المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ذكر من اسمه عبد الله - قلائد الجمان في فرائد شعراء هذا الزمان - جـ ٢

[ابن الشعار]

الفصل: ‌ذكر من اسمه عبد الله

‌ذكر من اسمه عبد الله

[230]

عبد الله بن محاسن بن عبد الله بن محمَّد بن عبد الملك بن عليٍّ بن محمَّد، أبو عليٍّ العباسيُّ الحلبيُّ:

أنشدني لنفسه بحلب المحروسة، بمنزله يوم الأحد سنة سبع وثلاثين وستمائة، ما كتبه إلى والده الشريف أبي عليّ، يلتمس منه ثوبًا:[من البسيط]

وقائل قال لي يومًا وقد بصرت

عيناه ثوبي رثّا ماله خطر

أرى ثيابك قد أودى الزَّمان بها

كأنَّها رسم دار دارس دثر

لم يبق منها البلى شيئًا فتدركه الأ

بصار بل دقَّ عن إدراكها البصر

فقلت والقلب فيه النّار تستعر

والدَّمع من فرط ما أبكاه ينحدر

رثاثة الثوب لا تزري بلابسه

لا تزري به الذِّكر

وأنشدني أيضًا لنفسه من نظمه ما كتبه على ظهر تقويم أهداه إلى السلطان الملك الناصر صلاح الدين يوسف بن الملك العزيز محمد بن غازيي بن يوسف بن أيوب بن شاذي أعّز الله نصره: [من مجزوء الرجز]

يا ملكًا فرع ملك

أعطاك رِّبي أملك

وصيَّر الله ملو

ك الأرض جمعًا حولك

مملوكك الداعي الشَّريـ

ـف [آمل أن] يسألك

قبول ما أهداه من

لطيف [تقويم الفلك]

وأنشدني أيضًا: [من الكامل]

يا مالكًا تنهلُّ سحب نواله

فينا إذا ما العام عمَّ بجدبه

أنت الذي يفني ويغني بالنَّدى

والبأس في يومي عطاه وحربه

فعلى الموالي نعمة من ماله

وعلى المعادي نقمة من عضبه

ص: 175

[قد جاءك] الفيروز .. يوسف

لازالت طول الدهر مسعودًا به

[231]

/121 أ/ عبد الله بن علَاّن بن زاهر بن عمر بن أحمد بن علَاّن بن رزين، أبو الفضل بن أبي الحسن الواسطيُّ الخواعيُّ:

هكذا قرأت نسبه من خط يده، ذكر أبو عبد الله [ابن] الدُّبيثي أنَّه من أولاد رزين، ابن أخي دعبل بن علي الخزاعي الشاعر.

وكانت ولادته في عاشر ذي الحجة من سنة خمس وثلاثين وخمسمائة، وتوفي سنة ثلاث وعشرين وستماية.

زعم أنه سمع أبا جعفر المبارك بن أحمد بن زريق الحداد الواسطي المقرئ إمام الجامع بواسط العراق، وأبا بكر عبد الله بن منصور بن عمران الباقلاني، وأبا الوقت عبد الأول بن عيسى بن شعيب السجزي الصولي، والشريف نقيب العباسيين أحمد بن محمد بن عبد العزيز الهاشمي ببغداد، وأبا يعلى حيدرة بن بدر الرشيدي الهاشمي الخطيب، وأبا الفضل محمد بن نصر السلامي البغدادي الحافظ، وأبا الفتح محمد بن عبد الباقي بن أحمد بن سلمان بن البطي، وأبا عبد الله محمد بن محمد المروزي العجلي، وأبا المظفر يوسف بن عبد الله بن الظريف/ 121 ب/ الشاه بوري،

ص: 176

وأبا الظفر يوسف بن فضل الله بن يحيى وغيرهم.

روى عنه القاضي الإمام أبو القاسم عمر بن أحمد بن أبي جرادة الحلبي الحنفي –أدام الله أيامه-، والصاحب أبو البركات المبارك [بن] أحمد بن المبارك المستوفي الإربلي، وغيرهما. وكان يلقب بشاشل.

سمع كثيرًا من كتب التفسير والحديث، والأخبار والسير والمغازي ورواها، وصنف كتبًا عدة، ومن تصانيفه كتاب:"اللباب في تحرير الكتاب"، وهو ثماني مجلدات، وكتاب "جواهر الحكم وتواريخ الأمم وسير ملوك العرب والعجم"، وهو خمس عشرة مجلدة، وكتاب "حماسة العرب وأيام العرب"، وهو عشرون مجلدًا، وكتاب "التبيين في سير الملوك والسلاطين"، وكتاب "الغرر والبدر في سيرة خيرة الخير وصفوة البشر صلى الله عليه وسلم"، وهو خمس مجلدات وكتاب "مختصر الغرر والبدر"، مجلد، وكتاب "الممدود/ 122 أ/ والمقصور"، مجلدان، وكتاب "المسألة الأتابكية العزّية في الصفات الإلهية"، وكتاب "التنبيه بالرّد على من قالبالتشبيه"، صنفه لأتابك عّز الدين مسعود بن مودود بن زنكي، وكتاب "الإشارة في تدبير الوزارة"، وكتاب "الجمع بين الناسخ والمنسوخ وأسباب النزول"، وكتاب "المدح والفصل في سيرة ملوك العدل"، وكتاب "مختصر الحكم" مجلد، وكتاب "الدرّ الثمين في مدائح بدر الدين صاحب الموصل".

وهذه أسماء الكتب التي ذكرتها نقلتها من كراسة هي بخط يده، ولم يقع إليّ شيء منها سوى كتاب "الدرّ الثمين".

حدثني القاضي الإمام أبو القاسم عمر بن أحمد العقيلي –أسعده الله تعالى- من لفظه قال: قدم عبد الله بن علان حلب مرارًا، وكان أقام بحماة مدة في خدمة الملك المنصور محمد، وذكر لي أن مولده سنة خمس وثلاثين وخمسمائة إن صدق، وكان كذابًا، يدعي أنه سمع أبا الوقت وغيره، وقفت/ 122 ب/ على طبقات وأثبات زورها بخطه، وآفة كذبه جهله، فإنه خلط في أسانيدها، والشيوخ الذين ادّعى أنه سمعهم، وغرّ جماعة من طلبة الحديث، فسمعوا منه بالموصل وغيرها، ثم قال: أنشدني

ص: 177

لنفسه: [من مجزوء الكامل]

يا مشبه القمر المنير

هل من صدودك من مجيز؟

قسمًا بما في فيك من

شنب ودرٍّ مستنير

وبورد خدَّيك اللَّذيـ

ـن يضاهيان الورد جوري

وبماء آس في عذا

رك اخضر غض مطير

وبنفسج في مقلتيـ

ـك ونرجس رغد نضير

صل عاشقًا صبًا فذكـ

ـرك يا منى قلبي سميري

وأنشدني الصاحب أبو البركات المستوفي –أبقاه الله تعالى- قال: أنشدني أبو الفضل بن أبي الحسن لنفسه في الثامن عشر من صفر سنة خمس عشرة وستمائة:

[من الكامل]

ملك يذمُّ من الزَّمان وخطبه

إن أخفرت نوب له وخطوب

/ 123 أ/ لو تستجير به الغصون وقضبها

ما راعهنَّ من الرِّياح هبوب

وإذا يسالمه امرؤ هو سالم

ومحاربوه فكلُّهم محروب

وإذا نحا نحو القتال فسيفه

رفع ورأس عدوِّه منصوب

مازال فرَّاج الصُّفوف وفارجًا

إذ يستجير ببأسه مكروب

نصر الإمام بقوله وفعاله

وجيوشه والرأي منه مصيب

لكم تحلَّت بالمهابة والتُّقى

ولكلِّ ما تحوي يداه وهوب

ملك فلا مثل ولا ضرب له

والناس أمثال لهم وضروب

ملك رحيم بالبريَّة عادل

برٌّ رؤوف عالم يعسوب

الفائت الطُّلاب عن إداركه

والمدرك الغايات وهو طلوب

وقعاته فيها الحوائم وقَّع

وعلى الجداول من ظباه تلوب

وكجامد الجلمود قلبًا في الوغى

وبكفه ماء النَّوال يذوب

ص: 178

[232]

عبد الله بن عبد الرَّحمن بن عبد الله بن علوان بن عبد الله بن علوان بن رافع، أبو محمَّد/ 123 ب/ ابن أبي محمَّد الأسديُّ:

من أهل حلب، القاضي الإمام الفقيه الشافعي المدرس، كان والده وعمّه أحمد وجدّه من المشايخ الأتقياء العلماء بالحديث والقرآن، وكل كلّ منهم يشار إليه في الصلاح والعبادة، وفعل الخير.

والقاضي أبو محمد هذا سمع الحديث من أبيه وأبي الفرج الثقفي، وأبي اليمن زيد بن الحسن الكندي، وأبي حفص عمر بن محمد بن طبرزد، والقاضي أبي القاسم عبد الصمد الحرستاني، وقاضي دمشق أبي المعلي محمد بن علي القرشي، وحنبل المكبّر، والقاضي أبي المحاسن يوسف بن رافع بن تميم، وغيرهم، وهم

ص: 179

كثيرون.

واستنابه أبو المحاسن يوسف بن رافع بن تميم القاضي، في التدريس والحكم، وكان زوج أخته، ولما توفي قاضي القضاة أبو المحاسن، قلّده الملك العزيز غياث الدين أبو المظفر محمد بن غازي بن يوسف –رحمه الله القضاء بمدينة حلب في أعمالها، وذلك في يوم الجمعة الرابع عشر من شهر ربيع الأول من سنة اثنتين وثلاثين وستمائة.

واستمرَّ في القضاء، وعلت منزلته عنده، واحترمه احترامًا وافرًا، / 124 أ/ وأنفذ رسولاً إلى دمشق ومصر وبغداد، واعتمد عليه في مهماته وأموره. ولمّا توفي الملك العزيز، أقرّ على ما هو عليه، ولم يغير عليه شيء من أمور القضاء، وازداد كلّ يوم يأتي من الوجاهة والتقدم، وصار يشاور في الأمور، يؤخذ برأيه، ويرجع إلى قوله.

وكان رجلاً كامل العقل، وافر الفضل، على غاية ما يكون من الورع والدين، وصحة العقيدة، وصدق النفس.

لقيته بمحروسة حلب، وقرأت عليه جزءًا من الحديث النبوي، وأربعين حديثًا من تأليفه، وسألته عن ولادته، فذكر أنه ولد في سنة ثماني وسبعين وخمسمائة.

وتوفي بحلب المحروسة ليلة السبت، السادسة عشرة من شعبان، صلاة عشاء الآخرة سنة خمس وثلاثين وستمائة، وأخرج يوم السبت ضاحي نهاره، فصلّى عليه بالمسجد الجامع أخوه القاضي أبو البركات محمد بن عبد الرحمن، وحمل إلى مقبرة الجبيل شمالي البلد، فدفن بتربة لهم، وكان قد أصابه قولنج قبل موته بأعوام، وكان يخفيه، وشيَّع السلطان الملك الناصر/ 124 ب/ صلاح الدين أبو المظفر يوسف بن الملك العزيز محمد بن الملك الظاهر غازي بن يوسف بن أيوب –خلد الله ملكه- جنازته، وكذلك أمراء الدولة، وأرباب المناصب، والمتصرفون، والفقهاء،

ص: 180

والصوفية، وعامة البلد، ولم يتخلف يومئذ عن جنازته إلاّ اليسير من الناس، وكان ذلك اليوم يومًا مشهودًا، من كثرة الخلق، وشدّة الزحام، والتمسك بنعشه، والتبرك به، والانعكاف عليه، والغلبة والجمع العظيم، فأوسعه الله رحمة ورضوانًا، وتغمده برحمته وغفرانه إنه سميع مجيب.

حثني القاضي الإمام أبو القاسم عمر بن أبي جرادة القيه الحنفي المدرس –أيده الله تعالى- قال: اجتمعت بالقاضي أبي محمد بحمص، وقد وافاها رسولاً، وأنا مجتاز إلى دمشق، وأقمت معه أيّامًا، ثم ودعته، وسرت إلى دمشق، ورجع بعدي إلى حلب، فكتب إليّ بهذه الأبيات إلى دمشق:[من الطويل]

إلى الله أشكو ما وجدت من الأسى

بحمص وقد أمسى الحبيب مودِّعا

وأودع في العين السُّهاد وفي الحشا

اللهيب وفي القلب الجوى والتَّصدُّعا

/ 125 أ/ ولله أيام تقضَّت بقربه

فيا طيبها لو دمت فيها ممتَّعا

ولكنَّها عمَّا قليل تصرَّمت

فأصحبت منبتَّ السُّرور مفجَّعا

وقد كان ظنِّي أنَّ عند قفولنا

إلى حلب ألقى من الهمِّ مفزعا

فلمّا رأيت الدَّار هيَّج منظري

إليها حنينًا كامنًا وتوجُّعا

فأنشدت بيتي شاعر ذاق طعم ما

شربت بكاسات الفراق تجرّعا:

(فلا مرحبًا بالرَّسم لستم حلوله

ولو كان مخضرَّ الجوانب ممرعا)

(ولا خير في الدُّنيا ولا في نعيمها

إذا لم يكن شملي وشملكم معا)

وأنشدني القاضي أبو القاسم قال: أنشدني القاضي أبو محمد عبد الله بن عبد الرحمن من شعره: [من الطويل]

أنزِّه نفسي عن أمور شهيَّة

وأكبحها عن أن تنال المطامعا

مخافة أن تعتاد نيل مرادهًا

فأصبح من كأس المذلَّة كارعا

وأن مبيت الحرِّ جيعان قانعًا

أعزُّ له مما إذا بات خانعا

ص: 181

[233]

عبد الله بن عليٍّ، الدُّونيُّ الأصل/ 125 ب/، البغداديُّ المولد والمنشأ، أبو محمَّد:

كان شيخًا لطيفًا، كيِّسًا، عنده أدب، وفيه فضل ودعابة وخلاعة، وهزل، يحذو حذو ابن الحجاج في فنونه.

ومن شعره يمدح المستنصر بالله أبا جعفر المنصور بن محمد –خلد [الله] دولته: -

[من الطويل]

إلى كم بقلبي للغرام لمام

وللعشق فيه موطن ومقام؟

كأني في عصر الشَّبية راتع

ولي من قواه شرَّة وعرام

أدلُّ بريعان من العمر مقبل

وفي قبضتي ممَّن أحبُّ زمام

وأسحب مرط اللَّهو في مربع الصِّبا

ولي بمغانيه هوى ولزام

أمن بعد ما لاح المشيب بمفرقي

وأصبح أحوى الفود وهو ثغام؟

بددا صبح شيبي في مطالع لمَّتي

فعادت نهارًا منه وهي ظلام

وودعني عصر التَّصابي مفارقًا

فخلف داء الشَّيب وهو سقام

على عصر أيام التَّصابي وطيبه

وما نلت من وصل الحبيب سلام

فلا أذني تصغى إلى شدو مطرب

يذلُّ لديه معبد ويضام

وكيف أرجِّي وصل حسناء غادة

وبين مشيبي والشباب خصام

ولكنَّني استغفر الله جاهدًا

فكلُّ غضارات الشَّباب أثام

ص: 182

/ 126 أ/ وامدح مولى النَّاس شرقًا ومغربًا

ومن طؤره في الحلم ليس يرام

إمامًا حوى شمل المناقب واغتدى

لكلِّ زمان في يديه زمام

شموس هداة في الممالك طلَّع

وغيث نداه للعفاة سجام

فلا جود إلَاّ وهو من سيب كفِّه

يسحُّ على الأقطار منه رهام

لكلِّ زمان أمَّة وإمام

به حجَّة الدِّين الحنيف تقام

ومستنصر بالله دام انتصاره

لكلِّ إمام في العصور إمام

رضاه حياة للوليِّ وسخطه

لسائر من يشنا علاه حمام

فلا زلت للإسلام خير خليفة

لك الملك عبد والزَّمان غلام

[234]

عبد الله بن عمر بن أبي الفرج بن عبد الله، أبو بكر الأروجاني:

شاب فاضل، مليح الخط، صحيح الضبط، ذو عقل وديانة، وتعفف وصيانة، وهو أحد المتفقهين بالمدرسة النظامية بمدينة السلام، له قصيدة بمدح المستنصر –خلد الله ملكيه- أولها:[من البسيط]

بين الخميسين والهنديَّة القضب

والأعوجيَّة ترداد القنا الأشب

/ 126 ب/ ومنها:

وسر بنا طالبي مجد ومنزلة

مستمطيين ظهور الأنيق الحدب

واقصد بنا وجهة الزَّوراء نحو حمى

المستنصر المالك المنصور ذي الحسب

ملك تظل ملوك الأرض طائعة

له وذاك لها من أفضل القرب

ملك الملوك تسامى أن يقاربه

ملك وأنِّي يقاس النَّبع بالغرب؟

إن ينتسب يوم فخر تلف نسبته

موصولًة بالنَّبيِّ المصطفى العربي

ومن يكن جدُّه العبَّاس منتسبًا

إلى الرَّسول يكن من أكرم النَّسب

حاز المفاخر والمجد الأثيل وما

شد الخلائف قدمًا عن أب فأب

وضم شمل العلا من بعد ما انصدعت

فيما مضى فغدت مشعوبة الشُّعب

يا ابن الخلائف والقوم الذين سموا

على السِّماك وحازوا خير محتقب

ص: 183

فخرًا مليك الورى إذ ليس مفتخر

لفخر آبائك الصِّيد الألى النُّجب

هم منار الهدى من يعتلق بهم

فقد حوت راحتاه أعظم السَّبب

بهم تجلَّى عن الإسلام غيهبه

وذل كلُّ عنيد مارد شغب

هل في الورى من يجازيهم بمكرمة

أم من يساجلهم في الفضًل والأدب؟

وحسبهم مفخرًا ما شاده لهم

المنصور من كلِّ مجد باذخ العذب

/ 127 أ/ حوى الحجى والتُّقى والفضل واكتسبت

كفَّاه من كلِّ برٍّ خير مكتسب

ما أعمل الرأي في أمر يسدِّده

إلَاّ وأعملت الأعداء في الهرب

ولا امتطى كفُّه يومًا مطا قلم

على الكتائب إلَاّ ارتعن للكتب

[235]

عبد الله بن عليِّ بن نصر بن عقيل بن أحمد بن عليِّ العبديُّ، المعروف بابن القيريني:

من أهل واسط.

وهو أخور الشاعر المجيد، أبي علي الحسن بن علي، وقد ذكرته في كتاب "تحفة الوزراء" المذيل على معجم الشعراء.

وكان عبد الله هذا يلقب بالصّارم، وهو شاعر كثير الشعر، لم يلحق طبقة أخيه في الفضل والأدب، لكنّ شعره لا بأس به.

خرج عن مدينة واسط، وتوجه إلى البلاد الشامية، وامتدح الأمراء والملوك والرؤساء، ثم سكن بالآخرة مدينة حلب، وتوفي بها في سنة ستّ أو سبع وستمائة، هكذا أخبرني بوفاته الوزير أبو نصر إبراهيم بن يوسف بن إبراهيم القفطي.

ومن شعره يمدح الملك المنصور ناصر الدين أبا المعالي محمد بن عمر بن شهنشاه بن أيوب بن شاذي صاحب حماة: [من مجزوء الرجز]

ص: 184

/ 127 ب/ كم برسوم لعلع

من البدور الطُّلَّع

يمنعن أقمار السَّما

ء في الدُّجى عن مطلع

نواعم رواتع

أكرم بها من رتّع

كلُّ رداح كالقضيـ

ـب سهلة المقنَّع

تصمي القلوب بسها

م من خلال البرقع

صحيحة لا تأتلي

عن قلبي المصدَّع

واحر قلبي لبرو

دريقها الممنَّع

وآومن ذكر لييـ

ـلات الحمى والأجرع

لهفي على تفريق طيـ

ـب شملي المجمع

وما جلا بذلك الـ

ـمصطاف والمرتبع

منازل غيَّرها

مرُّ الرِّياح الأربع

واستبدلت بعد الأنيـ

ـس بالغراب الأبقع

وبالقيان أنَّة

القرغل والسَّمعمع

تعدُّ بعد أهلها

من الدِّيار البلقع

أندب ماضي زمن

بربعها لم يرجع

/ 128 أ/ واستهلُّ في ذرى

تلك الرسوم ادمعي

ولم أجد للعذل في

سلوِّهم سمعًا يعي

لا والأمام الطَّاهر الـ

ـمولى البطين الأنزع

الطَّاهر الآباء والـ

ـمغامر السميدع

وقالع الباب الَّذي

بغيره لم يقلع

ومن له فضائل

بمثلها لم يسمع

وسالك الوليَّ في

نهج الطَّريق المهيع

صنو النَّبيِّ العلم الـ

ـمكرَّم المشرِّع

ص: 185

معاشر بحبِّهم

آمن يوم مفزعي

ومن ندى محمَّد

منزلة المنتجع

الملك المنصور ذي الـ

طَّول الجزيل الأرفع

وطود بأس وحجى

بالخطب لم يزعزع

جامع فضل بسوى

علاه لم يجمَّع

بالبأس والنَّوال والـ

إحسان والتَّورع

ذو مقول يخرس كـ

ـلَّ مفصح ومصقع

/ 128 ب/ كهف العفاة ملجأ الـ

ـخائف والمنقطع

مردي الكماة بالموا

ضي والرِّماح الشُّرَّع

سل عنه في يوم النِّزا

ل بالقنا المزعزع

هل غيره كان المجيـ

ـب في الوغى إذا دعي؟

أم كشفت غمامها

بالبطل السرعرع؟

من ردعت سيوفه

في الرَّوع من لم يردع

فاتح أبواب الرَّجا

ء للورى والطمع

فما لهم عن قصد با

ب داره من مطمع

وله أيضًا فيه من قصيدة أولها: [من الطويل]

لكسب العلا ولمجد ما أنا واجد

وللسَّبق في نيل المنى ما أكابد

أنا ابن طراد الخيل إن أحجم الورى

وإن اقتروا أو ضنت السحب جائد

تروع بي الخطِّيُّ وهي شوارع

وترهبني الأسياف وهي حدائد

ويخضع ممن بأسي لدى الرَّوع معشر

قلوبهم يوم الجلاد الجلامد

ومنها في المديح:

فحتَّى م أرضى من زماني ببلغة

وللّيث في برديَّ قلب مجالد؟

/ 129 أ/ وللملك المنصور منِّي مواهب

ومد مديد زاخر الجود زائد؟

مليك جواد والملوك كثيرة

ولكنَّه في فعله اليوم واحد

يجود على قاصي البلاد وقاصد

ليهنك قاص من نداه وقاصد

ومن جمع الحمد الجزيل بجوده

وشتت جمًع المال فالمال شارد

ص: 186

تفيدك رؤياه إذا ما رأيته

فرويته للوافدين فوائد

فقد حقَّق الآمال فيك بأسرها

فأرقل يبغي الجود من هو واجد

يدلُّ على إنعامه بشر وجهه

كذا البرق قبل القطر للقطر رائد

وما روضة حلَّ الرَّبيع ربوعها

عن السَّفر منها برزخ متباعد

سقتها جفون المزن غير جوامد

زمانًا فجفن الزَّهر سهران جامد

تغنَّت بها ورق الحمام فساجع

على أثله أو نازح الوكر فاقد

تؤرِّجها ريح الصَّبا بهبوبها

وما نفحت إلَاّ لليهتاج واجد

كأنَّ ثراها عنبر وغصونها

لثقل ثمار الحمد قوم سواجد

بأطيب عرفًا من تأرُّج غرسه

ومن ذكره تبدو النُّهى والمحامد

[236]

عبد الله بن عيسى:

أنشدني الشيخ العالم الأجلّ زين الدين أبو محمَّد، عبد الله بن عيسى بن عبد الله بن محمد بن محمد بن هبة الله بن علي بن أبي عيسى، واسمه الفضل بن إبراهيم ...... لنفسه بمدينة السلام غربيها:[من الخفيف]

كلَّما جاءني كتابك أبدى

لي فنًا من السُّرور غريبا

وكأنِّي مواصل كلَّ يوم

بمواتاته بقلبي حبيبا

لم تشفني .........

..................

وأنشدني ما كتبه إلى بعض الفضلاء: [من الكامل]

صحبت ركابك حيث سرت ثلاثة

عز وتأييد ومجد معرق

وغدت تسايره السعادة والعلا

ويؤمه رأي أعزّ موفَّق

يا من به حسن الزمان

... عمرو العلا يتألق

ها أنت أرأف بالرعية من أب

وأخي منه على بنيه وأشفق

ان شيد .... الألى لكم علاً

فلما بنيت شدت منه أوثق

ص: 187

مجدك قد تضوّع في ....

وعلا بذلك ..... ومعرق

وأنشدني .... ما كتبه إلى مؤيد الدين أستاذ الدار العزيزة، وهو أبو طالب محمد بن أحمد بن علي العلقمي:[من الطويل]

وقد قالت الآمال لي قول صادق

شفيق نصوح في المقال مسدَّد

تمسَّك إذا ما الدهر ساءك فعله

...................... محمد

بأشرف أبناء الزمان خلائقًا

وأكرم فرع في العلاء ومحتد

ترد منهلاً عذبًا نميرًا ونائلاً

غزيرًا وجودًا غامرًا كلَّ مجتدي

وغير بديع أن ..........

......... نجل العلقمي المؤيد

إذا ما اقتنى الأقوام قوم فإنَّه

يرى الحمد أبقى من لجين وعسجد

وكتب لي ........... : [من البسيط]

....................

عضوًا سليمًا من الأوصاف والألم

ولم تدع في منيع العزّ جارحًة

جلبته من أذى الأوجاع والسَّقم

فلا تعدَّتك ألطاف الإله ولا

برحت من حادث الأيام في حرم

ولا وهى لك مجد لم تزل أبدًا

تشيده بجميل الصفح والكرم

ودمت يا خير من يرجى البقاء له

مؤيد ...... سائر الأمم

في دولة جعل الله الزمان لها

عبدًا وأبناؤه من أصغر الخدم

[237]

عبد الله بن علي بن سعد بن المرزبان، أبو جعفر الواسطيُّ.

شاب كيّس من أبناء المتصرفين بواسط وكبرائها، شاهدته لما انحدرت صحبة الأمير العادل ركن الدين أبي شجاع أحمد بن قرطايا –أدام الله تأييده- إلى بلاد البطائح التي أقطعه إياها أمير المؤمنين المستنصر بالله –رضوان الله عليه- وذلك في سنة تسع

ص: 188

وثلاثين وستمائة، اجتزنا بواسط، فورد عليه أبو جعفر بن المرزبان هذا مهنئًا بالقدوم، فاجتمعت به ساعة، وأنشدنا قطعًا من شعره، ولم يكن في الوقت سعة لأعلقها عنه، ورأيته شابًا فصيحًا، وسألته عن ولادته فقال: ولدت في صفر سنة تسع وستمائة، له يد في صناعتي النظم والنثر، وذكر لي أنه قد عمل عدّة كتب ليتقدم بها للديوان المستنصري، وأنه يفد في كلّ عام بتصنيف من تصانيفه إلى مدينة السلام فيخدم به المواقف المقدسة المستنصرية، فيثاب عليه جبّة وعمامة ومائة دينار، وصارت له رسمًا يتناوله في كل سنة، ومن كتبه "كتاب جواهر فصول البان في تفاخر فصول الزمان" يتكلم على الفصول الأربعة فيها على الربيع والأزهار والأطيار وعلى ألسنة بعضها بعض والمفاخرة بينهم، و"كتاب السعادة الفانية" يحتوي على أربع مجلدات، وقسّمه فصولاً أربع منها "كتاب العارف والغارف" وهو كتاب النور وما يتعلق به، و"كتاب اعتقاد .... " يفصح عن وصف الهواء وما يتعلق به، و"الكتاب السائح والصالح" و"كتاب الراغب والراهب" و"كتاب معادن الحكم الفكرية في محاسن القيم المستنصرية" و"كتاب ...... إمام العصر" و"كتاب المفاتح الفطرية في المدائح المستنصرية".

ثم شاهدته مرة ثانية بمدينة السلام مطالبًا برسمه في الديوان المستنصري، وعاقني عن ذلك ..... قوله:[من الطويل]

................... أنين

ولواعج موصولة وحنين

وإلى مغاني الغانيات بواسط

قلب ......... شجى وشجون

يا ساكني بطن العقيق تعطَّفوا

فالقلب في أسر الغمام رهبن

............... ترزي به

نزلت ركائبكم .............

يشنِّف قلبي حبّكم فكأنَّه

ليلى وحبَّة قلبي المجنون

ص: 189

[238]

عبد الله بن محمَّد بن إبراهيم بن الحسن بن عبد الله، أبو محمَّد الموصليُّ المعروف بابن الكردية:

شاب كيّس خطير، اشتغل بشيء من الطبّ وتفقّه، وعنده فضل وسيرة، منحوس الحظّ من زمانه ذو فاقة وفقر.

أخبرني أنَّه ولد بالموصل في سنة سبع وتسعين وخمسمائة، نبا به وطنه إلى الشام، فنزل بحلب، وأقام ببعض مدارسها مرتزقًا من ذلك من الوراقة، وربّما أنشأ أبياتًا امتدح بها الرؤساء، وفتح له بها مكتبًا يعلم فيه الصبيان، وقد تأكدت بيني وبينه معرفة.

أنشدني لنفسه ما كتبه إلى الوزير مؤيد الدينأبي نصر إبراهيم بن يوسف بن إبراهيم القفطي –أسعده الله تعالى: -[من الخفيف]

قلت للدَّهر ما الذي يصلح العا

لم إن حلَّ حادث يعتريه

قال: سعد السُّعود في فلك الإقـ

ـبال أعني مؤيد الدِّين فيه

كيف لا يطرق الزمان ارتياحًا

وله الأمن من فساد بنيه؟

بعلى الصَّاحب الذي ملك الفضـ

ـل .......... يوليه

سل به ماجدًا فما خاب من

... .... معه آمل يرتجيه

[239]

عبد الله بن محمَّد بن فتيان/ 129 ب/ أبو محمَّد الجزريُّ.

من أهل الجزيرة العمرية.

قد ذكرت والده في كتاب (تحفة الوزراء) المذيل على معجم الشعراء.

وابنه هذا كان شاعرًا مطبوعًا، ذا شعر رقيق، يغنّى بأكثره، وله في معز الدين

ص: 190

سنجر شاه بن غازي بن مودود بن زنكي بن آقسنقر، صاحب الجزيرة عدّة قصائد، ولم يقع إليّ من شعره إلاّ ما أنا ذاكره.

أنشدني الأمير الحاجب أبو المفاخر بدران بن فتوح بن سلطان العقيلي الجزري بحلب المحروسة قال: أنشدني عبد الله بن فتيان لنفسه ابتداء قصيدة:

[من الكامل]

صدَّ الأحبَّة واستباحوا جفوتي

ونأوا فصدَّ خيالهم عن مقلتي

وتعمَّدوا قتلي بغير جناية

واسحَّ يوم البين صيِّب عبرتي

يا سادتي وأعزَّ خلق الله في

قلبي وإن عمدًا أطالوا جفوتي

إن كان لا يرضيكم إلَاّ دمي

فالله فد أبراكم من ديَّتي

[240]

عبد الله بن أحمد [بن] محمَّد/ 130 أ/ بن قدامة بن مقدام بن نصر بن عبد الله، أبو محمَّد المقدسيُّ.

هكذا أملى عليّ هذا النسب حفيده بمدينة السلام. الشيخ، الموفق، الفقيه.

ولد سنة ثلاث وأربعين وخمسمائة، سمع الحديث ببغداد من أبي الفتح بن

ص: 191

البطّي، ويحيى بن ثابت، وتفقه بها على مذهب الإمام أحمد –رضي الله عنه:

وعاد إلى دمشق، وصنّف، وحدث، وانتفع به خلق كثير، وتوفي بها يوم عيد الفطر سنة عشرين وستمائة، ودفن من الغد بجبل قاسيون –رضي الله عنه.

وكان إمامًا ثقة، قارئًا دينًا، تاليًا لكتاب الله تعالى، صاحب كرامات ظاهرة، وكان مفتي زمانه على المذهب الأحمدي بالشام.

ومن تصانيفه كتاب: "الانتصار في أسماء الأنصار"، وكتاب "التبيين في أسماء المهاجرين"، وكتاب "الكافي في الفقه"، معلل، وكتاب "المغني"، أيضًا في الفقه، وكتاب "المقنع"، وكتاب/ 130 ب/ "العمدة"، وكتاب "التوّابين"، وكتاب "مختصر غريب أبي عبيد القاسم بن سلام".

وله أشعار، كان ينظمها على طريقة أهل المعرفة، وذويي الأحوال، أنشدني أبو العزّ المفضل بن علي بن عبد الواحد المصري قال: أنشدني الشيخ الموفق لنفسه:

[من الطويل]

ابعد نزول الشّيب أعمر منزلاً

سوى القبر إنّي إن فعلت لأحمق! ؟

يخبرني شيبي بأنِّي ميِّت

وشيكًا وينعاني إليَّ فيصدق

يخرِّق عمري كلَّ يوم وليلة

فهل مستطيع رفو ما يتخرَّق؟

إذا سئلوا عنِّي أجابوا واعولوًا

وأدمعهم يجرين هذا الموفَّق

وشالوا سريري ثمَّ ساروا فأسرعوا

ونودي ألَاّ تعجلوا وترفَّقوا

وغيِّبت في صدع من الأرض ضيَّق

وأودعت لحدًا فوقه اللّبن مطبق

ص: 192

ويحثو على الترب أوثق صاحب

ويسلمني للدُّود من هو مشفق

فيا رب كن لي مؤنسًا يوم وحدتي

فإنِّي بما أنزلته لمصدِّق

مقرُّ بأنِّي ذو ذنوب كثيرة

أسير الخطايا بالإساءة موثق

وما لي سوى معروف رِّبي وجوده

وما لي إلَاّ فضله متعلَّق

/ 131 أ/ وما ضرني أنِّي إلى الله صائر

ومن هو من أهلي أبرُّ وأرفق

وأنشدني قال: أنشدني الإمام الموفق أبو محمد لنفسه: [من الوافر]

أتغفل يا ابن أحمد والمنايا

سوارع يختر منك عن قريب! ؟

أغرَّك أن تختطَّتك الرَّزايا

فكم للموت من سهم مصيب؟

كؤوس الموت دائرة علينا

وما للمرء بدٌّ من نصيب

إلى كم تجعل التَّسويف دأبًا

أما يكفيك إنذار المشيب؟

أما يكفيك أنَّك كلّ حين

تمرُّ بقبر خلٍّ أو حبيب

تسرُّ بما أطعت الله فيه

وتحزن من مفارقة الذُّنوب

وأنشدني قال: أنشدني أبو محمد لنفسه: [من البسيط]

لا تسأل النَّاس وأسأل رازق النَّاس

فاليأس منهم غنى فاستغن باليأس

واسترزق الله ممَّا في خزائنه

فإنَّ رَّبك ذو فضل على النَّاس

فليس للنَّاس ظن يعطوك خردلًة

ولا يعيذوك من فقر وإفلاس

وأنشدني قال: أنشدني لنفسه: [من الكامل]

/ 131 ب/ حذفوك حين أردت منهم شركًة

وقلوك لمّا صرت صاحب حاج

وتنكَّرت أخلاقهم ووجوههم

فعل البخيل لرؤية المحتاج

لا تطلبنَّ إلى لئيم حاجًة

إلاّ لكي تلقاه بالإزعاج

فلعلَّ روعته تكون مثوبًة

لمروِّعيه بلحَّة ولجاج

وأنشدني قال: أنشدني لنفسه يرثي ثلاثة نفر من بعض أهله: [من البسيط]

مات المحبُّ ومات العزُّ والشَّرف

ثلاثة سادة ما منهم خلف

ص: 193

ما ودَّعوني غداة البين إذ ظعنوا

بل أودعوا قلبي الأحزان وانصرفوا

شيعتهم ودموع العين جارية

لبينهم وفؤادي حشوه أسف

أكفكف الدَّمع من عيني ويغلبني

وأحضر الصَّبر في قلبي فينصرف

فقلت ردُّوا جوابي أوقفوا نفسًا

رفقًا عليَّ فما ردُّوا ولا وقفوا

أحباب قلبي ما هذا بعادتكم

ما كنت أعهد هذا منك يا شرف

قد كنت تعظم تبجيلي ومنزلتي

وكنت برًا شفيقًا فوق ما أصف

وكنت عونًا لنا في كلِّ حادثة

تظلُّ أحشاؤنا من همِّها تجف

وكان جودك مبذولاً لطالبه

جنح اللَّيالي إذا ما أظلم السَّدف

/ 132 أ/ وكنت عونًا لمسكين وأرملة

وطالب حاجًة قد جاء يلتهف

وللغريب الذي قد مضَّه سغب

وللمريض الذي قد شفَّه الدَّنف

وكنت تقضي حقوق النَّاس كلهم

من قد عرفت وممَّن لست تعترف

وكم فقدنا بموت العزِّ منقبًة

فيه لهم غرف من فوقها غرف

فيها مع الحور والولدان تحسبهم

لآلئًا شقَّ عن أنوارها صدف

وله، وذكر أن البيت الثالث يظنه أنه لابن سناء الملك:[من الطويل]

خليليَّ عوجا بارك الله فيكما

على منزل بين المغارة والكهف

ومن دير مرَّان ودار بن واصل

إلى جبل الصُّوان أو بركة الجرف

محل ترى دمعي إذا ما ذكرته

لفرط اشتياقي نحوه دائم الوكف

غدا الدين والإسلام غضّا كأنَّه

على زمن الفاروق أو كاتب الصَّحف

به سرِّح الإسلام علمًا وسنَّة

ودينًا ومعروفًا وردَّا إلى العرف

وله وهي المسألة الأكدرية: [من البسيط]

ماذا تقولون في ميراث أربعة

أصاب أكبرهم جزءًا من المال

ونصف ذلك للثاني ونصفهمًا

لثالث ترب للخير فعَّال

ص: 194

/ 132 ب/ ونصف ذلك مجموعًا لرابعهم

فأخبروني فهذا جملة الحال

وقال وهي أيضًا مسألة: [من الرجز]

ماذا يقول السَّادة الأفاضل

في أربع من نسوة حوامل

تقول إحداهنَّ إنِّي إن ألد

بنتًا فما لي ولها من حاصل

وإن ولدت ابنًا ورثنا ثلثًا

في قول كلِّ عالم وقائل

وقالت الأخرى أنا بعكسها

إن جئت بابن لم نفر بطائل

وإن ألد بنتًا ورثت معها

يروح ثلثانًا بسدس عائل

وجاءت الأخرى بقول ثالث

يعلمه العالم بالمسائل

إن تلك لي بنت ورثت دونها

والابن يحوي الكلَّ بالدَّلائل

وله جوابها: [من الزجر]

أمّا لَّتي قالت ورثنا ثلثًا

فابنة ابن ذات عقل كامل

وزوجها ابن عمِّها وجدُّها

قد مات عن بنتين بالأصائل

وإن تمت جدَّتها أم جدُّها

عنها وعن زوج شريف فاضل

وخلَّفت بنتًا وأمًا وأبًا

فهذه ثانية المسِّائل

وابن ابنها قد كان قبل موته

وموتها زوجًا لهذي الحامل

/ 133 أ/ وإن تكن معتقة تزوَّجت

أخًا لمولاها بمهر عاجل

ومات مولاها وكانت حاملاً

فإنَّها آخر قول السَّائل

وقال في منازل القمر: [من الطويل]

فنطح وبطن والثُّريّا ومجدح

وهقع وهنع والذِّراع ونثره

وطرف محيط والحران وصرفه

وعوَّاء يتلوها السِّماك وغفره

زباني وإكليل وقلب وشولة

نعائم بلدان وسعد ونحره

وسعد وسعد ثمَّ سعد وفرغه

وفرغ وحوت ناضب عنه بحره

وله أيضًا فيها: [من الطويل]

فللنطح غفر والزَّبانى لبطنه

وللنَّجم إكليل وللقلب مجدح

وللهقول شول والنَّعائم هنعة

ذراع بلاد نثره السعد يذبح

ص: 195

وللطَّرف سعد ثمَّ سعد لجبهة

وللَّزبر سعد صرفه الفرغ تفتح

وآخر للعوّاء والحوت سامك

فدونكها إن كنت بالفهم تسمح

وله في معرفة ما يتوسط من المنازل وقت الصبح في كل شهر: [من الطويل]

لغرَّة آب يصبح النطح واسطًا

وسابع عشر للبطين التَّوسُّط

/ 133 ب/ وفي سلخه تعلو الثريا بوسطه

ومجدح في نصف لأيلول يسقط

وفي عشره الثَّاني الذِّراع وبعدها

إلى السَّبع في الثَّاني لنثرة مهبط

وفي سلخه للهقعة الوسط منزل

وفي عشر تشرين لهنعة مسقط

وفي نصفه طرف وتصبح جبهة

لخمس وعشرين خلت تتوسَّط

وزبرة في خمس لكانون ترتقي

وفي النِّصف منه صرفة تتمعَّط

وفي سلخه العوَّاء ثمَّ سماكها

إذا العشر في الثَّاني خلت تتثبَّط

وللغفر في العشرين منه توسُّط

ويأتي الزَّبانى سلخه يتمطَّط

وثالث عشر من شباط محلُّه

لأكليل في وسط السَّماء ومهبط

وللقلب من عشرين منه توسُّط

وفي العشر من آذار شولة أوسط

وفي العشر من نيسان تأتي نعائم

وبلدة في العشرين منه توسَّط

وفي خمس أيّار توسُّط ذابح

وتاسع عشر سعده المتوسِّط

حزيران في خمس توسُّط سعده

وفي نصفه السَّعد الأخير الموسَّط

وغرَّة تموُّز لفرع ونصفه

لفرغ يسحُّ الماء إن كنت تضبط

وفي خامس العشرين للحوت مسبح

ألا إنَّ حفظ العلم للدِّين أحوط

وأنشد عبد الكريم بن منصور الباوشناوي/ 134 أ/ قال: أنشدني أبو محمد لنفسه: [من الرجز]

إصبر من الدَّهر على ضراره

ما الدَّهر للإنسان باختياره

لابدًّ من تجرُّع المكاره

وإن صحبت صاحبًا فداره

ص: 196

ولا تشاققه ولا تماره

وإن رأيت سيِّئًا فواره

وأنشدني قال: أنشدني أبو محمد لنفسه: [من المجتث]

طلبت منك سواكا

وما أردت سواكا

وما أردت أركا

لكن أردت أراكا

[241]

عبد الله بن الحسين بن عبد الله بن الحسن، أبو البقاء النحوي:

الأديب، الفقيه، الحنبلي، المصنف، الحاسب، البغدادي المولد والمنشأ، العكبريّ الأصل.

كانت ولادته ببغداد في سنة ثمان وثلاثين وخمسمائة، وتوفي بها ليلة الأحد، ثامن ربيع الآخر سنة ست عشرة وستمائة، ودفن غربيّها، بباب حرب –رحمه الله تعالى-.

أخذ النحو عن شيخه أبي محمد عبد الله بن أحمد ابن الخشاب النحوي،

ص: 197

/ 134 ب/ وعليه كان يعتمد في علم النحو، وكان إمامًا في الفقه فرضيًا حاسبًا قارئًا شيخ وقته فيي علم الأدب واللغة والإعراب لفنون من العلوم. وله من التصانيف الأدبية شيء كثير ما شهد بفضله منها: كتاب "المصباح في شرح الإيضاح" لأبي علي الفارسي النحوي، وكتاب "المتبع في شرح اللمع" لأبي الفتح بن جنّي النحوي، وكتاب "التلقين" في النحو، وكتاب "اللباب في علل البناء والإعراب"، وكتاب "البيان في إعراب القرآن"، وكتاب "المنثور المعلم" وهو ترتيب إصلاح المنطق على حروف المعجم، وكتاب "إعراب الشواذّ"، وكتاب "متشابه القرآن" في الجدل، وكتاب "الناهض في الفرائض"، وكتاب "بلغة الرائض في الفرائض"، وكتاب "التلخيص في الفرائض"، وكتاب "الاستيعاب لأنواع/ 135 أ/ الحساب"، و"مقدمة في الحساب"، و"شرح الحماسة"، و"شرح الفقه"، و"شرح سيبويه" و"إعراب الحماسة". [و]"الإفصاح عن معاني أبيات الإيضاح" شرح أبيات سيبويه على حروف المعجم، و"تلخيص كتاب الشعر لأبي علي الفارسي"، "الترصيف في التصريف"، كتاب "المحصل في إيضاح المفصَّل"، "نزهة الطرف في إيضاح قانون الطرف"، "الإشارة في النحو"، "التلخيص في النحو"، "تهذيب اللسان" شرح بعض قصائد رؤبة وبه مسائل الخلاف في النحو، "العروض" معلل، "تلخيص التنبيه في إعراب الحمساة" لابن جنّي، كتاب "العروض"، كتاب "القوافي"، كتاب "المرام في نهاية الأحكام"، "شرح البداية" لم يتمّه، "المنتخب من المحتسب" لابن جنّي، "شرح الخطب النباتية"، "تفسير القرآن"، "عدد آي القرآن". / 135 ب/ وكتاب "الجدل"، وكتاب "شرح ديوان أبي الطيب المتنبي"، وكتاب "في الجبر والمقابلة"، وهو مقدمة، و"شرح المقامات الحريرية" شرحًا مختصرًا، وإلى غير ذلك من المشروحات والمؤلفات.

وكان قليل الإلمام بقول الشعر، أنشدني أبو الحسن علي بن عدلان بن حماد النحوي الموصلي، قال: أنشدنا شيخنا أبو البقاء عبد الله بن الحسين النحوي

ص: 198

لنفسه، وكتبه إلى الوزير نصر الدين أبي منصور ناصر بن مهدي العلوي، وكان حينئذ وزير الإمام الناصر لدين الله أبي العباس أحمد –رضي الله عنه:

[من الخفيف]

بك أضحى جيد الزَّمان محلَّى

بعد أن كان من حلاه مخلّى

لا يجاريك في نجاريك خلق

أنت أعلى قدرًا وأعلى محلاً

دمت تحيي ما قد أميت من الفضـ

ـل وتنفي فقرًا وتطرد محلا

وكتب إليه بعض الفضلاء هذه الأبيات، وسأله الجواب عنها وهي:

[من مخلع البسيط]

/ 136 أ/ مرَّ بنا شادن فقلنا

ما الاسم يا أيُّها الغزال؟

فقال ثلث ثمان عشر

تضرب في مثل ما يقال

تجعل آحادها حسابًا

ويجبر النَّاقص الكمال

فبينوه فمثل هذا

يعجز عن كشفه الرِّجال

فأجابه أبو البقاء: [من مخلع البسيط]

يا حاسبًا ماله مثال

عوَّضت واستعجم السُّؤال

إنِّي أرى ما سألت عنه

مبيَّنًا ما به اعتلال

الاسم عيسى بمقتضى ما

ذكرت فيلفهم المقال

تسعين فاعدد حروف عيسى

من بعد ستِّين والكمال

هذا جواب له اتِّجاه

وغير هذا له محال

ص: 199

[242]

عبد الله بن أحمد بن عليٍّ بن محمَّد بن أحمد بن عليٍّ، أبو محمَّد العلويُّ الحسنيُّ.

وقد مر نسبه مستوعبًا عند ذكر ابنه أحمد، كانت ولادته بكزبرا من نواحي الموصل، رأيت من أشعاره عدة قصائد بخطه.

/ 136 ب/ أنشدني ولده أبو عبد الله الحسين قال: أنشدني [والدي] ابتداء كلمة لنفسه: [من الكامل]

خلِّ ادِّكاء معاهد ومغاني

وبنات كرم عتِّقت بدنان

ومدَّبج من روضًة سحَّ الحيا

فسقاه بعد النصف من نيسان

فتفتَّحت أزهاره وتكاملت

أنواره وطوافح الغدران

ومعدِّدات في الغصون يميلها

نفس الصَّباح إمالة النَّشوان

تنسيك أصوات الحداة ومعبدًا

وغناه مع إسحق الهمذاني

ومهفهف حلو الشَّمائل مترف

يسبي بطرّته فؤاد العاني

يعطي ويمنع بل يميت ومثله

يردي الصَّحيح بأسهم الأجفان

ومزاهر تشجي وقد عبثت بها

لمدار كاسات بنان أغاني

ومدامّة ذهبيَّة من مثلها

سكبت إلى كاس من العقيان

شبَّت وشابت ثمَّ شيبت مرًة

ماًء فأحيت أنفس الشُّبان

وإذا حسا منها الوقور ثلاثًة

نبذ الوقار وباح بالكتمان

وخذ السَّيل عن العقيلة بالحمى

وذر المها وجاذر الغزلان

[243]

عبد الله بن أحمد بن عليِّ بن عبد الله/ 137 أ/ بن الحسين بن عليِّ بن محمَّد بن يعقوب بن الحسين بن عبد الله المأمون بن الرَّشيد هارون بن المهديِّ محمَّد بن المنصور

ص: 200

عبد الله بن محمَّد بن عليِّ بن عبد الله بن العبَّاس بن عبد المطَّلب، القاضي أبو محمَّد بن أبي العبَّاس البغداديُّ:

كان والده قاضيًا بأعلى دجيل، وكان من أئمة المسلمين، وعلماء الإسلام، وابنه هذا كان مولده سنة ثمان وأربعين وخمسمائة، وتوفي في المحرم سنة وعشرين وستمائة.

بالغ والده في تخريجه، وتعليمه، وتهذيبه، وأحضره مجالس علماء ذلك الزمان، وحفظ القرآن الكريم، وقرأ للعشرة أجمع على الشيخ أبي الحسن علي بن المرحب البطائحي الضرير، وكتب الخط المليح، وتردد إلى مشايخ ذلك الوقت، لقراءة علم العربية والنحو والأحاديث، منهم أبو محمد عبد الله بن أحمد ابن الخشاب النحوي، وأبو محمد إسماعيل بن موهوب بن الخضر بن محمد بن الجواليقي، وأبو الفضل أحمد بن شافع، وجماعة سواهم، من أعيان هذا العلم، والمحدثين، وقرأ كتبًا كثيرة أدبية وشعرية، ولقي مشيخة كثيرة.

وكان متيقظًا/ 137 ب/ عارفًا، ذا فهم وفطنة، ومن شعره ما كتبه إلى زعيم الدين صاحب المخزن، يتشفع له إلى أبي المعالي أحمد بن عبد الغني بن محمد بن حنيفة الباجسري، ليقرأ عليه كتاب الجمهرة لأبي بكر محمد ابن الحسن بن دريد

ص: 201

الأزدي، وكان ابن حنيفة قد تفرد بروايتها، وأحد من بقي من رواتها:[من الوافر]

قصدت فناك فاشفع لي بقول

إلى ابن حنيفة إن كان خاما

فأنعم لي لتحظ بشكر عبًد

وليٍّ ما يزال وقيت ذاما

فوعده بنجاز ذلك، فتمادى الأمر لكثرة مهامّه، فعاوده التذكار بأبيات منها:

أهزُّ عطفك لا آلو لتنجز لي

وعدًا تبيَّنت أنَّ النّجح في خلله

فانعم وجد وتقدم واقض وامض ومر

فالعبد منتظر ما راح في أمله

وذا الكتاب فهذا الشَّيخ منفرد

به وليس سواه اليوم في شغله

فأحسن الوعد، وتمادت الحال أيامًا، وراسل ابن حنيفة في ذلك فماطل فكتب أبياتًا في ذلك منها:[من الطويل]

/ 138 أ/ تقدَّمت لي طولاً بحسن شفاعة

وأوليتني نعمى تجلُّ وتعظم

فخفَّض فيها من أشرب بقصده

وقد وهن الأمر الذي ليس يبرم

فعزِّز بأخرى يا كريمًا وماجدًا

فمثلك يا مولاي في الخير يقدم

وليس سوى أن يحضر ابن حنيفة

فيؤمر جزمًا فالمطاع التَّقدُّم

فلهنة عمر الشَّيخ فرصة مغنمي

يبادرها الشَّادي الحصيف المحزَّم

فأنعم وحقِّق في الشَّفاعة موعدي

فإنِّي بحبِّ العلم صب متيَّم

ودافع ابن حنيفة، وتعلل بأسباب وأحوال، واعتذر عن التصدي لقراءة الكتاب، وقال في جملة قوله: إنَّ أرتق بن سليمان قد قرر قراءة الكتاب عليه في داره، فيكون معه، فعرض بأبيات منها:[من التقارب]

دفاع الحنيفيِّ يرجو به

سكوتي عن نوبة الجمهرة

ولست ونعماك يا ماجدًا

أنكَّب عن ذاك أو يقدره

فأنَّي وكيف ومن أين لي

سواك ييسِّر ما عسَّره؟

ون تعط وعدًا فلا تسمعن

فأقواله كلها مقصره

ص: 202

/ 138 ب/ وكلُّ مواعيده هكذا

بخطٍّ ولكن بلا مسطره

لئن كان يرغب في درهمي

فوالله ما لي سوى المحبره

..... قد براها الشِّتاء

وهذي الخميسية المدبره

وقرص ....... فمن أين لي

وأدم فهيهات أن أبصره

فعاود ابن حنيفة في ذلك، وهو مصر على الاعتذار، طال الزمان في الترداد، فأذكره بأبيات منها:[من البسيط]

قد حان للعبد أن يدعى بما وعدا

ومن يفز بفعال الحرِّ قد سعدا

مولاي طال خطابي والزَّمان عدا

والشَّيخ مغتنم ما في المنون غدا

فجلس الزعيم في مجلسه، واستدعى ابن حنيفة، وجزم عليه، ورتب الأديبين أبا العز محمد بن مواهب بن الخراساني، وكان من كبار الأدباء العلماء في العربية والنحو والأشعار، وعلت سنّه فيه، ولقي مشيخة كثيرة وتفرّد في فنّه ومصنفاته، ومهذب الدين أبا الحسن علي بن عبد الرحيم/ 139 أ/ بن الحسن بن عبد الملك بن إبراهيم السلمي البغدادي المعروف بابن العصّار اللغوي، وكان من أئمَّة اللغويين والأدباء، ورؤسائهم وثقاتهم، وكانا يقابلان مع عبد الله بن أحمد القاضي كتاب الجمهرة، فبيد أبن الخراساني أصل ابي منصور الجواليقي، وبيد ابن العصار أصله، وبخطه الذي عارض به أصل ابن خروف، وكانت نسخ أخر بيد من يحضر القراءة من الأدباء، واستقرأه زعيم الدين الجزء الأول بين يديه، فعجب من قراءته، وفهمه، وفطنته، ومعرفته بالكتاب، فحينئذ أمره بقراءته.

ص: 203

وكان قليلاً ما يفتقر إلى تسديد وتثقيف لما فيه من الهمة واليقظة، وكان يقرأ في كلّ مجلس جزءًا قوامه عشرون قائمة، في كل صفحة سبعة وعشرون سطرًا وكل سطر لا يخلو من عشرين كلمة، يهذّ ذلك هذًا فإذا أتاه ما يشكل عليه معناه وإعرابه ولفظه، توقف، وتفهم، وحشاه على هامش الكتاب، بخط ابن العصار، وأثبته بخطه في ورقة.

وكان في كل يوم على الدوام مستمرًا على القراءة، فانقطع يومًا لغيث هطل، فأرسل الزعيم بالاستيحاش له، فلما جاء من الغد، كتب إليه بديهًا:[من المتقارب]

/ 139 ب/ لسيل الغيوث ودرِّ السُّحب

قطعت المجيء اعتماد الأدب

وأخَّرت ذلك في أمسنا

وبكَّرت يومًا لما قد وجب

فأحضر [عبد الله] وقرأ، ولم يزل على ذلك حتى دخل شهر الصيام، واستوعبت بطالته من القراءة عشر أيام، وابن حنيفة لا يحضر، وإذا روسل بأعوان زعيم الدين، يعتذر، فحضر عبد الله عند الزعيم، وأنشده أبياتًا على سبيل الدعابة، منها:

[من المتقارب]

تقارب من شهرنا نصفه

وابن حنيفة ما يحضر

وفي كلِّ يوم يصدُّ الغلام

ويعرض عنه ويستعذر

يقول كبير وهذا الصِّيام

فلا يد فيه لمن يفطر

وثمَّة لحم فمن أين لي

فحيلي إذا لم يكن، مدبر

فدَّبره العبد في أمره

بأشياء فيها الذي يؤثر

يكون نزيلي فإنِّي به

عن الخلِّ والبقل ما أقصر

وعندي قصبان في خلِّه

غريق كثير ومستعزر

وإن شاء ريحان أخلق به

يضاهيه في طعمه السكَّر

وإن شاء كامخنا بالكشوك

وإن شا فكا مخنا الأحمر

/ 140 أ/ وفي هرطمان لنا رونق

وماش وسلق لنا أخضر

كان زعيم الدين، شريف النفس، هشا إلى المكارم.

ص: 204

[244]

عبد الله بن موسى بن عبد الله، أبو محمَّد الشَّاطبيُّ البونتيُّ.

وبونت حصن شرقي شاطبة.

كان شاعرًا، متأدبًا، حافظًا للقرآن الكريم، فقيهًا على مذهب الإمام مالك بن أنس –رضي الله عنه، وله شعر مليح.

أنشدني أبو محمد عبد الله بن موسى البونتي لنفسه، في أبي الحسن علي بن حريق الشاعر بمدحه:[من الخفيف]

ما حبيب أو الوليد إذا ما

صغت من جوهر القريض نظاما

لم نخل في الأنام قبلك شخصًا

فكره بالنُّهى يصوب غماما

إنَّما أنت في البلاغة فذٌّ

وأرى من سواك فيها سواما

لك في الكيمياء سرٌّ عجيب

فتَّ فيه الورى فصرت إماما

تنفث القول من جنانك سحرًا

يستفزُّ الحجى فيدعى كلاما

[245]

عبد الله بن مسلمة بن عبد الله/ 140 ب/ أبو محمَّد الشاطبيُّ:

كان من أعيان أهل شاطبة وفضلائها المشتهرين بالفضل والآداب، شاعرًا فقيهًا، مترسلاً.

أنشدني عبد الله بن مسلمة لنفسه، في عامل جائر، له ولد جميل حسن الصورة:

[من المتقارب]

غدا جور موسى وجور ابنه

على كلِّ خلق بدا أو حضر

فهذا يجور بسمر اليراع

وهذا يجور ببيض الحور

ص: 205

وأنشدني لنفسه: [من الخفيف]

أشبهت وجهك الغزالة حسنًا

وحكاك الغزال طرفًا ولينا

ووليت الجمال ملكًا عظيمًا

فتوليت معرضًا إذ ولينا

[246]

عبد الله بن أحمد بن عليٍّ، أبو محمَّد الإسعرديُّ الرُّبعيُّ، المعروف بابن زهراء:

وهي أمّه، لا يعرفه الناس إلَاّ بها.

كان شاعرًا ماجنًا، ظريفًا، قيِّمًا بعلم النحو واللغة، مجيدًا في الشعر، ذا بديهة في النظم جيّدة، وكان متصلاً بالملك الصالح أبي الفتح محمود بن/ 141 أ/ محمد بن قرا أرسلان بن أرتق، صاحب آمد، وبعده لولده الملك المسعود مودود.

أنشدني الخطيب أبو النجاة ذو النون بن أحمد بن محمد بن فضلان المعدني –من معدن خلاط- قال: أنشدني عبد الله بن أحمد بن زهراء لنفسه يمدح الملك الصالح ناصر الدين أبا الفتح محمود صاحب آمد من قصيدة أولها: [من البسيط]

لو كان يخطر سلوان بخاطره

خبا تضرُّم وجدي في ضمائره

نهوه عنكم ليسلوكم فزاد لكم

ذكرًا فناهيه عنكم مثل آمره

صبٌّ تدلَّه حتَّى بات عاذله

لديه من خيره فيه كعاذره

من لي بعذب اللَّمى مرِّ الضُّدود رشا

حلو الشَّمائل ساجي الطَّرف ساحرة

جذلان نام خليًّا ملء مقلته

عن ليل أسوى الليل ساهره

يحدِّث الشَّهد عمَّا في مراشفه

حديث بابل عمَّا في محاجره

لا يشرق البدر إلَاّ تحت طرَّته

ولا يرى اللَّيل إلَاّ في غدائره

أحمُّ يحمي بعينيه حمى بلد

له خفارة باديه وحاضره

تستبشر الشَّمس إن مرَّت بطلعتًه

تباشر الدِّين في أيام ناصره

/ 141 ب/ وأنشدني قال: أنشدني الدِّين في أيام ناصره

/ 141 ب/ وأنشدني قال: أنشدني لنفسه: [من المنسرح]

ص: 206

ذا العضب من مقلتيك من شهره

والورد في وجنتيك من نثره

يا غصنًا ناعمًا يحركه

كلُّ نسيم وليس من شجره

وفاتر الطَّرف في لواحظه

سحر يقوِّي عزائم السَّحره

إن تنكره أنَّه أراق دمي

قفوا انظروا خدَّه تروا أثره

في غاية اللِّين واللَّطافة لو

مرَّ نسيم الصَّبا به عقره

تحسبه الخمر في الزُّجاج وقد

أزانه فرط رقَّة البشره

يعشقه كلُّ من يراه فلا

يحبُّه واحد ولا عشره

وأنشدني قال: أنشدني من شعره: [من الكامل]

لو كنت أسمع فيك لومة لائم

ما رحت عنك بقلب صبٍّ هائم

من كابد اللَّيل الَّذي كابدته

أطوي على الزَّفرات فيه حيازمي

بأبي ظلوم كلَّما حاكمته

أودت لواحظه بعقل الحاكم

نشوان من خمر الدَّلال يهزُّه

مرح الصِّبا هزَّ القضيب النَّاعم

خافوا عليه أذى العيون فعوَّذوا

أعطافه بقلائد وتمائم

عقدت يمين السِّحر في أجفانه

عقدًا يحلَّ به عقود عزائمي

/ 142 أ/ يا ذا الصَّبابة كيف تطلب رحمًة

ممَّن كلفت به وليس براحم

أتريد أخذ الثأر من رشأ له

عين يريق بها دماء ضراغم

لا تبرزنَّ إذا برزت لحربه

في مأزق إلَاّ بشكَّة حازم

وتوقَّ صارم مقلتيه فقد ترى

ما حلَّ بي منه وكان مسالمي

وأنشدني قال: أنشدني لنفسه: [من الطويل]

صدودك يا من لا يطاق له صدُّ

دليل على أن ليس عندك لي ودُّ

أصبر عنك النَّفس وهي لجوجة

ولا صبر عمَّن ليس من وصله بدُّ

هواك هوان والنُّفوس تحبُّه

هو السُّمُّ إلَاّ أنَّ أوَّله شهد

مزحت لحتفي في هواكم ولم أكن

عليمًا بأنَّ المزح آخره جدُّ

أعيدوا زمان الأنس إن كان راجعًا

وردُّوا الصِّبا إن كان يمكنكم ردُّ

وإن كان بعد الدَّار غيَّر ودكم

فعندي ودُّ لا يغيِّره البعد

فصمتم عرى العهد الذي كان بيننا

وخنتم ومثلي لا يخان له عهد

ص: 207

أراد العدا التَّفريق بيني وبينكم

فنالوا غداة البين فوق الَّذي ودُّوا

رحلت وقد خلَّقت في عرصاتكم

فؤادًا أذابته الصَّبابة والوجد

خليليَّ من نجد هل الدَّهر راجع

فيجمعنا –فيما نسرُّ به- نجد؟

/ 142 ب/ سمحت بما عندي لكم وبخلتم

وأهديت أشواقي إليكم ولم تهدوا

دياركم لا أرض نجد مرامنا

ونشركم المطلوب لا الشِّيح والرَّند

ومن بعض غيِّ النَّفس في الحبِّ أنَّها

تظنُّ بأن الغيَّ من فعلها رشد

ودون الكثيب الفرد من رمل عالج

غزال بديع في ملاحته فرد

له من ظباء البيد جيد ومقلة

وبعض غصون الخيزران له قدُّ

يقصِّر عن الحاظه سحر بابل

ويخجل من توريد وجنته الورد

وقد ملكته دولة الحسن دولًة

معظمًة يعنو لها الحرُّ والعبد

وقال أيضًا: وأنشدنيه ذو النون عنه: [من الرمل]

لجَّ فيض الدَّمع ف تخديد خدِّي

والحَّ الوجد إلحاح المجدِّ

وتصدَّى لتلافي رشا

بابليُّ يا له من متصدِّي

أين في رامة ريم مثله

لا ولا يسبح في آرام نجد

وعذار دب في سالفه

كدبيب النَّمل في روضة ورد

سرد الحسن على جانبه

زرد العنبر في أحسن سرد

وتراءت فوقه من صدغه

عقرب سوداء من مسك وندَّ

/ 143 أ/ قمر يشرف في بوريَّة

وهلال يثني في ثني برد

فاتر الألحاظ ينضو طرفه

مرهف الخدَّين لمَّاع الفرند

صيَّرت صورته عشَّاقه

في أسار محكم من غير قيد

عنِّفوني في هواكم واجهدوا

جهدكم إن كان هذا اللَّوم يجدي

وأنشدني قال: أنشدني لنفسه ابتداء قصيدة: [من الكامل]

رفقًا فديتك بالكئيب الواله

فإلام أنت تزيد في بلباله؟

وعلام تقتل بالقطيعة والقلى

صبّا فداك بنفسه وبماله؟

لو كنت تعلم ما تجنُّ ضلوعه

لرحمته وحملت من أثقاله

يشكو إليك من الصَّبابة والأسى

سلوى العليل إلى العليم بحاله

ص: 208

وأنشدني الشريف أبو محمد الحسن بن محمد الزاهد الموسوي الشاعر البغدادي قال: أنشدني عبد الله بن زهراء لنفسه من قصيدة: [من الطويل]

هل الوجد إلَاّ أن أبيت مسهَّدا

ويضحي لذيذ النوم عنّي مشرَّدا

/ 143 ب/ أقلِّب قلبًا في لظى الحبِّ كلَّما

نسيم الصَّبا هبَّت عليه توقَّدا

ويجفو الكرى جفني وأهواه زائرًا

لعلِّي أرى من طيف علوه موعدا

وأنَّى يروم الطَّيف من بات ساهرًا

وأمسى بهجران الحبيب مهدَّدا

سألتكم ردُّوا لذيذ رقاده

فقد بات من فرط الصَّبابة مكمدا

سأطَّرح الأهواء إلَاّ هواكم

وأنشد بيت العاشقين مغرِّدا:

(إذا رمتم قتلي وأنتم أحبَّتي

فلا فرق ما بين الأحبَّة والعدا)

ومما نسب إليه أيضًا من الشعر قوله: [من الكامل]

بيني وبينك في المودَّة قدمة

مستورة عن علم هذا العالم

نحن اللَّذان تعارفت أرواحنا

من قبل جبل الله طينة آدم

وقال أيضًا: [من السريع]

كاتبتكم والدَّمع من مقلتي

يفيض فيض الوابل الماطر

حتَّى لقد أشفقت ممَّا جرى

من مائه الهامي على ناظري

فكيف أنسى سكنًا ما جرى

لغيره ذكر على خاطري؟

وقال أيضًا: [من الخفيف]

كادت الرُّوح أن تطير بجسمي

نحوكم من صبابة وغرام

/ 144 أ/ فثناها عن النُّهوض بعبء الـ

ـجسم ثقل من جوهر الأجسام

وقال أيضًا: [من الطويل]

بنفسي من أهدى إليَّ صحيفة

مكرَّمة مملوءًة حشوها نعمى

فتلن بها السؤال الذي كنت آملاً

وزادني الشوق الذي كان بني قدما

وقال أيضًا: [من الوافر]

أتاني منك مكتوب كريم

وجدت من البلاغة فيه أجزا

كتاب كلًّما عوَّلت أنَّي

أردُّ به أمسكت عجزا

ص: 209

[247]

عبد الله بن الحسن بن الحسين بن أبي الفتح بن الحسن بن أبي السِّنان، أبو محمد العدل الموصليُّ:

كانت ولادته فيما قرأته بخطه، ليلة الإثنين الثاني والعشرين من شهر صفر سنة اثنتين وثلاثين وخمسمائة بالموصل، وتوفي بها يوم الخميس ضاحي نهاره، رابع عشر ربيع الآخر سنة خمس وعشرين وستمائة، ودفن يوم الجمعة قبل الصلاة، ظاهر المدينة بين باب كندة وباب الجديد/ 144 ب/ -رحمه الله تعالى-.

ويعرف بابن الحدوس، وذكر لي ولده أبو منصور محمد أنهم من أولاد الأشتر النخعي.

وكان أبو محمد شيخًا جليلاً محترمًا عند القضاة والرؤساء، خدم العلم، وصحب الأعيان والأماثل من أهله، وكان لديه فضائل جمّة لا ينكرها من صحبه، وله مسجد بالموصل جميل، كان يتردد إليه فيه كبراء أهل الموصل، من ذوي النباهة، وأرباب الرتب العالية من أبناء الدين والدنيا، ويقصده من يرد من الغرباء من أهل العلم والخير، وذوي الحاجات، فيتعصب لهم ويجتهد في قضاء مآربهم، وحصول أغراضهم، وبلوغ أوطارهم.

وكان من ظرفاء العدول، وجيهًا عند الوجهاء، ذا ثروة ظاهرة، وسمع الحديث

ص: 210

الكثير، وتفرد بأسانيد عالية، وقرئ عليه الحديث والتفسير، وافاد الناس مدة حياته.

شاهدته عدة مرات، ولم أرزق أن أسمع منه شيئًا من شعره وشعر غيره، إلاّ أني استجزته، فأجازني جميع رواياته، وما يتعلق بها.

أنشدني أبو/ 145 أ/ عبد الله محمد بن عثمان بن أبي هندي الموصلي قال: أنشدني أبو محمد عبد الله بن الحسن لنفسه في النقيب شرف الدين أبي منصور محمد بن زيد بن عبيد الله الحسيني الموصلي، وقد بلغه أنه مريض ولم يعده:

[من البسيط]

مولاي يا شرف الدِّين الذي شهدت

بفضلكم محكم الآيات والسُّور

ويا ابن بنت رسول الله ما أحد

أحق منك بتفضيل على البشر

يا من سحائب كفَّيه إذا هطلت

تنوب في الجدب عن مثعنجر المطر

ومن إذا رمت أن أحصي مناقبه

أفضى بي الأمر عن عجز إلى الحصر

حاشا لمجدك من شكوى تعادلها

يا من تشكِّيه في سمعي وفي بصري

وأنشدني أبو البركات عليّ قال: أنشدني والدي لنفسه في مجاهد الدين قايماز الزيني: [من الكامل]

ما كان تركي ضمَّه وعناقه

عند اللِّقاء تجنُّبا وملالا

لكنِّني أعظمته لمَّا بدا

وتركت ذاك لقدره إجلالا

[248]

عبد الله بن المختار/ 145 ب/ بن محمَّد بن شريف الزُّهريُّ، أبو الفتح، المعروف بابن قاضي دارا:

ص: 211

المقيم بديار مصر، وهو مشرف بدواوين قوص وأسوان، من قبل الملك الكامل ناصر الدين أبي المعالي محمد بن الملك العادل سيف الدين أبي بكر محمد ابن أيوب.

وهو شاعر مجيد، فاضل أديب، له مصنفات في علم الكتابة والترسل والشعر.

أنشدني خالد بن درباس بن يوسف الحميدي الكردي قال: أنشدني ابن قاضي دارا لنفسه: [من الرمل]

خلِّني من ذكر غيلان ومي

واطو عنِّي بالهوى أخبار طي

أنا مالي ولأيام الحمى

ما الحمى عندي ولا الجزع بشي

تلك آثار أناس درسوا

وطوتهم حادثات الدَّهر طي

هات بالله أحاديث الحمى

فهي أشهى من أحاديث لؤي

واسقني صهباء تبدو كأسها

فكأن النَّار تذكى يا أخي

من يدي معتدل القدِّ فإن

عطفته نشوة مال إلي

غربيٌّ عجميٌّ لفظه

أيَّما حسن تراه منه أي!

ص: 212

/ 146 أ/ فلقلبي فيه صبر دائم

وغرام فوق ما تعهد حي

ومنها يقول:

واستمع منِّ فإني شيخه

كلُّ من يقرأ عشقًا فعلي

[249]

عبد الله بن أحمد بن عبد الله بن محمَّد بن أبي بكر بن موسى بن حفص، أبو محمَّد بن أبي عمر الأنصاريُّ الأندلسيُّ الدانيّ:

شاب أسمر مربوع، كانت ولادته بدانية سنة إحدى وتسعين وخمسمائة، ونشأ بشاطبة شرقي الأندلس.

شاهدته بمدينة الموصل شابًا، تفقه على مذهب الإمام الشافعي –رضي الله عنه بالمدرسة البدرية –حرسها الله تعالى- ذكر أنه سمع الحديث كثيرًا بالأندلس، وحفظ كتاب الله تعالى، وله نظم ونثر، ويحفظ من أشعار الأندلسيين والرسائل والموشحات صدرًا جيدًا.

أنشدني لنفسه يمدح بعض أمراء العرب، واسمه موسى:[من الكامل]

عادت لحسن بهائها الأيَّام

واخضر عيش جادة الإنعام

/ 146 ب/ لمَّا بدت شمس الهمام المرتضى

وانلَّ من يمنى يديه غمام

ملك نمته للعلاء عصابة

قد حفَّها الإجلال والإعظام

وتهدَّلت أغصانها عن نبعة

حارت بوصف سنائها الأوهام

ص: 213

مختارة من عنصر بجلاله

عند الأذان يبيَّن الإسلام

فالمجد بدر والمعالي هالة

وبهاء موسى في سناه تمام

قرم بذكر مضائه وعطائه

أودي الضَّلال وقتِّل الإعدام

يغني ويحيي بالحسام وبالغنى

فبكفِّه عيش يرى وحمام

جمعت محاسنه كريم أرومة

وعميم علم زانه إعلاام

وأرت به الدنيا خلائف غيبت

تحت الصَّفائح منهم الأجسام

وأتت به آيات دهر عابس

غظَّى بهاء إياته الإظلام

والحرب قد شبَّت لنًا نيرانهًا

وأبيح فيها للدِّماء ذمام

فأزال مظلمًة وأطفأ كربًة

وجرت له في دهره الأحكام

عرف الخليفة فضله وغناءه

ومضاءه والنَّائبات جسام

فأعدَّه لسداد أمر معرض

قد حلَّ من أقطاره الإحرام

فغدا يضم الشَّمل بعد تفرُّق

ويزيل ضغنًا لا يكاد يرام

/ 147 أ/ بكلام صدق في النُّفوس مقرًّة

لمهابة هي في القلوب حسام

فالقلب قرطاس وسود ضمائر

نقش وأفكار الحجى أقلام

لم يختلف في معظم إلَاّ لكم

في جمعه الإسراج والإلجام

فالنَّصر يسرج خيلكم ويقودها

بزمام حزم عزمه الإقدام

وكأنَّ يوم قدومكم من حسنه

شمس ورعد مبرق وظلام

فالشَّمس منكم والرُّعود لجردكم

والبيض برق والظَّلام قتام

والنَّاس قد غضوا العيون مهابًة

وحداهم شوق لكم وهيام

جمعتهم الأشواق ثمَّ تفرَّقوا

لمهابة فيها يزلُّ شمام

فوهبتهم بالسّلم منهم أنفسًا

قد رام نهب كيانها الصَّمصام

وجعلتهم للدَّهر ثغرًا ضاحكًا

كالزَّهر يبسم عن سناه كمام

فالآن قرَّ السَّعد في أرجائه

وصفت من الأقذاء فيه جمام

[ورجوت من دهري قضاء مآربي

في نيل ما غلبت به الأيَّام

ص: 214

فأنال عزَّة رفعة ويضمُّني

وعد بكم للمكرمات ذمام

لازلتم والنَّصر من خدّامكم

وببابكم من آمليه زحام]

وأنشدني أيضًا لنفسه في كتاب ورد عليه من بعض أصدقائه: [من الطويل]

أتاني كتاب منكم فقرأته

وقرَّت به العينان وانشرح الصَّدر

فقرطاسه بدر وحالك نقشه

ظلام وشكل الأحرف الأنجم الزُّهر

/ 147 ب/ ومعناه أنفاس الرِّياح وقد وهى

نطاق من الجوزاء وابتسم الفجر

وألفاظه نور وحسن صنيعه

جنى لا يفي بالواجبات له شكر

وأنشدني لنفسه يخاطب بعض الكتاب: [من الكامل]

لله درُّ مجمِّع لبلاغة

هبَّت على روض النِّظام نسيما

ألقت بحار بيانه لبنانًه

غررًا تنظِّم حسنه تنظيما

وغدت تصيِّره لمفرق دهره

تاجًا وتطلع من سناه نجوما

فكلامه سحر يريك معانيًا

غرًا ويمطر للقلوب علوما

قد خطَّه في البدر عند تمامه

فبدت بهالته الحروف وشوما

وأنشدني لنفسه في آس ونور وورد: [من مجزوء الرجز]

آس ونور ناصع

وحسن ورد خضل

كشارب ومبسم

وخدِّ ظبي خجل

وأنشدني لنفسه يصف الشقائق: [من الكامل]

إعجب بنور شقائق النُّعمان

يحكي مداهن مشرق المرجان

فيها بقايا من خلوق حالك

كالخال في خدِّ الرَّشا الوسنان

وأنشدني لنفسه أيضًا فيه: [من الكامل]

/ 148 أ/ أنظر إلى نور الشَّقيق كأنَّه

أصداغ مسك فوق خدٍّ مخجل

أو مثل نقش في مقبَّل شادن

جمع الغوالي واحمرار الصَّندل

ص: 215

[250]

عبد الله بن أحمد بن عليِّ بن أبي الحسن، أبو حامد، الموصليُّ الزُّهريُّ النَّحويُّ:

شيخ ربعة من الرجال، أبيض يعلو لونه صفرة، وذكر لي غير مرّة أنَّه ولد بالموصل تقديرًا في سنة ثلاث وخمسين وخمسمائة، وكانت صناعته عمل القلانس.

وقرأ العربية على جماعة من أدباء الموصل، وأقرأ الناس مدّة، وهو رجل مفيد عاقل، له معرفة وعلم حسن، ويعمل الأشعار.

أنشدني لنفسه في أخوين أحدهما يسمّى عليًا، والآخر إبراهيم يرثيهما:

[من الكامل]

صبري وحزني راجل ومقيم

والدَّمع من بعد الحميم حميم

أسفًا على من كان زين زمانه

إنَّ الزَّمان بما أتاه لئيم

لهفي على الأخوين جار عليهما

إنَّ النَّسيم عليَّ فيه سموم

فكأنَّ يوم عليِّ يوم سميِّه

وكأنَّ إبراهيم إبراهيم

/ 148 ب/ وأنشدني لنفسه يرثي أخاه أبا المعالي: [من مجزوء الكامل]

عفت المكارم والمعالي

لمَّا فقدت أبا المعالي

وعدمت من عيني الرُّقا

دوصرت نضوًا كالخلال

واحسرتا للدَّافنيـ

ـه أمأ رعوا حسن الخلال! ؟

قد كان ذخرًا للصَّديـ

ـق وللشَّقيق وللموالي

قد كان حصنًا للغريـ

ـب وللقريب وللموالي

ما لي أرى البستان والشُّبَّ

ـاك منه اليوم خالي

يتقاسمون متاعه

كلٌّ يقول أبي ومالي

حيَّاه رقراق النَّسيـ

ـم وجاد مثواه العوالي

وأنشدني لنفسه: [من المتقارب]

وإنِّي لمَّا بلوت الأنا

م طلَّقت كلَّ أناس بتاتا

ص: 216

فمن جاء جاء ومن راح راح

ومن عاش عاش ومن مات ماتا

[251]

عبد الله بن أسعد بن عليِّ بن المبارك بن عبد الغفار، أبو المظفَّر ابن أبي القاسم/ 149 أ/ الواسطيُّ:

تقدم شعر والده المعروف بابن رشادة.

كهل أسمر مربوع، سألته عن ولادته فقال: ولدت سحرة يوم الثلاثاء ثالث عشر من شوال سنة ثمان وثمانين وخمسمائة.

وهو من بيت علم وقفه، صحب الفقراء والصوفية، وسافر [إلى] بلاد العراق والشام وديار مصر، وجالس المشايخ الصالحين، وعاشرهم، وهو رجل فقير رقيق الحال، يفهم شيئًا من أحوال أهل التصوف، وعنده دين، وتكلم في علم الطريقة، وفيه فصاحة، [وكان] يعظ الناس، ويقول الشعر.

أنشدني لنفسه يمدح الصاحب شرف الدين أبا البركات المستوفي –رحمه الله[من الطويل]

أبا البركات الصَّاحب النَّدب ذا النُّهى

رضيع اللهى نجل الكرام الأطايب

نداء محبٍّ يعرف الرُّتبة الَّتي

لكم في الورى لا كالجهول بواجب

أقل عثرتي فالوقت قد عضَّ عضَّة

وأنشبني في معضلات المصائب

ديون وأمراض وبرد وغربة

وبعد مزار عن ديار الحبائب

فعش وأنعش المسكين وابق على المدى

مبيد العدا بالمرهقات القواضب

فليس أرى إلَاّ جنابك جنَّة

ولا جددًا إلَاّ إليك بلا حب

/ 149 ب/ وأنشدني لنفسه في غلام اسمه حسن بن مرجّى: [من المنسرح]

ص: 217

أفدي الذي كاسمه محاسنه

من حادثات الزَّمان والمحن

بدر دجى كالقضيب قامته

عند التَّثنِّي يهتزُّ كالغصن

كلُّ عذاب الهوى بليت به

وكلُّ معنى للحسن في حسن

أقسمت لازال عن محبَّته

وهو حياتي والرُّوح في بدني! ؟

به اشتغالي عن كلِّ شاغلة

وهو مناي في السِّرِّ والعلن

يا أبن مرجَّى أرجوك تسمح لي

منك بوصل فالصَّبر عنك فني

تظفر منِّ بالشكر يا أملي

طول حياتي ما عشت في الزَّمن

وأنشدني لنفسه، يصف واعظًا من أبيات:[من الطويل]

ومدرك بحر والعلوم جواهر

وليس بغير البحر تلقى النَّفائس

ومنبرك الميمون كالطِّرف راكضًا

وأنت عليه بالبلاغة فارس

فشرِّف وشنِّف أعينًا ومسامعًا

ليرتدَّ عاص أو يراجع آيس

/ 150 أ/ ودم سالمًا كي يسلم النَّاس كلَّهم

فأنت هم حقًا لك الله حارس

[252]

عبد الله بن إسماعيل بن عليِّ بن الحسين، أبو طالب بن أبي محمَّد الشَّيبانيُّ البغداديُّ:

سبق ذكر والده، كان يعرف بابن الرفّاء، ويعرف الآن بغلام ابن المنّي، لأن والده كان أحد تلامذته.

ص: 218

وعبد الله شاب أبيض اللون، ربعة، حفظ القرآن الكريم على أبي شجاع ابن المقرون، وتفقه على أبيه، على مذهب الإمام أحمد بن حنبل –رضي الله عنه وسمع الحديث الكثير على شيوخ منهم أبو الفرج عبد الرحمن بن علي الجوزي، وأبو حفص عمر بن محمد بن طبرزد، وأبو الفتح محمد بن أحمد المندائي وغيرهم.

لقيته بمدينة إربل سنة خمس وعشرين وستمائة، وأخبرني أنه ولد في يوم السبت تاسع عشر من جمادى الآخرة سنة أربع وثمانين وخمسمائة ببغداد.

وهو فقيه مناظر، عالم بالتفسير، جيد المناظرة، واعظ/ 150 ب/ حسن الكلام في الوعظ، جاري المنطق، وذكر لي أنه قال ثلاثة عشر ألف بيت من الشعر، وأخبرني جماعة من أهل الفضل أنه يتَّهم في أشعاره، ويسرق أقاويل الناس، والله أعلم بصحة ذلك.

وجرت له حادثة ببغداد في أيام المستنصر بالله –خلد الله ملكه- فأودع السجن.

أنشدني لنفسه من قصيدة يمدح بها الناصر لدين الله أمير المؤمنين –رضي الله عنه:

[من البسيط]

من مبلغ المتنبِّي أنَّ مدحته

لنجل حمدان فيها الحيف والميل؟

يقول: أنعلت أفراسي بعسجد من

نعماك، تبًا له إذ فعله الزّلل

ولو يجوز لمثلي مثل فعلته

فعلت ما لم يكونوا مثله فعلوا

وكنت أصنع قصرًا من زمردة

من جود أحمد ملك دونه زحل

وإنَّما خيل مثلي في محبَّة مو

لانا الإمام دم الأعداء تنتعل

ص: 219

وأنشدني لنفسه من قصيدة: [من الطويل]

أتت سحرًا واللَّيل في قبضة الفجر

ففكَّت أسيرًا موثقًا في يد الهجر

وأبدت لنا من وجهها وحديثها

بدائع ترزي بالبدور وبالدُّرَّ

/ 151 أ/ شكوت إليها ما ألاقي من الهوى

فقالت: رعاك الله مالك من صبر

خلقت جليدًا إنَّما الحبُّ سائق

عنيف إلى ما لا يطاق من الأمر

سرت سحرًا من أيمن الحيِّ نسمة

فكاد لها قلبي يطير من الصَّدر

وأطرقت خوفًا أن يقال به هوًى

فقالوا مصاب عاده عائد الضُّرَّ

ألا فليقل من شاء ما شاء إنَّني

رضيت بما بي من جنون ومن سحر

ألا لا تلوموني فما لي حيلة

ولا قدرتي تجدي ولا بيدي أمري

وأنشدني لنفسه، يمدح الناصر لدين الله أبا العباس أحمد –رضوان الله عليه-:

[من البسيط]

جوب المهامه بالعيديَّة الرُّسم

ألذُّ من حفض عيش عند ذي همم

ووقفة في مثار النَّقع يوم وغى

أولى به من تلقِّي جور مهتضم

والحزم في الأمر أن ينأى على عجل

إذا كسته اللَّيالي حلَّة العدم

ولا يقيم بدار يزدريه بها

من كان يرجو نوالاً منه في القدم

فكم تغرَّب سيران وقد صفرت

كفَّاه فقرًا فحاز المال عن أمم

وكم نحا مسعفات المجد معتضد

بحيلة الحزم فاستولى على أمم

لا يلبث الحر في دار يضام بها

مادام في دهره يسعى على قدم

/ 151 ب/ بل يخطب العز في أعلى معاقله

ويمتطيه بغرب الصَّارم الخدم

ولا ينال العلا إلَاّ فتى مصع

ماضي العزيمة مقدام على البهم

تعاف برد ظلال الخفض همته

ويستلذُّ هجير الغور والأكم

يا قاتل الله دهرًا لا يزال له

ميل على كلِّ ندب زاهر الشِّيم

كم حل عزمًا لذي عزم فغادره

حلف الهموم يعضُّ الكفَّ من ندم

ص: 220

وكم سطت ببزاة الجوِّ غدرته

وكم وفى سفهًا للبوم والرَّخم

سر في البلاد ولا تقعد على ضمد

إمّا بلوغ المنى أوحفرة الرَّجم

فإن تنل كلَّ ما تبغيه وارتفعت

رايات مجدك بين العرب والعجم

فاسمح بما ملكت كفَّاك مكتسبًا

حسن الثَّنا بما توليه من نعم

لولا ابتذال اللُّهى والقطر محتبس

ما سار شعر زهير في ندى هرم

ولا تذَّكرت الرُّكبان في سفر

كعب بن مامة بالإيثار في القسم

ولا ارتدى في فجاج الأرض منتشرًا

ذكر الإمام أبي العبَّاس بالكرم

جادوا بما ذهبت أيدي الزَّمان به

والمدح باق على الأخلاق والرِّمم

لا ترجونَّ من الدُّنيا بلهنيًة

تدوم وهي على الإقبال لم تدم

فكلُّ لذَّة عيش طاب موردها

فإنَّها كطروق الطَّيف في الحلم

[253]

/ 152 أ/ عبد الله بن محمَّد بن منصور بن جميل، أبو العزِّ بن أبي عبد الله التغلبيُّ:

كان أبوه يتولى صدرية المعمور في الأيام الناصرية، وابنه هذا أبو العزّ ولد بجبَّا، قرية من أعمال هيت، في جمادى الآخرة في سنة تسع وتسعين وخمسمائة، وخرج عنها وهو ابن همس سنين، ونزل بمدينة السلام. وتأدب بها، وقال شعرًا لطيفًا، وتميزَّ وخدم في بعض الأعمال الديوانية، ثم صار في الدولة المستنصرية كاتبًا على التركات الحشرية في سنة أربع وعشرين ثم عزل عن ذلك وانتقل في صفر سنة ست وثلاثين، ورتب في حجابة المخزن المحروس، وهو مقدّم الشعراء في الديوان المستنصري، وله قصائد شتى في الإمام المستنصر بالله –رضي الله عنه.

شاهدته مصادفة بمدينة السلام، سلخ جمادى الآخرة يوم الجمعة، شابًا كيّسًا

ص: 221

جميلاً، في سنة وثلاثين وستمائة، وأنشدني من شعره، وكتب لي شيئًا منه بخطه، وهو:[من مجزوء الكامل]

زفرات وجد نارها

بين الضُّلوع أوارها

وصبابة قد أقسمت

أن لا يقرَّ قرارها

شوقًا إلى من أوحشت

بعد الأنيس ديارها

يا من أنست بأدمعي

لمّا استمرَّ نفارها

إنّي لتسحرني الظِّبا

ويلذُّ لي إسحارها

ما بال أيام الوصا

ل قصَّرت أعمارها

أيام لهو طوَّلت

ليل المشوق قصارها

/ 152 ب/ طابت بكم آصالها

وتعطَّرت أسحارها

لله ليلات مضت

ووجوهكم أقمارها

خطبت سيوفك إربلاً

فتمرَّدت أغمارها

وغدا ينازع في القلا

ع لقلعة يزدارها

ففتحتها بسوابق

سدَّ الفضاء مثارها

وبغلمة مثل الصُّقو

ر من القنا أظفارها

فأتتك تجلى كالعرو

س من الرؤوس نثارها

حرست وقد جليت فملـ

كك سورها وسوارها

أطلقت أموالاً أقا

م مسلسلاً دينارها

وله: [من البسيط]

دع كلَّ من بات يلحى في ابنة العنب

وخذ بقسط من الأقداح والضَّرب

واجل العروس ففيها للهموم جلى

وزفَّها في أكاليل من الحبب

وقل لمن لام فيها إنَّني رجل

من الهموم إليها لم يزل طربي

أما ترى اللَّيل في أجلى شمائله

والبدر في الجانب الغربيِّ لم يغب

من كفِّ من أنشب النِّيران في كبدي

لمَّا رماني ببرد الثَّغر والشَّنب

جمال معناه لي في غرِّ بزّته

كما الإمام نداه غير منسكب

ص: 222

[254]

عبد الله بن إبراهيم بن عليِّ بن إبراهيم بن يوسف، أبو بكر الموصليُّ:

كان رجلاً نساجًا، ضعيف العينين، أسمر، أميًا، لا يكتب ولا يقرأ، ويقول شعرًا صالحًا في التشبيهات، والأوصاف، وله أشياء في الغزل، والمديح، والهجاء، يجيد رصفها بصحة غريزته، وكنت أقترح عليه وصف شيء فينظم فيه نظمًا مرضيًا.

ولم يعلق الآن بحفظي من شعره سوى ما أنا ذاكره إن شاء الله تعالى.

أنشدني لنفسه يصف الثريا: [من الخفيف]

كم قطعت الظَّلام من فوق بكر

عيطموس تفلي نواصي البيد

والثُّريا تلوح في الشَّرق كالكأ

ي وطورًا في الغرب كالعنقود

وأنشدني لنفسه في طلوع البدر على الماء: [من البسيط]

كأنَّ ماء الفرات العذب حين جرى

والبدر من فوقه في اللّيل ممدود

فيروزج ذائب في الأرض منبسط

فيه من الذَّهب الإبريز عامود

[255]

عبد الله بن عمر بن صامح/ 153 ب/، أبو محمَّد الإربليُّ:

وهو أخو الذي مرّ شعره.

رجل طويل مائل إلى السمرة، يخضب بالسواد، أخبرني أنه ولد سنة ست وسبعين وخمسمائة، وخبرت أنه توفي بقلعة إربل سادس ذي القعدة سنة أربع وثلاثين وستمائة.

من أبناء المتصرفين بإربل، وله في صناعة التصرف، والحساب، والمساحة، الحظ الأوفر، وقد ولي للملك المعظم مظفر الدين كوكبوري بن علي بن بكتكين، صاحب إربل –رضي الله عنه أعمالاً جليلة.

ص: 223

وهو شاعر جيد حسن الشعر، مطبوع المعاني، أنشدني لنفسه يمدح الصاحب الوزير شرف الدين أبا البركات المبارك بن أحمد المستوفي –أجدّ الله سعده-:

[من الرجز]

يا نسمًة تضوعت بندِّ

ومزنًة جادت بماء ورد

من أين هذا العرف هل حللتما

أو جزتما بروضة بنجد؟

أم نسمت إليكما منه صبا

باناته وأثله والرَّند؟

أم جئتما لتخبرا عن علوة

بأنها قد سمحت بوعد؟

/ 154 أ/ أم تنظرا ما بي من نار جوى

مشبوبًة بأعظمي وجلدي؟

ويا ركاب الصَّبر هل حادي النَّوى

حداك عن ربع الحشا أم وجدي؟

أم زفرات أضلع لو ظهرت

أحرقت الأرض بغير وقد؟

أم عبرات أدمع شؤونها

محمرة السَّح احمرار الورد؟

أم لانسكاب ما جرت واستبقت

وأثرت في صفحات الخدَّ؟

فإن يكن روعك منهنَّ ارجعي

ساكنة الرَّوع بغير ضدِّ

فإنَّني أرسلها لآلئًا

منظومًة في سلكها كعقد

وأجري من غروبها سحائبًا

وابلة الهطل بغير رعد

وأنبتنَّ الأرض منها زهرًا

يغنيك مرعى عن عرار نجد

بالله ناشدتك إن لم تحبسي

بقلعة عن السُّرى والوخد

حاملًة رسالة الصَّبِّ إلى

من بالصَّريم والكثيب الفرد

والعلمين واللِّوى والمنحنى

والأجر عين والهضاب الجرد

مبلغًة عنِّي السَّلام مربعًا

عن مربع وموردًا عن ورد

وناديًا علوة إنَّ مغرما

يكنّ ما بين ضنى وجهد

إن تنقضي منك العهود لم يكن

بناقض عنك قديم عهد

/ 154 ب/ أو تصرمي منه الوداد لم يكن

بصارم منك حبال ودِّ

أو تقصري بالصَّد عنه سلوًة

فليس يسلوك المدى عن صدِّ

لعلَّها تسمح بالوصل إذا

ما علمت بحاله والوجد

فإن ابت فاعتسفي ويمِّمي

ربع ابن موهوب الخصيب المجد

ص: 224

مولى له عزائم مرهفة

تبري يد لخطب بغير حدِّ

وأنعم لو أنَّها تجمَّعت

لم تحص من كثرتها بعدِّ

كأنَّها إذا جرت من يده

البحر عند جزره والمدِّ

ترهب من جنانه الأسد إذا

ما زأرت عند لقاء الأسد

وكيف لا يرهب من بأسي الرَّدى

وربعه أضحى الغداة قصدي

أي شرف الدِّين أتيت مهديًا

إليك حالاً طالبًا لرفد

معانيًا فهت بها ما ضمِّنت

بنظم من قبلي ولا من بعدي

يقوله مبتدئًا في نظمه

تنبَّهي يا عذبات الرَّند

ألحقتها بمن مضى من الألى

لكنًّها زائدة في الحدَّ

وأنشدني لنفسه فيه أيضًا يمدحه: [من الخفيف]

وغلام أدنى يديه إلى الكأ

س لتفتضَّها يداه جهارا

/ 155 أ/ فسطت سطوًة فألقت على كفَّيه

من نورها شعاعًا ونارا

قلت ماذا الشُّعاع قال سل الكأ

س فإن لم يجبك فالخمَّارا

فسألت الخمَّار قال ابن موهو

ب الوزير المولى يدًا ويسارا

جاز يومًا بها فأوما إليها

فكساها إيماؤه أنوارا

وأنشدني لنفسه يصف عوادًا وأحسن: [من السريع]

ومطرب تفهم أوتاره

الأسماع ما لا يفهم النُّطق

كأنَّها رعد ومن فوقها

كفَّاه في تحريكها برق

وأنشدني أيضًا قوله: [من الطويل]

إذا لم تكن ذا قدرة بمن افترى

عليك وأولاك الأذى بافترائه

فذره فإنَّ الدَّهر يفعل فوق ما

تؤمِّل من إضراره وإذائه

وأنشدني لنفسه يخاطب بعض الرؤساء في أمر جرى له وحبس بسببه:

[من الكامل]

أأمين دين الله يا من لم يزل

مبسوطًة كفَّاه بالإسعاف

ومبيد جيش الخطب يومًا إن سطا

بوميض حدّ سنانه الشفَّاف

ص: 225

/ 155 ب/ أمن المروءة أن أولَّى عاملاً

يومًا على طرف من الأطراف؟

يومًا ولا طرق المسامع لفظة

في أرضه من منطقي بخلاف

وأظلُّ بالحبس الخسيس وما جرى

لي فيه من ثلم على إجحاف

ويظل من ظهرت عليه خيانة

في المال في أمن وعيش صافي؟

فلئن يكن ذنبي العظيم لديكم

بين الأنام كفايتي وعفافي

قد تبت يا مولاي عنه توبًة

ليست على شرط ولا استئناف

وأنشدني أيضًا لنفسه: [من المتقارب]

إذا ضامك الدَّهر في قسمة

فصبرًا على ذلك القسم صبرا

فلا القسم باق عليك المدى

ولو شئت ذلك ما اسطعت قدرا

فبينا ترى المرء في ضيق أمر

ترى فرج الله يأتيه أمرا

وأنشدني أيضًا قوله: [من الطويل]

إذا ما الفتى أبداك بعض ضميره

لسان له يومًا وأخفاك من بعض

تأمل بما أبدته عيناه إنَّها

تبوح بمخفيِّ المودَّة والبغض

فعين الفتى تبدي الذي بضميره

على يقظة منها وتخفيه عن بعض

وأنشدني لنفسه: [من الوافر]

/156 أ/ أيا مولى أقرَّ الدَّهر طوعًا

له بالفضل والذِّكر الجميل

ومن عمَّت مواهبه البرايا

عطاءً للحقير وللجليل

إذا ما مال غصن بالتواء

عليك حناه بالحمل القليل

تدارك قطعه أبدًا لئلاً

يميل عليك بالحمل الثَّقيل

فكم مالت غصون عن أصول

فأوجب ميلها قطع الأصول

وأنشدني لنفسه: [من البسيط]

مولاي إن تكن الأرزاق قد قسمت

وظلَّ قسمك منها أوفر القسم

فلا تكن فرحًا يومًا به أبدًا

وأحذر باذهابه من زلَّة القدم

فإنَّ موليك هذا الرِّزق ظلَّ على

إيلائه ثملاً من خمرة النَّدم

فإن صحا سترى في صحوه نقمًا

يلقيك أيسرها في عالم العدم

ص: 226

وأنشدني أيضًا من شعره: [من الطويل]

ولمَّا رأيت الحبَّ ليس لدائه

شفا غير ما وصل يجود به الحبُّ

ولم أر من حبِّ يجود بوصله

عليَّ ويدنيني إليه ولا يصبو

وقد زاد ما بي فوق ما تجد الورى

وأدركني من عظم ما زادني العطب

عذلت لذاك القلب كيما يطيعني

عليه لأسلوه فلم يطع القلب

/ 156 ب/ فأيقنت أنِّي لا محالة هالك

فذاك الذي لم ينج منه المدى صبُّ

وأنشدني لنفسه أيضًا: [من البسيط]

بعدًا لقوم غدوا من عظم ما جهلوا

يعلو الغواة بهم فوق النَّحارير

ودولة ظلَّ أعناق البزاة بها

مجرورًة بمناقير العصافير

والفار قد علقت يومًا وقد نشبت

أظفارهن بلبَّات السَّنانير

فاربأ بعمرك يومًا أن تقيم بهم

وإن أقمت فقل أي مهجتي سيري

وأنشدني أيضًا قوله: [من البسيط]

قالوا نرى ببلاد النَّاس أجمعها

أمنًا ومن دونها في إربل الحذرا

أحبتهم لو أراد الأمن يسكنها

ما أرسل الله في أطرافها التَّترا

[256]

عبد الله بن محمَّد بن بشير بن سعد الله بن أبي محمَّد بن أبي مضر بن أبي تغلب بن عليِّ بن أحمد بن الحسن بن محمَّد بن إبراهيم بن محمَّد بن موسى بن جعفر بن محمَّد بن عليِّ بن الحسين بن عليِّ بن أبي طالب –صلوات الله عليهم أجمعين-، أبو الأزهر بن أبي المعالي الحائريُّ:

من مشهد الحسين بن علي/ 157 أ/ عليهما السلام، لقيته بمدينة السلام.

ص: 227

سنة أربع وعشرين وستمائة، وأنشدني من شعره يفتخر، من جملة أبيات:

[من الطويل]

أنا الموسويُّ الفاطميُّ الذي سمت

بنا مضر والعالمون شهود

إذا افتخرت في كلِّ يوم قبيلة

ففخري على كلِّ الأنام يزيد

ولولا أبي ما كان في النَّاس صالح

ولا نصبت للمسلمين عمود

وجدِّي رسول الله أكرم مرسل

رقا عند ربِّ العرش وهو حميد

وأمِّي البتول الطُّهر سيِّدة النِّسا

لأولادها كلُّ الأنام عبيد

فمن شكَّ فيما قلته واعتمدته

فذلك فيما يقتضيه عنيد

تخرَّق ثوب المجد عن كلِّ لابس

وثوبي بهم في العالمين جديد

[257]

عبد الله بن محمَّد بن عليٍّ بن محمَّد بن عليٍّ الأزديُّ، أبو محمَّد البغداديُّ المولد والمنشأ، المعروف بابن الهرويّ:

شيخ أبيض ربعة، نقي الشيبة.

أخبرني أنه ولد في شهر رمضان سنة سبع وخمسين وخمسمائة.

وهو أحد الشعراء البغداديين المطبوعين.

قرأ الأدب على/ 157 ب/ أبي البركات عبد الرحمن بن محمد الأنباري النحوي، ولقي أبا محمد عبد الله بن أحمد الخشاب البغدادي النحوي، وغيرهما من العلماء.

وشعره كثير في الهزل والسخف، وهو يحذو حذو أبي عبد الله ابن الحجاج، في فنونه، ويسلك نهجه في سائر منظومه.

شاهدت أبا محمد ببغداد، واجتمعت به غير مرّة، فرأيته رجلاً حسنًا، يجمع

ص: 228

فضلاً وكيسًا وظرفًا ولطافة، ويمزح ويلهو ويتماجن، وهو ممن يشار إليه في هذه الأصناف، وأنشدني الكثير من شعره، إلا أني لم أحفظه، ولا كتبت عنه شيئًا غير أبيات، أنشدنيها ملغزًا في المشط:[من الوافر]

وما شيء له وجهان فيها

له رأسان شأنهما عجيب

له ثغران مبتسمان بشرًا

وبشرهما فليس له قطوب

يفرق كلَّ مجتمع وهذا الَّذي من فعله تهوى القلوب

أبن لي أيَّ شيء قد لغزنا

فما يدري به إلَاّ لبيب

[258]

عبد الله بن يوسف/ 158 أ/ بن عبد الرَّحمن بن يحيى بن عمران بن إسماعيل الهنتانيُّ، أبو محمَّد المراكشيُّ:

شاب يحفظ كتاب الله تعالى، ويعرف طرفًا حسنا من الأدب، وهو شاعر صالح المنظوم، وقع إلى إربل، من بلاد الشام والديار المصرية منتجعًا بقوله، ومستميحًا بكلامه، فشاهدته بها في شهر شعبان سنة سبع وعشرين وستمائة، قاصدًا مجلس الصاحب شرف الدين –رحمه الله وتأملاً له، ورجاء لنائله، فأنشدني قصائد وقطعًا من شعره، وسألته عن ولادته فقال لي: الآن سبع وعشرون سنة، وكان سؤالي له في الشهر المبدوء بذكره، وأنشدني لنفسه يمدح الصاحب شرف الدين أبا البركات –رحمه الله تعالى-:[من البسيط]

لا وجد أعظم من وجد يخامره

ولا جوى غير ما تحوي ضمائره

صبٌّ ألمَّ به يوم النَّوى ألم

من الهوى فثوى في القلب ضائره

يهمُّ ممَّا به شوقًا فلا جلد

له ولا عاذل في الحبِّ عاذره

لله درُّ زمان اللَّهو من زمن

قضيته حيث لا واش أحاذره

والدَّار جامعة والشَّمل ملتئم

وربرب الحيِّ تهواني جاذره

/ 158 ب/ ولي حبيب كبدر التِّمِّ طلعته

واف له من بديع الحسن وافره

ص: 229

اغنُّ اغيد مثل الغصن معتدل

لم يستطع حمل ما تحوي مآزره

بيض ترائبه سود ذوائبه

زجٌّ حواجبه كحل نواظره

يزورني ثمَّ يجفوني بل سبب

وآفة الصَّبِّ أن يجفوه زائره

أقول لمّا غدا في الهجر مجتهدًا

كيف اصطبار محبٍّ أنت هاجره؟

ومنها في المدح يقول:

هو المبارك ما في النَّاس مشبهه

ونجل أحمد ربُّ المجد باهره

ربُّ الجدى معدن الجود الَّذي عظمت

عن أن تحدَّ وأن تحصى مآثره

فتة يجيبك عمَّا أنت مضمره

قبل السُّؤال وقد لبَّاه خاطره

قد كمَّل الحسن والإحسان خالقه

به فباطنه خير وظاهره

أكرم به سيِّدًا طالت مناقبه

في المكرمات كما طابت عناصره

ما ذمَّه من نزيل منذ كان ولا

ترحَّل الضَّيف إلَاّ وهو شاكره

يا ذا الَّذي حسنت من حسن سيرته

في كلِّ قطر من الدُّنيا محاضره

إليك جاء يجوب البيد منتجعًا

من أرض مصر وحيد العصر شاعره

يرجو لديك بما أرجو وآمله

من الجميل فإنِّي عنك ناشره

/ 159 أ/ واسلم ودم في علا عزٍّ وفي نعم

تأتيك من كلِّ ما ترجو بشائره

[259]

عبد الله بن الحسين بن عبد الله بن رواحة بن إبراهيم بن عبد الله بن رواحة بن عبيد بن محمَّد بن عبد الله بن رواحة الأنصاريِّ، أبو القاسم بن أبي عليٍّ الحمويُّ:

ص: 230

وجده الأعلى عبد الله بن رواحة كان شاعر النبي صلى الله عليه وسلم، وكان والده الحسين بن عبد الله من الشعراء المجيدين، والفقهاء المبرزين، وهم من بيت الأدب والعلم بحماة.

وأبو القاسم كانت ولادته فيما أخبرني من لفظه بساحل البحر بمدينة صقلِّية، سنة ستين وخمسمائة، وانتقل مع أبيه إلى الإسكندرية، وأسمعه الحديث الكثير من الحافظ أبي طاهر أحمد بن محمد بن أحمد السَّلفي الأصفهاني، وأخذ له إجازات من مشايخ ذلك الوقت، كالحافظ أبي القاسم علي بن الحسن بن عساكر الدمشقي وغيره، وقدم إربل في شهر ذي الحجة سنة خمس وعشرين/ 159 ب/ وستمائة، مجتديًا نوال سلطانها الملك العظيم مظفر الدين أبي سعيد كوكبوري بن علي بن بكتكين –رضي الله عنه وطالبًا رفده كعادة الذين يردون إربل من البلدان للاستجداء، فأقام بها أيامًا، وسمع عليه من مسموعاته جماعة، وحصل له نفقة صالحة.

ص: 231

وكان عسير الأخلاق، ضيق العطن، شرسًا في الإملاء، تافه النفس، لم يحب أن يسمع عليه أحد إلاّ بعوض، وفائدة، وفضل إليه.

أنشدني لنفسه ابتداء قصيدة عملها في الملك العادل سيف الدين أبي بكر محمد بن أيوب بن شاذي –رضي الله عنه أولها: [من الكامل]

صبرًا لعلَّلك في الهوى أن تنصفا

أو أن ترقَّ لمدنف أو تعطفا

ما كلُّ من أضحى الجمال بأسره

في أسره منح القطيعة والجفا

كلَاّ ولا من حاز أفئدة الورى

بجماله أبدى المسير تعسفا

يا مانعًا جفني الكرى بصدوده

قسمًا بعهدك بعد بعدك ما غفا

غفا، لغة رديئة، وإنما يقال: أغفى.

/ 160 أ/ إن كان قصدك أن تريق دمي فلا

تتقلَّدن سيفًا فطرفك قد كفى

لو أنَّ جسمي في بحار مدامعي

يطفى لنار فيه من سقم طفا

ومن مخلصها في المديح:

أحييت يوسف في المحاسن مثلما

أحيا أبو بكر أخاه يوسفا

وأنشدني لنفسه في صديق له سافر ولم يودّعه: [من الوافر]

رحلت ولم أودِّع منك خلَاّ

صفا كدر الزَّمان به وراقا

ولكن خاف من أنفاس وجدي

إذا أبدى العناق يرى احتراقا

فكأس الشَّوق منذ نأيت عنِّي

أكابدها اصطباحًا واغتباقا

وأنشدني لنفسه في غلام أصفر الشعر، كان عريانًا في الحمام، وقد عرق جسمه:

[من البسيط]

واغيد كقضيب البان معتدل

قدًا وألحاظه أمضى من القضب

كأنَّما جسمه كافورة رشحت

درًا وطرَّته الشَّقراء من لهب

ص: 232

[260]

عبد الله بن عبد المحسن/ 160 ب/ بن عبد الله بن أحمد بن محمَّد بن عبد القاهر بن هشام بن محمَّد بن أحمد بن المظفَّر، أبو الفضل بن أبي القاسم بن الطّوسيِّ الخطيب:

من أبناء الخطباء بالموصل، وبيت الخطابة والعلم فيها، مشهور عند الناس، وأبو الفضل حفظ القرآن العزيز، وسمع على والده الحديث، وتفقه عليه أيضًا على مذهب الإمام الشافعي –رضي الله عنه ووعظ الناس، وقال شعرًا كثيرًا، وأنشأ خطبًا منبرية.

أخبرني أنه ولد حادي عشر شعبان سنة ثلاث وستمائة بالموصل، وهو الآن مقلد الخطابة بالجامع العتيق.

أنشدني لنفسه يمدح مولانا وسيدنا الإمام أمير المؤمنين المستنصر بالله أبا جعفر المنصور –أدام الله أيامه- حين شرّف المولى السلطان المالك الملك الرحيم بدر الدنيا والدين، عضد الإسلام والمسلمين، شرف الملوك والسلاطين، أبا الفضائل نصير أمير المؤمنين –أنفذ الله أمره، وشدّ ببلوغ الأماني أزره –بخلعة وفرس وسيف وسنجق وسلطنة وخطب له/ 161 أ/ على المنابر:[من الوافر]

إمام العصر حزت الحصر جودًا

وشرَّف ملكك الدُّنيا وجودا

وأضحى الدَّهر نحرًا ثم أضحت

ولايتكم له فينا عقودا

فلولاكم لما بلغت أمان

ولا عذب البقاء لنا ورودا

وإن أعددتم للحرب جندًا

فإنَّ من الدُّعاء لكم جنودا

ص: 233

وإن جدَّدتم نعمًا علينا

فشكرك لا يزال لها جديدا

سهرتم في مصالحنا عيونًا

وكنّا عن مصالحنا رقودا

ووليتم علينا خير وال

مناقبه بذاك غدت شهودا

يقوم بأمركم سرًا وجهرًا

إذا أمثاله أمسوا قعودا

وأمّا في رعايته الرَّعايا

فقد حازت مناقبه الحدودا

ويكفي أنَّنا كنًّا عظامًا

كساها من مكارمه جلودا

وفضل أبي الفضائل غير جاف

أقرَّ به الّذي أمسى حسودا

لقد أضحى بما آتاك فينًا

أمير المؤمنين اليوم عيدا

ملابس قد غدت بيض المعاني

وإن كانت بمرأى العين سودا

يضيء بليلها منكم جبين

به يهدي إلى الجود الوفودا

/ 161 ب/ وسيف يغرق الأعداء موجًا

ويخطف ضوؤه البصر الحديدا

إذا اشتبكت وغى سمر العوالي

يغادرها بحدَّيه حصيدا

وطرف يسبق الطِّرف امتدادًا

كأنًّ بمن يجاريه قيودا

وأما السَّنجق الميمون فينا

به عقدوا لنصركم البنودا

ذوائبه تذيب من الأعادي

قلوبًا قد غدت ملأى حقودا

يطيعكم بما شئتم قيامًا

ويعصي إن ترد منه سجودا

وكان رجاؤنا هذا وأنَّى

[نجد من] بعد ذاك لكم مزيدا

لئن خربت ربوع علا سواكم

فربع علاكم أضحى مشيدا

بحبكم إمام العصر فينا

لقد أضحى المحبُّ له سعيدا

يضاعف من يواليه صعودًا

ويرهق من يناويه صعودا

ولازلتم مطاعي الأمر فينا

ولازلنا لدولتكم عبيدا

ودمت مخلَّدًا ما فاح رند

ولاح الصُّبح بعد دجى عمودا

وأنشدني أيضًا لنفسه يمدح المولى المالك الملك الرحيم بدر الدنيا والدين –أعّز الله نصره- ويلتمس من/ 162 أ/ إنعامه توقيعًا بالخطابة: [من الوافر]

مليك الأرض يا من في يديه

مواهب تخجل الغيث الهتونا

ومن تخشى الأسود سطاه حقًا

فتلزم من مخافتها العرينا

ص: 234

ومن بالجود منه كلُّ حرٍّ

غدا في الرِّقِّ معتقلاً رهينا

ومن بالعدل منه في الرَّعايا

وبالألطاف كم أحيا دفينا

أما بشَّرتكم بالنَّصر لمَّا

حضرناكم وشاهدنا اليمينا؟

وقلت وقال من أضحى كفيلاً

بما قد قاله وغدا ضمينا

معاذ الله أن تخشوا عدوًا

وناصركم أمير المؤمنينا

ومن يك من مواقفه ببال

فقد ناك المنى دنيا ودينا

ولازلنا لدولتكم عبيدًا

ولا حكمت يد لسواك فينا

فعلمك قد أحاط بصدق وعدي

وصار الشكُّ عندكم يقينا

ولست بمدَّع في ذاك غيبًا

ولكن فوز جدكم يرينا

ولي حق البشارة من نداكم

فعندكم غدا حقِّي مبينا

وآمل منك توقيعًا شريفًا

بتوليتي خطيب المسلمينا

كتوقيعي أبي وبيه قبلي

ليضحى في يدي سيفًا متينا

/ 162 ب/ وأنشدني أيضًا من شعره، ما كتبه إلى زين الدين أبي الحسن علي بن سالم الكاتب، منشئ الديوان المولوي البدري –حرس الله مجده- ويتنجز منه أن يكتب له توقيعًا بتقليد الخطابة بالجامع العتيق:[من الوافر]

أيا مولى له في النَّاس ذكر

يفوق بنوره نور الصَّباح

أتتني منك معتبة ولمَّا

أهمَّ إلأى جنابك باجتراحي

وإنَّي كنت أولى النَّاس عتبًا

عليك جزاء هجرك لي الصُّراح

وإنَّ حوائجي أضحت لديكم

مقابلًة بترك واطِّراح

وما زلتم لريب الدَّهر ذخري

ولم أبرح أريش بكم جناحي

على أنِّي مريض القلب همَّا

وليس على مريض من جناح

فإن تعفو فأهل العفو أنتم

وأهل للمكارم والسَّماح

وإن صمَّمتم طلب انتقام

رميت لديكم طوعًا سلاحي

وما أنا عنكم أبدًا بسال

ولا مصغ إلى واش ولا حي

فلا تجعل لطردي عنك وجهًا

فمالي عن جنابكِّ من براح

/ 163 أ/ وسمِّ وتمِّم التَّوقيع باسمي

على اليمن المؤمَّل والنَّجاح

ص: 235

وأحكمه بخطٍّ مستنير

وألفاظ مهذَّبة فصاح

ولا تكتبه إلَاّ في فراًغ

وحال سرور قلب وانشراح

وكن إعذار تقصيري مقيمًا

فقد أضحى لديكم ذا اتِّضاح

فلولا أننَّي في ضيق عيش

أقاتل بالصَّوام والرِّماح

ودين قد علاني كنت منه

بريئًا في أمان وارتياح

لما قابلت خادمكم بهذا

ولا أصبحت ذا وجه وقاح

ولكنِّي سأجبر نقص فعلي

إذا اتَّسعت بما أرجوه راحي

وليس وأنت لي هذا بعيدًا

أؤمِّله غدوِّي أو رواحي

[261]

عبد الله بن الخضر بن محمود المقرئ، أبو العبَّاس، الموصليُّ المولد والمنشأ، المعروف والده بالجامدار:

قرأ القرآن الكريم على أبي عبد الله محمد بن قريش بن مسلم الفارقي المقرئ –رضي الله عنه تلقينًا، نزل بمدينة إربل سنة وعشرين وستمائة، وأقام بدار حديثها مدّة/ 163 ب/ يسمع الحديث على شيخنا أبي الخير بدل بن أبي المعمّر بن إسماعيل التبريزي، ثم رحل عن إربل، وقدم الموصل، وانحدر إلى مدينة السلام في سنة ثلاث وثلاثين وستمائة، ثم توجه نحو الموصل، فبينما هو سائر إذ وقع من ظهر الجمل، فآلمه بعض أطرافه من شدة الوقع، فانقطع في الطريق، وعدم خبره، ولم يعرف إلى الآن حقيقة خبره.

أنشدني لنفسه يمدح الإمام الناصر لدين الله أمير المؤمنين أبا العباس أحمد –رضوان الله عليه-: [من الطويل]

تذكر أيَّام الصِّبا فتألَّما

وحنَّ وهل يشفي الحنين المتيَّما؟

وفي النفس أشواق وفي القلب حسرة

أبت طول هذا الدَّهر أن تتصرَّما

ص: 236

فلا هو بالرَّاقي إلى سؤل نفسه

ولا بالَّذي يسلو لينجو مسلَّما

ولمَّا رأيت القوم للبين أزمعوا

يصيحون للراقي إذا ما ترنَّما

أشرت إلى نار الحشا فتضرَّمت

وقلت لدمعي جدَّ قد أقفر الحمى

خليليَّ إن عاينتما دمن الحمى

فعوجا على أبيات سلمى وسلِّما

وإن جئتما ورد الحمى فاشربا به

وإن أنتما لم تسقياني شرقتما

/ 164 أ/ منازل سلمى بالعقيقين هجت لي

غرامًا إذا نامت عيون الورى نما

ولكن تصاريف الزَّمان عجيبة

تغادر حلو العيش والحال علقما

ولم أر مثلي عاشقًا ذا صبابة

ولا مثل دمعي في الديار إذا همى

ولا كأمير المؤمنين خليفًة

بتفضيله الرَّحمن فينا تكلَّما

إمام إذا لم يعرف المرء فضله

على النَّاس يصلى في المعاد جهنَّما

إذا جال طرفي فيه أصبح خاسئًا

حسيرًا لديه خاضعًا متوسِّما

هو الجوهر الغالي النَّفيس فلا يرى

هو البحر رده لا ترى بعده ظما

هو الشغلة المأخوذ ضوء سنائها

من القبس المودوع في صلب آدما

هو النَّاصر ابن المستضيء فلا ترى

أجلَّ وأعلى منه فضلاً ومنتمي

فليست سماء الله هذي التي ترى

ولكنَّ أرضًا تحتويه هي السَّما

ولو لم يطأ هذا التُّراب برجله

لما جاز للإنسان أن يتيمَّما

أخا الفضل لا تجزع لوقع ملمًّة

فلابدَّ للأيَّام أن تتصرَّما

إذا ما اعتراك الدَّهر يومًا ببأسًه

وأمَّلت أن تلقى إلى العزِّ سلَّما

أنخ بفنا دار السَّلام ترى بها

إمامًا إذا عاينته تأمن العمى

/ 164 ب/ ترى جنَّة المأوى ترى علم الهدى

ترى كلَّ ما تهوى من الأرض والحمى

ترى واحد الدُّنيا وباذل وفرها

وترجع بالزُّلفى عزيزًا مكرَّما

إذا افتخرت يومًا قريش بمفخر

فخير قريش من إلى جدِّه انتمى

فلولاه لم نسعد ولولا ابن عمِّه

لما شرَّف الله الحطيم وزمزما

يميت ويحيي كلَّ يوم عصابًة

فكلُّ بنان منه عيسى بن مريما

فلو عاين الدَّجال شدَّة بأسه

تمزَّق إعظامًا له ثمَّ أسلما

ولو ظهرت منه على الخلق نقمة

لما صحَّ عندي أنَّ في الأرض مسلما

ص: 237

ولا بدَّل الله البلاد بغيره

ولا زال معمور الجناب معظَّما

[262]

عبد الله بن يوسف بن محمَّد بن يوسف بن أحمد بن الحسن، أبو محمَّد الموصليُّ:

كان شابًا متأدبًا ذكيًا، من أبناء الرؤساء، وذوي النعم، وكان يميل إلى الشعر، والتحفظ من مختاره وأحسنه، وربما قال أبياتًا صالحة.

وكانت ولادته تاسع ذي القعدة سنة ستمائة بالموصل، بسكة الكاروز، وتوفي ثالث عشر ذي الحجة/ 167 أ/ سنة ثماني وعشرين وستمائة، تغمده الله برحمته.

أنشدني له أخوه الرئيس أبو الحسن علي بن يوسف قال: أنشدني أخي عبد الله لنفسه يصف القصيل وقد علاه الندى: [من الكامل]

أنظر إلى قضب الزُّمرد بكرًة

ولما عليه من النَّدى تتحيَّر

فكأنًّه دمع يكفكفه الحيا

فيجول في الآماق لا يتحدر

[263]

/ 165 أ/ عبد الله عبد الرحيم:

[من البسيط]

ما حاول الصَّب يومًا عنك سلوانا

فكيف بدلتَّه بالوصل هجرانا

ونمت عن ليلة باتت كواكبها

ترعى بعينيه حتى الصُّبح ولهانا

والحبُّ لو كان عدلاً في حكومته

لصدَّ دون الكرى أجفان أجفانا

ضنوا بما عونه سكنى الحمى ولووا

ديون عشاقهم ظلمًا ولَّيانا

واستصوبوا جورهم فينا مجاهرًة

كأنَّنا لم نكن بالأمس جيرانا

وأظهروا لمحبيهم مخادعًة

من محكم الودِّ ما ضنُّوا به الآنا

ص: 238

أقمار تمٍّ علتها من براقعها

عمائم ما اكتست فيهن أدجانا

كأن ريح التصابي في مجاسدها

باتت تهزُّ من الأعطاف أغصانا

يالائمي في الهوى مهلاً فلي كبد

تذكي بها نفحات الشَّوق نيرانا

وكيف أنعم بالاً أو الذكرى

وفي الحمول اللَّواتي جزن نعمانا

/ 165 ب/ هيفاء في خدها ورد وفي فمها

ورد يظلُّ إليه القلب ظمانا

ليليَّة الفرع تنضو من غلائلها

دكنًا تفحُّ سحيق المسك والبانا

لولا المجرب من درياق ريقها

كما أضافت إليه منه ثعبانا

في وجهها نيِّر لا يستسرُّ وقد

يعرو السِّرار بدور التمِّ أحيانا

والحلي تكسبه حسنًا ترائبها

إذا ترائب أخرى غيرها زانا

مفيقة القلب من وجدي وناظرها

تخاله لانكسار الدَّلِّ سكرانا

لو باسمها نودي الأروى لأسهل عن

طوع ولو لامست متن الصفَّا لانا

تحمي سلافة فيها ثمَّ ترشفها

من الأراك بعيد النَّوم عيدانا

للحسن فيها صفات قلَّما اجتمعت

إلاّ لتغدو على العشَّاق أعوانا

تلهي الجميع بلذٍّ من فكاهتها

يخال طبعًا إذا كرَّته ألحانا

كأنَّ أنفاسها أنفاس سارية

هبَّت فهزَّت قبيل الصُّبح ريحانا

فلو تمرُّ بنا موتى وقد كشفًت

بحرفها عن محيَّاها لأحيانا

ما استعبد الحسن لولاها ولا أحد

في النًّاس كابن سعيد بثَّ إحسانا

/ 166 أ/ أوفى البريَّة معروفًا وأرفعهم

قدرًا وأثبتهم في المجد أركانا

واري زناد النَّدى والفضل قد عرفت

فينا صنائعه سرًا وإعلانا

سيًّان كفراننا مشهور أنعمه

فينا وإضماره بالله كفرانا

مولى يمنُّ بلا منٍّ ويرغب عن

نيل المنيل إذا ما كان منَّانا

جمُّ الذَّكاء تريه ألمعيَّته

ما لم يكن داخلاً في ما كانا

لذنا به فأرانا من مكارمه

وفضله ما كرام النَّاس أنسانا

تعشو إلى نار نعماه الضيوف كما

ينفك جار علا قدرًا وضيفانا

ويستبيح حمى الأموال نائله

ولم يصب من حمى أمواله صانا

تروى أحاديث نعماه مسلسلة

عن موثقي مسند العلياء إتقانا

ص: 239

في كلِّ وقت يرينا من خلائقه

وحسن آدابه نورًا ويستانا

يلقى رحال المنى عافي مواهبه

بحيث لم يخش عافي الجود حرمانا

بأضيق الناس عذرًا إن هم سؤلوا

جودًا وأوسعهم ............

إذا أتيناه نشكو من أذى زمن

سخا فما يعقب الأزمان أزمانا

سهل الحجاب منيع الدار منبته

في دوحة كرمت أصلاً وأفنانا

قوم إذا وزنوا بالناس كلِّهم

في سؤدد رجحوا بالنَّاس ميزانا

/ 166 ب/ القائمين بأعباء العلا كرمًا

ثمَّ المقيمين أفعالاً وأديارنا

توسعوا في النَّدى حتَّى لقد سمحوا

بالمستحيل من الإعطاء إمكانا

لو جاز أن يرجع الماضي على أحد

من عمره لأصاروا الشِّيب شبَّانا

لا يهتدى لمساعيهم وإن سطعت

أنوارها وغدت كالشَّمس تبيانا

جاءوا العلا قبل إلمام الكرام بها

فاستصلحوا خيرها دينًا وبنيانا

شعارهم حبُّ مبطان الضُّيوف إذا

حبَّ السَّفير ولم يبدوه إبطانا

تلقى أعاديهم يوم اللِّقاء بهم

آساد خفَّان في أكناف خفَّانا

باهت بفضل بهاء الدِّين أسرته

حتَّى لقد أشبهت في الفخر عدنانا

مولى بنى لبني الخشَّاب بيت علاً

طالتت مبانيه حتَّى جزن كيوانا

إذا استمحناه أعطى فوق بغيتنا

وإن أسأنا يرينا منه غفرانا

أعاشنا الله نتلو شكر أنعمه

حتَّى عليه إذا متنا توفّانا

فكم أعان على خطب أجاز بنا

مكروهه وحمى من حينه حانا

ودام وابناه فيما شاء من دعة

حتى يحرّك أمر الرّيح ثهلانا

[264]

عبد الله بن عيسى بن الحسيين ن أبي طالب بن محمد بن باروخ، أبو الهيجاء بن أبي منصور الكرديُّ المهراني الموصليُّ:

كانت ولادته سنة أربع وتسعين وخمسمائة بالموصل، وكان والده أميرًا جليلاً

ص: 240

عظيم المنزلة، عند أتابك نور الدين أرسلان شاه بن مسعود بن مودود، وأخص حجابه في دولته.

وابنه هذا أبو الهيجاء شاب جندي، ذو طبع في الشعر سليم، وفكر في إنشائه مستقيم، صاحب معان منتخبة، وألفاظ مستعذبة، مجيد في كلامه، محسن في صوغ القريض ونظامه، له طرف/ 167 ب/ شائقة، وأوصاف رائقة، ولم يعتن بشيء من الصنائع إلا وكان فيه تام المعرفة والحذق، يفوق به أقرانه وأشكاله، ثم إنَّ له اليد الباسطة في الآداب الملوكية، كالتصيد بالصقر والكلاب، والضرب بالصولجان، والرمي بالقوس، وركوب الخيل وسباقها، وغير ذلك، وهو في نفسه مفرط الذكاء، سريع الإدراك.

أنشدني لنفسه يمدح المولى المالك الملك الرحيم بدر الدنيا والدين، عضد الإسلام والمسلمين، مغيث الأنام، صفي الإمام، قسيم الدولة، محيي الملة، بهلوان جهان، خسرو إيران، قزل أرسلان، أتابك أبا الفضائل، نصير أمير المؤمنين -خلّد الله ملكه- من قصيدة مطلعها في المديح:[من الكامل]

يا من يعير الغصن قدًا والنَّقا

كفلاً ويحسد خصره الزُّنبور

إخفض جناح العطف منك فإنَّه

ظلٌّ عليَّ وما سواه حرور

إلَاّ سوابغ أنعم سحَّت على الـ

ـدُّنيا فهنَّ سحائب ونحور

من كفَّ من كفِّ الحوادث طوله

والطَّول فهو من الزَّمان خفير

/ 168 أ/ الضَّيغم البحر الخضمُّ الطَّود للـ

ـخطب الملمِّ المالك المنصور

العادل السُّلطان بدر الدِّين والـ

ـملك الرَّحيم المنعم المشكور

القاهر المتمرِّدين القامع الشـ

ـشرك الكميُّ الأروع المحذور

عضد الخلافة ناصر الإسلام محـ

ـيي العدل حام للثُّغور مجير

زاكي النِّجار فتى الفخار أخو الوقا

ر أبو اليسار فما لديه عسير

ص: 241

من دونه كسرى وقيصر في الغلا

هاذاك مكسور وذا مقصور

سبحان معطيه السَّعادة والنُّهى

من أردشير لديه من سابور؟

من عنتر من حاتم من قيس بل

من قسًّ حيث حديثه المأثور؟

كم من خميس كتيبة كادت لديـ

ـه الأرض تزحف والسَّماء تمور

جعل الرِّياح الهوج ساكنًة فلم

تسطع لمشتبك الوشيج تسير

وسمت أسنَّته فأوجس خيفة

منها الغيور فما لديه غيور

ومضت صوارمه لرعد بنوده

فالصَّيِّب المتدفِّق التَّامور

وافي اقتحامك وهو

بدوه

يكفيك عودًا والجواد درير

جنحًا جناحاه وقلب قلبه

حتَّى القوادم والخوافي بور

يومًا تكاد تميَّز الأبطال من

غيظ وأوداج الكماة تفور

/ 168 ب/ يا من يجلُّ بأن ترام صفاته

حضرًا وكلٌّ وصفه محصور

ما إن رأى الرَّاؤون قبلك مالكًا

طوعًا له فلك الزَّمان يدور

لم أثن في شعري لديك تكلُّفًا

مدحًا ودون طباعك المذكور

خذ في علاك قصيدًة قد أفحمت

نطق الفرزدق حيث جاء جرير

واسلم مدى الأيَّام مهما أسفر الـ

ـصبح المنير وأظلم الدَّيجور

وأنشدني لنفسه: [من الكامل]

عجبي له شرب المدامة طالبًا

سكرًا وقهوة ريقه من فيه

لو كان يفعل في خلائقه الطِّلا

كانت سلاف رضابه تنشيه

أو أنَّه ثمل بها ولعلَّ صهـ

ـباء العقار بفعلها تصحيه

مثل العليل المستمرِّ صلاحه

يرجى بثاني علَّة تأتيه

وأنشدني لنفسه: [من الطويل]

تقول وقد زمَّت لبين جمالها

مراعيًة عهدي بلطف التَّودُّد

هلمَّ لتوديعي فقد أوشك النَّوى

وأرخت دموعًا كالجمان المبدَّد

فقلت وأنفاسي يصعدها الأسى

وقد أذخت نار الهوى في توقُّد

محّلك في قلبي وإن أقفر الحمى

ولكنَّ طرفي من جمالك زوِّدي

/ 169 أ/ ولا تنكري تركي الوداع فإنَّه

بمثلك لا يسخو متى ظفرت يدي

ص: 242

وأنشدني قوله: [من الطويل]

ولمَّا تهادى أن ترى كتبك الَّتي

أسرُّ بها ما دمت في شاسع البعد

علمنا بأنَّ البين ينسى ولم تدم

شروط جرت عند الوداع من الودَّ

كتبنا عسى تحنو علينا بمثله

كتابًا يبكِّي ضمنه أعين الصَّلد

ولابدَّ في بطء السَّحاب عن الرُّبى

موافاة مستسقًى له ربَّما يجدي

وأنشدني من شعره: [من الطويل]

وذو، هيف حاز الجمال ظرافًة

ودقَّ معان في الجمال وفي الهيف

تحار عقول الواصفين لحسنه

ويكبر عند الوصف قدرًا فلم يصف

وأنشدني أيضًا قوله: [من الكامل]

لو كان يجزي الصبَّ خبر وداده

لمحبِّه في قربه وبعاده

تالله لم يصدرنه أيدي النَّوى

عمَّا يلذُّ الصَّاب في إيراده

كلاًّ ولا أضحى الغرام غريمه

حتَّى لقد أخفاه عن عوّاده

يا سائلاً عن حال صبٍّ ساهر

أنساه هجر الوصل ذكر رقاده

خدَّدن خدَّيه دموع جفونه

تيك التي حشيت بكحل سهاده

/ 169 ب/ لم يصح من سكر الصَّبابة ساعًة

أن يرعوي وإذا شككت فناده

يا ويحه كم ذا يكابد من جوى

وأقلُّ سبل الغيِّ دون رشاده

أو ما كفى أن لم يخلِّ له الهوى

إصلاح حال لم يقم بفساده

وأنشدني أيضًا من شعره: [من الكامل]

ريُّ ثغر ما بدا إلَاّ أرا

نا البدر يحمله قضيب مائل

طبعت سيوف لحاظه من نرجس

ولها بنفسج عارضيه حمائل

وأنشدني لنفسه: [من الوافر]

محمَّد صل كئيبًا مستهاما

بحبِّك لا يقرُّ له قرار

صبورًا في الحوادث غير واه

ولكن عنك ليس له اصطبار

بنرجس مقلتيك وورد خدٍّ

أحاط به بنفسجه العذار

وقدَّ كالقناة وليل شعر

تبلَّج تحت حاجبه النَّهار

ص: 243

أجرني من هواك ومن جفاك الـ

لذين كلاهما في القلب نار

ولا تبخل بقربك من محبٍّ

سخا بالعرض فيك وليس عار

وأنشدني من شعره أيضًا: [من الكامل]

لم أنس زورته بلا وعد وقد

ارخى الظلام حنادسًا بسدوله

/ 170 أ/ وافى نسيم عبيره فتأرَّجت

نفحات ريَّاه قببل وصوله

وتلألأت أنواره حتَّى لقد

قام الورى لله في تهليله

قصد اكتتام السِّر خوف رقيبه

معنا فلم نقدر على تحصيله

وأنشدني لنفسه: [من البسيط]

يا حبَّذا اليوم من يوم أغرَّ لقد

وافى بأعجوبة سيَّرتها مثلا

كأنما اشتبكت دون السَّماء على

الأرض الفواخت حتى سدَّت الخللا

ونافرت بعضها بعضًا مقاتلًة

فظلَّ يسقط زفُّ الرِّيش مانسلا

وقام بالأرض حتَّى لو توجَّه في

إحدى المسالك خلق طلَّ وانخذلا

ولا سماًء ولا جوًا نرى أبدًا

ولا نحقِّق لا سهلاً ولا جبلا

ولو سألت عن الدُّنيا لقيل نرى

كندف قطن وأمّا غير ذاك فلا

وأنشدني أيضًا من شعره: [من الطويل]

كتبت إليه شاكيًا من جفونه

وكون تعدِّيها عليَّ بلا جرم

وأنهيت أحوالي إليه تضمُّنًا

وما يعقب التَّذكار عندي من السُّقم

رجاء عسى يرثي فيحيى بقربه

لمقتول بعد نازح الدَّار عن ظلم

/ 170 ب/ فوقَّع لي ليس المريض عليه من

جناح وقد أنهى عن الوصل في الحكم

وبعد فمن ألقى ضلالاً بنفسه

إلى الهلك حقًا ما على الغير من إثم

ص: 244

[265]

عبد الله بن أبي القاسم بن أبي الفرج، المعروف بالجديد الحريميِّ:

من أهل الحريم الطاهري، كان رجلاً حرفته التكسب بالشعر لا غير، ويستجدي به الرؤساء من البغداديين، فيثاب عليه في ذلك بالنزر الطفيف.

أنشدني الشيخ العدل أبو بكر عبيد الله بن يحيى بن أبي بكر بن سالم ابن عثمان البغدادي الكاغدي بمنزله ببغداد، بجانبها الغربي، بدار القز، سنة تسع وثلاثين وستمائة قال: كتب إليّ أبو بكر عبد الله بن أبي القاسم بن أبي بكر الحريمي لنفسه بهذه الأبيات: [من الخفيف]

دم أبا بكر سالمًا من صروف الـ

ـدَّهر والنَّائبات والأعراض

صافي الورد ضافي البرد سامي الـ

ـجدِّ والعزِّ مترع الأحواض

ومر الدَّهر يستجب أمرك النَّا

فذ من غير وقفة واعتراض

وأبق في هضبة من العزِّ والعلـ

ـياء ما لم تشم بروق انتقاض

أيُّها الماجد الكريم السَّجايا

والنَّقي الأذيال والأعراض

دعوة من أخي وداد سليم الـ

ـعهد والودِّ صالح الأغراض

كلَّ يوم نسدي إليك ثناًء

مثل نشر النَّسيم فوق الرِّياض

لاعدا ربعك السُّرور ولازا

ل مصوبًا بالعارض النَّهَّاض

وتوالت على أعاديك أحدا

ث من البؤس في النُّفوس قواضي

ص: 245

[266]

عبد الله بن محمَّد بن محمود بن علي بن عبد الرحيم بن عليِّ بن خلف بن هلال بن نعمان بن داود بن عليِّ بن خلف بن الخضر بن مالك بن عبد الله بن مالك بن الحصين بن عطارد بن حاجب بن زرارة بن عدس بنزيد بن عبد الله بن دارم بن مالك بن حنظلة بن مالك بن سعد بن زيد مناة بن تميم بن مر بن أدّ بن طابخة بن إلياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان، أبو القاسم بن أبي عبد الله التميمي الحلبيُّ: طابخة بن إلياس بن مضر بن نزار بن معدِّ بن عدنان، أبو القاسم بن أبي عبد الله التميمي الحلبيُّ:

كان لسلفه قدم في الأدب والفضل، ونظم الشعر.

وأبو القاسم شاهدته بمحروسة حلب في العشر الأواخر من شهر شعبان سنة أربع وثلاثين وستمائة، وهو يتصرف في الأعمال، ويتولى النظر في ديوان/ 171 أ/ الإهداء.

وسألته عن ولادته فقال: ولدت خامس شهر رمضان سنة خمس وثمانين وخمسمائة بمدينة حلب، وهو شيعي المذهب، شاعر مجيد فيما يأتي به من مديح وتغزل، بمعان حسان، وألفاظ عذاب، يسلك أسلوب الشعراء المتقدمين فيما يحاولونه، وأندني جملة من أشعاره.

فممّا أنشدني بمنزله المحروس بمدينة حلب يوم الثلاثاء ثامن رمضان سنة أربع وثلاثين وستمائة لنفسه، وأنا سألته:[من الكامل]

لو كان أعتب بعد طول عتابه

لشفى فؤاد الصَّبِّ من أوصابه

لكن خلا قلبًا فبات مخلِّيًا

قلبي وما يلقاه من إطرابه

وهواه لولا ما تجنُّ جوانحي

منه لما استعذبت مرَّ عذابه

قمر يكنُّ البدر تحت لثامه

ويميس خوط البان بين ثيابه

ص: 246

اشفى على تلف ولمَّا يشفني

من حرِّ بلبال برشف رضابه

وأودُّ منه مولعًا بصدوده

تمري ذهاب الدَّمع ريح ذهابه

وشي العذار بعارضيه أصارني

لا أستجيب لمن بحالي وشى به

ما كان أرغد عيشتي لو كان لي

من جيده في الليل حظُّ سخابه

/ 171 ب/ يفري القلوب بمرهف من لحظه

لم يدر يومًا ما فراق قرابه

إن بان عن عيني فإنَّ خياله

ليجرُّني ولهي إلى منتابه

لمَّا تعرَّض لي وقد طعم الكرى

جفني وجدَّ الوجد في استحلابه

أفنيت ليل وصاله لثمًا له

وذهلت عن تعنيفه وعتابه

حتَّى لقد حاولت عند مضيِّه

منعًا له وتعلقًا بثيابه

وافى فقلت: الطِّيب حاول تجره

في حندس الظَّلماء فضَّ عبابه

أو مدح أحمد الرُّواة تناقلت

مأثوره وتعرضت لملابه

المغتدي همَّ العلا لسماحه

وهباته في عنفوان شبابه

حتَّى لقد حاولت عند مضيِّه

منعًا له وتعلُّقًا بثيابه

وافى فقلت: الطِّيب حاول تجره

في حندس الظَّلماء فضَّ عبابه

أو مدحح أحمد الرُّواة تناقلت

مأثوره وتعرَّضت لملابه

المغتدي همَّ العلا لسماحه

وهباته في عنفوان شبابه

مازالت الأيَّام تخلف موعدي

حتَّى أقامني الرَّجاء ببابه

يقفو سبيل العدل في أحكامه

فكأنَّه داود في محرابه

ويجير من جور الزَّمان إذا عدت

أحداثه ويفلُّ من أنيابه

فالملك ليس بقاؤه إلَاّ على

تدبيره وصلاحه إلَاّ به

وأنشدني أيضًا لنفسه: [من الكامل]

لولا اعتياد لواعج الأشواق

لم يع ذا هواك نفث الرَّاقي

ولكان يقنع من وصالك في الدُّجى

إلمام طيف خيالك الطَّرَّاق

/ 172 أ/ لكن جمعت عليَّ من ثقل الهوى

بيد الجوى والبين غير مطاق

ولا تخفقي مسعى هواي فإنَّني

أطوي الضُّلوع على حشًا خفَّاق

وعدي جميلاً عاشقيك وجانبي

في الحبِّ نقض مرائر الميثاق

كيف السَّبيل إلى السُّلو لمغرم

جمعت عليه شوارد الإشراق

ص: 247

أم كيف لا يبدو هواه وقد بدا

طلل الأحبة ظاهر الإخلاق

طلل لعلوة باللِّوى ابقى البلى

من رسمه لحشاشة المشتاق

كانت معالمه تروق لما بها

من صمت خلخال ونطق نطاق

من كلِّ رائعة الجمال غريرة

خمريَّة الوجنات والأرياف

تأوي الحجال وترتعي ألبابنًا

وتعاف رعي الشَّت والطُّبَّاق

لا أظلم الغربان لم يقذف بها

أمد النَّوى إلَاّ رغاء نياق

ولربَّ كأس بتُّ أسقاها على

مثل الحديقة من محيَّا السَّاقي

خلفت خلال محمَّد ففعالها

بالهمِّ فعل نداه بالإملاق

وأنشدني أيضًا لنفسه في التاريخ المذكور: [من الطويل]

/ 172 ب/ بدا قمرًا في حندس اللَّيل نيِّرا

وهزَّ ردينيًا من القدِّ أسمرا

وأبدى لنا ما بين آس عذاره

غداة بدا وردًا من الخدِّ أحمرا

وأمعن في بري الجسوم تعمُّدًا

بما راش من نبل الجفون وما برى

من الهيف معشوق الشمائل أغيد

أقلُّ غرامي أن ينام وأسهرا

يريك قضيب البان أملد أهيفًا

إذا ما بدا والظَّبي أجيد أحورًا

يميس بريحان الذوائب مورقًا

ويبدو بورد الوجنتين منورَّا

وتصبيك منه طرَّة فوق غرَّة

تبدَّت على كافورة لوجه عنبرا

عسى يجمع الشَّمل المشتَّت جامع

فيرجع ليل الصَّدِّ بالوصل مقمرا

والهو بواهي الخصر بين جفونه

لواحظ يذكرن الحسام المذَّكرا

يدير علينا مسكرًا من سلافها

ونرشفها من ريقه العذب سكَّرا

وندمان صدق هبَّ لمّا دعوته

يمسح عن أجفانه سنًة الكرى

وقد ولت الظلماء إلا بقيًة

غدا الدِّيك فيها بالصَّباح مبشِّرا

وقد فلَّ جيش الفجر مذ سلَّ سيفه

على اللَّيل من زهو الكواكب عسكرا

وقد ظلَّ نجديُّ النَّسيم كأنَّما

يجرُّ على الأهضام ذيلاً معنبرا

فقام إلى صفراء يعرف لذَّة

ولهوًا إذا منها تجرَّع منكرا

كأن سلاف الرَّاح تحت حبابها

صعيد من العقيان أنبت جوهرا

ص: 248

/ 173 أ/ وأنشدني أيضًا لنفسه من قصيدة: [من الكامل]

لولا الخيال ورقبتي منه السُّرى

لمنعت عيني أن يلمَّ بها الكرى

ولكنت آنف من رقاد متيَّم

قضت النَّوى لجفونه أن يسهرا

أفنى تجلُّده الغرام وزاد في

زفراته فغدا مقلاًّ مكثرا

يرتاح وجدًا للحمام إذا شدا

سحرًا ويصيبه النَّسيم إذا سرى

وإذا خفى متألِّقًا برق الحمى

كان الكفيل بشجوه أن يظهرا

يا حَّبذا نفحاته وكأنمَّا

تنضاع مسكًا إذ تضوَّع عنبرا

والوصل ما سدَّت مطالعه ولا

سدَّت لو شك فراق جيرته العرى

جزعوا أديم ثراه وهو مروَّض

فغدا برّبات الخدور منوَّرا

وأسلت لمًّا أن أسال شعابه

بمطيِّهم ماء المدامع أحمرا

وكذا العيون الفاتنات أسيرها

لا يفتدى وقتيلها لن يوترا

وصريع صافية صبحت بمثلها

قعدت عليه يد السُّلاف وما درى

لمّا استمرّ به الرُّقاد دعوته

فأتى بفضل ردائه متعثرًا

قم فانشط اللَّذَّات من أشطانها

فالنَّجم قد حبس العتاق عن السُّرى

والرَّوض قد حطَّ الغمام وسوقه

في تربه فكساه بردًا أخضرا

/ 173 ب/ وغدت بأنوار الرَّبيع ونوره

لمَّا بدا كلُّ المواطير عبقرا

فدع التَّنافس في سواها للورى

وانهض إليها طائعًا لا مجبرا

واشرب على زهر الرَّبيع سلافها

وتوخَّ مزمارًا يروق ومزهرا

من كفِّ أغيد ما رنا إلَاّ انتضى

عضبًا من اللَّحظ الكحيل مجوهرا

فسقى الحيا ليلاً أحلت سراره

بجبينه والكأس ليلاً مقمرا

وأنشدني أيضًا من شعره: [من الطويل]

محبّكم والعاشقون ضروب

مصاب على حكم الهوى ومصيب

أسرتم وأسهرتم فؤادي وناظري

فقلبي أسير والرقاد سليب

صلوا واصلاً فيكم غرامًا أقله

يزيل الأسى من قلبه ويذيب

ورفقًا بما من عاشقيكم سكنتم

فلسن حديدًا إنَّهنَّ قلوب

وأسمر معشوق الشَّمائل حسنه

غريب كما حزني عليه غريب

ص: 249

بدا قمرًا في ليل فرع يقلُّه

قوام يريك الغصن وهو رطيب

يجور على المشتاق وهو مجاور

وينأى مزار منه وهو قريب

ألا حبَّذا وادي الأراك وأهله

حلول وبرد العيش فيه قشيب

غصون على أوراقهن ذوائب

بدور على أفلاكهنَّ جيوب

/ 174 أ/ جفوا فجفوني في المنازل بعدهم

تعلِّم نوء المزن كيف يصوب

وأنشدني لنفسه من ابتداء قصيدة: [من الكامل]

صفت المدام فناد في أحلاسها

وأبن ظلامهم بكوكب كاسها

وأجل قداح هواك في أقداحها

تلبس من السَّرَّاء خير لباسها

بكر إذا ما زوجت بمزاجها

نثرت هموم الشَّرب في أعراسها

جهميَّة أوصافها فإذا بكى

راووقها ضحكت لنا في طاسها

كادت زجاجتها تطير بما حوت

لو لم يرض بالماء فضل شماسها

خلصت سبيكة دنِّها من غشِّها

لمّا غدت والدَّهر من روباسها

ما المسك تعبق موهنًا أنفاسه

بألذَّ للمشتاق من أنفاسها

كلَاّ ولا المقباس في حلك الدُّجى

بأتمَّ نورًا من سنى مقباسها

في حان محسنة أتت في حانها

حزنًا على المنعوت من أجناسها

غالت عليًّ بسومها فقبلت ما

قالت وما دلَّستها بمكاسها

وشربتها حتى تقضَّت ليلتي

وانجابت الهبوات من أغلااسها

من كفِّ مقتبل الشَّباب غريرة

خوطيِّ لين معاطف ميَّاسها

يجني علينا بالمدام ويجتنى

من ورد روضة وجنتيه وآسها

/ 174 ب/ خلس القلوب بوارد من فرعه

تفديه من فتانها خلَاّسها

وبزاهر من خدِّه وحواجب

منها نبال اللَّحظ في أقواسها

لله من خبلت مواطن لذًّة

من سفح جوشنها إلى بطياسها

حيث القصور اواهل ما بدِّلًت

بالوحشة الشَّوهاء من إيناسها

ص: 250

والرِّيح تعبث وهي دانية السُّرى

بمعاطف البانات من أغراسها

يصف الطُّلول الدَّارسات محيِّن

وقف الشَّقاء به على أدراسها

مالي وللدَّار التي قد أقفرت

أبكي على عرصاتها من ناسها

شغل البلى منها فأين بلون ما

يتلون حلف الشَّوق من إحساسها

دعها فقد شغل الغياث بمدحه

البابنا عن وصف ظبي كناسها

ملك إذا قيس الملوك بفضله

ناجته بالتَّفضيل نفس قياسها

تفديه من حلَاّل أنديه الوغى

خلَاّع كلِّ عجاجة لبَّاسها

مقدامها في يوم كلِّ كريهة

مطامعها مطعانها مدعاسها

جاءت مواهبه بدرَّة جودًة

كرمًا ولم تخرج إلى إبساسها

جم السبالة لو تقدم عصره

لم تسم بالقدماء شدَّة بأسها

لو عاينت بكر بن وائل فتكه

ما استعظمت ما جاء عن جسَّاسها

/ 175 أ/ فلَاّل كلِّ كتيبة ملمومة

شعل السَّريجيَّات من أقباسها

وإذا تمرَّس بالكتائًب حاملاً

رمحًا فقد نكست قوى أمراسها

محضرُّ وادي الجود عرِّيض النَّدى

أمواله لم تثو في أكياسها

لعفاته ماسرَّ من إرفادها

وعداته ما ساء من إتعاسها

ملأت مواهبه القلوب مودَّة

حتى كفاك رجاؤها من ياسها

وتزَّينت بفعاله الدُّنيا كما

طهرت بفيض نداه من أدناسها

تددعو له الأحياء في أوطانها

وتهابه الآساد في أخياسها

فتملَّ يا اسنى الملوك سعادًة

جاءتك راكضًة على أفراسها

وبناء دار للنُّجوم نواظر

تسمو إذا نظرت إلى نبراسها

مأهولًة الأرجاء منك بمشبل

نهَّاب أرواح العدا فرَّاسها

لو فاخرت غمدان أذعن رُّبهًا

ولودَّ أن لو عدَّ من أحراسها

ولو الخورنق زارها لتطامنت

شرفاته عن مس ترب أساسها

شرفًا بني أيُّوب فالأيَّام في

أيّامكم قد بان لين مراسها

أنتم إذا وعدَّ الملوك كرامها

وسواكم المعدود في أنكاسها

ص: 251

/ 175 ب/ وتفاضلت باللُّطف في أخلاقها

ألفيتم الأكياس من أكياسها

وصفاتكم ما كدِّرت فكأنَّها

راح يطاف بها على جلَاّسها

ولأنتم شرف الممالك مثلما

شرف الخلائق في بني عبَّاسها

فتُّم ببأسكم بني حمدانها

وفضلتم كرمًا بني مرداسها

والله يأبى أن تضام رعيَّة

أصبحتم الأمناء من سوَّاسها

بدَّلتموها بالغنى من فقرها

كرمًا وبالأثراء من إفلاسها

بمواهب الملك العزيز وعدله

طهرت بلاد الله من أرجاسها

حسنت بسيرته وأنشر فضله

رمم النَّدى والبأس من أرماسها

قل للملوك رميتم من عزمه

بمبيد دار عدوَّه جوَّاسها

فتخوَّفوا منه فتى فتكاته

اخلت زوايا الغاب من هرماسها

ودعوا له سبل العلاء فلستم

من نبع دوحتها ولا أحلاسها

لا غير نوء نداه يخلف صيِّب الـ

أنواء بل يوفي على رجَّاسها

ولنيل مصر دون نائله إذا

ما ظلَّ معتليًا على مقياسها

تجد الكماة حياتها في سلم مضـ

طلع بغلب الغلب من أشواسها

فإذا نحاها أكثرت من ضربها

أخماسها للخوف في أسداسها

/ 176 أ/ لازالت الأعياد حاليًة به

ما استمتعت عين امرئ بنعاسها

وأنشدني لنفسه أيضًا ما كتبه إلى بعض أصدقائه: [من الكامل]

يا أيها المولى الظَّهير ومن

أحسانه لرحى العلا قطب

والماجد النَّدب الذي يده

من سحِّها تتعلَّم السُّحب

في ترك خدمتك التي شرفت

للدَّهر لا لغلامك الذَّنب

ولأنت تعلم أنَّني رجل

بين الزَّمان وبينه حرب

والنَّاس قد خسَّت خلائقهم

فمطالبي عن قصدهم نكب

من كلِّ جعد الكفِّ ليس له

مذكان غير حطامه رب

لا يألمون إذا هجوتهم

بل يفخرون ويكثر العجب

وبمثل مجدك لا يليق على

عبد عرفت ولاءه العتب

لك من ودادي صفوه فإذا

ما غبت عنك فعندك القلب

ص: 252