الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المحاضرة*
ما المحاضرة؟
يعرف الباحثون المحاضرة بأنه أسلوب تعليمي يتحدث خلاله المحاضر مباشرة لمستمعيه دون انقطاع لمدة لا تقل عن خمس دقائق، ولا تزيد عن ساعة في الأحوال العادية للتعليم1.
والحقيقة أن هذا التعريف ليس جامعًا مانعًا- كما يقول المناطقة - فالمحاضرة ليست أسلوبًا؛ بل هي نص يقدم بأساليب متعددة ومتباينة تختلف باختلاف المادة، والمحاضرة كما سيتضح فيما بعد إن شاء الله، ولهذا لا بد أن نميز بين المحاضرة كنص والمحاضرة كأسلوب في الإلقاء، وقبل أن نشرع في التماس السبل لتحقيق هذه المهمة لا بد أن نميز بين الدرس الذي يؤدى في مراحل التعليم العام وبين المحاضرة.
الفرق بين الدرس والمحاضرة:
فالدرس عبارة عن أداء تعليمي تربوي لمادة مقررة سلفًا ومعدة في إطار منهج دراسي في كتاب مدرسي، ولا دخل للمعلم في تحديد مادته العلمية، وحقائقه المدونة وتقتصر مهمة المدرس على مجرد الأداء بالأسلوب الذي يراه مناسبًا، أما المحاضرة فتحتاج إلى إعداد علمي وفني، فالمحاضر مسئول مسئولية مباشرة عما يقدمه من معلومات، فهو صاحب النص والأداء على حد
1 راجع: د/ محمد زياد حمدان: المحاضرة الحديثة - مبادؤها وتطبيقاتها التربوية، دار الرياض للنشر والتوزيع، الرياض سنة 1983م ص21.
* المحاضرة في اللغة تعني المجالدة والمجاثاة عند السلطان، ومطارحة القول ومجاذبته، وحضر ضد غاب، والحضر ضد البادية.
سواء، وهذا هو الفارق الجوهري بين الدرس والمحاضرة، وقد عمد بعض المؤلفين إلى الخلط بين هذين اللونين المتمايزين، بل يذهبون إلى أبعد من ذلك حين يقررون أن المحاضرة يمكن أن تطلق على الإلقاء والشرح والقصة والخطبة1.
والحقيقة أن هذه الفنون التعبيرية متباينة في طرق الأداء والإعداد وطبيعة المادة.
والمحاضرة من الفنون القديمة، قد عرفتها الأمم المختلفة، اليونان والرومان والعرب.
أنواع المحاضرة:
أولًا: المحاضرات الجامعية:
تعريفها: منظومة من الأفكار والقضايا والحقائق والآراء العلمية تدور حول موضوع من المواضع المتعلقة بالمعرفة تعد وفق تصور معين في إطار منهج دراسي محدد من شأنها أن تسهم في بناء الشخصية العلمية للطلاب.
وهي تؤدى في مواد محددة، لها أغراض معينة وفقًا لمنهج مدروس، وهذا النوع من المحاضرات يخضع لنظم وقوانين تختلف باختلاف هذه الجامعات والمعاهد والكليات ومجال الابتكار فيها محدود، وإن كانت بعض هذه المحاضرات ذات قيمة علمية إذا كان الأستاذ المحاضر من الأعلام في تخصصاتهم، فهي أشبه بالبحوث التي تقوم على الابتكار وتقديم الجديد، سواء بالكشف عن منابع جديدة للمعرفة في ميدانها، أو في الوصول إلى نتائج غير مسبوقة، أو في تقديم آراء ووجهات نظر مغايرة لما سبقها، وفقًا لبراهين وأسس
1 لاحظنا أن الدكتور محمد زياد حمدان لم يفرق بين المحاضرة والدرس في كتابه السالف الذكر الذي يعتبر مرجعًا هامًا في هذا الموضوع. ص21.
ومناهج مختلفة وتصبح هذه المحاضرات في كثير من الأحيان مرجعًا في مجالها، حيث تنشر في كتب وتوثق، فكثير من المراجع التي بين أيدينا في مجال النقد والأدب كانت في الأصل محاضرات جامعية، فما كتبه الدكتور شكري عياد في "علم الأسلوب" والدكتور القط في "الاتجاه الوجداني في الشعر العربي الحديث" والدكتور يوسف خليف في الأدب العربي القديم أمثلة حية على ذلك، والمحاضرات الجامعية يتلوها - عادة - مناقشات وألوان من النشاط والتقييم.
ثانيًا: المحاضرات العامة:
وهي التي تلقى في جمع حاشد من الناس في موضوع مثير للاهتمام في مجاله، وهذا النوع من المحاضرات يتضمن آراء جديدة في الغالب ومناقشة آراء قديمة لتفنيدها أو تأييدها، وتهدف إلى التوعية والتثقيف، والمحاضرة العامة قسمان: قسم ذو طابع تثقيفي يهدف إلى التوعية بقضية من القضايا العامة المطروحة على الرأي العام، وقسم ذو طابع تخصصي تحضره صفوة من المهتمين بقضية أدبية أو علمية كتلك التي تلقى في النوادي الأدبية أو الجمعيات الثقافية.
ثالثًا: المحاضرات المتخصصة التي تلقى في المؤتمرات وحلقات البحث:
وهي عبارة عن عرض لأبحاث علمية أو أدبية تعقبها مناقشات ودراسات، ولها طابع خاص؛ إذ تتكئ على أوراق مطبوعة ومنشورة وتقتصر مهمة المحاضر على عرض الخطوط العامة لبحثه وأهم النتائج التي توصل إليها الدارس، حيث يعقبها تشكيل مجموعات تناقش مختلف جوانب المحاضرة،
فهي تمر بالمراحل التالية: توزيع الورقة على المجتمعين "بحث"، ثم عرض خطوطه الرئيسية من قبل المحاضر ثم المناقشة المتخصصة - ثم النشر والتوزيع.
أنواع المحاضرات من حيث الشكل التنظيمي
أولًا: المحاضرات الهرمية وأهم أنواعها التصنيفية:
وهي أكثر أنواع المحاضرات شيوعًا وتتضمن مجموعة من الحقائق الهامة الرئيسية تندرج تحتها حقائق فرعية تفصيلية، فالعنوان هو رأس الهرم، والحقائق الأساسية بتفريعاتها تشكل جسم الهرم وقاعدته، مثل ذلك محاضرة تحت عنوان "العصور الأدبية".
ثانيًا- المحاضرات المتسلسلة:
تتكون من سلسلة متصلة من الأفكار التي يعتمد كل منها على سابقة في المعنى والنتائج، فالفكرة الأولى مثيرة والثانية استجابة للأولى وذلك طبقًا لعلم النفس السلوكي، ويعتمد المحاضر على ركيزتين أساسيتين في محاضرته وهما: التكرار والتلخيص، ويكثر هذا النوع من المحاضرات في التاريخ والرياضيات والتجارب العلمية.
مثال "تطور منهج الدعوة الإسلامية في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم"
1-
الدعوة إلى الله سرًا----2- الدعوة جهرًا---3- المشكلات التي ترتبت على الدعوة الجهرية -----4- الصدام مع المشركين----5- الهجرة الأولى---- 6- الهجرة الثانية--- 7- الغزوات ---8- الصلح "صلح الحديبية"----9- فتح مكة --- 10- عام الوفود ---11--- انتشار الدعوة في الجزيرة..إلخ
ثالثًا: المحاضرات المركبة:
هي التي تتناول قضايا ذات طبيعة معقدة بعض الشيء وأهم أنواعها المحاضرات التي تقوم على المقارنة: وهي التي يعمد فيها المحاضر إلى الموازنة بين أمرين أو أكثر مثبتًا أوجه التشابه، أو الاختلاف بعد عرض الخصائص والمميزات، ولنأخذ لذلك مثلًا "دعوة ابن تيمية ودعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب".
الخصائص والمميزات في الدعوة الأولى:
1-
دعوة ابن تيمية في الشام.
2-
في بيئة اجتماعية ذات طابع حضري.
3-
في عصر الفتن والقلاقل.
4-
دعوة إلى التوحيد الخالص لله سبحانه وتعالى.
5-
محاربة البدع والخرافات.
6-
امتداد لفكر أحمد بن حنبل.
7-
لم تسفر عن بناء الدولة الإسلامية.
الخصائص والميزات في الدعوة الثانية:
1-
دعوة ابن عبد الوهاب في الجزيرة العربية.
2-
دعوة ابن عبد الوهاب في بيئة اجتماعية ذات طابع بدوي.
3-
دعوة إلى التوحيد الخالص لله سبحانه وتعالى.
4-
وجدت دعمًا من سلطة سياسية قوية.
5-
محاربة البدع والخرافات.
6-
امتداد لفكر السلف الصالح.
7-
أسفرت عن بناء الدولة الإسلامية.
أوجه التشابه والاختلاف:
أولًا: التشابه في مبادئ الدعوة وفي الفكر والمنهج.
ثانيًا: الاختلاف في النتائج لاختلاف الظروف.
المحاضرة "الخطوات والمراحل"
هناك ثلاث مراحل لتأدية المحاضرة:
المرحلة الأولى الإعداد:
ويتم وفقًا لثلاثة مستويات للإعداد:
المستوى النفسي والمستوى الفكري والمستوى الفني.
والإعداد الفكري والفني يسبق الإعداد النفسي بطبيعة الحال؛ لأن الإعداد النفسي يتم قبل تنفيذ المحاضرة وأثناءها، أما المستويان الأولان فيكونان سابقين بزمن ليس باليسير.
أولًا- الإعداد الفكري:
ويكون بالاطلاع وجمع المعلومات ثم تصنيفها وتنسيقها، وتحديد النقاط الرئيسية والفرعية، وترتيبها وتحضير الأمثلة ووسائل الإيضاح، وتحديد المنهج وإعداد البيانات والنشرات والملخصات وما إلى ذلك.
ثانيًا- الإعداد الفني:
وهو جزء من الإعداد الفكري، ويتمثل في التفكير في أفضل الطرق التي تؤدى بها المحاضرة، وتحضير الخرائط والوسائل والأسئلة، وإعداد المكان والزمان والمساعدين والأجهزة، وكتابة تفاصيل ذلك كله بما فيه إعداد المحاضرة مكتوبة.
ثالثًا-الإعداد النفسي:
وهذا الإعداد ذو شقين: الأول يتعلق بالمحاضر نفسه، والثاني يتعلق بالحضور، الأول له أهمية كبيرة إذ لا بد أن تكون لدى المحاضر فكرة تامة عن
المكان والزمان وطبيعة الحاضرين ومستوياتهم حتى لا يفاجأ بنوعية مغايرة لما في تصوره.
أما فيما يتعلق بالحضور فلا بد للمحاضر من عقد أواصر الألفة بينه وبينهم باستئناسهم واستمالتهم، وإشاعة جو من البساطة وإظهار المودة لهم والتعاطف والرغبة في إفادتهم، أما وسائل التفاعل والتشويق وإثارة الحيوية في المحاضرة فهي متعددة منها:
1-
إشراك الحضور بين الحين والآخر عن طريق الأسئلة أو المشكلات أو الفروض.
2-
تلوين طرق الأداء والعرض وفقًا للمواقف المختلفة والاستعانة بالمعروضات.
3-
تغيير نبرة الصوت لطرد الرتابة مع شيء من الحماس المعتدل.
4-
التحرك بين الحين والحين من مكان الوقوف مع إدخال بعض عناصر التعبير بالحركة عن بعض المواقف وعدم إرباك الحضور بالمشي بين المقاعد الأمر الذي يشتت الأذهان.
المرحلة الثانية: التنفيذ وخطواته:
أولًا: التمهيد:
يختلف باختلاف نوع المحاضرة، ولكنه مهم للغاية، وفي كثير من الأحيان يحدد سير المحاضرة إلى النجاح أو الفشل. ومهمة التمهيد أو المقدمة شد انتباه الحاضرين بعرض خطوطها الرئيسية لإثارة شوقهم لمتابعتها وتوضيح أهدافها وبيان أهميتها.
ثانيًا: عرض المحاضرة:
"ويطلق على صلب الحاضرة اسم جسم المحاضرة" ومهمة المحاضر في هذه
الخطوة تفريغ النقاط الرئيسية والتمثيل لها في ترابط وتناسق ومراجعة المهم منها بين الحين والآخر وكتابة رؤوس الموضوعات على السبورة وعناصر المحاضرة أولًا بأول مع إعادة التذكير بأهمها قبل الانتقال من فكرة إلى أخرى. وهذا كله يدخل في إطار النسق التنظيمي للمحاضرة.
أما الجزء الثاني من العرض فيتعلق بالمنهج التعليمي، وهذا المنهج يخضع لاعتبارات متعددة منها: نوع الموضوع ومستوى الحضور؛ فقد يكون المنهج إلقائيًا أو استقرائيًا أو تمثيليًا؛ ولكن لا بد من استخدام أدوات الوصل والربط بين الأفكار وتحديد نوع العلاقات الواصلة بينهما، كما سبق أن أشرنا في الباب الأول من هذا الكتاب - كذلك لا بد من استقراء القواعد وتدوينها وتوضيحها والتمثيل عليها ومناقشتها والتعليق عليها، ولا بد من مراعاة التدرج بالمحاضرة والربط بين القواعد الكلية والجزئية.
ثالثًا: الختام:
ويقوم المحاضر فيها بتلخيص النقاط الهامة التي وردت في المحاضرة.
المرحلة الثالثة: تقييم المحاضرة:
تتحدد قيمة المحاضرة بمدى استجابة الحضور لها واستفادتهم منها، ومدى وضوح أهدافها وعلاقتها بحاجات المستمعين وأثرها فيهم وتنوع مادتها وقدرة المحاضر على التمثيل، ومدى تنظيمه لها، وترابطها ومستوى إشراك الحضور وتوفر الوسائل المعينة، وقدرة المحاضرة على تحويل المعلومات فيها من مجرد تراكم المعرفة إلى وعي ومنهج وقدرة على التحليل.
وتقييم المحاضرة أمر مهم بالنسبة للمحاضر حتى يتسنى له تطوير مستواه وتنمية كفاءته وقدراته.