الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ذات ليلة فيما يرى النائم، كأنا في دار عقبة بن رافع، وأتينا برطب من رطب ابن طاب، فأولت: أن الرفعة لنا في الدنيا، والعاقبة في الآخرة، وأن ديننا قد طاب" وعن أبي قتادة الحارث بن ربعي الأنصاري رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "الرؤيا من الله، والحلم من الشيطان، فإذا حلم أحدكم الحلم يكرهه فليبصق عن يساره، وليستعذ بالله منه، فلن يضره"، وفى رواية قال أبو سلمة:"إن كنت لأرى الرؤيا تمرضني، حتى سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: الرؤيا الصالحة من الله، والرؤيا السوء من الشيطان، فإذا رأى ما يكره فليتفل عن يساره ثلاثا، وليتعوذ بالله من الشيطان وشرها، ولا يحدث بها أحدا، فإنها لن تضره"، هذه رواية البخاري ومسلم وأخرجه في الموطأ وزاد بعد قوله:"لن تضره إن شاء الله" قال أبو سلمة: "إن كنت لأرى الرؤيا هي أثقل علي من الجبل فلما سمعت هذا الحديث فما كنت أباليها"، وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه:"أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " إذا رأى أحدكم الرؤيا يحبها فإنها من الله فليحمد الله عليها وليحدث بها، وإذا رأى غير ذلك مما يكره فإنما هي من الشيطان فليستعذ بالله من شرها، ولا يذكرها لأحد فإنها لن تضره" أخرجه البخاري والترمذي.
قول بعض الصوفية أريدأن لا أريد
…
قوله:
وإذا سمعت بعض الصوفية يقول: أريد أن لا أريد، أو أن العارف لا حظ له وأنه يصير كالميت بين يدي الغاسل ونحو ذلك فهذا إنما يمدح منه سقوط إرادته التي لم يؤمر بها، وعدم حظه الذي لم يؤمر بطلبه، وأنه كالميت في طلب ما لم يؤمر بطلبه وترك دفع ما لم يؤمر بدفعه ومن أراد بذلك، أنه تبطل إرادته بالكلية، وأنه لا يحس باللذات والألم، والنافع والضار، فهذا مكابر مخالف لضرورة الحس والعقل ومن مدح هذا فهو مخالف لضرورة الدين والعقل.
ش: يقول المؤلف إذا بلغك أن بعض مشائخ الصوفية يعبر بقولهأريد أن لا أريد كقول أبي يزيد الصوفي: أو إن العارف ليس له من نفسه أمر ونحو ذلك من العبارات وذلك كقول الشيخ عبد القادر "علامة فناء إرادتك بفعل الله أنك لا تريد مرادا قط فلا يكن لك غرض ولا تقف لك حاجة ولا مرام لأنك لا تريد مع إرادة الله سواها"، إذا سمعت هذه العبارات المروية عن بعض فضلاء الصوفية فاعلم أن مقصودهم أن لا يريد المريد شيئا إلا أن يكون مأمورا بإرادته، فقوله:"علامة فناء إرادتك بفعل الله أنك لا تريد مرادا قط" معناه أنك لا تريد مرادا لم تؤمر بإرادته فأما ما أمر الله ورسوله بإرادتك إياه فإرادته إما واجب وإما مستحب وترك إرادة هذا إما معصية وإما نقص. وهكذا قولهم "ينبغي أن يكون الإنسان كالميت بين يدي الغاسل" ليس معناه أن لا تكون له إرادة أصلا وهذا معنى قول المؤلف: "فهذا إنما يمدح منه سقوط إرادته التي لم يؤمر بها، وعدم حظه الذي لم يؤمر بطلبه وأنه كالميت في طلب ما لم يؤمر بطلبه وترك دفع ما لم يؤمر بدفعه"، وحينئذ فلا يجوز حمل كلام المشائخ المستقيمين، على ترك الإرادة مطلقا فإن هذا غلط فاحش، وذلك أن الحي لابد له من إرادة، فإن الإرادة التي يحبها الله ورسوله ويأمر بها أمر إيجاب وأمر استحباب لا يدعها إلا كافر أو عاصي إن كانت واجبة، وإن كانت مستحبة كان تاركها تاركا لما هو خير له، والله تعالى قد وصف الأنبياء والصديقين بهذه الإرادة فقال تعالى:{وَلا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ} ، وقال تعالى:{إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلا شُكُوراً} ، وقال تعالى:{وَإِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الْآخِرَةَ فَإِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِنَاتِ مِنْكُنَّ أَجْراً عَظِيماً} ، وحينئذ فالله يأمر بإرادته وإرادة ما يأمر به وينهى عن إرادة غيره وإرادة ما نهى عنه، فهما إرادتان إرادة يحبها الله ويرضاها وإرادة لا يحبها الله ولا يرضاها، وأما من اعتقد أنهم فرغوا من الإرادة مطلقا ولم يبق لهم مراد وأن هذا المقام هو أكمل المقامات وأن من قام بهذا فقد قام بالحقيقة القدرية الكونية من اعتقد هذا الاعتقاد أو نسبه
للشيوخ الفضلاء فقد ضل ضلالا مبينا، وإذا فالذين يغلطون ويظنون أن الحقيقة القدرية يجب الاسترسال معها دون مراعاة الحقيقة القدرية الدينية التي تتصمن مرضاة الرب ومحبته وأمره ونهيه ظاهرا وباطنا هؤلاء بالإضافة إلى مخالفتهم لما شرع الله فهم مخالفون أيضا للحس والعقل، فإن الجائع يفرق بين الخبز والشراب والعطشان يفرق بين الماء والسراب فيحب ما يشبعه ويرويه دون ما لا ينفعه، ومن اعتقد هذا الاعتقاد أو مدح هذا الطريق فهو مخالف لصريح المعقول وصحيح المنقول، فقد ذم الله من حرم ما لم يحرمه، أو شرع ما لم يشرعه في كتابه أو على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم، قال تعالى:{وَإِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً قَالُوا وَجَدْنَا عَلَيْهَا آبَاءَنَا وَاللَّهُ أَمَرَنَا بِهَا قُلْ إِنَّ اللَّهَ لا يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ أَتَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ، قُلْ أَمَرَ رَبِّي بِالْقِسْط} ، وقال سبحانه:{قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْأِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَاناً وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ}
والنسبة في الصوفية إلى الصوف لأنه غالب لباس الزهاد وقد قيل هو نسبة إلى (صوفة بن مراد) قبيلة من العرب كانوا يجاورون حول البيت وأما من قال هو نسبة إلى "الصفة" فقد قيل كان حقه أن يقال "صُفِّية"، وكذلك من قال نسبة إلى "الصفا" قيل له كان حقه أن يقال "صفائية"، ولو كان مقصورا لقيل "صفوية"، ومن قال نسبة إلى الصف المقدم بين يدي الله، قيل له: كان حقه أن يقال: "صفية"، ولا ريب أن هذا يوجب النسبة والإضافة إذا أعطي الاسم حقه من العربية، قال الشيخ:"وقد تكلم بهذا الاسم قوم من الأئمة كأحمد بن حنبل وغيره وقد تكلم به أبو سليمان الداراني وغيره، وأما الشافعي فالمنقول عنه ذم الصوفية، وقد ذم طريقهم طائفة من أهل العلم من أصحاب احمد ومالك والشافعي وأبي حنيفة وقد مدحه آخرون، والتحقيق فيه أنه مشتمل على الممدوح والمذموم كغيره من الطرق وأن المذموم منه قد يكون اجتهاديا وقد لا يكون، وأنهم في ذلك بمنزلة الفقهاء في الرأي فإنه قد ذم الرأي من العلماء طوائف كثيرة وفي المتسميين بذلك من أولياء الله وصفوته وخيار عباده ما لا يحصى عدده إلا الله"، وقد سبقت الإشارة إلى