الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أوقات الكتابة
مدخل
ليس هناك اتفاق على موعد محدد للكتابة، ولكن تخير الوقت المناسب الذي يشعر فيه الكاتب بالراحة الجسدية والنفسية والفكرية مبدأ هام يكاد يجمع عليه الباحثون والكتاب من الشرق والغرب، وربما كان أنسب الأوقات الصباح الباكر بعد الفجر لمن اعتاد على النوم مبكرًا فأخذ قسطًا من الراحة، وبعض الكتاب يمارسون نشاطهم الإبداعي في جوف الليل حيث تتوفر السكينة، ويخلو المرء إلى نفسه فيستصفي زبدة أفكاره ومشاعره، ويتخير لها من العبارات والألفاظ ما يمكنه من التعبير عنها في هدأة السكون! ولكن الأمر ليس سواء لدى الجميع.
وقد وضع أحد علمائنا من السلف قواعد هامة في هذا المجال في صحيفة مشهورة هي صحيفة بشر بن المعتمر، وقد عمدت إلى إثبات أهم ما جاء فيها في نهاية هذا البحث.
ويرى بعض العلماء أنه لا بد من مرور اثنتي عشر ساعة بين الفراغ من المسودة الأولى، ومحاولة إعادة الكتابة مرة ثانية.
ويقرر ابن رشيق القيرواني في كتابه "العمدة" في الفصل الذي عقده لعمل الشعر وشحذ القريحة؛ لأنه لا بد للشاعر وإن كان فحلًا، حاذقًا، مبرزًا من فترة1 تعرض له إما لشغل يسير أو موت قريحة أو نُبو طبع في تلك الساعة أو ذلك الحين.
ويؤكد ذلك الفرزدق الشاعر الأموي المعروف إذ يقول: "تمر عليّ الساعة وقلع ضرس من أضراسي أهون علي من عمل بيت من الشعر".
1 الفترة من الفتور أي التراخي والعزوف عن العمل في بعض الأوقات.
وقيل لكُثيّرِ عزة الشاعر العذري الأموي: كيف تصنع إذا عسر عليك الشعر؟
قال: أطوف في الرباع المحيلة: والرياض المعشبة، فيسهل علي أرضه ويسرع إلي أحسنه.
وقال الأصمعي الراوية العالم الأديب ما استدعي شارد بمثل الجاري والشرف وقال ابن قتيبة العالم الأديب: وللشعر أوقات يسرع فيها أتيه، ويسمح فيها أبيُّه والمقصود يأتيه ما ينثال على الخاطر والوجدان منه، والأبي المستعصي، منها أول الليل قبل تغشي الكرى قبل النوم ومنها صدر النهار قبل الغداء، ومنها الخلوة في الحبس1.
ويشير أبي تمام في بيت مشهور له إلى أنسب أوقات الكتابة فيقول:
خذها ابنة الفكر المهذَّب في الدجى
…
والليل أسود رقعة الجلباب
ويعقب على ذلك بعض الباحثين فيقول: فإنه خص تهذيب الفكر بالدجى ليكون الليل تهدأ فيه الصوات وتسكن فيه الحركات، فيكون الفكر فيه مجتمعًا ومرآة التهذيب فيه صقيلة، لخلو الخاطر وصفاء القريحة، لاسيما وسط الليل.
ومن نصائح أبي تمام للبحتري ما روى عنه البحتري حيث قال: كنت في حداثتي أروم الشعر، وكنت أرجع منه إلى طبع سليم، ولم أكن وقفت له على تسهيل مأخذ، ووجوه اقتضاب حتى قصدت أبا تمام، وانقطعت إليه، واتكلت في تعريفه عليه، فكان أول ما قال:"يا أبا عبيدة تخير الأوقات وأنت قليل الهموم، صفر من الغموم"2.
1 راجع فيما يتعلق بهذه الأقوال: تقي الدين علي بن حجة الحموي، خزانة الأدب وغاية الأرب، شرح عصام شعيتو، دار ومكتبة الهلال، بيروت 1987م.
2 المرجع السابق.
غير أن هذا كله- على الرغم من أهيمته- يصدق على الكتابة الإبداعية في الغالب، أما الكتابة الإجرائية فلا يمكن التحكم في وقت مخصوص لها؛ لأنها عمل وظيفي تدفع إليها الظروف في أي وقت من الأوقات، وهي لا تحتاج إلى استشارة للقرائح، ولا تحريض لملكة الكتابة؛ لأنها تسير وفق قواعد مقررة، وأصول معروفة.