المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌لابد من تحقيق الشهادتين - التحفة المهدية شرح العقيدة التدمرية - جـ ٢

[فالح بن مهدي آل مهدي]

فهرس الكتاب

- ‌المجلد الثاني

- ‌الاعتماد على الاثبات المجرد عن نفي التشبيه طريقة المشبهة

- ‌معنى التشبيه عند المعطلة

- ‌المحذور الذي نفته الأدلة هو أن يكون لله شريك أو مثيل

- ‌من الصفاتيه من لا يصف الصفات بالقدم

- ‌اصطلاح المعتزلة والجهمية في مسمى التشبيه

- ‌فساد القول بتماثل الأجسام

- ‌معنى الأفعال الاختيارية

- ‌معنى الهيولى

- ‌قول الروافض لا ولاء الا ببراء

- ‌من دخل في اسم مذموم في الشرع كان مذموما

- ‌بيان فساد طريقة المعطلة

- ‌من نفى اشتراك الموجودات في المعنى العام لزمه التعطيل المحض

- ‌الاشاعرة يجمعون بين الأمرين المتناقضين

- ‌اضطراب أساطين الكلام في المسائل الخمس

- ‌بيان فساد مسلك المعطلة في ردهم

- ‌أمور أربعة يتضح بهافساد مسلك المعطلة

- ‌الأعتماد على مجرد نفي التشبيه لا يكفي في إثبات الصفات

- ‌اعتراض المعتزلة على الأشاعرة

- ‌سورة (قل هو الله أحد) : هي نسب القرآن

- ‌اشارة الشارح إلى القاعدة السابعة

- ‌ الأصل الثاني من نوعي التوحيد

- ‌معنى حديث الأنبياء اخوة لعلاة

- ‌دين الأنبياء واحد وان اختلفو افي الشرعة والمنهاج

- ‌أول الرسل يبشر بآخرهم

- ‌تنازع الناس في اسلام من تبقى من أمة موسى وعيسى

- ‌ ما وقع من الغلط في مسمى "التوحيد

- ‌القرآن منزل غير مخلوق

- ‌اقرار المرء بأن الله خالق كل شيء لا يغني عنه إلا إذا نطق بالشهادتين

- ‌معنى الجبر

- ‌مذهب القدرية والجهمية في الوعد والوعيد

- ‌لابد من تحقيق الشهادتين

- ‌مراتب القدر

- ‌مجرد الأسباب لايوجب حصول المسبب

- ‌حديث ما منكم أحد إلا وقد كتب مقعده من الجنة أو النار

- ‌اتفاق الناس على ان الفعل يلائم الفاعل او ينافره يعلم بالعقل

- ‌المعتزلة لا يثبتون حكمة تعود إلى الله تعالى فيما خلقه وأمر به

- ‌خطأ من شهد الربوبية العامة فقط

- ‌قول بعض الصوفية أريدأن لا أريد

- ‌الفناء يراد به ثلاثة أمور

- ‌مخالفة الجبرية للعقل والقياس

- ‌المؤمن مأمور بأن يفعل المأمور ويترك المحذور

- ‌لابد للعبد في الأمر من أصلين وفي القدر من أصلين

- ‌الأصلان اللذان لابد منهما في عبادة الله

- ‌الناس في عبادة الله والاستعانة به أربعة أقسام

- ‌دين الله هو ما بعث به رسله

- ‌اشارة الشارح إلى أن الرسالة التدمرية لم تشرح قبله

- ‌مراجع الكتاب

الفصل: ‌لابد من تحقيق الشهادتين

دولة بني أمية بعد حدوث القدرية والمعتزلة وغيرهم، فإن القدرية حدثوا قبل ذلك فلما حدثت المقالة المقابلة لمقالة القدرية أنكرها السلف والأئمة كما أنكروا قول القدرية من المعتزلة ونحوهم، (والوعيد) التخويف والتهديد وضده الوعد، فالوعيد والإيعاد فيما يحضر ويخاف منه. والوعد والعدة فيما يرغب ويشتاق إليه.

قال الشاعر:

لمخلف إيعادي ومنجز موعدي

وإني وإن أوعدته أو وعدته

ومذهب أهل السنة والجماعة في نصوص الوعيد هو إمرارها كما جاءت وعدم التعرض لها بالتأويل قال الشيخ عبد الرحمن بن حسن في فتح المجيد عند شرحه لقوله صلى الله عليه وسلم في حديث أبي موسى: "ثلاثة لا يدخلون الجنة مدمن الخمر ومصدق بالسحر وقاطع الرحم" ما نصه: "هذا من نصوص الوعيد التي كره السلف تأويلها وقالوا: أمروها كما جاءت. ومن تأولها فهو على خطر من القول على الله بلا علم وأحسن ما يقال: أن كل عمل دون الشرك والكفر المخرج عن ملة الإسلام فإنه يرجع إلى مشيئة الله، فإن عذبه فقد استوجب العذاب، وإن غفر له فبفضله وعفوه ورحمته" انتهى.

ص: 90

‌لابد من تحقيق الشهادتين

تفسير الشهادتين

قوله:

الأصل الأول: توحيد الإلهية، فإنه سبحانه أخبر عن المشركين كما تقدم بأنهم أثبتوا وسائط بينهم وبين الله يدعونهم ويتخذونهم شفعاء بدون إذن الله، قال تعالى:{وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لا يَضُرُّهُمْ وَلا يَنْفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَؤُلاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ قُلْ أَتُنَبِّئُونَ اللَّهَ بِمَا لا يَعْلَمُ فِي السَّمَاوَاتِ وَلا فِي الْأَرْضِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ} ، وقال عن مؤمن يس: {وَمَا لِيَ لا أَعْبُدُ الَّذِي فَطَرَنِي وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ، أَأَتَّخِذُ مِنْ دُونِهِ آلِهَةً إِنْ يُرِدْنِ الرَّحْمَنُ بِضُرٍّ لا تُغْنِ عَنِّي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئاً وَلا يُنْقِذُونِ، إِنِّي إِذاً لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ، إِنِّي

ص: 90

آمَنْتُ بِرَبِّكُمْ فَاسْمَعُونِ} ، وقال تعالى:{وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَى كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَتَرَكْتُمْ مَا خَوَّلْنَاكُمْ وَرَاءَ ظُهُورِكُمْ وَمَا نَرَى مَعَكُمْ شُفَعَاءَكُمُ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ أَنَّهُمْ فِيكُمْ شُرَكَاءُ} ، وقال تعالى:{أَمِ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ شُفَعَاءَ قُلْ أَوَلَوْ كَانُوا لا يَمْلِكُونَ شَيْئاً وَلا يَعْقِلُونَ، قُلْ لِلَّهِ الشَّفَاعَةُ جَمِيعاً لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ} ، وقال تعالى:{مَا لَكُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا شَفِيع} ، وقال تعالى:{وَأَنْذِرْ بِهِ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَنْ يُحْشَرُوا إِلَى رَبِّهِمْ لَيْسَ لَهُمْ مِنْ دُونِهِ وَلِيٌّ وَلا شَفِيعٌ} ، وقال تعالى:{مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِه} ، وقال تعالى:{وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَداً سُبْحَانَهُ بَلْ عِبَادٌ مُكْرَمُونَ لا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى وَهُمْ مِنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ} ، وقال تعالى:{قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ لا يَمْلِكُونَ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلا فِي الْأَرْضِ وَمَا لَهُمْ فِيهِمَا مِنْ شِرْكٍ وَمَا لَهُ مِنْهُمْ مِنْ ظَهِيرٍ، وَلا تَنْفَعُ الشَّفَاعَةُ عِنْدَهُ إِلَاّ لِمَنْ أَذِنَ لَهُ} ، وقال تعالى:{قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِهِ فَلا يَمْلِكُونَ كَشْفَ الضُّرِّ عَنْكُمْ وَلا تَحْوِيلاً، أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ كَانَ مَحْذُوراً} ، قال طائفة من السلف:"كان قوم يدعون العزير والمسيح فأنزل الله هذه الآية، يبين فيها أن الملائكة والأنبياء يتقربون إلى الله، ويرجون رحمته، ويخافون عذابه". ومن تحقيق التوحيد أن يعلم، أن الله تعالى أثبت له حقا لا يشركه فيه مخلوق كالعبادة والتوكل والخوف والتقوى، كما قال تعالى:{لَا تَجْعَلْ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ فَتَقْعُدَ مَذْمُوماً مَخْذُولاً} ، وقال تعالى:{إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصاً لَهُ الدِّينَ} ، وقال تعالى:{قُلْ أَفَغَيْرَ اللَّهِ تَأْمُرُونِّي أَعْبُدُ أَيُّهَا الْجَاهِلُونَ} إلى قوله: َ {الشَّاكِرِينَ} ، وكل واحد من الرسل قال لقومه:{اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ} ، وقال تعالى في التوكل:{وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} ، وقال:{وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ} ، وقال:{وحَسْبِيَ اللَّهُ عَلَيْهِ يَتَوَكَّلُ الْمُتَوَكِّلُونَ} ، وقال تعالى: {وَلَوْ

ص: 91

أَنَّهُمْ رَضُوا مَا آتَاهُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ سَيُؤْتِينَا اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَرَسُولُهُ إِنَّا إِلَى اللَّهِ رَاغِبُونَ} ، فقال في الإيتاء:{مَا آتَاهُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ} ، وقال في التوكل:{وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ} ولم يقل (ورسوله) أن الإيتاء هو الإعطاء الشرعي، وذلك يتضمن الإباحة والإحلال الذي بلغه الرسول، فإن الحلال ما أحله الله والحرام ما حرمه والدين ما شرعه، قال تعالى:{وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا} ، وأما الحسب فهو الكافي والله وحده هو كاف عبده، كما قال تعالى:{الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ} فهو وحده حسبهم كلهم، وقال تعالى:{يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللَّهُ وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} أي حسبك وحسب من اتبعك من المؤمنين هو الله، فهو كافيكم كلكم وليس المراد أن الله والمؤمنين حسبك كما يظنه بعض المغالطين، إذ هو وحده كاف نبيه، وهو حسبه ليس معه من يكون هو وإياه حسبا للرسول، وهذا في اللغة كقول الشاعر:"فحسبك والضحاك سيف مهند"، وتقول العرب:"حسبك وزيدا درهم" أي يكفيك وزيدا جميعا درهم وقال في الخوف والخشية والتقوى: {وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَخْشَ اللَّهَ وَيَتَّقْهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ} فأثبت الطاعة لله وللرسول وأثبت الخشية والتقوى لله وحده، كما قال نوح عليه السلام:{إِنِّي لَكُمْ نَذِيرٌ مُبِينٌ أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاتَّقُوهُ وَأَطِيعُونِ} فجعل العبادة والتقوى لله وحده وجعل الطاعة له، فإنه من يطع الرسول فقد أطاع الله، وقد قال تعالى:{فَلا تَخْشَوُا النَّاسَ وَاخْشَوْنِ} ، وقال تعالى:{فَلا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} ، وقال الخليل عليه السلام:{وَكَيْفَ أَخَافُ مَا أَشْرَكْتُمْ وَلا تَخَافُونَ أَنَّكُمْ أَشْرَكْتُمْ بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَاناً فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالْأَمْنِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ} ، وقال تعالى:{الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ} . وفي الصحيحين عن ابن مسعود أنه قال: "لما نزلت هذه الآية شق ذلك على أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وقالوا: وأينا لم يظلم نفسه؟، فقال النبي

ص: 92

صلى الله عليه وسلم: إنما هو الشرك، ألم تسمعوا إلى قول العبد الصالح:{إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ} " وقال تعالى: {وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ} ، {وَإِيَّايَ فَاتَّقُونِ} ، ومن هذا الباب، أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول في خطبته: "من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعصهما فإنه لا يضر إلا نفسه، ولن يضر الله شيئا"، وقال: "لا تقولوا ما شاء الله وشاء محمد، ولكن قولوا ما شاء الله ثم شاء محمد"،ففي الطاعة قرن اسم الرسول باسمه بحرف الواو وفي المشيئة أمر أن يجعل ذلك بحرف (ثم) وذلك لأن طاعة الرسول طاعة لله، فمن أطاع الرسول فقد أطاع الله، وطاعة الله طاعة للرسول بخلاف المشيئة فليست مشيئة أحد من العباد مشيئة لله ولا مشيئة الله مستلزمة لمشيئة العباد، بل ما شاء الله كان وإن لم يشأ الناس، وما شاء الناس لم يكن إن لم يشأ الله.

الأصل الثاني: في حق الرسول صلى الله عليه وسلم، فعلينا أن نؤمن به صلى الله عليه وسلم ونطيعه ونرضيه ونحبه ونسلم لحكمه وأمثال ذلك: قال تعالى: {مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ} ، وقال تعالى:{وَاللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَنْ يُرْضُوهُ إِنْ كَانُوا مُؤْمِنِينَ} ، وقال تعالى:{قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ} ، وقال تعالى:{فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً} ، وقال تعالى:{قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ} وأمثال ذلك.

ش: هذا شروع في بيان ما أجمله المؤلف في قوله: "فلابد من الكلام على هذين الأصلين" وتحقيقهما هو كما قال المؤلف قبل ذلك "فإقرار المرء بأن الله رب كل شيء ومليكه وخالقه لا ينجيه من عذاب الله إن لم يقترن به إقراره بأنه لا إله إلا الله فلا يستحق العبادة أحد إلا هو، وأن محمدا رسول لله فيجب تصديقه فيما أخبر. وطاعته فيما أمر"، وقد شرح الأول

ص: 93

بقوله "الأصل الأول توحيد الإلهية: فإنه سبحانه أخبر عن المشركين- كما تقدم - بأنهم أثبتوا وسائط بينه وبين الله يدعونهم ويتخذونهم شفعاء بدون إذن الله" يعني فلابد من تحقيق شهادة أن لا إله إلا الله فإن الله سبحانه قد كفر الذين دعوا معه آلهة أخرى أو تقربوا بهم إليه واتخذوهم وسطاء وشفعاء دون أن يأذن الله لهم بذلك. ثم استشهد المؤلف بجملة آيات تصرح بشرك وكفر من دعا غير الله، والتمس منه الشفاعة، وتبين الآيات أنهم لا يملكون لهم ضرا ولا نفعا وأنهم لا يشفعون إلا لمن ارتضى وأنه لا شفاعة عند لله إلا بإذنه وأن هؤلاء المدعوين من ملائكة وأنبياء وصالحين لا يملكون لأنفسهم ضرا ولا نفعا فضلا عن أن يملكوا ذلك لغيرهم وليس لهم من شرك في السموات ولا في الأرض ولا يملكون مثقال ذرة فيهما. وليست لله منهم عون ولا نصير بل الكون كله بأسره ملكه وتحت تصرفه، ثم بين المؤلف أن من تحقيق هذا الأصل أن يفرد الله جل وعلا بكل أنواع العبادة من خوف ورجاء وتوكل ورغبة وخشية وقد استشهد بعدة آيات فيها التصريح باستحقاق الله وحده سائر أنواع العبادات وإفراده بها دون من سواه، وأشار إلى بعض الأسرار التي تؤخذ من تعبير الآيات الكريمات كما في قوله سبحانه:{وَلَوْ أَنَّهُمْ رَضُوا مَا آتَاهُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ سَيُؤْتِينَا اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَرَسُولُهُ إِنَّا إِلَى اللَّهِ رَاغِبُونَ} ، وكما في قوله:{وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَخْشَ اللَّهَ وَيَتَّقْهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ} ، وقوله عن نوح عليه السلام:{أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاتَّقُوهُ وَأَطِيعُونِ} ، وقد بين الثاني بقوله:"الأصل الثاني في حق الرسول صلى الله عليه وسلم فعلينا أن نؤمن به صلى الله عليه وسلم ونطيعه ونرضيه ونحبه ونسلم لحكمه وأمثال ذلك " يعني ولابد من تحقيق شهادة أن محمدا رسول الله بأن يطاع في كل ما أمر ويجتنب ما عنه نهى وزجر وأن لا يعبد الله إلا بما شرع، وذلك يتضمن تقديم طاعته على طاعة كل أحد ومحبته وإرضائه باتباعه، وقد استشهد الشيخ على وجوب تحقيق هذا الأصل بجملة آيات، تبين أن طاعة الرسول طاعة لله وأن محبته ورضاه، مقرون برضاه.

ص: 94

قال الشيخ: وبالجملة فمعناه أصلان عظيمان: أحدهما أن لا نعبد إلا الله، والثاني: أن لا نعبده إلا بما شرع فلا نعبده بعبادة مبتدعة. وهذان الأصلان هما تحقيق شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، وذلك تحقيق قوله تعالى:{فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحاً وَلا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَداً} ، وفي الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:"من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد"، وفي لفظ في الصحيح "من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد"، وفي الصحيح وغيره أيضا "يقول لله تعالى أنا أغنى الشركاء من عمل عملا أشرك فيه غيري فأنا منه بريء وهو كله للذي أشرك"، وقد سبق إيضاح أنه ما من رسول إلا وقد أمر بأن يقول لقومه {اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ} ، وقوله:"قال طائفة من السلف" يعني كمجاهد وابن عباس وقوله: "وقال تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللَّهُ وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} أي "حسبك وحسب من اتبعك من المؤمنين هو الله إلى آخره " المعنى أن الله وحده كافيك وكافي أتباعك فلا تحتاجون معه إلى أحد، وهذا اختيار المحققين كالشيخ رحمه الله، وقيل المعنى حسبك الله وحسبك المؤمنون، قال ابن القيم رحمه الله: "وهذا خطأ محض لا يجوز حمل الآية عليه فإن الحسب والكفاية لله وحده كالتوكل والتقوى والعبادة، قال الله تعالى:{وَإِنْ يُرِيدُوا أَنْ يَخْدَعُوكَ فَإِنَّ حَسْبَكَ اللَّهُ هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ} ، ففرق بين الحسب والتأييد فجعل الحسب له وحده وجعل التأييد له بنصره وبعباده وأثنى على أهل التوحيد من عباده حيث أفردوه بالحسب فقال تعالى:{الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ} ولم يقولوا حسبنا الله ورسوله ونظير هذا قوله سبحانه: {وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ سَيُؤْتِينَا اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَرَسُولُهُ إِنَّا إِلَى اللَّهِ رَاغِبُونَ} ، فتأمل كيف جعل الإيتاء لله ورسوله وجعل الحسب له وحده فلم يقل وقالوا حسبنا الله ورسوله بل جعله خالص حقه كما قال:{إِنَّا إِلَى اللَّهِ رَاغِبُونَ} فجعل الرغبة إليه وحده كما قال: {وَإِلَى رَبِّكَ فَارْغَبْ} ، فالرغبة والتوكل والإنابة

ص: 95

والحسب لله وحده كما أن العبادة والتقوى والسجود والنذر والخشية لا تكون إلا له سبحانه وتعالى. وتقرير الشيخ لهذا المعنى هو الموافق لما جاء في اللغة العربية كما في قول الشاعر:

إذا كانت الهيجاء وانشقت العصا

فحسبك والضحاك سيف مهند

فإن المعنى: يكفيك سيف مهند مع الضحاك، ومعنى "حسبك وزيدا درهم" أي يكفيك أنت وزيد مجتمعين درهم واحد، وقوله:"وقال الخليل عليه السلام: {وَكَيْفَ أَخَافُ مَا أَشْرَكْتُمْ وَلا تَخَافُونَ أَنَّكُمْ أَشْرَكْتُمْ بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَاناً فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالْأَمْنِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ} ، وقال تعالى: {الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ} "إلى آخره المعنى كما قال ابن جرير عن الربيع بن أنس قال: "الإيمان هو الإخلاص لله وحده"، وقال ابن كثير في الآية:"أي هؤلاء الذين أخلصوا العبادة لله وحده ولم يشركوا به شيئا هم الآمنون يوم القيامة المهتدون في الدنيا والآخرة". قال الشيخ في معنى حديث ابن مسعود: والذي شق عليهم أنهم ظنوا أن الظلم المشروط عدمه هو ظلم العبد نفسه وأنه لا أمن ولا اهتداء إلا لمن لم يظلم نفسه فبين لهم النبي صلى الله عليه وسلم ما دلهم على أن الشرك ظلم في كتاب الله فلا يحصل الأمن والاهتداء إلا لمن لم يلبس إيمانه بهذا الظلم فكان من أهل الأمن والاهتداء كما كان من أهل الاصطفاء في قوله تعالى: {ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ} وهذا لا ينفي أن يؤاخذ أحدهم بظلمه لنفسه بذنب إذا لم يتب كما قال تعالى: {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ} ، فمن سلم من أجناس الظلم الثلاثة: الشرك وظلم العباد وظلمه لنفسه بما دون الشرك كان له الأمن التام والاهتداء التام ومن لم يسلم من ظلمه لنفسه كان له مطلق الأمن والاهتداء بمعنى أنه لا بد أن يدخل الجنة كما وعد بذلك في النصوص الأخرى وقد هداه الله إلى الصراط

ص: 96

المستقيم الذي تكون عاقبته فيه إلى الجنة ويحصل له من نقص الأمن والاهتداء بحسب ما نقص من إيمانه بظلمه لنفسه وليس مراد النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: "إنه الشرك" أن من لم يشرك الشرك الأكبر يكون له الأمن التام والاهتداء التام فإن أحاديثه الكثيرة مع نصوص القرآن تبين أن أهل الكبائر معرضون للخوف وحينئذ فمن لم يفرد الله سبحانه بجميع أنواع العبادة فإنه لم يحقق هذا الأصل، ثم بين المؤلف في معرض ذكره لبعض أسرار التعبير أن من هذا القبيل قول النبي صلى الله عليه وسلم في خطبته:"من يطع الله ورسوله" بينما قال في المشيئة: "لا تقولوا ما شاء الله وشاء محمد، بل قولوا ما شاء الله ثم شاء محمد" ففرق بين الطاعة والمشيئة، وقوله صلى الله عليه وسلم:"ومن يعصهما" هو مثل قوله صلى الله عليه وسلم في حديث أنس رضي الله عنه قال: "لما كان يوم خيبر أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا طلحة فنادى أن لله ورسوله ينهيانكم عن لحوم الحمر الأهلية فإنها رجس" متفق عليه بتثنية الضمير لله تعالى ولرسوله، وقد ثبت أنه صلى الله عليه وسلم قال للخطيب الذي قال:"في خطبته من يطع الله ورسوله فقد رشد ومن يعصهما الحديث: "بئس خطيب القوم أنت" لجمعه بين ضمير الله تعالى وضمير رسوله صلى الله عليه وسلم، وقال: "قل ومن يعص الله ورسوله" وقد أجيب عن هذا الإشكال بجوابين أحدهما: أنه صلى الله عليه وسلم نهى الخطيب عن ذلك لأن مقام الخطابة يقتضي البسط والإيضاح فأرشده إلى أن يأتي بالاسم الظاهر لا بالضمير وأنه ليس العتب عليه من حيث جمعه بين ضمير الله وضمير رسول الله صلى الله عليه وسلم، والثاني: أنه صلى الله عليه وسلم له أن يجمع بين الضميرين وليس ذلك لغيره لعلمه بجلال ربه وعظمته. وقوله: "ومن هذا الباب أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول في خطبته الخ"، يشير إلى ما رواه أبوداود من حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا تشهد قال: الحمد لله نستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا من يهد الله فلا مضل له وفي يضلل فلا هادي له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله أرسله بالحق بشيرا ونذيرا بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعصهما فإنه لا يضر إلا نفسه ولا يضر الله

ص: 97

شيئا"،وقوله: "لا تقولوا ما شاء الله وشاء محمد"، يشير إلى ما رواه النسائي من حديث قتيلة بنت صيفي الأنصارية رضي الله عنها: "أن يهوديا أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال إنكم تشركون تقولون ما شاء الله وشئت وتقولون والكعبة فأمرهم النبي صلى الله عليه وسلم إذا أرادوا أن يحلفوا أن يقولوا ورب الكعبة، وأن يقولوا ما شاء الله ثم شئت"،وقوله: "بل ما شاء الله كان وإن لم يشأ الناس وما شاء الناس لم يكن إن لم يشأ الله" يعني كما جاء في الأثر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "كل ما هو آت قريب لا بعد لما هو آت، ولا يعجل الله لعجلة أحد ولا يخف لأمر الناس، ما شاء الله لا ما شاء الناس، يريد الله شيئا ويريد الناس شيئا، وما شاء الله كان ولو كره الناس، ولا مبعد لما قرب الله، ولا مقرب لما بعد ولا يكون شيء إلا بإذن الله"، وما أحسن قول الإمام الشافعي:

فما شئتَ كان وإن لم أشأ

وما شئتُ إن لم تشأ لم يكن

خلقتَ العباد على ما علمتَ

ففي العلم يجري الفتى والمسن

على ذا مننتَ وهذا خذلتَ

وهذا أعنتَ وذا لن تُعن

فمنهم شقي ومنهم سعيد

ومنهم قبيح ومنهم حسن

وعشيرتكم: قبيلتكم وهم بنو أب واحد. واقترفتموها: اكتسبتموها، وكساد التجارة: بوارها، والتربص: الانتظار.

ص: 98