الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فن المسرحية
المسرحية قصة حوارية تقوم على الصراع، وتتجسد من خلال التمثيل، ولهذا فإن أكبر منظري الفن المسرحي وهو أرسطو يشير إلى أن المسرحية "المأساة" هي محاكاة لفعل، فالتشخيص والتمثيل والفعل هي المقومات الأساسية للمسرحية1.
ولا نريد أن نخوض في أنواع المسرحية وتطورها، ولكن حسبنا أن نشير إلى عناصرها الأساسية التي ترشدنا إلى كيفية كتابتها كفن أدبي، وأهم هذه العناصر هي الشخصيات والحبكة والحوار والمناظر والبناء.
الشخصيات:
لا بد من التمييز بين أنواع الشخصيات المختلفة في المسرحية وفقًا لنوع الموضوع الذي تعالجه، ولون الصراع الذي يحتدم حوله، فهناك شخصيات نموذجية بمعنى أنها تمثل فئة أو طبقة اجتماعية، وتمتاز عن الشخصية ذات الطابع الفردي في أنها تلخص جوهر الفئة التي تعبر عنها: همومها ومشاكلها وسماتها وملامحها، ولهذا فهي تختلف عن أي فرد من الأفراد العاديين بخصائصها المتميزة، وهناك ما يسمى بالشخصية النوعية التي تمثل أفراد النوع كله سواء كان المقصود بالنوع الحرفة كالتاجر والمحامي والجندي.... إلخ، أو الطبيعة الإنسانية والخلقية العامة كالمخادع والغيور والنمام وما إلى ذلك - ويسمى هذا النوع من الشخصيات بالأنماط، وهناك فارق كبير بين النمط والنموذج، فالنمط له طبيعة ثابتة مكررة؛ أما النموذج فذو طبيعة متغيرة، وهو أكثر ثراء وعمقًا من النمط، وفي كثير من الأحيان يختلط مفهوم النموذج
1 راجع فردب. ميليت وجيرالدا يدس بنتلى، ترجمة صدقي خطاب، دار الثقافة، بيروت ص14.
بالنمط اختلاطًا يصعب معه التمييز بين النوعين، وتكثر الأنماط في المسرحيات الهزلية بكثرة، أما وقد اشار العديد من منظري المسرح إلى ما يسمى بالحديث الجانبي الذي تتفوه به الشخصية على هامش الحوار الرئيسي فتكشف المفارقة بين ما تقوله في العلن وما تضمره في الحقيقة، ولكن هذا النوع من الحديث غير محبذ عند الكثيرين إلا في المسرحيات الهزلية.
وتقوم المفاجأة الذاتية بدور مهم في استبطان الشخصية والكشف عن دخائلها، وهي تُعين على التنبؤ بمجريات الحديث، وتمهد له أحيانًا، وقد تستخدم في مستهل المسرحية لاستمالة الجمهور وإيقاظ مشاعره، ويتصل هذا الأسلوب بالكشف عن الجانب النفسي للشخصية.
وبناء الشخصية من خلال الفعل هو أهم عنصر في رسمها، فلا بد من تقديمها وهي تعمل، والكشف عن تكوينها عبر الحركة الفاعلة، كما ينبغي أن يكون الفعل الذي تقوم به الشخصية مفهومًا على أساس من الدوافع المعقولة التي تحدو بها إلى القيام بهذا العمل، ويتوقف نجاح الشخصية على إبراز الدافع وتعليله، وهناك تعليل نوعي أي: يكون نمطًا من أنماط السلوك المعروفة للنوع الذي تنتمي إليه الشخصية، ويعتبر من أبسط ألوان الدوافع، أما النماذج والشخصيات المركبة فتحتاج من كاتب المسرحية إلى عناية خاصة في إبراز دوافع سلوكها، وينبغي أن يختار الكاتب المآزق والأزمات التي تدفع الشخصية إل الفعل وتميط اللثام عن مكوناتها الداخلية.
ولما كانت المسرحية تقوم على أساس الصراع فلا بد من رسم الشخصية عبر علاقاتها بالآخرين، وليس عبر علاقتها بالواقع فقط، وينبغي أن يكون أساس هذه العلاقات دراميًا يقوم على التقابل والتماثل والمفارقة أي: التضاد والتشابه والتمايز.
وإذا كانت الشخصيات المتقابلة غير متكافئة فإن ذلك يفسد عملية التشخيص ويضعف الدوافع الدرامية التي هي أساس الحركة في المسرحية، والعمل على تطوير الشخصية في المواقف المختلفة أمر بالغ الضرورة، ولكن هذا التطور لا بد أن يكون تلقائيًا وطبيعيًا.
ومما تجدر الإشارة إليه أن هناك اتجاهات مسرحية لم تعد تُعنى برسم الشخصيات، فجاءت فكرة اللاشخصية في المسرح المعاصر التي حطمت النماذج التقليدية كما في المسرح الملحمي للكاتب الألماني الشهير بريخت، كما أن هناك شخصيات تجريدية لا ملامح لها كما في المسرح التعبيري، ولهذا تطلق عليها أسماء عامة بالرجل والسيدة والسيد صفر وهي تجسيد لأفكار ومُثُل معينة1.
الحوار2:
المسرحية في أساسها فن حواري أي: يقوم على الحوار، فهي في بعدها الأدبي حوار أساسًا؛ لذا فإن عناية الكاتب لا بد أن تتركز حوله، وقبل الحديث عن وظائف الحوار ومهمته يحسن بنا أن نميز بين الحوار والمحادثة وفقًا لوظيفة كل منهما، فالمحادثة لها وظيفة نفعية وأخرى غير نفعية أما النفعية فتتمثل في تصريف الأمور والمعاملات، وغير النفعية في الثرثرة والتسلية والتعبير عن الذات، وهي جميعًا أمور تختلف عن وظائف الحوار المسرحي الذي تكمن وظيفته الأساسية في تطوير الحدث والكشف عن أفكار الشخصيات وعواطفها وطبائعها الأساسية، وفيه جانب المتعة والشاعرية والفكاهة والتندر في بعض المواقف، فالحوار في المسرحية نفعيته تكمن في جمالياته وخدمته للبناء الفني.
ومن الطرق التي تطور بها الحبكة عن طريق الحوار: مصاحبة الفعل الذي يدور على المسرح ورواية الفعل الذي لا يمكن تمثيله وعرضه على خشبة المسرح لضيق المجال أو لعدم مناسبته أو لأن؛ هذا الفعل المروي حدث قبل البداية الفعلية
1 راجع عبد الرحمن شلش: مدخل إلى فن المسرحية مطبعة مرامر، الرياض سنة 1983م ص 34 وما بعدها.
2 يرى توفيق الحكيم أن الحوار ملكة، وذلك راجع إلى صفته الضرورية وهي التركيز والإيجاز والإشارة التي تفصح عن الطبائع، واللمحة التي توضح المواقف، وهو كالشعر يميل إلى الاقتضاب فألد أعداء الحوار الإطالة والحشو.
راجع: توفيق الحكيم، فن الأدب، المطبعة النموذجية، القاهرة ص148-152.
للمسرحية، وهناك أفعال عنيفة لا تمثل على خشبة المسرح يلجأ كاتب المسرحية إلى روايتها عن طريق الحوار، ولكن هذه الرواية تكون مملة إذا لم يهيء لها بالتشويق وإثارة الاهتمام واختيار المواقف المتوترة.
ومن الوظائف الحيوية للحوار الكشف عن جوانب الشخصية كما أسلفنا، أضف إلى ذلك وصف المنظر، والحوار المسرحي لا تقاس جودته بمدى واقعيته لأنه؛ صناعة وحرفة، ولهذا نجد أن جودته ترتبط بعناصر منها قدرته على إبراز المقومات الجوهرية للشخصية؛ فالفن تحويل وليس نقلًا، من هنا تسقط جميع الحجج الواهية حول ازدواجية الحوار؛ لأن من المفترض أن يعتمد الكاتب على سمات أخرى غير عامية اللغة أو فصاحتها، ويستحسن أن تكون الفقرات الحوارية قصيرة مكثفة، وألا تطول بحيث تُفقِد السامع قدرته على المتابعة والتركيز، وقد يكون من الضروري تضمين الحوار المسرحي بعض خصائص الحديث الفعلي للإيهام بواقعيته مثل التفكك والاستطراد والتوقف المفاجئ....إلخ.
ومن الأهمية بمكان تنوع مستويات الحديث وفقًا لمستويات الشخصيات وتباين مواقفها وانتماءاتها.
وبعد هذا وذاك لا بد للكاتب المسرحي من العناية بالإيقاع، والإيقاع مرتبط بمعدل السرعة في الكلام، وهذه السرعة تخضع لعوامل مختلفة مردها إلى نوعية الكلمات المستخدمة وانسجامها وتآلفها وكيفية الانتقال بين الفقرات المسرحية، ولهذا يحسن بالكاتب أن يقرأ بصوت مسموع أجزاء من مسرحيته ليدرك هذه الخاصية، ويتأكد من انسجام الإيقاع في الحوار المسرحي1.
وينبغي الانتباه إلى أهمية تلوين الإيقاع في المواقف المتأزمة والمتوترة، وقد ترق لغته حتى تقترب من لغة الشعر في بعض المواقف، وقد تكون الإفاضة في
1 راجع: روجرم مسفيلد "الابن" في كتابه: فن الكاتب المسرحي للمسرح والإذاعة والتليفزيون والسينما، ترجمة وتقديم دريني خشبة، دار مصر للطبع والنشر - القاهرة ص226.
نقلًا عن فن المسرحية لعبد الرحمن شلش ص40.
الحوار ذات وظيفة تكشف عن طبيعة الشخصية، في حين يبدو الاقتضاب والإيجاز ضروريًا في المواقف المتأزمة.
وقد يلجأ الكاتب إلى استغلال نجوى النفوس بدلًا من الحوار حيث تفكر الشخصية بصوت مسموع في الأزمات النفسية والمواقف الحادة فتكشف عن مشاعرها وأحاسيسها الداخلية، من هنا كان لا بد لكاتب المسرحية من الاقتصاد في استخدام نجوى النفس، والاقتصار فقط على المواقف شديدة التأزم.
وشبيه بذلك الحديث الجانبي؛ بمعنى أن تتحدث الشخصية إلى نفسها، أو إلى شخصية ثانية في حضور شخصيات أخرى يفترض أنها لا تسمع الحديث مع أنه يتم على مسمع منها، وينزع الكاتب إلى استخدام هذه التقنية حين يريد أن يطلع المشاهد على ما تنوي الشخصية أن تتخذه من تدبير في حين يظل ذلك خافيًا على الشخصيات الأخرى، لذلك تنتحي الشخصية جانبًا أو تنفرد بشخصية أخرى فتدلي بهذه المعلومات من خلال حديثها معها، والفرق بين نجوى النفس والحديث الجانبي أن حديث النفس يكشف عن المشاعر؛ بينما الحديث الجانبي يفصح عن نوايا وأفكار1، أما فيما يتعلق بالعامية والفصحى فهي قضية فنية في المقام الأول، والمسرحيات ذات الموضوعات الفكرية لا يناسبها الحوار العامي مطلقًا، ويستحسن تطويع المسرحيات الاجتماعية للفصحى، وتجنب العامية ما أمكن أو تطويرها بحيث تقترب من الفصحى في نهاية الأمر.
إن للصمت دورًا في الحوار، فالوقفة المليئة بالمعنى لها قوة درامية كبيرة.
الصراع:
الصراع هو قوام البناء الدرامي للمسرحية، ولهذا نجد مُنَظِّرا معروفًا من
1 راجع: د. عبد القادر القط: من فنون الأدب "المسرحية" دار النهضة العربية بيروت سنة 1978م ص 38،37.
مُنَظِّري الفن المسرحي وهو ويليام آرجر يقول: إن جزءًا عظيمًا من سر العمارة الدرامية يكمن في كلمة واحدة هي "التوتر"، إن إيجاد حالة من التوتر وصيانتها ورفعها وتعميقها وحلها هو الهدف الرئيسي لصنعة كاتب المسرحية1، والمقصود بالتوتر كما هو واضح الصراع.
والصراع لونان رئيسيان: صراع تبدو تجلياته في الحوار وفي الحركة والفعل، وصراع داخلي نفسي يكشف عنه الكاتب في لحظات التأزم والانفعال العميق.
وهناك -أيضًا- الصراع الساكن الذي لا يحسم ويظل معلقًا لأن؛ أطرافه لا تقوى على ذلك حيث ينتهي المشهد بما بدأ، والصراع الواثب، وهو الذي يتطور بشكل مفاجئ مثال الانقلاب من موقف إلى آخر كأن تتقلب الصداقة إلى عداوة وهكذا، والتوتر حالة مصاحبة للصراع لذلك يجري الحديث عنها كثيرًا عند الحديث عن الصراع، فالعلاقات بين الأجزاء في المسرحية تقوم على التوتر، والوضع المتوتر ينجم عن الصراع، فالتوتر ينجم عن الوضع والفعل بمعنى أن تكون هناك حالة صراع معينة أي: وضعية تحتاج إلى حسم، هنا لا بد من بروز الفعل أو التصرف إزاء هذه الوضعية، وترقب حدوث الفعل هو الذي يحدث حالة التوتر.
قد يكون الصراع بين ما يمليه الواجب وتستدعيه الرغبة، فيظل التوتر قائمًا حتى تتحرك الشخصية للخروج من هذه الحالة القلقة المحيرة.
الحدث:
يقوم الحدث المسرحي على الاختيار والعزل، ونعني بذلك اختيار موقف معين فيه إمكانات الصراع التي يمكن تطويرها لتفضي إلى ذروة معينة، ثم الإيحاء برؤية ذات بال ومن ثم عزل هذا الموقف عما يمكن أن يفسد هذه الإمكانات.
1 استوارت كريفش: صناعة المسرحية ترجمة د/ عبد الله معتصم الدباغ، دار المأمون بغداد سنة 1986م ص5.
الدرامية، ولا يعني ذلك قطع الموقف عن محيطه الحيوي وخلفيته الواقعية، على أن يتم ذلك من خلال اللسمات والإشارات الدالة، وليس شرطًا أن يكون الحدث من وقائع الحياة الكبرى الهامة، فأهيمته تتمثل فيما قد يفضي إليه من دلالات، ولا بد أن يهتم الكاتب بالوقائع المادية في أيسر جوانبها دون الانسياق وراء تفاصيلها، فالمهم أن تتحول الوقائع المادية إلى وقائع نفسية للكشف عن دخائل النفس، وينبغي البعد عن الإثارة العصبية المقصودة والعنيفة، والمسرحية عادة تشتمل على حدث رئيسي تتفرع منه أحداث ثانوية ترفده دون أن تطغى عليها
…
البناء:
المقصود به المعمار الفني الذي به يتحدد خط الصراع في المسرحية، وقد تتألف المسرحية من ثلاثة فصول أو خمسة، وقد تكون من فصل واحد، وفي حالة تعدد الفصول فإن الكاتب المسرحي يحرص على تقديم شخصياته في الفصل الأول، والتمهيد للصراع ثم يبلغ ذروته في الثاني إذا كانت المسرحية من ثلاثة فصول وإذا تكونت من خمسة فإن ذروته عادة ما تكون في الثالث ثم ينحدر خط الصراع نحو النهاية، وكل فصل يتكون من عدة مشاهد عادة.
مكتبة المسرحية
أولًا: عبد القادر القط: من فنون الأدب "المسرحية" دار النهضة العربية، يعتبر هذا الكتاب من أحسن الكتب التي ألفت في هذا المجال إذا عالج الكاتب القيم الفنية للمسرحية وتتبع اتجاهات الكتابة المسرحية مع نماذج مدروسة.
ثانيًا: ستوارت كريفش، ترجمة د. عبد الله معتصم الدباغ، دار المأمون، بغداد 1987 وقد عالج فيه الكاتب الفعل المسرحي والتوتر الدرامي، وعنصر التشويق ثم التعقيد وخلق الشخصيات والحوار ودور الصمت، ومهمة المشهد "السيناريو" وما إلى ذلك من قضايا فنية.