الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
لقيس: {وَأُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ} ، فإن المراد من كل شيء يحتاج إليه الملوك، وهذا القيد يفهم في قرائن الكلام، إذ مراد الهدهد أنها ملكة كاملة في أمر الملك غير محتاجة إلى ما يكمل به أمر ملكها، ونظائر هذا كثيرة، فالمراد من قوله تعالى:{اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ} أي كل شيء مخلوق، وكل موجود سوى الله فهو مخلوق ولم يدخل في العموم (الخالق تعالى) وهو سبحانه موصوف بأوصاف الكمال، وصفاته ملازمة لذاته المقدسة. وشيخ المعتزلة الجهمية: الجعد بن درهم وتلميذه الجهم بن صفوان، هما أول من نقل عنه هذا الرأي الزائغ الفاسد، قال الشيخ:"والناس يقرؤون القرآن بأصواتهم ويكتبونه بمدادهم وما بين اللوحين كلام الله غير مخلوق، والمداد الذي يكتب به القرآن مخلوق، والصوت الذي يُقرأ به صوت العبد، والعبد وصوته وحركاته وسائر صفاته مخلوقة، فالقرآن الذي يقرأه الخلق كلام الباري والصوت صوت القارئ".
اقرار المرء بأن الله خالق كل شيء لا يغني عنه إلا إذا نطق بالشهادتين
…
قوله:
وكذلك النوع الثالث، وهو قولهم: هو واحد لا قسيم له في ذاته أو لا جزء له أو لا بعض له، لفظ مجمل. فإن الله سبحانه أحد صمد، لم يلد ولم يولد. ولم يكن له كفوا أحد، فيمتنع عليه أن يتفرق، أو يتحيز، أو يكون قد ركب من أجزاء، لكنهم يريدون في هذا اللفظ نفي علوه على عرشه، ومباينته لخلقه وامتيازه عنهم ونحو ذلك من المعاني المستلزمة لنفيه وتعطيله، ويجعلون ذلك من التوحيد، فقد تبين أن ما يسمونه توحيدا فيه ما هو حق وفيه ما هو باطل، ولو كان جميعه حقا، فغن المشركين إذا أقروا بذلك كله لم يخرجوا من الشرك الذي وصفهم الله به في القرآن. وقاتلهم عليه الرسول صلى الله عليه وسلم. بل لابد أن يؤمنوا بأنه لا إله إلا الله، وليس المراد (بالإله) هو القادر على الاختراع- كما ظنه من ظنه من أئمة المتكلمين- حيث ظن أن الإلهية هي القدرة على الاختراع وأن من أقر بأن الله هو القادر على الاختراع دون غيره، فقد شهد أن لا إله إلا الله، فإن -
المشركين كانوا يقرون بهذا وهم مشركون كما تقدم بيانه بل 0 (الإله) الحق هو الذي يستحق أن يعبد، فهو إله بمعنى (مألوه) لا بمعنى (إله) والتوحيد أن تعبد الله وحده لا شريك له والإشراك أن تجعل مع الله إلها آخر.
ش: يعني أن النوع الثالث من أنواع التوحيد عند أرباب الكلام والتصوف، هو قولهم أن لله واحد في ذاته لا قسيم له ولا جزء له ولا بعض له وهذا كلام مجمل مشتمل على حق وباطل فقد يراد به معنى صحيح كما إذا قصد به أن الله سبحانه لا يجوز عليه أن يتفرق بل هو أحد صمد. وقد يراد به نفي صفاته، وحينئذ فهم إنما يقصدون تعطيل حقائق أسمائه وصفاته التي هي من لوازم ذاته المقدسة زاعمين أن ذلك من التوحيد. وبما ذكر ينكشف زيغهم ويتضح باطلهم، فإن هذه المعاني التي تتناولها عباراتهم فيها ما يوافق ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم وفيها ما يخالفه. وليس الحق الذي فيها هو الغاية التي جاء بها الرسول بل التوحيد الذي جاء به أمر يتضمن الحق الذي في هذا الكلام وزيادة أخرى، ومقالتهم هذه هي الكلام الذي لبس فيه الحق بالباطل فلو أقر الإنسان بما يستحقه الرب تعالى من الصفات ونزهه عن كل ما تنزه عنه وأقر بأنه وحده خالق كل شيء لم يكن موحدا حتى يقر بأن لله وحده هو الإله المستحق للعبادة، والإله بمعنى المألوه المعبود الذي يستحق العبادة ليس هو الإله بمعنى القادر على الخلق.
قال ابن جرير: الله أصله الألاه أسقطت الهمزة التي هي فاء الكلمة فالتقت اللام التي هي عين الاسم واللام الزائدة وهي الساكنة فأدغمت في الأخرى فصارتا في اللفظ لاما واحدة مشددة، وأما تأويل الله فإنه على معنى ما روي لنا عن ابن عباس قال: هو الذي يألهه كل شيء ويعبده كل خلق. وساق بسنده عن الضحاك عن عبد الله بن عباس قال: الله ذو الألوهية
والعبودية على خلقه أجمعين انتهى" فالإله هو الذي تألهه القلوب عبادة واستعانة ومحبة وتعظيما وخوفا ورجاء وإجلالا، ولله عز وجل حق لا يشركه فيه غيره، فلا يعبد إلا الله ولا يدعى إلا الله ولا يخاف إلا الله ولا يطاع إلا الله، وأول ذلك أن لا تجعل مع الله إلها آخر فلا تحب مخلوقا كما تحب الله ولا ترجوه كما ترجو الله ولا تخشاه كما تخشى الله، ومن سوى بين المخلوق والخالق في شيء من ذلك فهو من الذين بربهم يعدلون وقد جعل مع الله إلها آخر وإن كان مع ذلك يعتقد أن الله وحده خلق السماوات والأرض، فإن مشركي العرب كانوا مقرين بأن الله وحده خلق السموات والأرض وكانوا مع ذلك مشركين يجعلون مع الله آلهة أخرى. وقد سبق ذكر جملة من الآيات الدالة على ذلك. فتبين أن جعل هذا التوحيد الذي يقر به المتكلمون هو الغاية لا يخرجهم عن الشرك، فقد كان المشركون يقرون به ومع ذلك وصفهم الله بالشرك، وقاتلهم الرسول صلى الله عليه وسلم فالتوحيد الذي بعث الله به رسله وأنزل به كتبه هو أن يعبد الله وحده لا شريك له، وضده الشرك وهو أن يتخذ مع الله آلهة أخرى.
قوله:
وإذا تبين أن غاية ما يقرره هؤلاء النظار- أهل الإثبات- للقدر المنتسبون إلى السنة، إنما هو توحيد الربوبية، وأن الله رب كل شيء ومع هذا فالمشركون كانوا مقرين بذلك مع أنهم مشركون، وكذلك طوائف من أهل التصوف والمنتسبين إلى المعرفة والتحقيق والتوحيد، غاية ما عندهم من التوحيد: هو شهود هذا التوحيد، وأن تشهد أن الله رب كل شيء ومليكه وخالقه لا سيما إذا غاب العارف عندهم بموجوده عن وجوده، وبمشهوده عن شهوده وبمعروفه عن معرفته ودخل في فناء توحيد الربوبية، بحيث يفنى من لم يكن، ويبقى من لم يزل، فهذا عندهم هو الغاية التي لا غاية وراءها.
ومعلوم أن هذا هو تحقيق ما أقر به المشركون من التوحيد ولا يصير الرجل بمجرد هذا التوحيد مسلما، فضلا عن أن يكون وليا لله أو من سادات الأولياء وطائفة من أهل التصوف والمعرفة يقررون هذا التوحيد مع إثبات الصفات، فيفنون في توحيد الربوبية، مع إثبات الخالق للعالم المباين لمخلوقاته، وآخرون يضمون هذا إلى نفي الصفات، فيدخلون في التعطيل مع هذا. وهذا شر من حال كثير من المشركين.
ش: يعني إذا اتضح وتقرر ما سبق من أن أرباب الكلام المثبتين
لمشيئة الله النافذة وقدرته التامة المنتسبين إلى الشريعة إذا تقرر أن غاية التوحيد عندهم هو الإقرار بأن الله هو رب كل شيء ومليكه وكذلك إذا تبين أن أرباب التصوف المدعين التحقيق والمعرفة والزاعمين أنهم بلغوا من التوحيد غايته، إنما حاصل ما عندهم هو الإقرار بربوبية لله الشاملة فليعلم أن هذا هو حقيقة ما أقر به المشركون، ومع ذلك لم يدخلهم هذا الاعتراف في الإسلام بل نعتهم الله بالشرك في غير ما آية من القرآن، وقاتلهم رسول الله صلى الله عليه وسلم واستباح دمائهم. ثم إن طائفة من الصوفية يقرون بأن الله رب كل شيء ومليكه ويثبتون أسماءه الحسنى وصفاته العليا، وطائفة منهم يعترفون بربوبية الله الشاملة، أما أسماء الله وصفاته فيجحدونها. وصنعهم هذا أسوأ حالا من كثير من المشركين فإنهم كانوا يقرون بأسماء الله وصفاته في الجملة. والحاصل أن هؤلاء النظار والمتصوفة المثبتين للصفات منهم والنافين لها غاية ما عندهم من التوحيد: هو الإقرار بأن الله هو خالق الخلق لا خالق لهم غيره ولا رب لهم سواه، أما أن يشرك معه غيره باتخاذ الوسائط ونحو ذلك من أنواع الشرك فذلك عندهم لا يضر مع الإقرار بالربوبية، وإذا كان ذلك حالهم فكيف يستحقون أن يوصفوا بأنهم مسلمون، فضلا عن أن يوصفوا بأنهم من أولياء الله أو من كبار عظمائهم. وقد تقدم الكثير من الأدلة على أن هذا هو عين شرك المشركين، وقوله: "لا سيما إذا غاب العارف عندهم بموجوده عن معرفته ودخل في فناء توحيد الربوبية بحيث