المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ذكر من اسمه عبد السلام - قلائد الجمان في فرائد شعراء هذا الزمان - جـ ٢

[ابن الشعار]

الفصل: ‌ذكر من اسمه عبد السلام

‌ذكر من اسمه عبد السلام

[309]

عبد السَّلام بن عبد الرَّحمن بن يوسف، أبو محمد البوبانيُّ:

من أهل المغرب.

حدثني الصاحب أبو البركات المستوفي رضي الله عنه بأربل قال: كان أبو محمد ينسخ ويكتب واضحاً، قدم إربل غير مرة، وتوفي بها سنة أربع وستمائة، وأخذ عامل التركات تركته.

وكان شاعراً، قصد بشعره الملوك.

أنشدني رحمه الله لنفسه في شهر رجب من سنة ثمان وتسعين وخمسمائة بإربل، وهي أول قدوماته:[من الوافر]

/263 أ/ رويدك أيُّها الرَّشأ الغرير

فكم أغرى بغرَّتك الغرور

ويرِّد يا فديتك حرَّ وجدي

بوصلك إنَّ هجرك لي مبير

أما إن آن أن تحيي [معنّى]

قتيل هوىً رضاك له نشور

إذا جنَّ الدُّجى جنَّ اشتياقاً

فليس سوى النُّجوم له سمير

حكى يعقوب قبلاً مثل وجدي

إلى أن جاء ينذره النَّذير

وأقسم لا يذوق النَّوم حتَّى

يجيء بثوب يوسفه بشير

فوالهفي على زمن تقضَّى

وغصن شبيبتي غضٌّ نضير

سقى صوب العهاد عهود لهو

عهدناها وشاهدها السُّرور

ديارٌ للفؤاد بها غرامٌ

مقيمٌ ما له عنها مسير

قضى صرف القضا عنها بصرفٍ

وللأقدار أحكامٌ تجور

ترى الأيَّام تسمح واللَّيالي

فيقضى لي إلى مصرٍِ مصير؟

فقد ضاق الصَّعيد عليَّ حتَّى

كأنِّي بين أسرته أسير

ص: 364

[310]

عبد السلام بن المطهَّر بن عبد الله بن محمَّد بن هبة الله بن عليِّ

بن أبي عصرون، أبو العباس/263 ب/ بن أبي المعالي التميمي:

الفقيه المفتي.

من أبناء العلماء، والقضاة، وبيت الفقه، والعلم، والرئاسة الظاهرة في الدين والجاه العريض والتقدم عند الملوك والسلاطين.

سمع أبا الفرج الثقفي، وجدَّه القاضي أبا سعد عبد الله بن محمد بن أبي عصرون، وكان فقيهاً حبراً، قرأ الخلاف والأصول، ودرّس الفقه بحلب، بالمدرسة التي أنشأها الملك العادل نور الدين أبو القاسم محمود بن زنكي بن آقسنقر –رضي الله عنه المنسبة إليهم.

وكان مع ذلك رجلاً عاقلاً، هيوباً، صيِّناً، ذات سمت ووقار، ورئاسة وجلالة، سمح اليدين، كريم النفس، باراً بالفقراء والمساكين، لا يرد قاصداً يفد عليه، وله إيثار ومعروف يصل إلى جماعة يردون عليه، ولم يكن يدّخر شيئاً من عرض الدنيا، وتوفي وعليه دين.

وكانت ولادته في سنة ثمان وستين وخمسمائة، وكانت وفاته بدمشق في ليلة

ص: 365

الثلاثاء، الثامن والعشرين /264 أ/ من المحرم سنة اثنتين وثلاثين وستمائة، ودفن بجبل الصالحية –رحمه الله تعالى-.

عثرت له بقصيدة مطوّلة سمّاها بالزكية في مدح سيد البرية صلى الله عليه وسلم، عدد أبياتها مائة وثمانية وثمانون بيتاً، ليست من جيد الشعر ورائقه، بل هي متكلفة الألفاظ، وفيها تعسّف، وذلك لأنه لم يكن نظم الشعر من شأنه، أنشأها في مدح النبي صلى الله عليه وسلم، وهي تشتمل على مناقبه، وفضائله، ومعجزاته التي ظهرت وانتشر ذكرها في أقطار الدنيا، وأنشدها عند قبره عليه السلام لما حجَّ، وسمعها منه خلق كثير، ولم يقل من الأشعار سواها، فلم أر الإخلال بها، فأثبتُّ بعضها تبركاً بذكره عليه السلام، وكونها في مدحه، واعتمد فيما ضمنها من المعجزات والمناقب على "كتاب الشِّفا في شرف المصطفى"، تصنيف القاضي أبي الفضل عياض بن موسى السبتي، ثم على "كتاب الروض الأنُف" للسهيلي، ثم على سفر ابن عبد البر، ثم سيرة ابن هشام /264 ب/ وغيرهم، نطق بذلك متأخراً في عجز القصيدة، أنشدنيها الشيخ العارف الأمين أبو عبد الله محمد بن عبد القاهر بن هبة الله بن عبد القاهر بن النصيبيني بحلب المحروسة، يوم الخميس ثالث عشر شوال سنة سبع وثلاثين وستمائة، بدار الشيخ

ص: 366

الأجل المحترم الكبير محيي الدين بن صالح بن عبد الكريم بن عثمان بن عبد الرحيم بن عبد الرحمن بن العجمي –أدام الله تأييده؛ وقرن بالسعادة توفيقه وتسديده بمحمد وآله أجمعين –أولها: [من الطويل]

سأذكر مجداً لا أطيق له حصرا

وأنشد فضلاً أعجز البدو والحضرا

لخير نبيٍّ أظهر الله دينه

بإرساله براً وإظهاره بحرا

نبيٍّ كساه الله علماً ورفعةً

وأعلى له شأناً وأسمى له قدرا

محمد المختار من آل هاشمٍ

فأنعمه [موفورةٌ أبداً] تترى

مخالفه قد باء بالذُّل والشَّقا

وناصره قد أحرز العزّ والنَّصرا

وأباؤه سادوا وكان .......

وفضلهم عمُّوا العمارة والقفرا

ومن فضلهم أنَّ الدَّعيَّين منهم

أطاعا لأمر الله إذ فهما الأمرا

/265 ب/ وأعمامه سادت فهر ومالكٍ

بهم شرَّف الله السِّقاية والنَّصرا

فأوَّلهم ذكراً أبو طالب الذي

حمى ابن أخيه ما أرادوا به المكرا

وحمزة والعبَّاس عمّا نبيِّنا

أشادا له عزًّا وكانا له ظهرا

فجازاهما الرحمن خير جزائه

وآتاهما نوراً واتبعه شكرا

وعترته حازوا المكارم والعلا

فحسبهم فضلاً وحسبهم فخرا

فعزهم إرثٌ لهم عن أكابرٍ

ومجدهم أعلى من الفلك المجرى

وأصحابه خير البريَّة كلِّها

وأنصاره سادت من وطأ الغبرا

هم جاهدوا في الله حقَّ جهاده

وقاموا به سراً وقاموا به جهرا

بهم أيَّد الله النَّبيَّ وشرعه

فسرُّوا به دنيا وفازوا به أخرى

فعمَّهم الله الكريم بفضله

وجازاهم خيراً وآتاهم برَّا

وبلَّغهم منه سلاماً ورحمةً

يدومان في الأفلاك مادامت الخضرا

وأربعةٌ من صحبه خير صحبه

بهم شرَّف الله الخلافة والعصرا

فأوَّلهم صدِّيقه وصفيُّه

وثانيهم الفاروق ما افترقا دهرا

ويتلوهما عثمان ثمَّ ابن عمِّه

أبو حسن قد أوهن الشِّرك والكفرا

فحيَّاهم الرَّحمن خير تحيَّةٍ

فقد أحرزوا منه القرابة والصِّهرا

/265 ب/ وفاطمة الزَّهراء خير نسائها

وأولادها سادات من ركب الظَّهرا

ص: 367

به بشَّرتنا الرُّسل من قبل بعثه

وردُّوا جميعاً أن يشدُّوا له آزرا

وهذا القدر فيه كفاية من أبياتها.

[311]

عبد السلام بن جعفر بن أبي محمد عبد الله بن أبي طاهر

محمد بن محمدٍ، أبو الغنائم التكريتي، المعروف بابن الكتبيِّ:

قرأ في صغره وفي كبره بتكريت على قاضيها أبي زكريا يحيى بن القاسم، وسافر إلى الموصل، وأقام بها مدة، ولقي بها جماعة من المشايخ والفضلاء، وأهل العلم، وصحبهم، وقرأ عليهم، ثم إلى مدينة السلام، وأقام بها واشتغل بفنون من علم الأدب، ورأى بها جماعة من العلماء، ولما قدم القاضي ضياء الدين القاسم بن يحيى الشهرزوري إلى بغداد، وولي قضاء القضاة بها، وأمر الوقوف، استنابه في الوقوف العامة، وبعد ذلك استنابه عضد الدين أبو الفرج ابن رئيس الرؤساء على الإشراف بالمنائر المعمورة.

/266 أ/ وكان جميل الأمر، ظاهر الديانة، معروفاً بالثقة والأمانة، رياناً من العلوم، يكتب الرسائل الحسنة، وينظم الأشعار المهذَّبة.

فمن أشعاره إلى القاضي تاج الدين التكريتي: [من الطويل]

وما نح تاج الدِّين كلَّ فضيلةٍ

ومصفيه أوصافاً مضوَّعة النَّشر

ص: 368

وموليه أسباب السِّيادة والعلا

ورافعه أوج السِّماكين والنَّسر

وناظم شمل الفضل بعد شتاته

بهمته العليا وآرائه الزُّهر

وجاعله ردءاً لكلِّ مؤمِّلٍ

مجيباً لمن نادى نداه بلا عذر

لوقتٍ أرى فيه محيَّاه قبلتي

وأهنا بحبِّيه لخالصة الدَّهر

وأن انقضاء الوقت دون تيمُّني

وأنسي به لا أرتضيه من العمر

وقد كنت أرجو أن أسوِّغ قربه

ومن لي بقرب السَّيِّد السَّند الذكر

وإن كنت لم أنه الأمور تفضُّلاً

فلا ريب أن الحال تشهد بالعذر

ومن قبل ما تغدو الغزالة اغتدي

وبين العشائين الرَّواح إلى الوكر

فيا ربِّ روِّ القلب من قرب مجده

وأوربه زند السِّيادة والفخر

وقوله فيه: [من الكامل]

/266 ب/ مولاي مسَّاك الإله بنعمةٍ

غرَّاء دائمة على الإيثار

بلِّغت في علياك غاية بغيتي

يا سيِّد العلماء والأبرار

واشتدّ ازر العلم منك بصائب الـ

آراء في الإيراد والإصدار

وأقيم مناد الأمور بعزمك الـ .... ـماضي الشَّبا المشكور في الأخبار

وسرت فضائلك الشَّهيرة في الورى

حتى تؤرِّج سائر الأمصار

حييت من مولى الأنام بكلِّ ما

تختاره من رفعةٍ وفخار

وخصصت من آلائه بمواهبٍ

مشكورةٍ موفورة المقدار

لازلت تحت رضاه يا من لم يزل

ترضيه في الإعلان والإسرار

لمَّا رآك مؤهَّلاً لمراتب

ما إن لها إلَاّك في الأقطار

أدنى محلَّك واجتباك ولم يزل

نظر الخليفة في رضا الجبَّار

لازال منصور الكتائب بالغاً

أقصى المآرب باهر الأنوار

وأراك أولى النَّاس قاطبةً بما

أولاك فاشكر نشعمة المختار

هذا هو الشَّرف الذي أضحى به

ربع الفضائل ناضر الآثار

زنت الفضائل والعلوم بأسرها

وفرعت أوج المجد باستظهار

ما كلُّ من نال العلوم بهمَّة

علوية كمكاثر مكثار

/267 أ/ ليس اتِّفاق الأمر كاستحقاقه

والحقُّ أبلج لائح الإسفار

ص: 369

فتيمَّمت بكريم مقدمك العلا

وفداك كلُّ مباينٍ خوَّار

قد كنت يا صدر الورى متأخِّراً

من عارضٍ وضحت به أعذاري

فهو الَّذي منع الحضور وصدَّ عن

ذاك الجناب الفاغم المعطار

ولقد ظمئت إلى اللِّقاء وهكذا

الأشواق تنمى عند قرب الدَّار

ولو استطعت أطعت شوقي إنَّه

شوقٌ يتوق إلى أجلٍّ مزار

لكنَّ ضعفي ظاهرٌ من وعكةٍ

أرجو إزالتها بلطف الباري

والبرء قد وافى وتمَّ وإنَّه

عند اللَّقاء يتمُّ باستمرار

ولقد عجبت من الزَّمان وكيف لم

أر سائلاً عنِّي وعن أخباري

وتأخُّري من أعجب الأشياء لو

لا ما بدأت به من الأخبار

ولي الهناء على الخصوص وسائر الـ

جمهور أمنحهم من استبشاري

هذا الذي قد كنت آمله وقد

نلت المنى ونهاية الأوطار

فبطالع السَّعد القدوم [مباركٌ]

واسلم ودم في أسوغ الأعمار

وأنشدني الشيخ العالم، تاج الدين أبو طالب علي بن النجيب بن عثمان بن عبد الله البغدادي /267 ب/ بها في سنة تسع وثلاثين وستمائة قال: أنشدني أبو الغنائم عبد السلام بن جعفر بن عبد الله [قال: أنشدني]، أبو محمد بن محمد التكريتي لنفسه من قصيدة يمدح بها المستنصر بالله –رحمه الله تعالى-:[من الكامل]

أبدي التجَّلُّد والضَّنى ما يستر

وأروم كتمان الغرام ويظهر

وأظلُّ محنيَّ الضُّلوع على أسى

ورسيس شوقٍ ناره تتسعَّر

وأحاول الصَّبر الجميل ومن يكن

صبَّاً وحلف صبابة لا يصبر

وأسرُّ ما بي ثمّ أظهر ضدَّه

جلداً وباعي في التجلد يقصر

وإذا ذكرت ليالياً سلفت لنا

زمن الوصال يهيجني ما أذكر

ولطالما حلَّ السُّرور لنابهٍ

فيها وماس بها الحبيب الأحور

وأباح فيها ما حمى من ريقه

وهو السُّلاف البابليُّ المسكر

وثنى قواماً قام عذر محبِّه

لمَّا غدا في حسنه يتبختر

واحوم حول حمى رضاه لعلَّه

يوماً إليَّ بعين عطفٍ ينظر

ص: 370

مازلت متَّبعًا رضاه وطالبًا

إعراضه فيما يحبُّ ويؤثر

ما كان لي ذنبٌ فأحرم وصله

وعلى محبَّته أموت وأحشر

وهو العليم بكلِّ ما عانيته

في حبِّه وبما أسرُّ وأجهر

إن عادت الأيّام لي بطويلع

أو ضمَّني والهاجرين محجَّر

لأخبِّرنَّ بما لقيت من الهوى

ولأشكونَّ بأدمعٍ تتحدَّر

ولأعتبنَّ على أناسٍ لم أخل

من بعد حسن وفائهم أن يغدروا

عهدي بنا زمن التَّصابي والهوى

غصنٌ نضير والهواء معنبر

والشَّمل ملتئمٌ وإخوان الصَّفا

يتراضعون مودَّةً لا تكدر

فتفرَّقت تلك الجموع وأوحشت

تلك الدِّيار وعاث فيها العثير

وبقيت منفردًا أسامر سورة الـ

ـبرحاء في اللَّيل الطَّويل أفكِّر

مازالت الأيَّام موحشةً لمن

قد آنسته وفعلها لا ينكر

فاستجل أبكار الثَّناء بكلِّ ما

تجني به ثمر الثَّواب وتذخر

هاجر إلى الحرم الشَّريف وطف به

لتنال غاية ما بفكرك يخطر

وتعود موفورًا تصيب من الغنى

تختال في حلل الحباء وتخطر

فهناك أبلج من أسرَّة وجهه

يتلألأ الكرم الأريج ويسفر

ملكٌ تولَّاه الإله بلطفه

واختصَّه بأجلِّ وصفٍ يؤثر

الماليء الآفاق عدلًا نائب اللَّه الإمام المالك المستنصر

خير الخلائف صفوة الله الذي

كلُّ الورى في عصره قد أيسروا

ما أنضر الدُّنيا بمالك رقِّ من

فيها ومن بولائه نستبشر .. !

لازال في حرز السَّلامة خالدًا

تزهى به الدُّنيا ويسمو المنبر

[312]

عبد السلام بن أبي عليِّ بن يحيى بن مناحيم.

وهو الرابع عشر من أجداده.

أبو الغنائم اليهوديُّ.

من أهل حلب.

ص: 371

كانت ولادته عل ما أخبرني من لفظه يوم السبت ثالث عشر ربيع الآخر سنة تسع وثمانين وخمسمائة.

رجل متصرف في الأعمال الديوانية، فيه ذكاء وفطنة، ويعمل الشعر الصالح طبعًا، ولم يكن عنده شيء من علم العربية، ولا اشتغل به، وربّما مرّ له أبيات لا بأس بها، ويضاف إلى ذلك معرفته بعلم الحساب، وبالتصرف في إيراد أنواعه [وكان] يتولى بحلب الاستيفاء بديوانها العالي، وله أشعار كثيرة في المقطعات الغزلية وغيرها.

أنشدني لنفسه: [من مجزوء الرمل]

إنَّ يومًا أنت فيه

لست تدري ما وراه

لا تضع حقَّك فيه

لفقيد لن تراه

ليس بالحزن عليه

يمنح الدَّهر لقاه

لا ولا يلقى شقاءً

أقرب النَّاس سلاه

فاغنم العمر ولو فا

رقت في الغنم رضاه

وأنشدني لنفسه: [من المتقارب]

ولمّا حكى مستدير العذار

على صبح خدِّك خيط الظَّلام

توهَّمه مزريًا بالجمال

متى نزَّه الوهم طيب المنام؟

ولم يدر- أفديك- أنَّ العذار

طراز الجمال ومسك الختام

وأنشدني لنفسه: [من الكامل]

يا لائمي في حبِّ معسول اللَّمى

لو بالهوى يقضي عليك الأوجس

لعلمت أنَّ اللوم مرٌّ في الهوى

وعرفت ما فيه إذًا أتوجَّس

وتركتني وهواي من في حبِّه

سمعي الأصمُّ ودمعي المتبجَّس

قمرٌ لعيني ما يلذُّ بوجهه

فبخاطري سلوانه لا يهجس

الخدُّ وردٌ والشِّفاه شقائقٌ

والخطُّ آسٌ واللَّواحظ نرجس

والثَّغر درٌّ في العقيق وخصره

ما إن به ما يأكلنَّ الجرجس

والصُّدع عقربه فلا راقٍ لها

واللَّفظ سحرٌ ليس منه محبس

ص: 372

وأنشدني لنفسه: [من الخفيف]

قم بنا نجتلي كؤوس العقار

فهي تجلو وساوس الأفكار

ولئن كان ذا وجومك أفديـ

ك لحرِّ اجتناب شمس النَّهار

ففي بهجة المدام غناءً

عن ضياء الشُّموس والأقمار

وأنشدني لنفسه: [من الكامل]

يا حادي الأظعان إن جئت اللِّوى

سلِّم على اللَّاوي ذنوبي في الهوى

حدِّثه أنَّ مدامعي من بعده الـ

ـبحر الخضمّ وفي الحشا نار الجوى

وبأنَّ سقمي قد تجاوز حدَّه

لفراقه الموهي العزائم والقوى

ولعلَّه يرعى العهود ويرعوي

ولئن رعى أبرى الضَّناء أو ارعوى

قمرٌ حوى في الحسن أوصافًا لها

بل دونها الصِّدِّيق يوسف ما حوى

سلوانه قبل النَّوى قلبي نوى

وقد انثنى بعد النَّوى عمَّا نوى

فكأنَّما بين الحبيب مقوِّمٌ

عود الغرام إذا التوى بعد النَّوى

وأنشدني أيضًا لنفسه: [من المتقارب]

أيا من تعرَّضني في الكرى

وإعراضه نفطه يحرق

تعهَّد عهودي عهود الهوى

بماء الوفاء عسى تورق

.. بدَّلته عذَّالي

فما هو من شمسه يشرق

ولا برقه غير ما خلَّبٍ

ولا سحبه ماؤها يهرق

نصحتك فاقبل وإلَّا فعن

قريبٍ كذا الدَّمع قد يشرق

وأنشدني لنفسه: [من مجزوء الرمل]

صاح دنيانا كبحرٍ

من أذىً فيه نعوم

إن تجد فيها نعيمًا

فالشَّقا ذاك النَّعيم

وأنشدني لنفسه أيضًا من شعره: [من مجزوء الرمل]

صاح دنيانا مقامٌ

ما بها شيءٌ يدوم

ولذي الجهل جنانٌ

ولذي العقل جحيم

وأنشدني لنفسه تهنئة .. بولاية: [من الكامل]

ص: 373

كم من أناسٍ للولاية شرَّفوا

وأرى الولاية شرِّفت بإياس

القرم فخر الدِّين خير بني الدُّنى

اللَّابس العلياء خير لباس

قطب العلا ربُّ التُّقى حلف النُّهى

حتف العدا خدن النَّدى والباس

سارت بسعدٍ فلكه ونجومه

تسري بعزٍّ ثابت الآساس

وأنشدني لنفسه: [من مجزوء الكامل]

عنَّ ادّكاركم فعنىً

يا مدمن الإعراض عنّا

كم ذا الجفا منكم لنا

ولكم حميم الودِّ منَّا

إن كان ذا حكم الهوى

فلقد قضاه الله عنَّا

عزَّ العزاء على شج

بهواك هان وما تهنّا

أنضاه صدُّك صبره

وفؤاده والجسم أضنى

فامنن عليه بالرِّضا

نلت المنى وامنحه أمنا

واحنن وحنَّ فحينه

قد حان إلَّا أن تحنَّا

وأنشدني لنفسه: [من مجزوء الكامل]

يا أيُّها الرَّشا الَّذي

امسى الأسى فيه سميري

أسرفت في جورٍ علـ

ـيَّ ولم تكن لي بالمجير

أتظنّ أنَّي في الهوى

-أفديك- خوَّانُّ الضَّمير.

قسمًا بنرجس مقلتيـ

ـك وخال أقناك العبيري

وبنفسجٍ في عارضيـ

ـك وورد خدَّيك النَّضير

والأقحوانة في الشَّقيـ

ـق بفيك والرِّيق النَّمير

ما لي نظيرٌ في الوفا

ء ولا لحسنك من نظير

وانشدني لنفسه: [من الطويل]

وأسمر كالخطِّيِّ همت به وجدًا

ضنا خصره جسمي وأخفى به عدَّا

إذا اهتزَّ عطفاه وماد قوامه

حسبت قضيب البان من قدِّه قدَّا

تخال إذا ما ماس من ثقل ردفه

بساقيه قيدًا جاء في ثقله إدَّا

له نبل لحظٍ في قسيِّ حواجبٍ

على غرَّةٍ منه برت مقلتي عمدا

ص: 374

وجيدٌ غزاليٌّ وصدغٌ معقربٌ

نكايته في القلب جاوزت الحدَّا

ولام عذارٍ مستديرٍ منمنمٍ

بذائب مسكٍ من ذوائبه مدَّا

وشاربه الآسيُّ نقشة خاتمٍ

كحقِّ عقيقٍ ضمَّ من لؤلؤٍ عقدا

وريقته شهدٌ يشاب بقرقفٍ

ووجنته الدّكناء مسكٌ علا وردا

أكاتمه حبِّيه خوف نفاره

لعلّي بالكتمان أن أبلغ القصدا

رشًا إسمه هو خلقه ثم َّ أصله

وحانوته فوه وفوه لنا أجدى

لئن ساعف الدَّهر الجموح بوصله

لأضعفنه أضعاف ذمَّ الورى حمدا

[313]

عبد السَّلام بن يحيى بن عبد الله بن المفرِّج بن درع بن الحسن بن الخضر بن حامدٍ التَّغلبي القاضي، أبو محمَّد بن القاضي أبي زكريا التكريتيُّ:

آخر أولاد أبيه، يفوقهم فضلًا، وفهمًا، وذكاءً.

ولد يوم الخميس بعد الظهر، وهو الثامن عشر من شعبان سنة سبعين وخمسمائة.

قرأ القرآن العزيز في صغره، وحفظ فصولًا وعظية، ورتب له والده مجالس الوعظ، فحفظ منها عدة مجالس، وتكلم في دارهم حتى تمرّن وصارت له فيه دربة جيّدة، ولون حسن، فعقد له المجلس في بعض مشاهد تكريت، حيث يتكلم الوعاظ، وتكلم ووعظ الناس وعمره يومئذ تسع سنين، فكان يتعجب من يسمعه من جودة كلامه على صغر سنه، وكلّما قدم تكريت واعظ أو أحد من أهل العلم والأدب يحضر مجلسه.

ولما قدم البلخي الواعظ، حضر مجلسه وقال: هذا عنده استعداد حسن، ثم انحدر صحبة والده إلى بغداد، واستحضر والده بالديوان العزيز عند الوزير معز الدين

ص: 375

أبي المعالي سعيد بن عليٍ بن أحمد بن الحسين بن حديدة واستصحب أبا محمد معه، ورتب له مجلسًا حسنًا، ودعا لأمير المؤمنين الناصر لدين الله- رضوان الله عليه- فاستأذن والد الوزير في أن يتكلم أبو محمد، ويدعو للخليفة، فأذن له، وحين شرع في الكلام، أشار إليه صاحب الحجاب فخر الدين بن الدوامي بأن يقوم ويتكلم قائمًا على عادة من يتكلم بحضرة الوزير، فقال له الوزير: تكلم على حالك، وإذا وصلت إلى الدعاء للخليفة قم قائمًا فشرع وتكلم بكلام حسن، وكان المجلس حافلًا بالصدور والحجّاب والأمراء، وذلك في العشر الوسطى من ذي الحجة من سنة أربع وثمانين وخمسمائة. وبعد ذلك سافر والده إلى تكريت، فتقدم الوزير إلى المدرس بالنظامية، وهو يومئذ أبو طالب بن الخل بتسليم غرفة لأبي محمد يسكنها، فسلم إليه مفتاح الغرفة، فأقام على أمر العمارة، وما يخرج عليها، واستمر الحال على ذلك إلى أن عزل الوزير ابن مهدي عن الوزارة، وولي بعده نيابة الوزارة ابن مسينا فولّاه الأشراف من جانب الديوان على تكريت، وجميع أعمالها، وخلع عليه كما جرت العادة، وكتب له التوقيع بذلك فاستمر على هذه الولاية يشارف ما يفعله النواب بالمدرسة، وبمعاملاتها، ويضبط القيام بوظائفها، وتولى بيع المشاعات في أوقاتها، وما أجرى له من حاصلها، إلى أن صرف عن ذلك في أواخر سنة ثمان وستمائة، وأقام عند أبيه في النظامية إلى أواخر سنة عشر وستمائة، وأنفذه والده إلى تكريت، وفوض إليه النظر في بعض الوقوف التي بها هناك، وتولي أمرها، وما كان يتعلق هناك بوالده وبه من أسباب، إلى أن تقدّم الديوان العزيز إلى مستحفظ قلعة تكريت بالنظر في أمر الوقوف فتسلم ما كان بيده ويد غيره، فرجع إلى مدينة السلام في سنة اثنتي عشرة وستمائة.

من بيت القضاء والخطابة ببلده، والدين والعلم، وهو فاضل أديب، شاعر خطيب، له مؤلفات من الخطب والرسائل والأشعار، وقفت على جملة كبيرة منها.

وهو الآن بالنظامية، في غرفة من غرفها، لقيته بها في سنة تسع وثلاثين وستمائة، ويختلف إليه جماعة من المستفيدين يقرأون عليه أنواعًا من الأدب والفقه والقرآن وغير ذلك.

ص: 376

فمما أنشدني لنفسه قوله: [من الطويل]

خليليَّ قد بان الكثيب ولعلع

وسحَّت لتذكار الأحبَّة ادمع

قفا فاعجبا من جفن عيني تواصلت

به عبراتٌ والفؤاد مفجَّع

هم فارقوني واستقلَّت ركابهم

وودَّع نومي مقلتي يوم ودَّعوا

وأصبحت ذا شجوٍ بغير مؤانسٍ

وحيدًا وقد أقوت ديارٌ وأربع

أحنّ إلى رؤياهم كلَّ ساعةٍ

واشتاقهم والشَّوق بالقلب مولع

وأذكر أيامًا تقضّت بوصلهم

يكاد لذكراها الفؤاد يصدَّع

فقد كان لي عيشٌ هنيٌّ بقربهم

ترى هل لنا في عود ذلك مطمع؟

قضى الله بالبين المفرِّق بيننا

وما لقضاء الله في الخلق مدفع

ترى ترجع الأيَّام بعد تفرُّقٍ

تجمُّعنا هيهات هيهات تجمع

وانشدني- أسعده الله- قال: كتب إليه هذان البيتان، وهما لبعض الشعراء في صدر كتاب من بغداد إلى تكريت:[من الطويل]

ولي بعدكم من بعدكم فرط لوعةٍ

لها في صميم القلب لذع شهاب

سأغفر للأيّام كلَّ خطيئةٍ

إذا بشَّرتني منكم بكتاب

فأجاب لنفسه: [من الطويل]

لئن كانت الأيَّام ضنَّت بقربنا

فقد سمحت في وصلنا بكتاب

وقد يعقب الصَّبر الجميل مسرةٌ

فدونك فاكتب واستعدَّ جوابي

وأنشدني عبد السلام لنفسه: [من البسيط]

أنهنه الدَّمع جهدي وهو منذرف

فالقلب في تعب والصَّدر مرتجف

وأوحشت رحل الأحباب وانصرفوا

دع الدُّموع على وجدي بهم تكف

وأسأل حداة المطيِّ إن هم وقفوا

يا غائبًا أثرت في القلب غيبته

وأنبتت عندي الأسقام غربته

من داؤه البين قد عزَّت أطَّبته

فلا تلم من نأت عنه أحبَّته

وغالبته يد الأسقام واللَّهف

قد كنت من بينهم مستشعرًا حذرًا

لو كان فرط حذاري يدفع القدرا

ص: 377

بانوا فبان سروري معهم وسرى

سار وأسرت بهم بزل النَّوى سحرا

لله ما ضمَّت الأكوار والسُّجف

لو كنت يوم استقلَّ الظَّاعنون معي

لكنت تعجب من ذلّي ومن جزعي

حثُّو المطايا وسار القلب في التَّبع

وما برحت أناديهم على طمع

من الجواب فما حنُّوا ولا عطفوا

رفقًا بصبٍّ يد الأسقام تهلكه

يخفي الغرام وفيض الدَّمع يهتكه

يروم قربهم لو كان يملكه

أريد من زمني ما لست أدركه

فما احتيالي ووجه الدَّهر منصرف؟

وأنشدني لنفسه يمدح المستنصر بالله- رذي الله عنه-: [من الكامل]

ما عذر من شرخ الشَّباب معينه

وزمانه صافٍ لديه معينه

بادر إلى اللَّذات مادام المنى

في بحر إقبالٍ تسير سفينه

وانهض إلى عيشٍ يمرُّ زمانه

قصرًا فعيش المرء يبعد حينه

فالوقت يمضي لا يعود وكلُّ حـ

يُّ سوف تعدمه الحياة منونه

وانهب من العمر القصير مسرَّة

فالموت في طيِّ الزَّمان كمينه

في نهر من قد .. لي .. فعم

فيه إذا عام فيه سفينه

سر فيه في سيَّارةٍ حيزومها

يفري الفرات كفري ماء نونه

فالماء فضِّيُّ القميص تزرَّدت

بعبير أنفاس الرِّياح متونه

وعلى الجوانب منه نبت بنفسجٍ

والزَّهر زاهٍ في الرِّياض فنونه

والبان يرقص كلَّما هبَّ الصَّبا

وتبوس ثغر الأرض منه غصونه

والطِّير بين مجاوبٍ لقرينه

ومفارقٍ يدني الغرام حنينه

وترنُّم الدُّولاب يحكي عاشقًا

لجَّ الغرام به فرقَّ أنينه

فالقلب منه كقلب مهجورٍ به

قلقٌ وكالماء السحوح شؤونه

وأرقُّ من نوح المفارق نوحه

وأصحُّ من كلِّ النَّشيد لحونه

مع أغيدٍ قد علَّمت هاروت سحـ

ـرًا لا يحلّ مدى الزَّمان جفونه

يحكي سواد اللَّيل حالك فرعه

طولًا ولونًا والهلال جبينه

ص: 378

وإذا استقر بك المكان وقابلت

عيناك صاد فتى الجمال ونونه

وجلا همومك لينه ورواؤه

ودعا الدَّعابة لطفه ومجونه

فاخلع إذا ثوب الوقار فخير من

عقل الفتى عمَّا ذكرت جنونه

واقطف جنى لين الشَّباب فإنَّه

إن عشت سوف يصير يبسًا لينه

واظنن برِّبك رحمةٌ فالعبد تنـ

ـفعه لدى ربِّ العباد ظنونه

لا تيأسنَّ مع المتاب وصدقه

من محو ذنبٍ فالإله ضمينه

وكذاك لا تجزع لعجم ملمَّةٍ

فخليفة الله المكارم دينه

مولىً على ركني عطاءٍ واسعٍ

وعموم عدلٍ في العباد ركونه

مولىً إذا ضنّ السَّحاب بقطره

أغنت عن الغيث المغيث يمينه

لازال يرفل في ثياب سعادة

ما سحَّ من دمع السَّحاب هتونه

دام الخليفة في الأنام خليفةً

ما لازم القلب السَّليم وتينه

فدعاؤه فرضٌ عليَّ وواجبٌ

أبدًا فلا زالت عليَّ ديونه

وأنشدني أيضًا لنفسه، وذلك بالمدرسة النظامية، في العشر الأواخر من جمادى الأولى سنة تسع وثلاثين وستمائة:[من البسيط]

لي فيك قلبٌ على وجدي يطاوعني

وإن أردت سلوًا منك يعصيني

وعاذلٌ دأبه عذلي يؤنبني

وعاذرٌ مستهام القلب يغريني

فالشَّوق والعذل قتلي في اجتماعهما

بل واحدٌ منهما في ذاك يكفيني

فإن أمت فاجعلوا قبري على جدد الـ

ـطَّريق كيما يمرُّوا بي فيبكوني

ووسِّدوا التُّرب خدِّي واكتبوا بدمي

على الجوانب هذا قبر مسكين

قتيل شوقٍ أذاب الحبُّ مهجته

كما يموت ويقضي كلُّ محزون

وإن أعش فحياةٌ غير طيّبة

لا سيَّما وغريم العذل يؤذيني

دعني أجنُّ فعقل المرء يعقله

ما لذَّة العيش إلَّا للمجانين

وقال وعظيّة وأنشدنيه: [من الكامل]

يا نفس أنت عن الرَّشاد بمعزل

لا تبصري غير الممات وتغفلي

وتؤِّملي طول الحياة وهل سمعـ

ـت بأنَّه طالت حياة مؤمِّل؟

غرَّتك من دنياك وهي غرورةٌ

خدعٌ فبعت معجّلًا بمؤجَّل

ص: 379

لا تغفلي عمَّا يؤاتي بغتةً

وسهامه لا تنثني عن مقتل

أو ما مصارعه لديك ترينها

أو ما شراب كؤوسها كالحنظل؟

وكما حملت إلى القبور جنازةً

فتيقَّني لابدَّ من أن تحملي

والموت منهل كلِّ حيٍّ فاعلمي

لا مصرفٌ لك عن ورود المنهل

ولكم منازل بعد موتك صعبةٌ

تلقينها والقبر أول منزل

إن كان سهلًا كان سهلًا بعده

أو كان صعبًا كان أصعب مبتلي

وقال في إحماد عاقبة الصبر: [من البسيط]

لا تيأسنَّ وإن مسَّتك ضائقةٌ

فآخر الضِّيق مقرونٌ به الفرج

واصبر فإنَّ زمان الصَّبر منصرمٌ

مادام قطُّ اتِّساعٌ لا ولا حرج

وله في التعجب ممن يتناسى الموت: [من الطويل]

عجبت لملتذٍّ بطيب رقاده

ومختلس الأرواح ضيف وساده

يحبُّ بأن يدعى حكيمًا ومن يكن

حكيمًا يكن ذا همَّة لمعاده

وقال في صدر كتاب جوابًا، وأنشدنيه:[من الكامل]

أفدي الذي بشراي في مكتوبه

وافى فروَّى غلَّتي بنسيبه

فكأنَّه في العين حلَّة يوسفٍ

وكأنَّه في القلب وصل حبيبه

وقال في ذمّ اللجاج والعجب والتكبر وإتباع الهوى: [من الطويل]

وأربعةٍ فيها لذي العقل راحةٌ

إذا ما توقّاها وإصلاح شانه

لجاجٌ وإعجاب الفتى وتكبرٌ

ومن يتبع الأهوا يعش بهوانه

وقال في الصديق، وأنشدنيه:[من الوافر]

صديقك من تجافيه فيغضي

ويحفظ عهدك الماضي ويرعى

وليس صديقك المولي ثناءً

من الحسنى وإن قاطعت أفعى

وقال في فعل الشوق، وأنشدنيه بمدينة السلام:[من البسيط]

أشكو من اللَّيل طولًا إذ شكا قصرا

مهفهفٌ عنه قلبي قطُّ ما انزجرا

كأنَّما الأسمر الخطيُّ قامته

والسحر مع لحظه هاروت قد سحرا

يصدُّ عنّي الكرى مهما يصدُّ وإن

أبدى الوصال يعود العيش لي نضرا

ص: 380

يا ذا الَّذي وصله لي جنَّةٌ قربت

وهجره بضرام الشَّوق قد سعرا

إن كان قصدك قتلي في الهوى فأنا

لم يبق لي الشَّوق لا سمعًا ولا بصرًا

مازلت فيك أعاني كلَّ لائمةٍ

وما رأيت لمثلي قطُّ من عذرا

لولا تمنِّي وصالٍ منك آمله

قد كان قلبي بطول الهجر منفطرا

وقال في الاعتذار، وأنشدنيه:[من الطويل]

أرجِّي لديك العذر فيما أقوله

ومثلي إذا يشكو إليك له عذر

لقد كنت في عيشٍ رغيدٍ ونعمةٍ وصحبة إخوانٍ بهم عسري يسر

فقد عاد حظِّي بعد طول بياضه

من الوقت والأحوال يسمعه الحرُّ

وأنَّ الذي أرجو وآمل أنَّه

يبيِّض بالإحسان ما سوَّد الدَّهر

وقال في ذم الكلام، وأنشدنيه:[من الكامل]

لا تكثرنَّ من الكلام فطالما

جلب الكلام أذىً على المتكلِّم

وقال غزلًا، وأنشدنيه:[من البسيط]

بين العقيق وبين الضَّال والسَّمر

تملَّك القلب منِّي أحور النَّظر

مهفهف القدِّ ساجي اللَّحظ أكحله

ما إن رأيت له شبهًا من البشر

كأنَّما الغصن الميّاس قامته

والفخر للَّيل في التشبيه بالشَّعر

لطيف خلقٍ وخلقٍ شأنه خفرٌ

منزّه القدِّ عن طولٍ وعن قصر

يزورني والدُّجى مرخٍ غلائله

فاكتفى بمحيَّاه عن القمر

يكاد من حسنه العميان تبصره

ومن سنى نوره يعمى ذوو البصر

له من الريم جيدٌ والمها مقلٌ

والسحر لحظٌ وجنح الليل في الطور

كم من ليالٍ تقضَّت في منادمة

وفي محادثة ترضى وفي سمر

وأعين البين والحسَّاد غافلةٌ

عنَّا وصفو اللَّقا خالٍ من الكدر

فبينما نحن في روض الوصال إذا

سهمٌ من البين يقفو مسرعًا أثري

فلم أسرَّ بشيءٍ بعد موقعه

وصرت للبين ذا وردٍ وذا صدر

ص: 381

فدع غرور الأماني فهي كاذبةٌ

وكن على وجلٍ منها وفي حذر

فكلُّ جمعٍ إلى التَّشتيت موئله

وكلُّ حلوٍ فعقباه إلى مقر

وقال: [من الكامل]

رفقًا بمن أمسى لديك قتيلا

يشكو الضَّنى وصبابةً ونحولا

وحسام بينٍ مولعٍ بشباته

ماضي المضارب لم يزل مسلولا

يا عاذلي على الغرام إليكما

عنِّي فإنِّي لا أطيع عذولا

أظننتما أسلو هواه وحبَّه

أو أنَّني أرجو إليه سبيلا

فقفا على وادي الأراكة والنَّقا

فعسى الوقوف به يبلُّ غليلا

فلعلَّ من جلب السَّقام فراقه

يحنو ويسعى بالوصال قليلا

فالقلب من ألم الفراق مولَّهٌ

والطَّرف أصبح بالسُّهاد كليلا

عوجا على تلك الخيام فربعها

فيه لذي الداء الدواء

فلقد وقفت على رباها حائرًا

والعيس تطوي البيد ميلًا ميلا

صار السُّهاد لجفن عيني مألفًا

يلقي مع السَّعات فيه مسيلا

وقال بتكريت، وعرض في المعنى إلى شدَّة شوقه إلى والده ببغداد، وأنشدنيه:

[من الخفيف]

دمع عيني من الجفون سكوب

وحشا حشوها أسىً ولهيب

وسقامٌ له ترقُّ الأعادي

وغرامٌ به تذوب القلوب

إنَّ بين الضُّلوع نارًا تلظّى

فالهوى واقدٌ وشوقي حطوب

ما تريد النُّوى بنا كلَّ يومٍ

منه تأتي فجائعٌ وخطوب؟

فرَّقتنا يد الشّتات فما العيـ

ـش بحلوٍ ولا الحياة تطيب

كيف بالعيش للمشوق أليفًا

فاته الصَّبر حيث غاب الحبيب؟

يا غريب الدِّيار كن لي أنيسًا

إنَّما يألف الغريب الغريب

يتشاكى سهام بينٍ إذا ما

ندبتها يد الفراق تصيب

فلكم بالفراق سحَّت جفونٌ

ولكم بالنَّوى قلوبٌ تذوب

لا تلمني إن نمَّ بالسِّر دمعي

ما يلام المفجَّع المكروب

فهيامي بهم به ضجّ جاري

وسقامي قد حار فيه الطَّبيب

ص: 382

سادتي بعدكم عدمت سروري

وبقائي مع البعاد عجيب

من نواكم أخذت أوفى نصيبٍ

أترى لي من اللِّقاء نصيب؟

أتراه يعيد شملي قريبًا

ألريح اجتماع شملي هبوب؟

إن يسرُّ الشَّمال قومًا فإنّي

أشتهي أينما تهبُّ الجنوب

وقال أيضًا: [من البسيط]

صبٌّ معنىًّ بمعسول اللَّمى كمد

لم يبق فيه على حمل الضَّنى جلد

له من السُّقم ثوبٌ دام لابسه

حلَّ القوى لبسه مذ أنحل الجسد

يبيت من طول همٍّ ساهرًا وله

جفنٌ قريحٌ بترداد البكار مد

سقيًا لأيّامنا بالجزع إذ غفلت

عنَّا الحوادث والواشون قد رقدوا

إذ بات من ريقه لي قهوةٌ ومن الـ

ـخدود وردٌ ودرُّ الثَّغر منتضد

ومن ذؤابته ليلٌ وجبهته

صبحٌ وقدٌّ كغصنٍ ما به أود

فذلك العيش لا شيءٌ يعادله

عليه نار الجوى في القلب تتَّقد

ترى تعود ليالينا بمنعرج الـ

ـلِّوى وهذا الجفا يقضى له أمد؟

هيهات هيهات ما في عودها طمعٌ

ودون هذي الأماني ينفد الأمد

لا تأملنَّ صفاءً قطُّ مطَّردًا

وإنَّما الرَّنق والأكدار تطَّرد

وكن مع الوقت فاقطف منه راحته

فما ليوم التَّهاني والسُّرور غد

فبسمة الدَّهر لا تبقي على أحدٍ

وإن شككت فقل لي هل نجا أحد؟

وقال أيضًا: [من الخفيف]

طال لبثي بدارهم ووقوفي

باكيًا فقد مؤنسي وأليفي

وزمانًا بلعلعٍ لست منه

في رياضٍ من تالدٍ وطريف

لست ألقى من الورى غير لومٍ

أو سماعٍ [يبكي] وعذلٍ عنيف

ورقيبًا أمرَّ من فجعة البيـ

ـن ولذع القنا وضرب السيوف

كان بدر السُّعود في برج وصلي

ولحظِّي أمسى ببرج الكسوف

وقال: [من الخفيف]

ليس يثني الفؤاد عنه ملام

فلماذا يلومني اللُّوَّام؟

ص: 383

فحرامٌ على الجفون كراهًا

مثلما أنَّه الوصال حرام

سيِّدي أمن كم تلوم وفي القلـ

ـب لهذا الكلام منك كلام

كم تراني أروم صبرًا عليه

وهل الصَّبر في هواه يرام؟

رشا للعيون فيه رياضٌ

مزهراتٌ وفي القلوب ضرام

ومن الوجه لون وردٍ وآسٍ

ومن الرِّيق قهوةٌ ومدام

ومن العين نرجسٌ ومن الشَّعـ

ـر سوادٌ وحلكةٌ وظلام

ما القضيب الرَّطيب منه بشيءٍ

في التَّثنِّي ولا القوام قوام

لا ولا الدُّر كالثَّنايا إذا ما

ثغره العذب بان منه ابتسام

فعلى العيش والحياة جميعًا

بعده أيُّها العذول سلام

وقال في الفراق: [من الطويل]

ترحَّل عنِّي الإلف فالعين تهمر

وناديته والعيس تحدى وتزجر

أيا سادتي منُّو عليَّ بنظرةٍ

أبلُّ بها نار اشتياقٍ تسعَّر

ففي كبدي للبين وخز أسنَّةٍ

إذا أحدقت بالقلب زال التَّصبر

فأدمع عيني لا ينال غريقها

ونار غرامي في الجوانح تسجر

فمن لقتيلٍ بين نارٍ وأبحرٍ

لواعجه ما تأتلي قطُّ تفتر

وقال أيضًا: [من الوافر]

إذا لم ألق من يهدي سلامي

ويشكو ما لقيت من الغرام

أشير إلى الخيام وأيُّ شيءٍ

يفيد لمن يشير إلى الخيام؟

نأوا عنِّي وكان الطيف إلفي

فأشكو ما بقلبي في المنام

فلمّا قاطعوا وجفوا وصدُّوا

جفا جفني الكرى والدَّمع هامي

هم رحلوا فزاد بهم هيامي

وقلَّ تصبُّري والشَّوق نامي

فخلِّ العذل لست وإن جفوني

وصدُّوا قطُّ أصغي للملام

ص: 384