساعة حتى تأخذ أمتي مأخذ القرون قبلها شبرا بشبر وذراعا بذراع، فقيل: يا رسول الله كفارس والروم؟، قال: ومن الناس إلا أولئك". قال الشيخ رحمه الله: فأخبر صلى الله عليه وسلم أنه سيكون في أمته مضاهاة لليهود والنصارى وهم أهل الكتاب ومضاهاة لفارس والروم وهم الأعاجم، وقد كان صلى الله عليه وسلم ينهى عن التشبه بهؤلاء وليس هذا إخبارا عن جميع الأمة بل قد تواتر عنه أنه قال: "لا تزال طائفة من أمتي ظاهرة على الحق حتى تقوم الساعة"، وأخبر صلى الله عليه وسلم: "أن الله لا

ص: 155

يجمع هذه الأمة على ضلالة وأن الله لا يزال يغرس في هذا الدين غرسا يستعملهم فيه بطاعته"، وإذاً فالفرقة والاختلاف لابد من وقوعهما في الأمة ولكن كان صلى الله عليه وسلم يحذر أمته من ذلك لينجو من الوقوع فيه من شاء الله له السلامة، وهذا كله خرج منه مخرج الخبر عن وقوع ذلك والذم لمن يفعله كما كان يخبر عما يفعله الناس بين يدي الساعة من الأشراط والأمور المحرمات فعلم أن مشابهة هذه الأمة لليهود والنصارى وفارس والروم مما ذمه الله ورسوله. قال الشيخ: "ولا يقال فإذا كان الكتاب والسنة قد دلا على وقوع ذلك فما فائدة النهي عنه، لأن الكتاب والسنة أيضا قد دلا على أنه لا يزال في هذه الأمة طائفة متمسكة بالحق الذي بعث الله به محمدا صلى الله عليه وسلم إلى قيام الساعة وأنها لا تجتمع على ضلالة، ففي النهي عن ذلك تكثير لهذه الطائفة المنصورة وتثبيتها وزيادة إيمانها، والشاهد من آيتي طه والبقرة هو الحث على الاعتصام بحبل الله ولزوم الصراط المستقيم إذ في ذلك سعادة الدنيا والآخرة فلا ضلال في الدنيا ولا شقاء في الآخرة، بل إيمان ويقين ولذة واطمئنان وفوز وفلاح، وهذا بخلاف ما يحصل لليهود والنصارى ومن على شاكلتهم في الزيغ والإلحاد والكفر والعناد، مما وصفه الله عز وجل بقوله:{وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى، قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيراً، قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَى، وَكَذَلِكَ نَجْزِي مَنْ أَسْرَفَ وَلَمْ يُؤْمِنْ بِآياتِ رَبِّهِ وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَشَدُّ وَأَبْقَى} ، وقوله:{وَأَمَّا الَّذِينَ فَسَقُوا فَمَأْوَاهُمُ النَّارُ كُلَّمَا أَرَادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا أُعِيدُوا فِيهَا وَقِيلَ لَهُمْ ذُوقُوا عَذَابَ النَّارِ الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ، وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذَابِ الْأَدْنَى دُونَ الْعَذَابِ الْأَكْبَرِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ} ، وأثر ابن عباس رواه بن أبي حاتم والبيهقي في الشعب ولفظه عن ابن عباس قال:"أجار الله تابع القرآن من أن يضل في الدنيا أو يشقى في الآخرة، ثم قرأ {فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلا يَضِلُّ وَلا يَشْقَى} ، قال: لا يضل في الدنيا ولا يشقى في الآخرة"، وأخرج بن أبي شيبة والطبراني عن ابن عباس

ص: 156