المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ذكر من اسمه العباس - قلائد الجمان في فرائد شعراء هذا الزمان - جـ ٢

[ابن الشعار]

الفصل: ‌ذكر من اسمه العباس

/ 116 ب/

‌ حرف العين المهملة

حرف الظاء المعجمة فارغ لم يرد فيه شيء من الأسماء.

‌ذكر من اسمه العباّس

[229]

العبَّاس بن عبد الله بن محمَّد بن عبد الملك بن عليِّ بن محمَّد بن عليِّ بن العباس بن محاسن بن عليِّ بن عيسى بن موسى بن عيسى بن صالح بن عليِّ بن عبد الله بن العباس، أبو البركات ابن أبي جعفر الهاشمي العبِّاسي الحلبيُّ، الشَّريف الكاتب:

فخر البيت، كان يلقب بعضرس.

سمع بدمشق أبا اليمن زيد بن الحسن بن زيد الكندي، وبحلب جماعة، وكان يكتب في ديوان الإنشاء بحلب، في دولة السلطان الملك الظاهر غياث الدين غازي بن يوسف بن أيوب.

وكان له خطّ حسن، وكتابة مرضية، وكان بذيء اللسان، مغرى بهجاء الرؤساء الأعيان، وجلّ شعره ساقط رديء، ليس بالجيد السنيّ.

حدثني القاضي الإمام أبو القاسم عمر بن أحمد الحنفي -أدام الله أيامه -/ 117 أ/ من لفظه قال: سار الشريف أبو البركات عن حلب طالبًا الحج سنة ثماني وستمائة، فوصل إلى دمشق، ولم يتفق له الحجّ، وخرج منها إلى بغداد، فوصل إليها، وأقام بها مدة يسيرة، وكان كثير الهجو، فتكلم بشيء لا تحتمله أمزجة أهل بغداد، فوشى به أصدق الناس إليه، وهو الموفق المعروف بشمس كلي عينه، وكان هذا الشريف كثير الإحسان إليه إذا قدم عليه حلب، فذكر أنَّه دسّ إليه شيئًا سقاه إياه، فمات في أوائل سنة تسع وستمائة.

وأنشدني القاضي الإمام بهاء الدين أبو محمد الحسن بن إبراهيم بن سعيد بن

ص: 169

الخشاب الحلبي –أيده الله تعالى –بمنزله المعمور بحلب سنة أربع وثلاثين وستمائة قال: أنشدني الشريف أبو البركات العباس بن عبد الله الهاشمي لنفسه، وكتبها إلى السلطان الملك الظاهر، يطلب منه فروة:[من مجزوء الكامل]

يا أيها الملك الَّذي

لابدَّ أن يرث الممالك

وأرى جميع الأرض في

يده وليس له مشارك

/ 117 ب/ وأرى ملوك الأرض سا

جدًة له عند الحوالك

مولاي إنَّ العبد قد

أضحى بعيد نداك فاتك

فتراه طول نهاره

أبدًا على الكانون بارك

فامنن عليه بفروة

يحيا بها يا خير مالك

أولا فمرني أن أقرِّر

موضعًا لي عند مالك

فبعث إليه فروة، فكتب إليه:[من مخلّع البسيط]

تخاصمت جثَّتي وراسي

خصومًة طيَّرت نعاسي

وطال ما بينهم جدال

بلا مراء ولا قياس

فقال رأسي علام تكسى

وأغتدي اليوم غير كاسي؟

ولم حباك الغياث دوني

وأنت يا هذه أساسي

بفروة لم يكن حباها

الرَّشيد يومًا أبا نواس

ولا ابن حمدان كان يعطي

لو اشتهاها أبو فراس

عطاء ملك جمِّ العطايا

يصفع بالنَّعل ذا نواس

فنطقت جثَّتي وقالت

مقال طبٍّ صعب المراس

/ 118 أ/ لولاي ما كنت أنت شيئًا

يومي إليه بيننا الأناسي

وكنت كالرَّيم ليس إلَاّ

ذقن كبير بِّين المقاس

الرّيم: يعني به رجلاً من أعيان حلب، كان يجعل الغين راء في كلامه، وكان

ص: 170

يقول في الغيم: الريم.

وبعد هذا فاطلب فإنَّ السُّـ

ـلطان يعطي بلا مكاس

أبقاه ربُّ السَّما مليكًا

مادام رضوى ثابت الأساس

فبعث إليه بعمامة. ومن شعره يهجو بعض رؤساء حلب: [من الكامل]

شكت ابن صقر عرسه وتظلَّمت

عدم الجماع وقلَّة الإنفاق

فأجابها بتذلُّل وتخضُّع

والدَّمع منحدر من الآماق:

(بي مثل ما بك يا حمامة فاسألي

من حلَّ قيدك أن يحلَّ وثاقي)

ومن نثره ما كتبه إلى نظام الدين أبي المؤيد محمد بن الحسين بن محمد بن/ 118 ب/ الحسين الطغرائي الكاتب الوزير بحلب:

"مملوك مولانا الصاحب وليِّ النِّعم، لازالت أيَّامه أعيادًا، وأكنافه لمرتادي الرِّزق مرادًا، قد أبقى من حاله ما علم الصَّاحب دقيقه وجليله، وكثيره وقليله، ولا حاجة به إلى إعادة كلام، أو قول، وترقب ماليس بمأمول، لكنَّه يقصد الأخفَّ على قلب الصَّاحب والأسهل، ويعتمد الأليق بحاله والأشكل، وهو دستور مفرغ من شوائب الأراجي البعيدة المرام، المفنية عمره على مرور الأيَّام، ليتوجَّه في هذه الأرض الواسعة، ويقصد الممالك السارحة الشَّاسعة، فقد قال الطائي:

(انضر الروض عازبه)

وعسى ما جمل في هذه البقعة أن يتَّفق في سواها، وما اطَّرح بها أن يشرق إذا باعدها وقلاها، ولعلَّ فرجًا يلقاه، فيحمد صبحه مسراه، فإنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يستقم له بمكَّة حال، فاستقام بيثرب، فقد

ص: 171

سئمت نفسه التقاضي بما لو علم أنَّ حاله تقف عنده، وتنتهي إليه لمات همَّا، واعتبط غيظًا وغمًا:[من الرجز]

/ 119 أ/ لو كانت الأحلام ناجيتي بما

ألقاه يقظانًا لأصماني الرَّدى

منزلة ما خلتها يرضى بها

لنفسه ذو أرب ولا حجا

والمملوك في بعض أواله يحمل أموره على المقادير، وينتظر الفرج بالصَّبر، ويتَّخذ هذا نوعًا من العبادة، فلا يفيده ألا يقضي عمره، ودنو أجله، ويرى قومًا ليس لهم ماله من الحقوق السَّالفة والآنفة، وقد بلغوا من الأماني سماها، ومن الدَّرجات أعلاها، فيقطع نفسه أسفًا وحزنًا، ويموت حرقًا وغبنًا، ولا تسامحه نفسه بتجرع كاس الصَّبر، على معاندة الدَّهر، وقد عوَّل على الأخذ ببيت [بنت] عمرو بن الشَّريد، أعني الخنساء في قولها:[من المتقارب]

سأحمل نفسي على غاية

فإمّا عليها ومَّا لها

ولقد وَّبخته نفسه منذ ليال على الإخلاد إلى الهوينا، والرِّضا بهذه الحال الحقيرة، فانشدها:

لو درت فوق الفلك الدَّوَّار لم

تزدد نقيرًا فوق ما الله رزق

فأجابت بقول الطائي: [من الخفيف]

/ 119 ب/ من أبنَّ البيوت أصبح في ثو

ب من العيش ليس بالفضفاض

والفتى من تعرَّقته الفيافي

واللَّيالي كالحيَّة النَّضناض

فأجابها بقول الآخر: [من الرجز]

الرِّزق يأتيك وإن لم تطلبه

مالك من رزقك إلَاّ تعبه

فأجابته بقول الطّائي: [من الطويل]

ص: 172

وأخرى لحتني حين لم أتيع النَّوى

قيادي ولم ينقض زماعي ناقض

أرادت بأن يحوي الرَّغيبات وادع

وهل يفرس اللَّيث الطّلا وهو رابض؟

فلمّا غلبته بحجتها، أنشدها قول أبي الشِّيص الخواعي:

[من الكامل]

لا تنكري وجدي ولا إعراضي

ليس المقلُّ عن الزَّمان براضي

حلِّي عقال مطيّتي لا عن قلى

وامضي فإنِّي يا أميمة ماضي

وقد بقي الأمر موقوفًا على رأي الصَّاحب، فإن رأى أن ييسر الأمر فعل منعمًا".

[وكان] الجواب من الوزير أبي المؤيد –رحمه الله تعالى: -

"وقفت على ما شرحه، وتبيَّنت ما أوضحه، وعجبت كلَّ العجب ممَّا أهمله. / 120 أ/ من الصَّواب واطَّرحه، وكيف يقع له أنَّ الاغتراب أجدى عليه، والضَّرب في الأرض أصون له وأحب إليه، فلا إله إلَاّ الله.

أيُّها السيِّد، أنت تعلم ما ألتزمه من صونك، وأتوخَّاه من مصالحك، وما احرص عليه من إصلاح شأنك، وأنت من الضَّجر والقلق على مثل حالك، فكيف إذا نبت بك الدَّار، وتقاذفت بك الأقطار، وأصبحت على أبواب غريبة وعند أقوام أجانب لا يعرفون قديمك، ولا يكرمون حديثك، ولا يراعون ما يجب لك من حرمة، ولا يفهمون ما عندك من فضيلة، وتطير حينئذ بخبرك عنقاء مغرب، ويذهب بتجلُّدك وبحلمك اليسير ما تلقى به من اطراح جانبك، وتكون قد سعيت لتعزَّ فتعجَّلت المذلَّة، وفي المواعظ القديمة:

ص: 173

النَّاس من خوف الفقر في الفقر، ومن خوف الذلِّ في الذُّل، اللَّهمَّ إلَاّ أن يكون غرضك التَّخلِّي والعزلة، والرُّجوع إلى ما يجب على كلِّ ذي لبٍّ، وبصيرة من اطِّراح الدُّنيا، والسَّعي في ترك عاجلها الفاني، وذلك أمر ميسَّر لك في وطنك، وممكن لك بين / 120 ب/ إخوانك وخلَاّنك، إلا أن يكون قد اشتعلت في قلبك نار المحبَّة، ورميت شياطين شهواتك لشهب الاصطفاء والمكاشفة، فيحملك ذلك على أن تسرح في الجبال، ويسهل لديك صعب المعاش، وما أرى لذلك أمارة تدلُّ عليه، ولا حالاً تشير إليه، والصَّواب الَّذي أراه لسيِّدنا فخر الدِّين، أن يستقيم على الطَّريق، ولا يتابع نفسه لما يخطر له من هذه الأحاديث اللَّيليَّة التي تمرُّ بخاطره في وقت السَّحر، فإن سببها اهتياج أخلاط، واضطراب بخارات، واصطفاق أجرام، وتموج رطوبات، تثير ضبابًا يرين على القلب، ويغشى نور الفكر، وهو بسعادته إذا نظر إلى ما هو حريص على طلبه، بعين الحقيقة رآه دون هذه النِّعمة التي قد سهل عليه [أن] بدّلها باديًا، ويعزُّ عليه التَّفريط في اليسير منها عائدًا.

فالله الله من العمل بالرأي البادي، والإجابة لأوَّل الدَّاعي، وعندي له ما يؤثره من سعي أبلغ فيه الغاية التي يتَّضح معها العذر، ويقوم عنده بها عليَّ بذل الجهد، والدَّليل على ما تبعده عنه الحصول على غرضه إن شاء الله تعالى".

ص: 174