الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مقدمة الطبعة الأولي
بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا
هذا كتاب في التحرير العربي وهو فن يَتَأَبَّي على غير أهل الذوق والثقافة والنزوع الفطري إلى التعبير عن خلجات النفس وومضات الروح، وليس من شك أن للكلمة سلطانها الذي لا يقاوم، وتأثيرها الذي لا يدافع، وحسبنا أن نشير إلى أن معجزة الإسلام كانت معجزة بيانية قوامها الكلمة؛ ففي البدء كانت الكلمة، وكانت تحديًا غلَّابًا للكافرين والجاحدين يقول الله سبحانه وتعالى:
وإذا كان القرآن الكريم قد شغل أذهان وقلوب العالمين وظل منبعًا ثرَّا للفكر والمعرفة في عطاء متواصل لا ينضب له معين عبر العصور فإنه بقي ملهمًا للقرائح وشاحذًا للعقول ومعلمًا للبلاغة وفن القول. وأي بحث في الكتابة أو التحرير لا بد أن يصدر منه ويرجع إليه.
ولعل من الحوافز التي دفعتني إلى إعداد هذا الكتاب؛ إحساسي بأن مجال الحديث في هذا الميدان لا ينتهي، وهو بحاجة إلى إثراء، فمراجعه قليلة، وما كتب فيه حتى الآن -رغم أهميته- ما زال نزرًا يسيرًا، ولعل من أهم مؤلفاته كتاب الدكتور محمد علي أبو حميدة، "فن الكتابة والتعبير"، وكتاب "التحرير العربي" للدكتور أحمد شوقي رضوان والدكتور عثمان صالح الفريح الذي صدر عن جامعة
الملك سعود، و"صناعة الكتابة" للدكتور فيكتور إلك، وكتاب "فن الكتابة الصحيحة" للدكتور غازي براكس وغيرها من الكتب، وعلى الرغم مما تتميز به هذه المؤلفات من دقة علمية؛ فإن بعضها لم يُعْنَ عناية كافية شاملة بفنون التعبير المختلفة والبعض الآخر لم يستوعب الأنواع الأدبية الحديثة، ولم يهتم بالحديث عن ضوابط الكتابة، ولست أزعم أنني في هذه المحاولة قد تلافيت النقص وسددت الثغرات؛ فليس في طاقة باحث فرد أن يفعل ذلك، ولكننى حاولت أن ألم إلمامة موجزة -اعتقدت أنها مفيدة- بضوابط الكتابة، وقد اجتهدت في البحث عنها في مظانها التراثية والحديثة ما استطعت إلى ذلك سبيلًا، وعمدت إلى دراسة أنماط التحرير دون إسهاب مع بعض النماذج التطبيقية التى يمكن أن تفيد الشادين في هذا المضمار من طلبة الجامعات والكليات، وغيرهم ممن تنازعهم الرغبة إلى الولوج في ساحة الكلمة، وكذلك الذين تضطرهم ظروف عملهم إلى إتقان أنماط من التحرير العملي، وحاولت جهدي أن أوفر لهم مرجعًا قريب المتناول، سهل المأخذ، وقد عمدت إلى كتب التراث التي اهتمت بفنون الكتابة مثل صبح الأعشي للقلقشندي والبيان والتبيين للجاحظ والمثل الثائر لابن الأثير وغيرها، وحاولت أن أستشيرها وأرجع إليها وأدل القارئ عليها دون أن أغفل المراجع الحديثة، وخصوصًا فيما يتعلق بالفنون المستجدة، ولعل الأسباب التى دعتني إلى الخوض في هذا العباب هو رغبتي في أن أفتح عيون القراء على المصادر والمراجع، ولهذا عمدت إلى إثبات أهم المصادر في نهاية كل فصل مع نبذة يسيرة عن كل واحد منها كلما تسير ذلك، ورأيت الحاجة إليه ملحة، وقد قامت خطة الكتاب على أسس أعتقد أنها تلبي الحاجة إلى المعرفة الضرورية بأصول الكتابة وفنونها في صورتها المبدئية دون إيغال في فلسفة هذه الأصول أو تسطيح لها.
والكتاب يتكون من:
أولًا: مدخل: يشرح المصطلحات الأساسية الشائعة كالكتابة والتحرير والتعبير والتدوين والتأليف وما إلى ذلك. وإضاءة حول مقومات الكتابة والثقافة..
ثانيًا: الباب الأول: يتناول ضوابط الكتابة مع الإلمام بعناصر البناء التعبيري؛ فقد حرصت على معالجة أدوات الربط المختلفة، وَعَوَّلْتُ على استخدام المصطلحات الأصلية المبثوثة في كتب البلاغة والنحو دون تغيير أو تبديل، كما عملت على تلخيص أهم قواعد الإملاء وعلامات الترقيم لتكون في متناول القارئ دون الحاجة إلى البحث في مواضع أخرى، وعمدت إلى استخلاصها من مظان متعددة وأرشدت القارئ إلى أهمها وإلى مميزات كل منها في نهاية الباب، وقد قسمت هذا الباب إلى فصول ثلاثة: عناصر البناء التعبيري - أدوات الربط - ضوابط الرسم الكتابي.
ثالثًا: الباب الثاني: عالجت فيه أنماط التحرير المختلفة في ثلاث فصول: في الفصل الأول درست أنماط التحرير العملي الإجرائي كالتلخيص والتقرير والرسالة الإدارية، ويهمني أن أشير إلى أن هذا التقسيم ليس حاسمًا، ولكنه إجراء تنظيمي؛ فالكتابة -مهما كانت- لا بد أن تحتوي على جانب إبداعي وآخر وظيفي. وفي الفصل الثاني تحدثت عن فنون الكتابة الإبداعية النثرية، كالقصة والرواية والمسرحية والتراجم والسير والخطابة ثم فن الشعر. وفي الفصل الثالث عالجت الكتابة التي تقع بين النمط الإبداعي والوظيفي، كالمقالة والمحاضرة والندوة والتعليق والبحث وتحليل النصوص.
وحاولت ما أمكن أن أقدم المادة في أبسط صورة، وقد اجتهدت في بيان بعض ما يتعلق بالفنون التي لم أعثر على مراجع معتمدة لها كالتعليق والندوة من خلال ملاحظاتي الخاصة، وحاولت -جهد الطاقة- أن أقدم نماذج تطبيقية عملية من إعدادي الخاص محاولًا ربطها بالواقع المعاصر، وحرصت على توثيق المادة ما أمكن.
ولا بد أن أشير إلى أنني قد استرشدت بالكثير من المراجع الحديثة وخصوصًا تلك التي أشرت إليها في بداية هذه المقدمة.
اللهم اجعل هذا الجهد المتواضع خالصًا لوجهك الكريم، وقربى إليك يا أرحم الراحمين، وجنبني الخطل والزلل واعفُ عَنِّي وَاغْفِرْ لِي يَا قَابِلَ التَّوْبَةِ وغافر الذنب.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين
د. محمد صالح الشنطي