الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الشرعيين وفسرته بغير الملائم والمنافر.
المعتزلة لا يثبتون حكمة تعود إلى الله تعالى فيما خلقه وأمر به
…
قوله:-
ثم إن كلتا الطائفتين لما كانت تنكر أن يوصف الله بالمحبة والرضا والسخط والفرح ونحو ذلك، مما جاءت به النصوص الإلهية، ودلت عليه الشواهد العقلية تنازعوا بعد اتفاقهم على أن الله لا يفعل ما هو منه قبيح، هل ذلك ممتنع لذاته، وأنه لا يتصور قدرته على ما هو قبيح أو أنه سبحانه منزه عن ذلك، لا يفعله لمجرد القبح العقلي الذي أثبتوه؟ على قولين والقولان في الانحراف من جنس القولين المتقدمين، أولئك لم يفرقوا في خلقه وأمره بين الهدى والضلال، والطاعة والمعصية والأبرار والفجار، وأهل الجنة وأهل النار، والرحمة والعذاب، فلا جعلوه محمودا على ما فعله من العذاب أو ما تركه من الظلم ولا ما فعله من الإحسان والنعمة، وما تركه من التعذيب والنقمة والآخرون نزهوه بناء على القبح العقلي الذي أثبتوه، ولا حقيقة له وسووه بخلقه فيما يحسن ويقبح وشبهوه بعباده فيما يأمر به وينهى عنه.
ش: يعني أن المعتزلة وأتباعهم، والأشاعرة وأتباعهم بناء على قول الطائفة الأولى أن الله فعل المفعولات وأمر بالمأمورات لحكمة تعود إلى الخلق من غير أن يعود إليه من ذلك حكم أو يقوم به فعل أو نعت، وقول الطائفة الثانية أن الله خلق المخلوقات وأمر بالمأمورات لا لعلة ولا داع ولا باعث بل فعل ذلك لمحض المشيئة وصرف الإرادة وبناء على نفيهم صفة المحبة والبغض والغضب والرضاء والسخط والفرح ونحو ذلك من الصفات التي ينفيها كل من الطائفتين مما دل عليه نصوص الكتاب والسنة وشهدت به البراهين العقلية، بناء على كل ما سبق تنازعوا في عدم وقوع الظلم من الله، هل ذلك ممتنع لذاته وليس ممكنا ولا مقدورا أم أنه ممتنع على الله لمجرد القبح العقلي فقط؟، وكل من هذين القولين باطل وهما في
البطلان كالقولين الماضيين لهاتين الطائفتين في الحسن والقبح، مع أنهم جميعا متفقون على أن الله لا يفعل ما هو قبيح، والأشاعرة وأتباعهم بناء على نفيهم حكمة الله في خلقه وأمره، لم يفرقوا بين ما شاء وبين ما أمر به، بمعنى أنهم لم يميزوا بين ما هو هدى تترتب عليه السعادة ويمدح فاعله ويكون صاحبه من المؤمنين الأبرار، وبين ما هو ضلال يترتب عليه الشقاء، ويكون صاحبه من الكفار أو الفجار، وبناء على قولهم إن الظلم ممتنع على الله وأنه لا يتصور قدرته عليه جعلوا الله غير محمود على ما فعله من الإحسان والرحمة وغير محمود على ما تركه من العقاب والنقمة، وهذا عين قول الجبرية، ولا ريب في شناعة هذا القول وبطلانه فإن الله تعالى هو الذي يعطي ويمنع ويخفض ويرفع ويعز ويذل ويغني ويفقر ويضل ويهدي ويسعد ويشقي، وهو سبحانه حكم عدل لا يضع الشيء إلا في موضعه الذي يناسبه ويقتضيه العدل والمصلحة وهو سبحانه لا يفرق بين متماثلين ولا يساوي بين مختلفين فلا يعاقب إلا من يستحق العقوبة فيضعها موضعها لما في ذلك من الحكمة ولا يعاقب أهل البر والتقوى، أما المعتزلة ومن تبعهم فلم يثبتوا حكمة تعود إلى الله فيما خلقه وأمر به وإنما أثبتوا حكمة تعود إلى المخلوق فقط، ولم يثبتوا الحسن والقبح بالمعنى الذي يثبته الشرع ويشهد به العقل بل قاسوه على خلقه فيما يحسن ويقبح وجعلوا يوجبون على الله سبحانه ما يوجبون على العبد ويحرمون عليه من جنس ما يحرمون على العبد ويسمون ذلك العدل والحكمة مع قصور عقلهم عن معرفة حكمته وعدله، والحاصل: أنهم قاسوا الله على خلقه بقولهم ما حسن من المخلوق حسن من الخالق وما قبح من المخلوق قبح من الخالق فهم مشبهة الأفعال وهذا باطل كما أن تمثيل الخالق بالمخلوق في الصفات باطل. وقوله: "والآخرون نزهوه بناء على القبح العقلي الذي أثبتوه ولا حقيقة له" يعني أن المعتزلة تقول الكفر والفسوق والعصيان أفعال قبيحة، والله منزه عن فعل القبائح فلا تكون فعلا له، قالوا ولا يمكن إثبات كونه
سبحانه عدلا لا يظلم إلا بالقول بأنه لم يرد وجود الكفر والفسوق والعصيان ولا شاءها بل العباد فعلوا ذلك بغير مشيئته وإرادته، كما فعلوه بغير إذنه وأمره وقد رد عليهم سلف الأمة وأئمة السنة بأن الله خالق كل شيء وأنه ماشاء كان وما لم يشأ لم يكن، يضل من يشاء ويهدي من يشاء وأن العباد لهم مشيئة وقدرة فيفعلون بمشيئتهم وقدرتهم، كما قال تعالى: {كَلَاّ إِنَّهُ تَذْكِرَةٌ، فَمَنْ شَاءَ ذَكَرَهُ، وَمَا يَذْكُرُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ
…
الآية} ، وقال تعالى:{إِنَّ هَذِهِ تَذْكِرَةٌ فَمَنْ شَاءَ اتَّخَذَ إِلَى رَبِّهِ سَبِيلاً وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيماً حَكِيماً} ، وقال:{إِنْ هُوَ إِلَاّ ذِكْرٌ لِلْعَالَمِينَ، لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَقِيمَ وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ} ، فكل شيء واقع بقدرته ومشيئته ولا يكون في ملكه ما لا يريد، وهو سبحانه لا يرضى لعباده الكفر ولا يحب إلا ما تعلق بالإرادة الدينية المتضمنة لرضاه وقد يريد ما يبغضه ويأباه إرادة كونية تتعلق بما قدره وقضاه وله في جميع خلقه حكمة بالغة، قال الشيخ رحمه الله: الحكمة تتضمن شيئين أحدهما: تعود إليه سبحانه يحبها ويرضاها. الثاني: إلى عباده هي نعمة عليهم يفرحون بها ويتلذذون بها وهذا في المأمورات وفى المخلوقات أما في المأمورات فإنه يحب الطاعة ويرضاها ويفرح بتوبة التائب أعظم فرح، فهو يفرح أعظم مما يفرح الفاقد لزاده وراحلته في الأرض المهلكة إذا وجدها بعد اليأس. كما أنه يغار أعظم من غيرة العباد، وغيرته أن يأتي العبد ما حرم عليه فهو يغار إذا فعل العبد ما نهاه ويفرح إذا تاب ورجع إلى ما أمر به، والطاعة عاقبتها سعادة الدنيا والآخرة وذلك مما يفرح به العبد المطيع فكان فيما أمر الله به من الطاعات عاقبة حميدة تعود إليه وإلى عباده، ففيها حكمة له ورحمة لعباده قال تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ، تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ، يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَيُدْخِلْكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ، وَأُخْرَى تُحِبُّونَهَا نَصْرٌ مِنَ اللَّهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ} ، ففي الجهاد عاقبة محمودة للناس في الدنيا
يحبونها وهي النصر والفتح وفى الآخرة الجنة وفيه النجاة من النار. وقال تعالى في أول السورة: {إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفّاً كَأَنَّهُمْ بُنْيَانٌ مَرْصُوصٌ} ، ففيه حكمة عائدة إلى الله تعالى وفيه رحمة للعباد وهي ما يصل إليهم من النعمة في الدنيا والآخرة وهكذا سائر ما أمر به، وكذلك ما خلقه سبحانه خلقه لحكمة تعود إليه يحبها، وخلقه لرحمة بالعباد ينتفعون بها. ثم قال رحمه الله:"ومذهب أهل السنة والجماعة أن الله خالق كل شيء وربه ومليكه لا رب غيره ولا خالق سواه، ما شاء كان وما لم يشأ لم يكن وهو على كل شيء قدير وبكل شيء عليم، والعبد مأمور بطاعة الله وطاعة رسوله، منهي عن معصية الله ومعصية رسوله، فإن أطاع كان ذلك نعمة وإن عصى كان مستحقا للذم والعقاب وكان لله عليه الحجة البالغة ولا حجة لأحد على الله تعالى وكل ذلك كائن بقضاء الله وقدره ومشيئته وقدرته لكن يحب الطاعة ويأمر بها ويثيب أهلها ويكرمهم ويبغض المعصية وينهى عنها ويعاقب أهلها ويهينهم، وما يصيب العبد من النعم فالله أنعم بها عليه وما يصيبه من الشر فبذنوبه ومعاصيه كما قال تعالى: {مَا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللَّهِ وَمَا أَصَابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ} ، أي ما أصابك من خصب ونصر وهدى فالله أنعم به عليك وما أصابك من حزن وذل وشر فبذنوبك وخطاياك، فمن نظر إلى الحقيقة القدرية وأعرض عن الأمر والنهي والوعد والوعيد كان مشابها للمشركين، ومن نظر إلى الأمر والنهي وكذب بالقضاء والقدر كان مشبها للمجوسيين، ومن آمن بهذا وبهذا: فإذا أحسن حمد الله تعالى وإذا أساء استغفر الله تعالى وعلم أن ذلك بقضاء الله وقدره فهو من المؤمنين، فإن آدم عليه السلام لما أذنب تاب فاجتباه ربه وهداه، وإبليس أصر واحتج فلعنه الله وأقصاه، فمن تاب كان آدميا، ومن أصر واحتج بالقدر كان إبليسيا. فالسعداء يتبعون أباهم والأشقياء يتبعون عدوهم إبليس" واعلم أن الظلم الذي تنزه الله عنه هو المذكور في مثل قوله سبحانه: {وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلا يَخَافُ ظُلْماً وَلا هَضْماً} أي لا يخاف أن يظلم فيحمل عليه من سيئات غيره ولا يهضم من