المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌وسائل الربط ‌ ‌الربط الجزئي   الربط بين أجزاء الكلام مدخل: الربط بين أجزاء الكلام من - فن التحرير العربي

[محمد صالح الشنطي]

فهرس الكتاب

- ‌المقدمات

- ‌مقدمة الطبعة الخامسة

- ‌مقدمة الطبعة الثانية

- ‌مقدمة الطبعة الأولي

- ‌المدخل

- ‌مفاهيم اصطلاحية

- ‌الكتابة وأنواعها

- ‌مستلزمات الكتابة

- ‌ إتقان الأداة:

- ‌ التمرس بالأساليب الأدبية الرفيعة

- ‌ الإلمام بالثقافة العصرية الجادة *

- ‌ تكوين قاعدة فكرية خاصة بالموضوع الذي يراد الكتابة فيه

- ‌إضاءة حول مصادر الثقافة:

- ‌مدخل

- ‌المعلقات:

- ‌ المفضليَّات:

- ‌ الْأَصْمَعِيَّات:

- ‌ جمهرة أشعار العرب:

- ‌الحماسة الكبرى:

- ‌ حماسة البحتري:

- ‌ أهم المختارات في العصر الحديث

- ‌من المختارات الحديثة:

- ‌ دواوين الشعراء الفحول

- ‌مدخل

- ‌ البيان والتبيين

- ‌ الحيوان

- ‌ الكتب المفيدة

- ‌ كتاب الكامل

- ‌ كتاب العقد الفريد

- ‌ الأغاني

- ‌ من كتب الأدب المشهورة

- ‌ كتب الطبقات

- ‌أوقات الكتابة

- ‌مدخل

- ‌من صحيفة بشر بن المعتمر

- ‌شروط الكاتب:

- ‌ضوابط الكتابة

- ‌عناصر البناء التعبيري

- ‌الكلمة:

- ‌الجملة

- ‌الفقرة

- ‌الأسلوب

- ‌وسائل الربط

- ‌الربط الجزئي

- ‌الربط بواسطة الحروف بشكل عام

- ‌الربط الكلي

- ‌ضوابط الرسم الكتابي

- ‌القواعد الأساسية للإملاء

- ‌نبذة تاريخية

- ‌الهمزة

- ‌ الزيادة

- ‌الحذف

- ‌الوصل والفصل بين الحروف والكلمات:

- ‌الألف اللينة

- ‌تاء التأنيث:

- ‌علامات الترقيم

- ‌المختصرات ورموزها الكتابية

- ‌مكتبة الإملاء

- ‌أنماط التحرير

- ‌الكتابة الوظيفية (الإجرائية)

- ‌التلخيص*

- ‌التقرير

- ‌الرسالة

- ‌الكتابة الإبداعية

- ‌فنون النثر

- ‌فن كتابة القصة

- ‌فن المسرحية

- ‌فن كتابة التراجم والسير

- ‌الخطابة

- ‌فن الشعر

- ‌محاولة للتعريف - نظريات في فهم الشعر - كيف تكتب قصيدة الشعر - عناصر الإبداع الشعري

- ‌بين الإبداعي والوظيفي

- ‌فن كتابة المقالة

- ‌المحاضرة*

- ‌الندوة

- ‌التعليق

- ‌البحث

- ‌تحليل النصوص

- ‌ملحق بمفردات التعبير والإنشاء في مراحل التعليم العام

- ‌التعبير بين الكتابة الإبداعية والوظيفية

- ‌إضاءات حول مفردات التعبير في المقررات الدراسية في مراحل التعليم العام

- ‌تطبيقات إملائية

- ‌تطبيقات على الهمزة

- ‌تطبيقات على الحذف

- ‌تطبيقات على الحروف الزائدة

- ‌تطبيقات على الفصل والوصل بين الحروف والكلمات

- ‌تطبيقات على التاء المفتوحة والتاء المربوطة

- ‌تطبيقات على الأفعال والأسماء المنتهية بألف التأنيث المقصورة والممدودة

- ‌تطبيقات عامة

الفصل: ‌ ‌وسائل الربط ‌ ‌الربط الجزئي   الربط بين أجزاء الكلام مدخل: الربط بين أجزاء الكلام من

‌وسائل الربط

‌الربط الجزئي

الربط بين أجزاء الكلام

مدخل:

الربط بين أجزاء الكلام من المباحث المهمة التي تضع أيدينا على أسرار الكتابة وطرق التجويد فيها، وقد اهتم النقاد والبلاغيون والنحويون بدراسة أدوات الربط ووسائله، فكان مبحث "الفصل والوصل" الذي يعني بمواضع استخدام "الواو" وحذفها بين الجمل، كذلك مباحث حروف العطف وأدوات الربط الأخرى من أهم المباحث في البلاغة العربية والنحو العربي ومبحث الفصل والوصل صعب المسلك، لطيف المغزى، كثير الفائدة غامض السر، لا يوفق للصواب فيه إلا من أوتي خطًّا من حسن الذوق وطبع على البلاغة، فإن سبك الكلام ودقة أسره وشدة تلاحم أجزائه تحتاج إلى صنع صانع، وحذق حاذق ماهر يميز بين أقسام الجمل1.

وقد رأيت أن أتناول هذا الموضوع من زاويتين:

الأولى: الربط بين الكلمات والجمل والعبارات.

والربط بين الكلمات محوره أدوات العطف، أما الربط بين الجمل فقد يكون بأدوات العطف أو بواسطة العبارات وبحروف المعاني المختلفة. ومن المعروف أن كثر استخدام أدوات الربط يوهن العلاقة بين أجزاء الكلام ويخل بتماسكها. لذلك كان لا بد من التنبيه إلى ضرورة الاقتصاد في استخدام هذه الأدوات، وإلى أن خلو الكلام من الحروف الرابطة إنما ينم عن شدة التلاحم بين أجزائه وقوة نظمه.

وقد أولى الباحثون من النقاد والمفكرين أهمية كبرى لمسألة النظم هذه، فهي

1 راجع: أحمد مصطفى المراغي، علوم البلاغة، دار القلم بيروت سنة 1984م ص148.

ص: 85

تتناول علاقة الكلمات بعضها ببعض وموقعها في السياق، وكانت نظرية النظم التي صاغها أحد نقادنا وبلاغيينا القدامى الأفذاذ "عبد القاهر الجرجاني" في كتابه (دلائل الإعجاز) من أبرز منجزات الفكر النقدي العربي على مدى العصور.

ثانيًا: الربط الكلي: وهو يتجاوز الكلمات والجمل إلى تلاحم الفقرات وتماسكها في نسق كل شامل على مستوى النص، وتحقيق ذلك ليس بالأمر الهين ولا اليسير، والربط الكلي يعالج على مستوت متعددة، فهو مناط الوحدة الفنية في الأجناس الأدبية المختلفة وفقًا للقواعد والأصول لكل فن.

الربط بين الكلمات:

من الأمور التي شَغَلَتْ أذهان النقاد والأدباء منذ وقت مبكر قضية الربط بين الكلمة وما جاورها في السياق، فكان مما أشاروا إليه الكلمة المتمكنة، والكلمة القلقة النابية، وعابوا على الكلام وهن العلاقة بين مفرداته، ومن أوائل من عالج هذه القضية "الجاحظ" في (البيان والتبيين) حيث قال:"وكذلك حروف الكلام وأَجْزَاءُ البيت من الشعر تَرَاهَا مُتَّفِقَةً ملساء، ولينة المعاطف سهلة، وتراها مختلفة متباينة، ومتنافرة مستكرهة"1. وقد عرض عبد القاهر الجرجاني أحد أئمة البلاغة لهذه المسألة عرضًا مفصلًا فاستحدث نظرية النظم التي أكد فيها أهمية مُلَاءمة معنى المفردة لجاراتها وفضل مؤانستها لأخواتها2 على حد تعبيره.

ولكن إدراك ذلك ليس بالأمر السهل على غير الذين ر اضوا صياغة الكلام وتمرسوا بأساليبه، لذلك وقع في المحاذير بعض الشعراء من الفحول، وقد أشار بعض الباحثين إلى أن مرجع ذلك إلى ما يعتري النفس من فتور عند معالجة

1 الجاحظ: البيان والتبيين، تحقيق عبد السلام هارون، ج1 ص 89.

2 عبد القاهر الجرجاني، دلائل الإعجاز، ص32.

ص: 86

القول: أمَّا إِذَا كَانَ الْكَاتِب مسيطرًا على خلجاته وخيالاته وهواجسه لا تتنافر ألفاظه، فوصف الكلام بالتماسك والإحكام، والملائمة والسلاسة والتحدر* دلالة على أن الكاتب محتشد مسيطر فلا تتواثب فى خاطره أخلاط* المعاني1، وقد اشترط البلاغيون والنقاد أن تكون المفردات متناسبة ملائمة، سواء عطفت على بعضها البعض أم لم تعطف، فلا يصح أن يقول فلان جسيم وبليغ، إذ لا ملائمة بين الجسامة ضخامة الجسم وبين البلاغة سواء عطف بين الصفتين أم لم يعطف، غير أن ما ورد في بعض أنساق الكلام البليغ مما يوهم التنافر أو التشتت بين الألفاظ إنما هو لغرض يضفي على الأسلوب ظلالًا لا يدرك أسرارها إلا من علا كعبه في فن القول. من أمثلة ذلك قول الله سبحانه وتعالى:{وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَتَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ} [النساء:1] العطف هنا للدلالة على مكانة الأرحام عند الله سبحانه وتعالى. من هنا جاء عطفها على الضمير العائد على اسم الجلالة.

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ} [الحجرات:1] فليس النهي هنا عن أن يتقدموا بين يدي الرسول فحسب وإنما جاء العطف على اسم الجلالة للإيحاء بجسامة الموقف، الأمر الذي يوحي بأن من يتقدم بين يدي الرسول صلى الله عليه وسلم إنما هو تقدم بين يدي الله، من هنا كان العطف بالواو ذا إيحاءات تتجاوز مجرد اشتراك المتعاطفين في الحكم الإعرابي، إذ تتبادل الكلمات والظلال ويقوم حوار بين دلالاتها ومضامينها.

ومن الأمور التي أثيرت عند معالجة قضية الربط بين الكلمات النهي عن دخول الواو بين الصفة والموصوف لاستحالة عطف الشيء على نفسه، والصفة يمكن أن تحل محل الموصوف، لذا لا يجوز أن نقول شاهدت سعيدًا.

* التحدر: الأنساب.

* أخلاط المعاني: المعاني غير المتناسقة أو المتناسقة

1 راجع: د/ محمد أبو موسى، دلالات التراكيب، مكتبة وهبة، سنة 1979م ص 291، وما بعدها، وقد استفدت من هذا الكتاب فائدة جلية في باب الربط بين أجزاء الكلام لذا لزم التنويه.

ص: 87

والمجتهد، باعتبار أن المجتهد صفة لسعيد، غير أن بعض البلاغيين أشاروا إلى إمكانية وقوع الواو بين الصفة والموصوف لإفادة تمكن الصفة من الموصوف، وبالذات عندما تكون الصفة جملة، كما في قول الله سبحانه وتعالى:{سَيَقُولُونَ ثَلاثَةٌ رَابِعُهُمْ كَلْبُهُمْ وَيَقُولُونَ خَمْسَةٌ سَادِسُهُمْ كَلْبُهُمْ رَجْماً بِالْغَيْبِ وَيَقُولُونَ سَبْعَةٌ وَثَامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ} [الكهف:22] فالواو دخلت على {ثَامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ} لتفيد لصوقها بالموصوف ويطلق البلاغيون على هذه الواو "واو الثمانية"، وقد جاءت بعد تردد وحيرة وشك اعترى الصفات السابقة لها، فحين جاءت الواو أكدت الثبات والرسوخ واليقين.

وحينما يعطف بين الصفة والموصوف يقصد إلى إبراز معنى "التغاير" والتعدد، إظهارًا لشأن الموصوف وإشارة إلى احتوائه على ما هو ثري ومتعدد، من ذلك قول الله سبحانه وتعالى:{وَإِذْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَالْفُرْقَانَ} [الأنبياء:48] فالفرقان صفة للكتاب وكذلك الضياء، وذكر للمتقين، ولكن الله سبحانه وتعالى أراد أن يشير إلى ثراء هذا الكتاب وعظمته بما اتصف به من صفات كل واحدة منها، قائمة بذاتها، مغايرة لما قبلها أو بعدها، وقد ركز البلاغيون وخصوصًا "الزمخشري" و"عبد القاهر" على معنى التغاير، وقد بدا سر إعجاز النظم في حذف الواو بين الصفات المترادفات، وذكرها بين المتغايرات في قول الله سبحانه وتعالى:{عَسَى رَبُّهُ إِنْ طَلَّقَكُنَّ أَنْ يُبْدِلَهُ أَزْوَاجاً خَيْراً مِنْكُنَّ مُسْلِمَاتٍ مُؤْمِنَاتٍ قَانِتَاتٍ تَائِبَاتٍ عَابِدَاتٍ سَائِحَاتٍ ثَيِّبَاتٍ وَأَبْكَاراً} [التحريم:5] فالعطف بين الثيبات والأبكار لتغاير هاتين الصفتين، والصفات المتضادة لا بد من الفصل بينهما كما يرى "العلوي" في "الطراز" -وهو أحد البلاغيين المشهورين- غير أن هذا مردود عليه لقول الله سبحانه وتعالى: {تَنزِيلُ الْكِتَابِ مِنْ اللَّهِ الْعَزِيزِ

ص: 88

الْعَلِيمِ، غَافِرِ الذَّنْبِ وَقَابِلِ التَّوْبِ شَدِيدِ الْعِقَابِ} [غافر:2] فقد جاءت الواو بين صفتين مترادفتين، بينما حذفت بين {قَابِلِ التَّوْبِ شَدِيدِ الْعِقَابِ} وفي هذا سر معجز من أسرار التعبير القرآني، لا يخضع لقاعدة معينة.

الربط بين الجمل بالكلمات أو العبارات:

يكون هذا النوع من الربط على شكل كلمات وعبارات تصل بين الجملة وما يليها أو ما يسبقها من جمل، ويساعد على فهم المعاني والوعي بتسلسل الأفكار وإدراك الروابط بينها. ويتمثل في عدة أنواع من العبارات على النحو التالي:

أولًا-عبارات التعدد: "أولًا، ثانيًا، في المقام الأول، أخيرًا، السبب الأول، العامل الأول" وهذه العبارات تتعلق بترتيب الأفكار وتنظيمها وتسلسلها وبإحكام الصلة بين المقدمات والنتائج.

ثانيًا-عبارات الاستنتاج: "ولهذا، ولذلك، ونتيجة لذلك وهكذا نستنتج أما يلي، والاسنتناج الحاصل هو، والنتيجة هي" ويجب عدم المغالاة في استخدام هذ العبارات، وتكرارها بكثرة وغالبًا ما تستخدم في الكتابة الإجرائية والموضوعية.

ثالثًا- عبارات الاستطراد: "فضلًا عما سبق، بالإضافة إلى هذا، يضاف إلى ذلك، كما أن

إلخ" غالبًا ما تأتي هذه العبارات لإضافة معنى جديد أو تدوين ما تجود به الذاكرة بعد أن استنفد ما بحوزته من معلومات، وهي تقترب من معنى الاستدارك.

ص: 89

خامسًا- عبارات الاستدراك: قد تقتصر على حرف واحد يحمل معنى الاستدراك مثل "لكن" أو على تعبير مركب مثل: "وبالرغم من ذلك، وعلى أي حال، ومهما يكن من أمر"، والاستدراك يكون - في الغالب - دفعًا لمظنَّة توهم أشياء غير مقصودة أو تأكيد حقيقة يخشى أن تكون منسية.

سادسًا- السببية: وتأتي للتعليل وبيان الأسباب، وتكون هذه العبارت - في بعض الأحيان- مشتقة من المادة اللغوية لكلمة سبب مثل: وسبب هذا، ويعود السبب إلى، ويعزى الأمر إلى، والسبب هو.

سابعًا- العبارات الجوابية: حيث يطرح الكاتب سؤالًا لتوضيح قضية ما، فيكون الربط بين هذا السؤال والجملة التي تليه بعبارة تشير إل الجوانب كقولنا: والجواب على ذلك

من هنا تسمى هذه الرابطة بالرابطة الجوابية.

ثامنًا- عبارات التمثيل: وهي العبارات التي يقصد بها الاستدلال على صحة مسألة من المسائل أو توضيحها، فتكون الجملة مثالًا لما ورد في جملة سابقة على نحو قولنا: ومثال ذلك، وعلى سبيل المثال

إلخ.

تاسعًا- عبارات الاستفهام: حيث تبدو العلاقة هنا عكس العلاقة الجوابية فالجملة موضوع الربط تكون سؤالًا عن الجمل السابقة فتكون عبارة الربط على النحو التالي: والسؤال هو، ولكنا نسأل فنقول

إلخ.

ص: 90

الربط بين الجمل بالحروف

الفصل والوصل

الجمل من حيث الموقع الإعرابي نوعان: الأول له محل من الإعراب ولذلك تجري عليه أحكام اللفظة المفردة من حيث العطف فإن جاءت نعتًا أو توكيدًا، أو بدلًا كان الاتصال بينها وبين متبوعها داخليًّا دون أداة عطف، فالتوكيد هو عين المؤكد، وكذلك الصفة هي عين الموصوف فلا داعي للعطف بينهما، فالواو- كما أسلفنا- لا تقع إلا بين المتغايرين وحينما نقول - مثلًا- أَحَبَّ قَيْسٌ لَيْلَى حُبًّا شَدِيًا، لم يجد مع النصح ولا التأنيب تكون الجملة الثانية توكيدًا للأولى، لذا لا وجود لرابط بينهما كالواو على غرار قولنا: جاء محمد نفسه. أما النوع الثاني فهو ما لا محل له من الإعراب، وجمله تخضع في ربطها لأصول وقواعد قررها البلاغيون وعلى رأسهم عبد القاهر الجرجاني.

وقد شبه المعاني بالأشخاص، فالواو في المعاني كالوسيط في الرجال فإذا قوت الصلة بين الرجلين لم يحتاجا إلى من يربط بينهما، وإذا اختلفا وتنافرا تنافرًا يبعد الثقة بحيث يصبح الجمع بينهما مستحيلًا أصبح وجود الوسيط بلا طائل، فالوسيط لا يكون إلا في الحالات غير الميؤوس منها حيث يمكن أن يكون وجود الوسيط مجديًا، وهذا-كما يقول أحد الباحثين المحدثين:"واضح في أحوال الناس، وهو كذلك في كلامهم، لأن الكلام في حقيقته تشكيل للسلوك والأمزجة، والعادات والطبائع، وإذا ذهبت تبحث في المشابهات بين تقاليد اللسان، وتقاليد السلوك وجدت متشابهات كثيرة1".

د/ محمد أبو موسى: دلالات التراكيب مرجع سابق ص312.

ص: 91

الفصل:

وقد أشار النحويون الأقدمون إلى ذلك، فإذا قويت العلاقة بين الجملتين اتصلتا من ذات نفسيهما، وتداخلتا وصارتا كالشيء الواحد، وهذا يحتاج إلى مزيد من التأمل، لهذا لا داعي لوجود الواو إذا كانت الجملتان متصلتين تمام الاتصال وهو ما يعرف في المصطلح البلاغي بكمال الاتصال، ويكون ذلك في المواضع التالية:

أولا- إذا كانت الجملة الأولى مؤكَّدةً مِنْ قِبَلِ الجملة الثانية، وإدراك ذلك لا يتأتى إلا بعد طول تأمل لمن صفا ذهنه وسما ذوقه، ومن أمثلة ذلك قول الله سبحانه وتعالى:{ذَلِكَ الْكِتَابُ لا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ} [البقرة:2] فالجملتان التاليتان مؤكدتان للأولى ولهذا لم يكن ثمة داع للواو.

{وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِ آيَاتُنَا وَلَّى مُسْتَكْبِراً كَأَنْ لَمْ يَسْمَعْهَا كَأَنَّ فِي أُذُنَيْهِ وَقْراً} [لقمان:7] .

{فَمَهِّلْ الْكَافِرِينَ أَمْهِلْهُمْ رُوَيْداً} [الطارق:17] وهذا توكيد لفظي.

{مَا هَذَا بَشَراً إِنْ هَذَا إِلَاّ مَلَكٌ كَرِيمٌ} [يوسف:31] .

{مَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِهِ إِلَاّ أَسْمَاءً سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ مَا أَنزَلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ إِنْ الْحُكْمُ إِلَاّ لِلَّهِ أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ} [يوسف:40] .

ومن أبرز الأمثلة على ذلك آية الكرسي فجملها تجري على هذا النحو من التوكيد ومن أمثلة ذلك قول الشاعر:

يهوى الثناء مبرِّز ومقصر

حب الثناء طبيعة الإنسان

فقد جاء الشطر الثاني من البيت بمثابة تعليق يحتوي على حقيقة عامة تؤكد المعنى السابق ومن أمثلة ذلك:

ص: 92

1-

إذا هبط الحجَّاج أرضًا مريضة

تتبع أقصى دائها فشفاها

شفاها من الداء العضال الذي بها

غلام إذا هزَّ القناة سقاها

سقاها فرواها بشرب سجاله

دماء رجال حيث مال حشاها

2-

إنما الدنيا فناء

ليس للدنيا ثبوت

3-

قد ينفع الأدب الأحداث في مهل

وليس ينفع بعد الكبرة الأدبُ

إن الغصون إذا قومتها اعتدلت

ولن تلين إذا قوّمتها الخشبُ

فجملة "شفاها من الداء" تأكيد لسابقتها وكذلك جملة "سقاها فرواها" وجملة "ليس للدنيا ثبوت" في المثال الثاني مؤكدة للجملة السابقة عليها وفي المثال الثالث فإن الجملة في الشطر الثاني من كل بيت مؤكدة للجملة في الشطر الأول.

ومن الواضح أن كل ما عرف بالتذييل في علم المعاني أو التشبيه الضمني في علم البيان يمكن أن يدخل في هذا الباب.

ثانيًا- إذا كانت الجملة الثانية بيانًا للأولى أوتفسيرًا لها كما في قول الله تعالى: {فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ الشَّيْطَانُ قَالَ يَا آدَمُ} [طه:120] فجملة "قال يا آدم" بيان للجملة الأولى وتفسير للمقصود بالوسوسة.

{وَنَادَى أَصْحَابُ الأَعْرَافِ رِجَالًا يَعْرِفُونَهُمْ بِسِيمَاهُمْ قَالُوا مَا أَغْنَى

ص: 93

عَنْكُمْ جَمْعُكُمْ وَمَا كُنتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ} [الأعراف:8] فجملة "قالوا

" توضح للنداء {وَإِذْ نَجَّيْنَاكُمْ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذَابِ يُذَبِّحُونَ أَبْنَاءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءَكُمْ} [البقرة:49] فما جاء بعد "يسومونكم" توضيح لجملة {يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذَابِ} .

ومما جاء في الشعر:

كفى زاجرًا للمرء أيام دهره

تروح له بالواعظات وتفتدي

الناس للناس من بدو وحاضرةٍ

بعض لبعض وإن لم يشعروا خدمُ

ذهب الذين يعاش في أكنافهمُ

وبقيت في خلف كجلد الأجرب

يتأكلون مغالة وخيانة

ويعاب قائلهم وإن لم يشجبِ

قال زياد بن أبيه: "إني رأيت خلالًا ثلاثًا، نبذت إليكم فيهن النصيحة، رأيت إعظام ذوي الشرف، وإجلال ذوي العلم، وتوقير ذوي الأحلام، ويتدرج في هذا الباب ما عرف في علم المعاني في باب الإطناب بالتفصيل بعد الإجمال والتوضيح بعد الإبهام.

ثالثًا- إذا كانت الجملة الثانية بدلًا من الجملة الأولى كما في قول الله تعالى: {أَمَدَّكُمْ بِمَا تَعْلَمُونَ، أَمَدَّكُمْ بِأَنْعَامٍ وَبَنِينَ} [الشعراء:133]{يَا قَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ، اتَّبِعُوا مَنْ لا يَسْأَلُكُمْ أَجْراً وَهُمْ مُهْتَدُونَ} [يس:20]{بَلْ قَالُوا مِثْلَ مَا قَالَ الأَوَّلُونَ، قَالُوا أَئِذَا مِتْنَا} الآيتان [المؤمنون:82،81] .

ص: 94

ومن الشعر:

أقول له ارحل لا تقيمن عندنا

وإلا فكن في السر والجهر مسْلِمَا

فائدة: وقد نجد من يصل بين مثل هذه الجمل لغرض في نفس المتكلم ذلك ما جاء شعرًا مثل:

أبني إن أهلك فإني

قد بنيت لكم بنيه1

وجعلتكم أبناء سادا

ـتٍ زنادكم ورِيَّة2

فجملة "وجعلتكم أبناء سادات" هي في حقيقة الأمر بيان للبني التي بناها، ولو حذفت الواو لجاء الكلام متصلًا، ولكن الشاعر أراد أن يميز هذ المعنى فأدخل الواو لتفيد المغايرة.

نصحت لعارضٍ وأصحاب عارض

ورهط بني السواد والقوم شدي3

فقلت لهم ظنوا بألفي مدَجِّجٍ

سرتهم في الفارس المسرد4

فجلمة "فقلت لهم"

لبيان للنصيحة ولكنه أراد أن يبرز مضمون النصيحة وبميزه فجاء بالواو.

وجاء في القرن الكريم شواهد عظيمة الدلالة كقول الله تعالى: {وَإِذْ

1 بنية: بناء.

2 سهدي: حضور

3 وريَّة: من ورت النار إذا اشتعلت.

4 المرد: الذي لبس الدرع وحمل السلاح.

ص: 95

أَخَذْنَا مِنْ النَّبِيِّينَ مِيثَاقَهُمْ وَمِنْكَ وَمِنْ نُوحٍ وَإِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَأَخَذْنَا مِنْهُمْ مِيثَاقاً غَلِيظاً} [الأحزاب:7] فجملة وأخذنا مهم ميثاقًا غليظًا توكيد للجملة الأولى، ولكن الله سبحانه وتعالى ربطهما بالواو لكي يبرز شأن الميثاق ويفهمه كما لو كان مغايرًا لما سبقه، وكذلك قول الله سبحانه وتعالى:{وَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا نَجَّيْنَا هُوداً وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا وَنَجَّيْنَاهُمْ مِنْ عَذَابٍ غَلِيظٍ} .

ولا تذكر الواو بين الجملتين حينما يكون بينهما تغاير تام وهو ما اصطلح على تمسته كمال الانقطاع، وذلك في الأحوال التالية:

أ- إذا اختلفت الجملتان خبرًا وإنشاءً، لفظًا ومعنى، نحو ما جاء في قول الله تعالى:{وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ} [الحجرات:9] فالجملة الأولى إنشائية والثانية خبرية، وفي قول الشاعر:

لا تسأل المرء عن خلائقه

في وجهه شاهد من الخبر

وفي قول الشاعر أيضًا:

لا تحسب المجد تمرًا أنت آكله

لن تبلغ المجد حتى تلعق الصبرا

ب- إذا لم تكن بينهما مناسبة في المعنى، ولا ارتباط بين المسند إليه يهما، وبين المسند كقول الشاعر:

وإنما المرء بأصغريه

كل امرئ رهن لما لديه

ومن الشواهد على كمال الانقطاع {بَدِيعُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ} [البقرة:117]{أَنَّى يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ} [الأنعام:101] .

ص: 96

فائدة: وأما ما جاء من هذا الباب معطوفًا فالغالب فيه أن الواو للاستئناف لا للعطف كقول الله تعالى: {اتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمْ اللَّهُ} و"حسبي الله ونعم الوكيل"{وَلا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرْ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ} [الأنعام:121]{كُلَّمَا أَرَادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا مِنْ غَمٍّ أُعِيدُوا فِيهَا وَذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ} [الحج:22]{وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِلنَّاسِ وَأَمْناً وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى} [البقرة:125]{وَآتَيْنَاهُ الْحِكْمَةَ وَفَصْلَ الْخِطَابِ، وَهَلْ أَتَاكَ نَبَأُ الْخَصْمِ إِذْ تَسَوَّرُوا الْمِحْرَابَ} الآيتان [21،20] .

يجب الفصل بين الجملتين "أي عدم ذكر الواو" حينما لا يكون الاتصال بين الجملتين تامًا، وهو ما يسمى بشبه كمال الاتصال وذلك حينما تبي الجملة الثانية عن معنى تثير الجملة الأولى:

قال لي كيف أنت، قلت عليل

سهر دائم وحزن طويل

فكأن المخاطب حين سمع قول الشاعر أنه عليل سأل: وما سبب علتك؟

فكان الجواب:

سهر دائم وحزن طويل.

وفي قوله تعالى: {وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ} [يوسف:53] .

وفي قول الشاعر:

يرى البخيلُ سبيل المال واحدة

إن الكريم يرى في ماله سُبُلا

ص: 97

وقول الشاعر:

زعم العواذل أنني في غمرة1.

صدقوا ولكن غمرتي لا تنجلي2.

فكأنَّ المتلقي يسأل بعد الجمل الأولى: فما رأيك؟

وفي قول الشاعر:

وقال إني في الهوى كاذب

انتقم الله من الكاذبِ

وقد أشار عبد القاهر الجرجاني إلى ما تثير هذه الأساليب في النفس

إن الجملة الأولى تبعث الخواطر والهواتف فتأتي الثانية لتجيب عنها، وكأن بذرة الجملة الثانية مضمرة في الأولى، وهكذا يتوالد الكلام وتتناسل الجمل.

وقد استشرف البلاغيون العلل والأسباب التي تثيرها الأسئلة في الجملة الأولى فوجدوا أن التساؤل قد يكون عن العلة المطلقة، أي السبب العام كقول المعري:

وقد غرضت من الدنيا فهل زمني

معطٍ حياتي لِغرٍ بعد ما غرضا3

جربتْ دهري وأهليه فما ترَكَتْ

ليَ الحوادثُ في ود امرئ غرضًا

ففي البيت الأول شكوى من الحياة وخصوصًا لمن أوتي حظًا من الحكمة والتعقل، الشاعر يتمنى أن يكون ما تبقى من حياته من نصيب غافل غير مشتاقٍ إلى الدنيا

1 الغمرة: المحنة

2 تنجلي تنكشف تزول

3 عرضت: أصبحت هدفًا والغِر الجاهل

ص: 98

وهذه الشكوى تثير في النفس هواجس وأسئلة لمعرفة السبب فيأتي الجواب في الجملة الثانية.

وقد يكون السؤال الذي تثيره الجملة الثانية من علة معينة" سبب خاص" إذ يكون بينها غموض شفيف كما رأينا في الآية الكريمة "وما أبرئ نفسي" فكأن هناك اتهامًا غامضًا للنفس، وهنا يأ تي السؤال عن هذا الاتهام الذي يرجع لسبب خاص: إن النفس لأمارة بالسوء. وقد يكون السؤال الضمني عن وجه من وجوه الدلالة حيث يثير شوق النفس، إلى المزيد كقول الشاعر:

اعتاد قلبك من ليلى عوائده

وهاج اهواءك المكنونة الطلل

ربع فؤاد أذاع المعصرات به

وكل حيران سار ماؤه خَضِلُ

فحينما تحدث الشاعر عن الطلل الذي اعتاد قلبه وأهاج كوامن نفسه استثير المتلقي وكأنه يطلب مزيدًا من المعلومات عن هذا الطلل في غير سؤال محدد..

فائدة: ويسمى شبه كمال الاتصال "الاستئناف البياني" ولكنه ليس ابتداء كلام منقطع عن سابقه، وإنما متولد منه وناشيء عنه إذ تتحرك النفس نحو مواقف جديدة تثيره الجملة الأولى، فالمعاني يستدعى بعضها بعضًا حيث تتناسل الأغراض وقد يطول بها الكلام، فالمعاني في الكلام الحي الحافل تتواليد وتطويل وتشتجر، وتلتف، حتى تلتبس وتختلط إلا على بصير بطرائقها، كثير المراجعة1.

ويمتنع دخول الواو إذا سبقت جملة بجملتين يصح عظفها على إحداهما ولا يصح عطفها على الأخرى لفساد المعنى فيترك العطف دفعًا لهذا الوهم

1 د. محمد أبو موسى، دلالات التراكيب، مرجع سابق ص 338.

ص: 99

ويسمى هذا "شبه كمال الانقطاع" كقول الشاعر:

تظن سلمى أنني أبغي بها

بدلًا أراها في الضلال تهيم

فبين الجملتين مناسبة واضحة، ولكن عطف جمل "أراها" علي وتظن سلمى قد يوهم بأن العطف جاء على جملة "أبغي بها بدلًا" وذلك يؤدي إلى فساد المعنى لذا ترك العطف.

الوصل:

وقد ذكر الأقدمون المواقع التي يكون فيها الوصل "أي ذكر الواو" بين الجمل على سبيل العطف بينها فقالوا بوجوب المناسبة بين الجملتين المتعاطفتين، وقد عمدوا إلى شرح المناسبة وتحليلها، واستفادوا بعلوم عصرهم في تحليل قوى النفس، وبحث التداعيات العقلية والخالية والوهمية ومعطيات البيئة العامة ومردودات ذات الاهتمامات الفردية على النفس1.

ومما يجدر الوقوف عنده - في هذ المجال - هو التركيز على أن المناسبة يجب أن تتوفر في ركني الجملة "دلائل الإعجاز" حين اشترط أن يكون المسند في الجملة الثانية، وأن الخبر في الثانية ينغى أن يشاكل الخبر في الأولى كأن يجري جر التشبيه أو النظر أو النقيض للخبر عن الأولى، وضرب مثالًا بعدم جواز العطف بين زيد طويل القامة، وعمر شاعر، لعدم المناسبة بين طول القامة والشعر، وأشار إلى أن الواجب أن يقال: زيد كاتب وعمر شاعر، وأومأ إلى أن المعاني كالأشخاص2.

ويستحسن أن تكون الجملتان المتعاطفتان متشاكلتين في الإسمية والفعلية، ومن أمثلة ذلك النماذج الرائعة التي أوردها القرآن الكريم في قول الله تعالى:

1 راجع دلالات التراكيب مرجع سابق، ص 349.

2 دلائل الإعجاز، ص 147، 148.

ص: 100

{يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ} [الحديد:6]"فعليتان".

{إِنَّ الأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ، وَإِنَّ الْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ} [الانفطار:14،13]"اسميتان".

وقد تنتفي هذه المشاكلة فلا تكون الجملتان المتعاطفتان كذلك لغرض تقضيه الدلالة كقول الله سبحانه وتعالى: {يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ} [النساء:142] .

فهنا جاءت الجملة الأولى فعلية للدلالة على معنى الحدوث والتغير، وجاءت الجملة الثانية اسمية للدلالة على معنى الثبوت والدوام.

ومن الأمثلة الرائعة على التلاؤم والتناسب بين الجمل المتعاطفة:

قول علي بن أبي طالب "رضي الله عنه" كفى بالعلم شرفًا أو يدعيه من لا يحنسه، ويفرح به إذا نسب إليه وكفى بالجهل خمولًا أنه يتبرأ منه من هو فيه، ويغضب منه إذا نسب إليه.

وقد ركز البلاغيون على ما أسموه بالجامع بين طرفي الكلام المتعاطف، وبذلوا جهدًا كبيرًا لإدراك ما غمض منه مستعينين بألوان شتى من المعارف، ومن أمثلة ذلك ما أشار إليه الزمخشري حين عكف على توضيح المناسبة الخافية بين طرفي الجملتين في قول الله تعالى:{وَالنَّجْمُ وَالشَّجَرُ يَسْجُدَانِ، وَالسَّمَاءَ رَفَعَهَا وَوَضَعَ الْمِيزَانَ} [الرحمن:6] فأشار إلى أن الشمس والقمر سماويان، النجم والشجر أرضيان، بين القبيلين تناسب من حيث التقابل وأن السماء والأرض لا تزالان تذكران قرينتين، وأن جرى الشمس والقمر بحسبان من جنس الانقياد لأمر الله، فهو مناسب لسجود النجم والشجر فالرابطة المعنية هنا قوية.

والواو تبرز حين تتقارب الجملتان، وتسقط حين تتباعد.

ص: 101

وإذا كان هناك كمال انقطاع بين الجملتين، وأوهم الفصل بينهما معنى المقصود ذكرت الواو كالإجابة على سؤال من يسأل: هل أنت مريض؟

وقولنا "لا وعافاك الله" فلو حذفت الواو هنا لأوهم ذلك الدعاء على السائل.

وخلاصة القول:

1-

يجب الفصل عدم ذكر الواو في ثلاثة مواضع: حينما يكون بين الجملتين اتحاد تام كأن تكون الجملة الثانية توكيدًا للأولى أو بيانًا لها أو بدلًا لها وحينما يكون بين الجمل انفصال تام بأن تختلفا خبرًا وإنشاء أو بألا تكون بينهما مناسبة ما هوما يسمى بكمال الانقطاع وحينما تكون الجملة الثانية جوابًا عن سؤال يفهم من الأولى وهو ما يسمى بشبه كمال الاتصال.

وقد يقتضي المقام مخالفة هذه القواعد.

2-

يجب الوصل بالواو إذا قصد إشرك الجملتين في الحكم الإعرابي، وإذا اتفقت الجملتان خبرًا أو إنشاء، وكانت بينهما مناسبة تامة، وإذا اختلفت الجملتان خبرًا وإنشاء وأوهم الفصل خلاف المقصود.

وقد يُفْصلُ في موقع الوصل لعلة ما يقتضيها المقام.

ص: 102