المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌الأسلوب الأسلوب في أبسط تعريف له هو المنحى الخاص الذي ينتهجه - فن التحرير العربي

[محمد صالح الشنطي]

فهرس الكتاب

- ‌المقدمات

- ‌مقدمة الطبعة الخامسة

- ‌مقدمة الطبعة الثانية

- ‌مقدمة الطبعة الأولي

- ‌المدخل

- ‌مفاهيم اصطلاحية

- ‌الكتابة وأنواعها

- ‌مستلزمات الكتابة

- ‌ إتقان الأداة:

- ‌ التمرس بالأساليب الأدبية الرفيعة

- ‌ الإلمام بالثقافة العصرية الجادة *

- ‌ تكوين قاعدة فكرية خاصة بالموضوع الذي يراد الكتابة فيه

- ‌إضاءة حول مصادر الثقافة:

- ‌مدخل

- ‌المعلقات:

- ‌ المفضليَّات:

- ‌ الْأَصْمَعِيَّات:

- ‌ جمهرة أشعار العرب:

- ‌الحماسة الكبرى:

- ‌ حماسة البحتري:

- ‌ أهم المختارات في العصر الحديث

- ‌من المختارات الحديثة:

- ‌ دواوين الشعراء الفحول

- ‌مدخل

- ‌ البيان والتبيين

- ‌ الحيوان

- ‌ الكتب المفيدة

- ‌ كتاب الكامل

- ‌ كتاب العقد الفريد

- ‌ الأغاني

- ‌ من كتب الأدب المشهورة

- ‌ كتب الطبقات

- ‌أوقات الكتابة

- ‌مدخل

- ‌من صحيفة بشر بن المعتمر

- ‌شروط الكاتب:

- ‌ضوابط الكتابة

- ‌عناصر البناء التعبيري

- ‌الكلمة:

- ‌الجملة

- ‌الفقرة

- ‌الأسلوب

- ‌وسائل الربط

- ‌الربط الجزئي

- ‌الربط بواسطة الحروف بشكل عام

- ‌الربط الكلي

- ‌ضوابط الرسم الكتابي

- ‌القواعد الأساسية للإملاء

- ‌نبذة تاريخية

- ‌الهمزة

- ‌ الزيادة

- ‌الحذف

- ‌الوصل والفصل بين الحروف والكلمات:

- ‌الألف اللينة

- ‌تاء التأنيث:

- ‌علامات الترقيم

- ‌المختصرات ورموزها الكتابية

- ‌مكتبة الإملاء

- ‌أنماط التحرير

- ‌الكتابة الوظيفية (الإجرائية)

- ‌التلخيص*

- ‌التقرير

- ‌الرسالة

- ‌الكتابة الإبداعية

- ‌فنون النثر

- ‌فن كتابة القصة

- ‌فن المسرحية

- ‌فن كتابة التراجم والسير

- ‌الخطابة

- ‌فن الشعر

- ‌محاولة للتعريف - نظريات في فهم الشعر - كيف تكتب قصيدة الشعر - عناصر الإبداع الشعري

- ‌بين الإبداعي والوظيفي

- ‌فن كتابة المقالة

- ‌المحاضرة*

- ‌الندوة

- ‌التعليق

- ‌البحث

- ‌تحليل النصوص

- ‌ملحق بمفردات التعبير والإنشاء في مراحل التعليم العام

- ‌التعبير بين الكتابة الإبداعية والوظيفية

- ‌إضاءات حول مفردات التعبير في المقررات الدراسية في مراحل التعليم العام

- ‌تطبيقات إملائية

- ‌تطبيقات على الهمزة

- ‌تطبيقات على الحذف

- ‌تطبيقات على الحروف الزائدة

- ‌تطبيقات على الفصل والوصل بين الحروف والكلمات

- ‌تطبيقات على التاء المفتوحة والتاء المربوطة

- ‌تطبيقات على الأفعال والأسماء المنتهية بألف التأنيث المقصورة والممدودة

- ‌تطبيقات عامة

الفصل: ‌ ‌الأسلوب الأسلوب في أبسط تعريف له هو المنحى الخاص الذي ينتهجه

‌الأسلوب

الأسلوب في أبسط تعريف له هو المنحى الخاص الذي ينتهجه الكاتب في التعبير عما يريد الإفصاح عنه، ولا يصبح الكاتب أديبًا إلا إذا كان له أسلوبه الخاص، ولكي نلقي مزيدًا من الضوء على معنى الأسلوب لا بد من استعراض مختلف الاتجاهات في تعريفه:

يرى فريق من العلماء أن الأسلوب اختيار يقوم به المنشيء لسمات لغوية معينة بغرض التعبير عن موقف، ومجموعة الاختيارات الخاصة بالكاتب هي التي تشكل أسلوبه الذي يمتاز به عن غيره من المنشئين، وليس المقصود بالاختيار هنا الاختيار النفعي الذي يدفع بكاتب معين إلى انتقاء كلمات معينة بهدف الوصول إلى غرض خاص، وإنما المقصود بالاختيار هنا الاختيار النحوي الذي يتعلق بقواعد اللغة بمفهومها الشامل صوتيًّا وصرفيًّا ودلاليًّا ونظميًّا، فالأسلوب خاصة لغوية فردية تمثل نمطًا شخصيًّا من أنماط التشكيل اللغوي كما يقول بعض النقاد1.

ويرى فريق آخر أن الأسلوب قوة ضاغطة تتسلط على حساسية القارئ بواسطة إبراز بعض عناصر الكلام، وحمل القارئ على الانتباه إليها2.

ويرى فريق ثالث أن الأسلوب هو الاستعمال الأدبي الخاص للغة3.

وقد عمد بعض المؤلفين من البلاغيين والنقاد العرب القدامى إلى تعريف الأسلوب فكانت لهم نظراتهم العميقة الصائبة في هذا المجال.

1 د. وليد قصاب، دراسات في النقد الأدبي، دار العلوم، الرياض 1983ص 38.

2 راجع الدكتور سعد مصلوح: الأسلوب - درسة لغوية إحصائية دار الفكر العربي جـ1، سنة 1984. ص 23 وما بعدها.

3 راجع: الدكتور شكري عباد: مدخل إلى علم الأسلوب، دار العلوم، الرياض سنة 1983م ص 40.

ص: 74

يعرِّف ابن خلدون الأسلوب بأنه "صورة ذهنية للتراكيب المنتظمة كلية باعتبار انطباقها على تركيب خاص، تلك الصورة ينتزعها الذهن من أعيان التراكيب وأشخاصها ويصيرها في الخيال كالقالب أو المنوال، ثم ينتقي التراكيب الصحيحة عند العرب باعتبار الإعراب والبيان، فيرصها فيه رصًّا كما يفعل في القالب أو النساج في المنوال".

أما حازم القرطاجني -وهو من أبرز البلاغيين والنقاد العرب القدامى- فيرى أن الأسلوب هيئة تحصل عن التأليفات المعنوية، والنظم هيئة تحصل عن التأليفات اللفظية.

ويرى سيد قطب رحمه الله أن الصورة اللفظية الموحية المثيرة للانفعال الوجداني في نفوس الآخرين هي قوام العمل الأدبي، ويعني بالصورة اللفظية الأسلوب الذي يميز العمل الأدبي ويتحدث عما يسميه القيم الشعورية والقيم التعبيرية، وهو ما يقابل التأليفات المعنوية والتأليفات اللفظية عند القرطاجني1.

ولعل من المفيد أن نتتبع الجذر اللغوي لمعنى الأسلوب، حيث يقول ابن منظور في "لسان العرب": يقال للسطر من التخيل، وكل طريق ممتد فهو أسلوب، فالأسلوب الطريق والوجه والمذهب، يقال أنتم في أسلوب سوء

والأسلوب الطريق تأخذ منه، والأسلوب الفنن يقال أخذ فلان في أساليب من القول، أي في أفانين منه2.

أما في اللغات الأوروبية فقد اشتقت كلمة أسلوب من الأصل اللاتيني "Stillus" وهويعني "ريشة" ثم انتقل عن طريق المجاز إلى مدلولات تتعلق بالكتابة فدل على المخطوطات، ثم أصبح يشير إلى صفات اللغة المستعملة من

1 سيد قطب: النقد الأدبي- أصوله ومناهجه، دار الشروق، القاهرة، 5. ت ص7 ثم ص 19 وما بعدها.

2 لسان العرب لابن منظور. مرجع سابق.

ص: 75

قبل الخطباء والبلغاء، وأخذت كلمة "Style" التي هي بمعنى أسلوب تنصرف إلى الخواص البلاغية المتعلقة بالكلام المنطوق، وتشير إلى بعض الخواص الكلامية1.

وقد أوجز علماء الأسلوب وهو "جيراد"، المقصود بالأسلوب فقال: الأسلوب هو مظهر القول الذي ينجم عن اختيار وسائل التعبير، هذه الوسائل التي تحددها طبيعة ومقاصد الشخص المتكلم أو الكاتب.

وقد شحه في خمسة حدود وهي:

1-

أ- حدود التعبير، فالتعريفات المتعلقة بالأسلوب تتنوع لتشمل فن الكتابة بالمعنى التقليدي.

ب- طبيعة الكاتب، أي الاختيار المعنوي اللاشعوري الذي يعبر عن مزاج الكاتب وتجربته.

ج- الموقف الإنساني الكلي ورؤية العالم متجاوزة بذلك الصيغ اللغوية.

د- وسائل التعبير بما في ذلك الأبنية النحوية والصوتية والصرفية والمعجمية والتركيبية، وإجراءات التركيب من شعورية وقصصية ومسرحية ووصف وما إلى ذلك، والفكر بشكل شامل من موضوعات ورؤى ومواقف فلسلفية من العالم.

2-

طبيعة التعبير كالقيم العقلية والتعبيرية والانطباعية.

3-

مصادر التعبير: المصدر الحسي والنفسي طبقًا للأمزجة والحالات النفسية والمصدر الوظيفي أيضًا.

4-

مظهر التعبير كشكل التعبير سواء كان موجزًا أو تصويريًّا أو استطراديًّا.

1 انظر: د/ صلاح فضل: علم الأسلوب مبادؤه وإجراءاته، النادي الثقافي بجدة ط3 سنة 1988م ص 106.

ص: 76

وجوهر التعبير سواء كان رقيقًا أو حزينًا أو نشطًا، وشكل المتكلم وموقفه، فهناك أسلوب قديم، وآخر شعري، وثالث حديث، غلى غير ذلك من التصنيفات المختلفة1.

صفات الأسلوب الجيد:

ليس هناك صفات محددة للأسلوب الجيد فكل تجربة أدبية تستلزم بالضروة نوعًا من الأساليب التي تلائمها، كما أن التجربة الفنية هي التي تحدد نوع الأسلوب المطلوب، فضلًا عن أن المزاج الأدبي السائد في مرحلة من المراحل يقتضي خصائص أسلوبية معينة لها تراكيبها ومنحاها النظمي والصياغي، كما أن الدرس النقدي المعاصر يرى أن القوالب التعبيرية المسبقة لا تلائم ذوق العصر؛ ويذهب إلى أنه بقدر ما يخرج الكاتب في تشكيله للغته على القوالب النمطية السائدة والجاهزة، وينحرف عنها بقدر ما يكون ذلك دالًّا على تميزه بل، وعلى تفوقه أيضًا.

وقد حاول بعض الكتاب والدارسين وضع معايير خاصة بالأسلوب الجيد، فذهبوا إلى أن الوضوح هو أول شرط من شروط الأسلوب المتميز، فالأسلوب يجب أن يكون واضحًا مفهومًا، والمصدر الأول للوضوح هو عقل الكاتب فإذا كان متمثلًا لما يريد أداءه تمثلًا جيدًا كان أسلوبه جيدًا، لأن الوضوح صفة عقلية في الدرجة الأولى، والتعبير اللغوي يتطلب من المنشيء ثروة لغوية وقدرة على التصرف في التراكيب والعبارات، وإذا كانت الفكرة غامضة فإن ذلك يرجع إلى قصور الكاتب عن تمثلها وفهمها. وقد يكون المتلقون في مستوى ضعيف من حيث الثقافة والوعي، وهنا تبرز قيمة مطابقة الكلام لمقتضى الحال، لذلك ينبغي على الكاتب أن يراعي مستوى المتلقي، وهذا موضع خلاف بين الدارسين

1 انظ: دكتور صلاح فضل: علم الأسلوب مبادؤه وإجراءاته النادي الثقافي بجدة، ص 3 صنة 1988م، ص 145 وما بعدها.

ص: 77

والنقاد، فالكثير منهم يرى أن المتلقي لا يوضع في اعتبار الكاتب أثناء العملية الإبداعية، وأن الغموض الشفيف من الضروري أن يكون سمة من سمات الأسلوب، والوضوح التام ضار بالعمل الأدبي لأنه يسلبه القدرة على إحداث الدهشة والإثارة والتفاعل.

وهناك خطوتان لازمتان لتحقيق الوضوح في الأسلوب:

الخطوة الأولى: تتعلق بالأفكار وهي الدقة في اختيار الكلمات المؤدية للغرض، والاستعانة بالعناصر النحوية والبلاغية الموضحة للمعنى، واستخدام الكلمات المتضادة في المعنى إذا كانت تساعد على ذلك.

أما الخطوة الثانية: فهي التلاؤم والتناسب وتتمثل في مطابقة الأسلوب لمستوى إدراك القارئ أو التلقين من هنا يجب أن تكون التراكيب بسيطة شفافهة بعيدة عن التعقيد والتعويص ومراعاة الفصل والفصل، ومواقع حروف الربط، ومواطن الإيجاز الإطناب.

واعتبر النقاد أن القوة خصيصة هامة ينبغي أن تتوفر في الأسلوب، بالإضافة إلى الوضوحن والقوة - فيما يرون- صفة نفسية يراد بها إثارة العواطف والتغلغل في النفوس ولا تتأتى إلا بصحة الفهم وصدق المعتقد، وتتمثل القوة في الصورة الفنية، فهي تطلق طاقة الإيحاء والإشعاع وتنتشر الظلال النفسية، وتكون القوة كذلك في التراكيب عن طريق التقديم والتأخير الذي يخدم غرضا فنيا وقد خاض البلاغيون القدامى والمحدثون في هذا الأمر، وتحدثوا عن الحذف والذكر، والتنكير والتعريف، وأثر ذلك في قوة الأسلوب واستدلوا بنصوص من القرآن الكريم والشعر العربي القديم، وأشاروا إلى أن السباق قوة تحريك التركيب فتبعث من إشعاعاته ما يلائم، فالتركيب تختبيء في خصائصه وأحواله إشارت ودلالت مختلفة وأن السياق هو الذي يستخرج من هذه الخصائص مقضياته، وكأن التركيب النفيس أشبه بقطعة من معدن

ص: 78

نفيس يشعُّ ألوانًا متكاثرة كلما أدرتها إدارة جديدة، والسياق هو القوة التي تحرك هذه القطعة لتشيع من ألوانه ما يراد إشعاعه1.

أما فيما يتعلق بالإيجاز فقد أوشك أن يجمع النقاد والبلاغيون على أن الأسلوب الموجز المقتضب من أكثر مظاهر القوة وضوحًا.

وتظل القوة مصطلحًا عائمًا ليس له صفة التحديد العلمي ما لم يتجسد بتحقيقه في النص من خلال خصائص أسلوبية واضحة، ولا يصلح معيارًا تتحقق به سلامة الأسلوب من حث الجودة أو الرداءة.

أما صفة الجمال التي يشترطها البعض كبعد ثالث من أبعاد الجودة في الأسلوب فإن تحديدها أمر غير ممكن، فهناك علم بأكمله يبحث في الجمال هو علم المال "الإستطيقا" وله أصول فلسفية تختلف من مدرسة لأخرى، ومن مرحلة لمرحلة، ومن فن لفن، ومن نوع أدبي لآخر، وليس المقصود بالجمال تلك الزينة اللفظية التي تتحدث عنها كتب البلاغة في باب البديع، أو التي يتناولها البلاغيون في كتبهم، فالجمال يكون بالكشف عن أسرر النفس والتحليق في سماء الخيال عبر وسائل وتقنيات تختلف باختلاف الأنواع الأدبية1.

كيف يكون للكاتب أسلوبه الخاص؟؟

ليس هناك خطة جاهزة يمكن بواسطتها الوصول إلى تحقيق هذا المطلب، لأن خصوصية الأسلوب تعني التفردَّ والتميز، وهو ما لم يحظَ به إلا فئة من الكتاب

1 د/ محمد أبو موسى: دلالات التراكيب دراسة بلاغية، مكتبة وهبه، القاهرة، 1979م ص 253 وقد عالج الكاتب التراكيب والسياقات التي تتأتى بها قوة المعنى في كتابه خصائص التراكيب دراسة تحليلية لمسائل علم المعاني، مكتبة وهبه، القاهرة 1980م.

2 تناول أحمد الشايب هذه الصفات الثلاث بشيء من التفصيل وبشكل يوحي بالمعيارية الثابتة، وقد استفدت منه، وعلقت على طروحاته فيما سبق راجع: أحمد الشايب: الأسلوب دراسة بلاغية تحليلية الأصول الأساليب الأدبية الطبعة السابعة، مكتبة النهضة المصرية، مصر سنة 1976م من ص 185 إلى ص 203.

ص: 79

الموهوبين الذين حَبَاهم الله سبحانه وتعالى بسطة في العلم، وسعة في الاطلاع، وقيل هذا وذاك موهبة فطرية وملكة إبداعية، ولكن هناك ما يمكن أن يتلمسه المرء من أجل الوصول إلى هذا المقصد. وأول الطريق تكمن فيما يلي:

أولًا: تربية ملكة الفهم والتذوق والاستيعاب والتمثل أثناء الاطلاع والقراءة، بحيث لا يقتصر القارئ على مجرد الحفظ والترداد.

ثانيًا: يبدأ الكاتب مقلدًا لغيره-عادة- ثم ينفرد بأسلوبه الخاص، فعليه أن يختصر فترة التقليد وأن يبحث عن شخصيته الخاصة، ولا يتم ذلك إلا بالانفعال الصادق بالتجربة والتعبير عنها.

ثالثًا: في مرحلة تالية لابد للكاتب من الابتعاد عن اللوازم التعبيرية الشائعة على الألسن، أو الخاصة بكاتب أو أديب معين، بل لابد له من أن يطيل التأهُّل والمعاناة فيختار ما يلمح فيه الجدة والابتكار، ويأتي ذلك بطول التأمل وبالاختيار المتمرس، وبإطلاق العنان للخيال ومداومة النظر في كتب اللغويين والأدباء والقدماء والمحدثين.

رابعًا: على الكاتب ألا يتسرع في نشر محاولااته الأولى، بل لا يتعَّجل إذاعة ما يكتب في الناس، وإنما يلتمس المشورة لدى الأدباء والمختصين، وألا يأنف من النقد مهما كان قاسيًا ولا يزورُّ عنه، وتجارب كِبَارِ الْكتاب والأداء تفيد أنهما تعرضوا لانتقادات قاسية في بداياتهم الأولى، وَأَنَّ بَعْضَهُمْ مزق مئات الصفحات مما كتب قبل أن ينشر حرفًا على الناس1.

1 وخير شاهد على ذلك ما رواه الشاعر إبراهيم طوقان عن تجربته الخاصة إذ يقول: "كنت قد توقفت في قصيدة ملائكة الرحمة، وسمعت كثيرًا من كلمات الإعجاب بها فخيل إلى أن كل قصائدي في المستقبل ستكون مثلها مدعاة للإعجاب! وَأَخَذْت في نظم قصيدة غزلية وأنا مفعم بزهوي وخيلائي، وَأَخْذت أغوص على المعاني وأتفنن في الألفاظ!! وكان يشرف على نشأتي الأدبية اثنان لأسمع إعجابهما وأنتشي به، وَتَلَوْتُ الْقَصِيدَةَ عَلَيْهما، وظفرت بالْإِعْجَابِ، وَتَرَكَانِي، وَعَادَا إِلَيَّ بعد قليل قال أحمد: أخي أنا لا أفهم القصيدة جيدًا حين تتلى علي، أريد أن اقرأها بنفسي، فناولته القصيدة ودنا رأس سعيد من رأس أحمد وشرعا في قراءة صامتة ثم كانت نظرات تبادلاها، أحسست منها بمؤامرة

وإذا بالقصيدة تُمَزَّق، وإذا بها تنسف في الهواء، قال أحمد هذه قصيدة سخيفة المعنى، ركيكة المبنى، قال سعيد: ليس من الضروري، أن تنظم كل يوم قصيدة. ديوان طوقان، مكتبة المحتسب، عمان، 1984ص8.

ص: 80

خامسًا: ممارسة النقد الذاتي، وعدم الرضا عن النفس أو الاستسلام لبريق الشهرة، أو للثناء المجامل، فالإنسان أدرى بنفسه وبمستواه، والكاتب يستطيع من خلال المراجعة والتمحيص أن يكتشف مكامن التقليد والثغرات في أسلوبه ويعمل على التخلص منها.

ص: 81