الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فيه. وبعبارة أصرح قد يعبر عما سبق بأن يقال: لابد من اعتبار يحتم ما يجب إثباته لله ويحتم ما يجب نفيه عنه، وإن كان النص كافيا في ذلك كان خبره مطابقا لما الأمر عليه في نفس الواقع، وحينئذ فما الفرق بين نفي ما ينفى وإثبات ما يثبت؟ فكما تقولون يجب أن لا يثبت لله إلا ما ورد في النص فقولوا لا ينفى عن الله إلا ما جاء السمع بنفيه. هذا حاصل كلام المعترض فيقال ردا عليهم ودحضا لباطلهم: كل ما نافى صفات الكمال فهو منفي عن الله، فإن إثبات الشيء نفي لضده، كما أن نفي الشيء إثبات لضده. فمثلا: هو سبحانه موصوف بالوجود والأولية والغنى والحياة والقيومية والقدرة والقوة وإثبات هذه الأوصاف مستلزم لنفي أضدادها.
اعتراض المعتزلة على الأشاعرة
…
قوله:
وبالجملة. فالسمع قد أثبت له من الأسماء الحسنى وصفات الكمال ما قد ورد، فكل ما ضاد ذلك فالسمع ينفيه، كما ينفي عنه المثل والكفء فإن إثبات الشيء نفي لضده ولما يستلزم ضده، والعقل يعرف نفي ذلك كما يعرف إثبات ضده، فإثبات أحد الضدين نفي للآخر ولما يستلزمه، فطرق العلم بنفي ما ينزه عنه الرب متسعة لا يحتاج فيها إلى الاقتصار على مجرد نفي التشبيه والتجسيم. كما فعله أهل القصور والتقصير الذين تناقضوا في ذلك وفرقوا بين المتماثلين، حتى أن كل من أثبت شيئا احتج عليه من نفاه بأنه يستلزم التشبه، وكذلك احتج القرامطة على نفي جميع الأمور، حتى نفوا النفي والإثبات، فقالوا: لا يقال لا موجود ولا ليس بموجود ولا حي، ولا ليس بحي، لأن ذلك تشبيه بالموجود أو المعدوم، فلزم نفي النقيضين، وهو أظهر الأشياء امتناعا، ثم إن هؤلاء يلزمهم من تشبيهه بالمعدومات والممتنعات والجمادات أعظم مما فروا منه من التشبيه بالأحياء الكاملين، فطرق تنزيهه وتقديسه عما هو منزه عنه متسعة لا تحتاج إلى هذا.
ش: بعد أن مثل المؤلف بصفة الوجود والأولية والغنى المطلق والقوة والقدرة والحياة والقيومية وأن إثبات هذه الأوصاف مستلزم لنفي أضدادها أردف يقول: ومجمل القول أنه قد ورد في النصوص من أسماء الله الحسنى وأوصافه العليا ما هو ثابت معلوم، وإثبات ذلك مستلزم لنفي ضده كالعلم مع الجهل والكلام مع الخرس والسمع مع الصمم وأشباه ذلك ونفي الشيء إثبات لضده كالظلم مع العدل ونفي المثيل والكفء والشريك إثبات للوحدانية والتفرد بالخلق والتدبير والكمال المطلق: فإثبات أحد الضدين نفي للآخر ولما يستلزمه ولقد أحسن القائل:
والضدُّ يظهرُ حسنَه الضدُّ
…
وبِضِدِّها تتبينُ الأشياءُ
وسيأتي بعد هذا في كلام الشيخ أمثلة توضح هذا المقام، والعاقل بما وهبه الله من عقل سليم يدرك ذلك فهي قضية بدهية ضرورية، وحينئذ فطرق تنزيه الله عما لا يليق به متعددة ليست منحصرة فيما يدعيه أهل الجهل والتفريط من أن نفي التشبيه يكفي في إثبات ما لم يرد من الصفات، أو أنه يعتمد عليه في نفي ما ورد بحجة التنزيه كما هي طريقة الجهمية والمعتزلة والأشاعرة وأضرابهم. فقد أثبت البعض شيئا ونفى شيئا والبعض منهم نفى الجميع، ولاشك أن هذه الطوائف قد تناقضت في مقالاتها وفرقت بين الأمور المتماثلة في الحكم. وأخذ بعضها يحتج على البعض الآخر بما يوافقه فيه. ثم إنهم لم يستفيدوا من دعوى التنزيه ونفي التشبيه إلا تنقص رب العالمين وتشبيهه بالناقصات، فقد فروا من تشبيهه سبحانه بالأحياء الكاملين، على زعمهم أن إثبات صفاته تشبيه، فوقعوا في التشبيه بالجماد والمعدوم والممتنع، شأنهم في ذلك شأن القرامطة النافين الإثبات والنفي، زعما منهم أن الإثبات يلزم منه التشبيه بالموجودات والنفي يلزم منه التشبيه بالمعدومات، فوقعوا في تشبيهه بالممتنعات. وحينئذ فتنزيه الله عما لا يليق به لا يكون بوصفه بأوصاف النقص، كما لا يكون بنفي أوصاف الكمال.