الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مراتب القدر
فصل: قوله:
إذا ثبت هذا فمعلوم أنه يجب الإيمان بخلق الله وأمره، وبقضائه وشرعه، وأهل الضلال الخائضون في القدر انقسموا إلى ثلاث فرق مجوسية، ومشركية، وإبليسية. فالمجوسية: الذين كذبوا بقدرة الله وإن آمنوا بأمره ونهيه، فغلاتهم أنكروا العلم والكتاب ومقتصدوهم أنكروا عموم مشيئته وخلقه وقدرته، وهؤلاء هم المعتزلة ومن وافقهم، والفرقة الثانية: المشركية: الذين أقروا بالقضاء والقدر، وأنكروا الأمر والنهي، قال تعالى:{سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا وَلا آبَاؤُنَا وَلا حَرَّمْنَا مِنْ شَيْءٍ} ، فمن احتج على تعطيل الأمر والنهي بالقدر فهو من هؤلاء، وهذا قد كثر فيمن يدعي الحقيقة من المتصوفة. والفرقة الثالثة: وهم الإبليسية: الذين أقروا بالأمرين لكن جعلوا هذا تناقضا من الرب سبحانه وتعالى وطعنوا في حكمته وعدله كما يذكر عن إبليس مقدمهم كما نقله أهل المقالات، ونقل عن أهل الكتاب.
ش: يقول الشيخ: إذا تقرر أن أصل الدين وزبدة التوحيد: هوتحقيق شهادة أن لا إله إلا الله وشهادة أن محمدا رسول الله، فلابد بالإضافة إلى ذلك من الإيمان بخلق الله وبقضائه وشرعه وأمره، فإن الإيمان بالقدر السابق مرتبط بالإيمان بالشرع ارتباطا وثيقا فالإيمان بأن الله خالق كل شيء وربه ومليكه وأنه علم الأشياء وكتبها قبل أن تكون مستلزم للإيمان بأن الله شرع الشرائع، فأمر ونهى ووعد وتوعد وسيجازي كلا بعمله:{وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَداً} وأهل الزيغ المخبطون في قدر الله انقسموا في هذا الباب إلى ثلاثة أصناف مجوسية ومشركية وإبليسية، فالمجوسية هم القدرية المشبهون بالمجوس لاخراجهم أفعال العباد عن قدرة الله وهم قسمان: غلاة ومقتصدون، فالغلاة أنكروا مرتبتي العلم والكتابة كمعبد الجهني وهشام بن
عمرو الغوطي أما غير الغلاة منهم فلم ينكروا المرتبتين السابقتين وإنما أنكروا عموم مرتبتي الخلق والمشيئة، وإذاً فهذا الصنف هم المعتزلة ومن وافقهم من الشيعة، فهنا أربع مراتب، أولا: مرتبة العلم السابق، ثانيا: مرتبة الكتابة وهي أن الله كتب مقادير الخلائق وما هوكائن إلى يوم القيامة فى اللوح المحفوظ، ثالثا: مرتبة المشيئة وهي إثبات مشيئة الله النافذة وقدرته الشاملة، رابعا: مرتبة الخلق والإيجاد فكل ما سوى الله فهو مخلوق موجود كائن بعد أن لم يكن، قال الحافظ بن رجب: "والإيمان بالقدر على درجتين، أحدهما: الإيمان بأن الله سبق فى علمه ما يعمله العباد من خير وشر وطاعة ومعصية قبل خلقهم وإيجادهم، ومن هومنهم من أهل الجنة، ومن هم منهم من أهل النار، وأعد لهم الثواب والعقاب جزاء لأعمالهم قبل خلقهم وتكوينهم وأنه كتب ذلك عنده وأحصاه وأن أعمال العباد تجري على ما سبق في علمه وكتابه. والدرجة الثانية: أن الله خلق أفعال العباد كلها من الكفر والإيمان والطاعة والعصيان وشاءها منهم فهذه الدرجة يثبتها كثير من القدرية ونفاها غلاتهم، الصنف الثاني: هم الذين اعترفوا بالقضاء والقدر وزعموا أن ذلك لا يوافق الأمر والنهي واحتجوا بالقدر تماما كما قال المشركون فيما حكى الله عنهم {سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا وَلا آبَاؤُنَا وَلا حَرَّمْنَا مِنْ شَيْءٍ} ، {لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا عَبَدْنَا مِنْ دُونِهِ مِنْ شَيْءٍ} ، {لَوْ شَاءَ الرَّحْمَنُ مَا عَبَدْنَاهُمْ} ، فهؤلاء حقيقة أمرهم تعطيل الشرائع والأمر والنهي مع الاعتراف بالربوبية العامة، وهذا الاعتقاد الفاسد قد فشى في كثير من أهل التصوف المدعين التحقيق والمعرفة وهم مجبرة المشركية.
الصنف الثالث: أقروا بالأمر والنهي وبالقضاء النافذ والقدر السابق ولكن جعلوا الجمع بين هذا وذاك تناقضا من الرب تعالى وتقدس عن قولهم علوا كبيرا، فطعنوا فى حكمة الرب عز وجل وعدله، وهؤلاء هم الملاحدة والزنادقة المشبهون برئيسهم إبليس فى اعتراضه على ربه، كما نقل ذلك عن أهل الكتاب، فيما حكاه أرباب المقالات كالشهرستاني فقد