الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ضوابط الكتابة
عناصر البناء التعبيري
الكلمة:
هي العنصر الساسي في تكوين النص المكتوب والمنطوق على حد سواء، وهي الوحدة الصغرى من وحدات الكلام، لذا كان الوقوف عندها أمرًا لابد منه، والتعرف على مستوياتها وأبعادها المختلفة ضررة لازمة، وأما مستوياتها فتتمثل في البعد الدلالي للكلمة، ثم البعد البنائي أو الصرفي، ثم البعد الصوتي.
أولًا-البعد الدلالي:
وهو المستوى الأهم في الكلمة، فالمقصود بالدلالة المعنى وما يكتنفه من إيحاءات وظلال نفسية، ومن المفترض أن يكون الكاتب على وعي بهذه الدلالة حتى يكون اختياره لها قائما على أساس متين، ودلالة الكلمة ليست منفصلة عن سياقها كما هو معروف؛ ولهذا لابد من الإشارة إلى بعدين للدلالة في الكلمة الواحدة سبقت الإشارة إليهما عند أول عالم ألسُني وهو فرديناند دي سوسير.
البعد الأول: يتصل بالكلمة المفردة، ولها دلالة تسمى الدلالة الرأسية أو العمودية، بمعنى أنها تستدعي كثيرًا من المعاني، فكلمة مضطرم تعني الاشتغال، والاشتعال يرتبط بالنار والمعاناة والتلظي واحتدام العواطف
…
إلخ، مما ستدعي دائرة متسعة من الدلالات.
البعد الثاني: يرتبط بالكلمة في سياق الجملة، فتكتسب الكلمة دلالات أخرى حيث يتفاعل المعنى الرأسي مع المعنى الأفقي؛ لأن سياق الكلام يساعد على تحديد دلالة الكلمة، ولكنه لا يصادر ما يتداعى من معاني رأسية فنحن حينما نقول كان مضطرم الفؤاد حددنا الاضطرام من خلال علاقته بالفؤاد في معنى عاطفي نفسي أى: مشتعل القلب بالحب أو الألم وما إلى ذلك ولكننا لم نوقف تداعيات المعنى من حيث الارتباطات الأخرى بمعنى النار، والاحتدام أي: الحرارة والشدة والفوران فحينما نقرأ العبارة تنثال هذه المعاني وتوسع دائرة الإيحاءات في نفس المتلقي، من هنا كان لابد من استيعاب البعد الدلالي للكلمة المفردة في مستوييها الرأسي والأفقي.
ثانيا: البعد البنائي الصرفي:
من المعروف أن دلالة الكلمة تتأثر بتغير مبناها وأوجه تصريفها ومع كل زيادة أو تغيير أو تحوير فيها تكتسب دلالات جديدة، وقد يتغير المعنى بشكل جذري، ففي الفعل وثق مثلًا صيغ صرفية متعددة، نقول: وثق واستوثق وتواثق.
وكل صيغة من هذه الصيغ لها دلالة تختلف - إلى حد ما- عن غيرها، لذا لابد من الإلمام بالروق الدقيقة بين هذ المباني الصرفية خصوصًا في الكنايات الموضوعية والإجرائية وفي الكتابات الإبداعية أيضًا.
ثالثًا: البعد الصوتي:
يرتبط البعد الصوتي بالإيقاع، والإيقاع له علاقة مباشرة بالدلالة النفسية والوجدانية، ويتحدد البعد الإيقاعي من خلال التكوين الصوتي للكلمة، ويتأكد عبر توالي حروف معينة ذات مخارج صوتية متناسقة أو متنافرة أو لها وقع خاص.
والإيقاع ليس مجرد تجاوب نغمي يحصل من تآلف الكلمات أو تضافرها في نسق صوتي خاص، بل قد يكون خفيًّا هامسًا، أو بارزًا جهيرًا، أو مستترًا ملحوظًا ينجم عن توالي وحدات صوتية خاصة، على نحو تعاقبي أو تكراري، ونستطيع أن نلمس الإيقاع حين نستعرض بعض الأمثلة والنماذج:
ففي سينية البحتري الشهيرة قول الشاعر في مطلعها:
صنت نفسي عما يدنس نفسي
…
وترفعت عن جدا كل جبس
فتوالي السينات وتكرارها على نحو واضح في منظومة صوتية متصلة أدى إلى تكوين إقاع ملمس، يتساوق مع الحالة النفسية التي يعيشها الشاعر، إذ ينفِّس عن نفسه أثر أزمة ألمت به أن قتل ممدوحه الخليفة المتوكل:
وفي قول الشاعر المتنبي عند إصابته بالحمى متحدثًا عن الطبيب:
وما في طبِّه أني جَواد
…
أضر بجسمه طول الِجمِام
إيقاع جهير قوي ناجم عن توالي الحروف المضعفة ذت المخارج المتميزة صوتيًّا، ووجود حروف ذات طابع صوتي جهير كالميمات المتوالية، والياء والدال.
فالشاعر يتحدى المرض معتدًّا بنفسه، مفتخرًا بها لذا جاء الإيقاع منسجمًا مع هذه الحالة النفسية التي يصدر عنها الشاعر في قصيدته.
والجانب الصوتي والإيقاعي للكلمة لا يقتصر على الشعر بل يتعداه إلى النثر، فطه حسين -مثلًا - معروف بولعه الخاص باستخدام الأحوال والمفاعيل المطلقة والتكرار على نحو خاص مما يكسب أسلوبه سمة متميزة.
وينبغي أن ندرك أنه لا يمكن معرفة قيمة الكلمة إلا في ضوء السياق، وهذا ما ألح عليه عبد القاهر الجرجاني في نظرية النظم التي بسطها في كتابه دلائل الإعجاز.
والكلمة هي أصغر عنصر له معنى، وهناك ما هو أصغر منه، ولكنه ليس دالًّا، فالحروف والمقاطع المكونة من أكثر من حرف، والكلمة تتكون من عدة حروف وقد تتكون من مقطع واحد أو أكثر، فكلمة مدرس مثلًا تتكون من مقطع واحد أي بنية لغوية بسيطة، أما كلمة المدرس فهي تتكون من مقطعتين هما أل - مدرس.
والكلمة ذات بنيات متعددة، فقد تكون أصلية الحروف أي مجردة من الزوائد، وقد تكون فيها بعض حروف الزيادة التي تضيف إليها دلالة جدية، ولابد للكاتب من معرفة ذلك كله من خلال دراسته لعلم الصرف.
وهناك من يفرق بين نوعين من الكلمات: كلمات نشيطة وأخرى خاملة، والمقصود بالنشيطة تلك التي تدخل في دائرة استعمال الكاتب وفي معجمه؛ أما الخاملة فهي التي يكون الإلمام بها ضروريًا لفهم النصوص التراثية حيث لم تعد متداولة أو شائعة الاستعمال كالكلمات التي استخدمت في عصر أدبي قديم، أو الكلمات المتخصصية والاصطلاحية التي تند عن دائرة اهتمام الكاتب ولكن معرفتها جزء من الثقافة العامة التي ينبغي أن يلم بها الكاتب.
ولكن هناك بعض الكلمات تنتقل من طور إلى طور وفقًا لمراحل نمو الكاتب وقدرته الاستيعابية، فقد تكون الكلمة الخاملة ذات مستوى أدبي رفيع لا يرقى إلى فهمها الكاتب، وقد تصبح هذه الكلمة نشطة في مرحلة متقدمة من تطور الكاتب ورقيه، والخمول أو النشاط قد يكون وفقًا لدائرة اهتمام الكاتب أو تخصصه كما ألمحنا سابقًا.
ويرى فريق من اللغويين أنه يمكن تقسيم الكلمات من منظور آخر إلى قسمين.
كلمات ذات محتوى، وكلمات ذات وظيفة، فكلمات المحتوى هي تلك التي
تتضمن دلالة في ذاتها، كالأسماء والأفعال والصفات وكلمات الوظيفة هي التي لا تتضمن دلالة في ذاتها ولكنها تساعد على ترابط المعاني وفهمها مثل الحروف1.
وهناك أصول ينبغي أن يراعيها الكاتب في انتقائه الكلمات التي يصوغ منها جملة وفقراته منها:
أولًا: البصر بالمترادف والمشترك والمتضاد منها، والحرص على أن يكون السياق الذي ترد فيه الكلمة للدلالة المقصودة والمعنى المبتغى دون لبس، وكتب فقه اللغة - فضلًا عن المعاجم المعتمدة - كفيلة بجلاء ما غمض من شأن هذه الصفات التي تعتبر من ميزات اللغة العربية، وإن كانت حظًّا مشتركًا بين معظم اللغات، ولكنها في العربية أوضح، وهي دليل ثراء وعمق.
ما المقصود بالمترادف من الألفاظ؟
الترادف يعني اشتراك مجموعة من الألفاظ في الدلالة على معنى واحد مثل: السيف والمهند والحسام.
ولكن هذا لا يعني أن كل لفظة من الألفاظ المترادفة تعطي نفس المعنى على وجه التحديد، إذ أن هناك فروقًا دقيقة في المعنى تتمثل في الظلال النفسية والإيحاءات الشعرية، ولا يتأتى للكاتب التمييز بين هذه المترادفات إلا إذا أوتي ذوقًا لغويًا مدربًا، وقد دفع وجود الفروق الدقيقة في المعنى بعض العلماء إلى إنكار الترادف، ومن الذين أنكروا ذلك أحمد بن فارس إذ يرى أن المترادفات هي صفات لا أسماء، وهذه الصفات تحمل معاني مختلفة ففي قعد معنى ليس في جلس وكذلك الأفعال في مضى وذهب وانطلق2.
1 راجع: د/ محمد علي الخولي: أساليب تدريس اللغة العربية، الرياض سنة 1402 سنة 1982م من ص 89 إلى ص 93.
2 جلال الدين السيوطي، المزهر في علوم اللغة وأنواعها، شرح وتعليق المكتبة العصرية: صيدا أو بيورت سنة 1986م. ص404.
ومن أمثلة المترادفات المشهورة وجود ما يقرب من ثمانين اسمًا للعسل، أوردها صاحب القاموس في كتابه ترقيق الأسل لتصفية العسل وكذلك السيف وما أورده ابن خالويه له من أسماء. ص 410.
ما المقصود بالتضداد في الألفاظ؟
قال العالم اللغوي الشهير ابن فارس: من سنن العرب في السماء أن المتضادين باسم واحد، نحو الجون للأسود، والجون الأبيض، والجلل: الشيء الصغير، والجلل: العظيم، الصارخ: المستغيث والمستغاث به ومن المعروف أن هذه الظاهرة قديمة، قد لا تكون منتشرة على نطاق واسع وخصوصًا في العصر الحديث، ومع هذا فإن معرفة الظاهرة وغيرها من الظواهر أمر لازم حتى يزداد الفقيه فقهًا.
ما المشترك من الألفاظ وما المقصود به؟
هو اللفظ الواحد الدال على معنيين مختلفين فأكثر. ولا يعنينا في هذا الجال تتبع السبب في وجود المشترك فذلك من اختصاص فقه اللغة؛ أما ما يهمنا هو وجود هذه الظاهرة وضررة الوعي بها من قبل الكاتب أو المبدع وتحديدها من خلال السياق فالعم على سبيل المثال يقصد بها أخو الأب والجمع الكثير وقد ورد هذان المعنيان في قول الشاعر:
يا عامر بن مالك يا عمًّا
…
أفنيت عمَّا وجبرت عمَّا
فالعم الأولى: أراد بها صاحب القرابة المعروفة والعم الثانية والثالثة بمعنى الجمع الكثير: أي أفنيت قومًا وجبرت آخرين. وهناك أمثلة كثيرة تحفل بها المعاجم وكتب اللغة.
ثانيًا: الوعي بأن دلالات الألفاظ متطورة من عصر لعصر ومختلفة من بيئة لأخرى، من هنا كان لابد من إدراك التطور التاريخي للغة وأخذ البعد الزماني
والبعد المكاني بعين الاعتبار، فمن المعروف لدى كثير من الأمم أن ما كان يستخدم قبل قرن أو أكثر قد تتغير دلالته في الوقت الراهن فلغة شكسبير في الإنجليزية تختلف عن اللغة الإنجليزية المعاصرة من بعض الوجوه، وكذلك لغة ملحمة "الشاهنامة" في الأدب الفارسي، وقس على ذلك لغة العصر الجاهلي واختلافها عن اللغة العربي المعاصرة من حيث تغير بعض الدلالات وتطورها واختفاء بعض الكلمات وظهور غيرها كذلك فإن بعض الألفاظ تشيع في بيئة معينة، وتكون مستساغة ومقبولة في هذه البيئة فيما لا تكون كذلك في بيئة أخرى.
ثالثًا: تمييز المبتذل المستهلك من الأصيل المؤثل عند اختيار الألفاظ فالشائع المكرور الذي يتردد على الألسنة كثيرًا لا يثير المتلقي ولا يؤثر فيه، والمهجور المستكره عسير على الفهم، وغير المفهوم غير قادر على الإيحاء أو الإدهاش والتأثير فالبعد عنه أولى.
رابعًا: الوعي بما بين الصفة والاسم والظرف من فروق دلالية1:
فيا يتعلق بالصفة فإنها أقوى الدلالات على ضبط الأداء-كما يقول العقاد - فالصفات تخصص الموصوفات وتحددها، وتبرز الفروق بينها، أما الأسماء فقد تكون اصطلاحية وليست معنوية؛ بمعنى أن القوم تواضعوا عليها فكلمة كبريت يرجع أصلها إلى قبرص التي كانت أشهر البلاد المنتجة لها، والصفات لابد من المطابقة بينها وبين موصوفاتها، ولذلك فهي تابعة للموصوف في اللغة العربية من حيث الإفراد والجمع والتذكير والتأنيث، والتعريف والتنكير، وفي مواقف الإعراب.
وتظهر دقة اللغة في التسوية بين التذكير والتأنيث فهناك سرُّ خفي وراء هذه القواعد يبعدها عن خلط المصادفة والارتجال.
1 راجع: عباس محمود العقاد 1 أشتات مجتمعات في اللغة والأدب، دار المعارف بمصر د. ت 2 اللغة الشاعرة - مزايا الفنا والتعير في اللغة العربية دار المعارف بمصر د. ت.
ويرى العقاد أن الظروف في اللغة العربية كثيرة كثرة تدلُّ على أن المتكلمين بها يدركون الحوادث على كل صورة من صورها، ويديرون النظر على كل وجه من وجوهه.
خامسًا: إدراك مواضع التعريف والتنكير في اللغة:
تعتبر اللغة العربية من أدق لغات العالم من حيث التمييز بين مواضع التعريف والتنكير على حسب معانيها، فهذه المواضع تسير على قاعدة معينة تلازمها ملازمة معناها: فالضمائر وأسماء الإشارة وأسماء الموصول والأعلام توجد مميزة في اللغة العربية، الأعلام في اللغة العربية غنية عن أدلة التعريف؛ لأن تمييز الاسم بالعلمية تعريف كاف، والأعلام الجغرافية التي تدخلها الألف واللام في اللغة العربية تلازمها دائمًا.
وتتجلى الدقة في التعريف والتنكير في استغناء الأعلام عن أداة التعريف ولكنها تحمل معنى التنكير في بعض المواقع، كذلك فإن الأسماء المنكَّرة إذا سبقت بأداة نداء، وكانت مقصودة لا تحتاج إلى تنوين التنكير؛ لأنها تصبح دالة على معرفة، وقس على ذلك اسم التفضيل.
سادسًا: الوعي بشروط الفصاحة في اللفظة كما حددها البلاغيون والنقاد القدامى1.
كالمناسبة بين الألفاظ ومعانيها، والخلو من التعقيد وتصنع المحسنات البديعية وتأليف الألفاظ من حروف متباعدة المخارج فكلما كانت الحروف متباعدة المخارج أوقع في السمع على نحو ما قال الشاعر:
ضدان لما استجمعا حَسُنا
…
والضدُّ يظهر حسنَهُ الضدُّ
1 راجع: ابن سنان الخفاجي، سر الفصاحة، دار الكتب العلمية، بيروت 1982 ص58 وما بعدها وراجع أيضًا من كتابات المحدثين: بدوي طبانة، نظرات في أصول الأدب والنقد، عكاظ للنشر والتوزيع جدة 1403.
كذلك فإن الكلمة لا ينبغي أن تكون غريبة غير مألوفة فإن ذلك من قبح التأليف الذي يمجُّه السمع كقول الشاعر:
غربًا جرورًا
…
وجُلالًا خزخز.
"الغرب: الدلو العظيمة، الجلال: البعير العظيم، الخزخز: القوي الشديد"
وألا تكون الكلمة عامية، وجارية على العرف العربي الصحيح غير شاذة، فقد عابوا على الشاعر أبي الشيّص قوله:
وجناح مقصوص تحيَّف ريشَه
…
رَيْبُ الزمان تحيُّف المقراض
قالوا: ليس المقراض من كلام العرب.
وألَّا تكون الكلمة قد عُبِّر بها عن أمر آخر يكره ذكره، من ذلك قول الشاعر:
وكل أناس سوف يدخل بينهم
…
دويهيَّة تصفرُّ منها الأنامل
فقد روي أن أبا العباس المبرد كان يقول أن التصغير في كلام العرب لم يدخل إلا لنفي التعظيم.