الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الرسالة
مدخل:
الرسالة فن عربي قديم ما زال له دوره وأهميته، والرسائل نوعان: شخصية أو إخوانية كما كانت تسمى، ورسمية أو ديوانية، وقد كان للرسائل الديوانية تقليدها ورسومها، وقد عبرت الرسالة الديوانية عند ظهورها عن انعاطفة هامة في تاريخ النثر العربي، ليس هذا فحسب بل أدت إلى ظهور طبقة من الكتاب، نهضت بهذا الفن مثل: عبد الحميد الكاتب الذي يعد بحق صاحب نهج جديد في الكتابة النثرية العربية، إذ يقال بدأت الكتابة بعبد الحميد وانتهت بابن العميد.
وقد احتوى كتاب جمهرة رسائل العرب1 على طائفة من الرسائل في مختلف العصور. وتبدو فيه التقاليد الفنية التي تَرَسَّمها المنشئون في هذا الميدان.
والرسائل الشخصية تعالج موضعات متعددة كالتهنئة والتعزية والدعوة، ويختلف الأسلوب في هذا النوع من الرسائل من مناسبة إلى أخرى، ففي رسائل التهنئة يعمد الكاتب إلى شيء من الإطناب لأنه؛ مقام الحديث فيه مستحب، أما رسائل التعزية، فالإيجاز فيها مطلوب لأنه موقف يقتضي الاقتضاب والبعد عن الإسهاب.
التعريف:
ويطلق على فن الرسالة المكاتبات، وتعرف المكاتبة بأنها مخاطبة الغائب
1 أحمد زكي صفوت: جمهرة رسائل العرب في عصور العربية الزاهية، مكتبة مصطفى الحلبي، القاهرة ط1971م. ويقع الكتاب في أربعة مجلدات يحتوي الأول منها على رسائل العصر الجاهلي وصدر الإسلام، والثاني على رسائل العصر الأموي، والثالث والرابع يختصان برسائل العصر العباسي الأول.
بلسان القلم، ويجب أن يراعى فيها أحوال الكاتب والمكتوب إليه، ونوع العلاقة بينهما، وقد تنبه إلى ذلك القدماء وأوصوا به.
مقومات الرسالة:
يقول إبراهيم بن محمد الشيباني: إذا احتجت إلى مخاطبة أعيان الناس وأوساطهم أو سوقتهم فخاطب على قدر أبهته وجلالته، وعلو مكانته وانتباهه، وفطنته ولكل طبقة من هذه الطبقات معدن ومذاهب يجب عليك أن ترعاها في مراسلتك، فلا تكتب لمن أصيب في ماله أو في عياله كما تكتب لمن فرغ ووفر ماله1.
وقد اشترط في الرسالة الخاصة أن تحتوي على خمس خواص وهي:
- السذاجة: التي تجعل الكلام بعيدًا عن التكلف والزخرفة والبهرجة المفتعلة.
- الجلاء: "الوضوح" حيث يخلو الكلام من الغموض والتعقيد فيتصف بالوضوح.
- الإيجاز: ويعني خلو الكلام من الحشو والتطويل.
- الملاءمة: أي التناسب بين الكلام ومنزلة المرسل إليه.
- الطلاوة: والمقصود بها العذوبة وجودة العبارة وسلامة المعنى وسلاسة القول.
أنواع الرسائل:
1-
الرسائل الخاصة2: منها ما هو متبادل بين الأقارب والأصدقاء
1 السيد أحمد الهاشمي: جواهر الأدب في أبيات وإنشاء لغة العرب، منشورات مؤسسة المعارف، بيروت، لبنان "د. ت" ص44.
2 وكان يطلق عليها الرسائل الإخوانية وهي التي تعبر عن أغراض الاعتذار والعتاب والتهنئة والتعزية، وكانت تتضمن طريف المعاني وبديع الصيغ، كما في رسالة محمد بن زياد الحارثي في الشكر.
وتسمى بالرسائل الأهلية، ومنها ينطلق الكاتب بحرية تامة معبرًا عما في نفسه، فيبسط الكلام دون قيود أو تكلف، ومن أنواعها: رسائل الشوق، والتعرف قبل اللقاء، الهدايا، والاستعطاف.
2-
الرسائل الأدبية1: أما النوع الثاني فهو الرسائل الأدبية، وهو الذي عمدنا إلى إيراد نموذج له، وهذ النوع من الرسائل يكون عادة متبادلًا بين الأدباء، ولا يخلو من بحث قضية أدبية أو الإشارة إلى مسألة نقدية أو علمية، وقد يكون هذا النوع مقصورًا على تبادل المشاعر الودية.
3-
الرسائل الرسمية2: أما الرسائل الرسمية فهي أنواع مختلفة، منها ما يسمى بالرسالة الإدارية، ومنها رسائل المناسبات، وكان لها في القديم رسوم وقواعد أتى على ذكرها القلقشندي في كتابه "صبح الأعشى"3 ومنها: براعة الاستهلال أي: الإيحاء في بداية الرسالة بموضوعها، فإذا كانت في التهنئة أتى في المقدمة بما يدل على أنها في هذا الموضوع.
ومنها مراعاة مواقع آيات القرآن الكريم، وأبيات الشعر وغيرها من الاستشهادات، وقد أرشد إلى ضرورة وجود مقدمة تخدم الموضوع، إذا كانت الرسالة في المقاصد الجليلة أي: ذات الخطر، أما الموضوعات العادية فلا ضرورة للمقدمات فيها، وقد عني الأدباء والموظفون من أسلافنا بالإشارة إلى ما يجوز فيه4 الكتابة وما لا يجوز.
كيف تكتب الرسالة؟
فيما يتعلق بالرسائل الخاصة فإنه ليس ثمة قواعد وأصول يجب اتباعها
1 وكان من أغراضها التفكه والترويح عن النفس، أو الوداد والمحبة بشكل عام كما في رسالة يحيى بن زياد، وفي الرد على ابن المقفع.
2 وكانت تسمى الرسائل الديوانية.
3 الجزء السادس ص 276.
4 ابن عبد ربه: العقد الفريد 2-2114/213.
سوى ما أصبح متعارفًا عليه من استهلال الرسالة بالتحية وإبراز المشاعر الخالصة بعبارة رقيقة مصقولة، ثم تناول الموضوع بعرض بسيط ولغة سهلة مهذبة، وحسن التخلص بين أجزاء الرسالة وصولًا إلى الخاتمة، التي يجب أن تكون مؤثرة، ويشترط أن يكون الأسلوب في الرسالة الخاصة بعيدًا عن التكلف، يهدف إلى عقد أواصر الثقة بين الكاتب والمكتوب إليه، وأن يقترب الكاتب من مطلوبه بتلطف ومودة بعيدًا عن اصطناع الحيلة الممقوتة.
أما الرسالة الرسمية فتختلف في طريقة كتابتها باختلاف نوعها، فهناك ما يسمى بالرسالة الإدارية أو المعروض، وهناك الرسائل المتبادلة بين الدوائر الحكومية أو بين المسئولين، وهناك الرسائل التي يتبادلها رؤساء الدول والوزراء والزعماء، وسنتوقف عند الرسالة الإدارية؛ لأن هذا النوع من الرسائل هو ما نحتاجه أكثر في حياتنا العملية، كذلك سنتناول -إن شاء الله- الرسائل الرسمية المتبادلة بين الدوائر الحكومية.
والرسالة الإدارية أنماط مختلفة، فقد تكون طلبًا لعمل، أو شكوى، أو خطابًا موجهًا إلى قاض لرفع دعوى ضد شخص معين أو إبلاغًا عن حادثة، أو تقرير واقعة معينة، أو استعطاف لتخفيف الحكم وما إلى ذلك، وقد تكون الرسائل الإدارية متضمنة أشكالًا متعددة من المعاملات التجارية، ومما لاشك فيه أن الرسائل ذات الطابع الإجارئي المحض لا تدخل في باب هذا الفن لأن؛ لها صيغها وقوالبها المعمول بها، ولها نماذجها الخاصة بها التي لا مجال فيها للابتكار أو الإبداع.
لهذا كان الوقوف عند الجانب الشكلي منها هو المطلوب في هذه الحالة، أما الرسالة الإدارية الموجهة من الأشخاص أصحاب الحالات الخاصة فهي أحق بالتناول والدرس، وكلما نجح الكاتب في صياغتها صياغة موفية بالغرض كان ذلك أدعى إلى تحقيق غرضه، والوصول إلى مبتغاه.
وليس من شك في أن الأصول والقواعد المتبعة في الكتابة عمومًا من ضرورة
المناسبة بين المقام بما يعنيه من أطراف وظروف "أي: المرسل إليه والغرض الذي من أجله كتبت الرسالة" وبين الأسلوب وطريقة التناول هو المطلوب مراعاته في مثل هذا النوع في المكاتبات إذ يجب:
أولًا: تخير اللقب المناسب الذي يخاطب به المسئول، أو الجهة ذات الاختصاص.
ثانيًا: مراعاة الجانب الشكلي المتعلق بالعنوان والتحية والابتداء، والختام، وهو في الواقع ليس شكليًا على إطلاقه، فالافتتاح بالبسملة أمر يتعلق بالسنة، وكذلك التحية الإسلامية "السلام عليكم ورحمة الله وبركاته"، أما العنوان فيجب أن يكتب على الجهة مقابلًا للتوقيع الذي يكون على الجهة اليسرى في نهاية الخطاب.
ثالثًا: مراعاة الترتيب المعتمد لأجزاء الرسالة: المقدمة والعروض والخاتمة، ويجب أن تكون المقدمة موحية بالمقصود من الرسالة في إشارات لماحة، والحرص على تهيئة المتلقي ذهنيًا ونفسيًا، بمد جسور من المودة والثقة بينه وبين الكاتب، ولا ينبغي أن تزيد المقدمة عن فقرة قصيرة.
أما العرض فيفترض فيه أن يكون مركزًا بلا تطويل وإملال، بعيدًا عن التفصيل الممجوج، والتوسل المكشوف بعبارات مبتذلة، مع التركيز على الجوانب المهمة، واستبعاد الثانوي منها.
والخاتمة يشترط فيها أن تترك انبطاعًا حسنًا في نفس المتلقي، إذ يخلص فيها إلى توثيق الصلة التي مهد لها في المقدمة بعبارة مختصرة مؤكدًا من طَرْف خفي أهمية الرد على الرسالة، وانشغال الكاتب بالموضوع دون استعطاف أو تذلل.
ويجب أن يكون الأسلوب سهلًا سلسًا لا يخلو من نبرة وجدانية، ولكن دون تكلف، كذلك ينبغي أن يحسن الكاتب التأتي، فينفذ إلى وجدان المتلقي من المدخل المناسب الذي يروقه.
نموذج للرسالة الإدارية:
بسم الله الرحمن الرحيم
سعادة مدير إدارة البعثات بوزارة المعارف: المحترم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد: "والتحية"
فإنه ليسعدني أن أحيطكم علما بأنني من أبنائكم المتفوقين في دراستهم، الذين يطمحون إلى خدمة وطنهم، وتلبية نداء الواجب الذي عودتمونا سعادتكم على احترامه وتوقيره، فقد حصلت على تقدير عام ممتاز في امتحان الشهادة الثانوية العامة لهذا العام..
لقد أسعفني الحظ فاطلعت على تعميمكم رقم 4/91/522 بتاريخ 89/5/4 "العرض"
الذي تدعون فيه الطلبة الممتازين إلى التقدم بطلبات مشفوعة بالمؤهل العلمي لإدارة البعثات بالوزارة، واستجابة لما ورد في التعميم سالف الذكر أتقدم لسعادتكم بهذا الطلب، وقد أرفقت به صورة عن كشف الدرجات التي حصلت عليها. "الفقرة الأولى"
آمل التفضل بالنظر في طلبي هذا، وإلحاقي بالت خصص الذي ترونه مناسبًا، علمًا بأن رغبتي في دراسة هندسة الكمبيوتر قوية. "الفقرة الثانية من العرض"
وإنني على يقين تام بأن سعادتكم لن تدخروا وسعًا في إشعاري بما يتقرر بشأن هذا الموضوع في الوقت المناسب حتى لا تضيع علي فرصة الالتحاق بالجامعة في الموعد المحدد. "الختام"
لكم خالص تحياتي واحترامي، والله يحفظكم ويرعاكم "التحية"
الاسم والتوقيع: محمد عبد الله سعد
العنوان: حي المنتزه/ حائل
نموذج للرسالة الأدبية:
1-
الرسالة الثانية عشرة:*
عزيزتي يا فدوى
أنا واثق من أنك لم تنسي هذا الإنسان، الذي يكتب إليك لأنه؛ هو نفسه لم يستطع أن ينساك منذ أن قال لك ذات يوم وداعًا، وأنا واثق من أنك قد تساءلت بينك وبين نفسك عن سر انقطاعه عن القراء منذ أربعة أشهر، حيث كان يلقاهم ويلقاك على صفحات "الآداب".. ألا ما أطولها فترة مرت عليه لأنها؛ كانت حافلة بالألم والعذاب
…
وما كان أقسى نهايتها بالنسبة إلى الفكر والشعور
…
؛ لأن هناك عملية جراحية خطيرة تنتظره بعد أيام.. ولم يكن هناك مفر لأنها؛ الأمل الوحيد في الخلاص من عذابه، عذاب الجسم والنفس الذي استمر أربعة أشهر وكأنها أربعة قرون طوال.. وعلى الرغم من هذا كله فإنه مايزال يحتفظ بابتسامته التي تعرفينها عنه، ولولا هذه الابتسامة لانهار كل شيء، وفقد الإيمان بكل شيء
…
إن من الأشياء العزيزة عليه والتي ظل مؤمنًا بها حتى هذه اللحظة، ما كان بينك وبينه من صلات الروح.. ولهذا فقد آثر أن يكتب إليك قبل أن يضع مصيره بين يدي الجراح! لقد كتب إليك من قبل، يوم تعرض لمثل هذه المحنة، ولكن بعد أن قدرت له النجاة.. وكم كان يود أن يرجئ هذه الرسالة كما أرجأ تلك حتى لا يزعجك.
ولكنه خشى أن يكون في الغيب المجهول ما لا ينتظره ويتوقعه فيحرم من لقائك ولو بين السطور والكلمات.. إنه يعتقد أن دعواتك له لن تذهب هباء؛ لأنها دعوات قلب حزين تركه منذ عام في نابلس، كما ترك دعوات قلب حزين آخر في الريف منذ أيام إنهما قلب أمه وقلبك. والقلوب الحزينة دائمًا هي أقرب ما تكون إلى الله!!
* من كتاب رجاء النقاش، صفحات مجهولة من الأدب العربي المعاصر.
أنا في انتظار رسالة منك تطمئنني عليك
…
تشرحين لي فيها كل شيء عن حياتك منذ أن خرجت يومًا من حياتك.. أتذكرين قصيدتك "دوامة الغبار"؟ لقد بللتها اليوم بدموعي،أنا الذي لم أبك يوم أن كتبت "من الأعماق" سأحدثك عن وقعها الآن على نفسي في رسالة مقبلة، وسأحدثك كثيرًا عن أشياء كثيرة يوم أن أعود إلى الحياة وسأعود بإذن الله.. سأعود إليك مرة أخرى يا فدوى العزيزة.. ولا يهمني أن أعود إلى الأدب وإلى القراء!.
أنا يا فدوى مازلت أبتسم.. وسوف أشعر أنك بجانبي، وأنا تحت مبضع الجراح.. ويكفي هذا الشعور لتزداد ابتسامتي إشراقًا، وستكونين وحدك بجانبي؛ لأنني أخفيت الخبر عن أمي وأخواتي
…
وكفاهن ما لقين من أجلي.. لقد قلت لك بالأمس: وداعًا، وأقول لك اليوم: إلى اللقاء.
من المخلص
أنور المعداوي
1953/10/24م.