الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ذكر من اسمه سعيد
[179]
سعيد بن عبد الله الشاعر الحلبي.
من شعراء الحلبيين المجيدين، أبو محمد الحريري.
كان شاعرًا جيدًا، حين العقل، فصيح القول، قليل المعرفة بعلم العربية، صاحب اقتدار على إنشاء القوافي وعمل الشعر، يقوله بطبع سليم، وكانت تصدر عن خاطره /10 ب/ القصائد النادرة، يرتضيها الأفاضل، ويستجيدها نقاد الشعر، عارية من اللحن، ولعله برز في عملها على كثير من شعراء زمانه.
وتوفي بحلب في الثاني عشر من صفر سنة تسع وستمائة، ودفن بمقام إبراهيم- عليه السلام قبلي حلب، عن نيف وسبعين سنة.
روى عنه القاضيان، القاضي الإمام بهاء الدين أبو محمد الحسن بن إبراهيم بن سعيد، والقاضي أبو القاسم عمر أحمد بن أبي جرادة بحلب أدام الله أيامها.
شاهدت ولده بمحروسة حلب شاهدًا ثبت الجنان، وسألته عن نسبه، فلم يزدني على ذلك شيئًا، وزعم أن والده لم يرفع في نسبه أكثر من هذا، وذكر أن شعره يدخل في أربعة أجلاد، وأنه بلغ من العمر أربعًا وثمانين سنة.
وطالعت بعد ذلك مجموع مدائح الوزير نظام الدين أبي المؤيد الطغرائي، فوجدت فيه: قال سعيد بن عبد الله بن المبارك: حدثني القاضي الأجل أبو محمد الحسن بن إبراهيم بحلب سنة أربع وثلاثين وستمائة بمنزله المعمور، من لفظه- أيده الله تعالى- قال: /11 أ/ كان سعيد بن عبد الله الحريري له أشعار حسنة ومقاصد سديدة، وألفاظ عذبة، ومعان سهلة، سمعت منه الكثير من شعره، وأنشدني معظمه،
حتى إنه لم يشذ عني منه إلا اليسير، وكانت معرفتي به مذ كان يتردد إلى الوالد- رحمه الله تعالى في سنة ثمانين وخمسمائة إلى أن توفي رحمه الله يعرض عليه أشعاره، وجل مدائحه في الدولة الغياثية، والمملكة السلطانية الظاهرة، وأشعاره مشحونة بتشييد مكارمها، وإعلاء مفاخرها، ثم في خواصها، ووزرائها، وكتابها، وأمرائها، وها أنا قد اخترت بعض أشعاره وقصائده، وإن كان شعره كله مختارًا حسنًا، خفيفًا على القلوب سماعه، ثم قال:
وحدثني الحريري في عاشر ربيع الأول سنة ستمائة قال: ذكر لي الوزير نظام الدين أبو المؤيد محمد بن الحسين بن محمد الطغرائي- رحمه الله وزير الملك الظاهر- رحمه الله تعالى- أنه أنشد بالحضرة العالية المولوية السلطانية الظاهرية- شيد الله أركانها /11 ب/ في بعض الليالي بيتين هما: [من البسيط]
إشرب هنيئًا عليك التاج مرتفقا
…
في مناذمهر ودع غمدان لليمن
فأنت أولى بتاج الملك تلبسه
…
من هوذة بن عليِّ وابن ذي يزن
فوقع التقدم إليه بأن يعمل الشعراء في هذا المعنى، فعلمت بديها:
يا من تفرد في أيَّام دولته
…
بسيرة ما حكتها صورة الزَّمن
أفنيت مالك في ذكر نسخت به
…
كسرى قباذ وأنسيت ابن ذي يزن
فما أقول ومن أدنى مواهبكم
…
ما عزَّ من مضر الحمراء واليمن
فليخش من كان فيه مدح شاعره
…
(تلك المكارم لا قعبان من لبن)
وجلَّ ذكرك قدرًا أن نشبهه
…
بالعارض الهتن ابن العارض الهتن
اعطيت حتَّى غوادي المزن قابلة
…
تبعت غايته جهدي فأتعبني
إشرب فلا تاج إلا تاج شامخة
…
عزت وقالت لمن يبغي مداك: هن
وأنشدني أيضًا- أبقاه الله تعالى- قال: أنشدني سعيد بن عبد الله الحريري لنفسه يمدح السلطان الملك الظاهر غياث /12 أ/ الدين- تغمده الله برحمته- وأنا حاضر بالقلعة المنصورة- حرسها الله تعالى- في ليلة عيد النحر: [من الخفيف]
كلف بالحمى ووجد قديم
…
وغرام بالظَّاعنين مقيم
وجوى أسهر الجفون فلا النَّو
…
م بها مولع ولا التّهويم
وشجًا خامر للفؤاد ووجد
…
بت منه كما يبيت السَّليم
شفَّ جسمي سقمًا وما السُّقم إلا
…
ما جناه الطَّرف المريض السَّقيم
بأبي زائرًا تعسَّف نجدًا
…
وزرود من دونه والصَّريم
وأتى يقطع الفجاج وللظَّلـ
…
ـماء عقد بالنِّيرات نظيم
أودع الليل سرِّه وهل الليـ
…
ـل بسرِّ الأقمار إلا نموم؟
فاكتسى الليل بهجة فلهذا
…
راق ماء به ورقَّ النَّسيم
وكأنَّ الثَّرى بمسراه فيه
…
عنبر فض من شذاها لطيم
يا لها زورة لعيني منها
…
نظرة من رقادها ونعيم
أذكرتني غضَّ الصِّبا حيث لا النَّبـ
…
ـت هشيم ولا النَّسيم سموم
واللَّيالي واها لطيب ليال
…
لا ذميم فيها ولا مذموم
والصِّبا في اقتباله لا جديد
…
رثَّ جدًّا ولا استشنَّ الأديم
/12 ب/ حبَّذا حبَّذا بنجران رسم
…
لمطايا اللَّذات فيه رسيم
وعقار باكرت عانسها البكر
…
ـر وفود الظَّلماء داج بهيم
بندامى تناهزوا فرص اللذ
…
ذات علمًا بأنَّها لا تدوم
فطرقنا بالقصف حانة شمطا
…
ء فكادت لضعفها لا تقوم
زولة هرقليَّة النَّجر
…
ما تفتأ في بيعها ما تسوم
فأنخنا بها فحطَّت رحال
…
بحوانيتها وفكَّت ختوم
ثمَّ قالت قرُّوا عيونًا فعندي الـ
…
القهوة الصِّرف والغزال الرِّيم
فاغنموا غفلة الزَّمان فما العيـ
…
شة إلا مدامةٌ ونديم
فنزلنا من ساحها في جناب
…
كلُّ طار يغشاه إلّا الهموم
فأشارت إلى نزيف عُقار
…
يُقعد البدر وجهه ويقيمُ
فأتى حاملًا من الرَّاح شمسًا
…
كلَّلتها من الحباب نجوم
وجلاها صرفًا وفي شفتيه
…
ما إليه هيم القلوب تهيم
من عقار أريجه النَّشر لا التبـ
…
ـخيس من شرطها ولا التَّحريم
كرمت أن تهان بالعصر أو تسـ
…
ـخوبها في قديم عصر كروم
فأحيها يا مزنَّر الخضر بالقتـ
…
ـل لتحيا أرواحنا والجسوم
/13 أ/ وأدرها لا من يديك فما الخر
…
طوم إلا ما كأسه الخرطوم
واسقها مملقًا متى خاف عسرًا
…
جاده للغياث كفء كريم
ملكٌ طبَّق البرية جودًا
…
فتساوى غنيَّها والعديم
يوسفني نماه من وحة المُلو
…
ك نجارٌ لا يعتليه وصوم
تمّ سلطانه فسادًا الملوك الشيب طفلًا لم يُلق عنه تميم
إن أساءوا فمحسن وإذا ضنـ
…
ـنوا فسمح وإن هفوا فحليم
وإذا دقَّ مشكل فبصير
…
وإذا جلَّ حادثٌ فعظيم
لهم النَّقض لا محالة مما
…
لك منه التكميل والتَّتميم
ولأعدائك التأخر عمَّا
…
لك فيه الإقدام والتَّقديم؟
حاولوا ما حويت من رتب المجـ
…
ـد وأين السماء ممّا يروموا؟
ولك الحزم لو رميت به العصـ
…
ـم لألقت بها إليك الحزوم
والخلال التي كأنَّك فيها
…
للثَّريا والفرقدين نديم
والمساعي التي ملكت خصال السبق فيها وما عصاك سليم
فتقدمت والذي أوجب التَّقـ
…
ـديم سرٌّ لله فيك قديم
/12 ب/ وهو شيء قضى بأنك في الملـ
…
ـك إمام وغيرك المأموم
فلهذا أعطأك من أمره الأمـ
…
ـر سعودًا ما دَّبرتها النُّجوم
نافذات أحكامها تعقد الزِّيـ
…
ـج ويعوجُّ عندها التقويم
وهي من دون كنهها يقصر الفهـ
…
ـم وفي مثلها يحار الحكيم
غير أنَّ الإقبال حظُّك منها
…
ولشانيك خسفها والرُّجوم
ولك الدهر لا محالة حزبٌ
…
ولأعدائك الليالي خصوم
ولأنت الخصوم في هذه الدُّنـ
…
ـيا بما منه غيرك المحروم
طلت فخرًا فما لمجدك مجدٌ
…
في البرايا ولا لخيمك خيم
كم خرقت النَّقع المثار بعزم
…
تنتصي حدَّ غربه وتشيم
فوق طرف يفوت عالية الطر
…
ف وتكبو له الرياح العقيم
أجرد إن زجرته فشهاب
…
ثاقب أو أهجته فظليم
راح يطوي البلاد لأكرك عز
…
ز عليه ولا عصى داروم
يا غياث الدِّين الذي يهب الأقـ
…
ـليم جودًا وما عسى الإقليم
والذي ما سألته الرزق إلّا
…
جاد ساح منه أجشُّ هزيم
بندى راحتيك اينع غصني
…
وتثنَّى فهو الرَّزين القوم
/14 أ/ فلماذا أهملت حتى كأني
…
في الرَّايا معبَّد وسقيم؟
تنتحيني الأرزاء طردًا فطردًا
…
عن حياض ما زلت فيها أعوم
غير أني أقول للنَّفس صبرًا
…
تجدب الأرض تارة وتسيم
ويضن الحيا لأمر ويسحو
…
قطره تارة فتحيا الرُّسوم
فثقي من مواهب الملك الظَّا
…
هر بالنَّائل الذي لا يريم
ومتى أعوجَّ أو تناقص حالي
…
فبكم لا بغيركم يستقيم
فادّرع حلة من العمر تُفنى
…
كلّ عيد من دونها وتدوم
وانحر الحاسدين ما نحر الهد
…
ى بجمع وما أقام الحطيم
وأنشدني قال: أنشدني سعيد لنفسه: [من الطويل]
أبى البين أن يرقا لمدمعه شان
…
وللبيد خفض بالركائب هتَّان
وأنى يفيض الدمع أو يحمد الجوى
…
ودون التداني منك يا نعم نعمان؟
ناى جلدي لمّا ترامت بك النّوى
…
وولّت حمول بالفريق واظعان
واسلمني بين الخليط إلى جوى
…
لجفني به واد من الدَّمع ملان
غرامًا بظبي ساحر اللَّحظ ساخر
…
كثير التعدِّي ما تعَّداه عدوان
من الغيد ما قدُّه فهو بانه
…
تثنى وأما وجهه فهو بستان
/14 ب/ على خدِّه القاني من الحسن روضة
…
يُضاحك فيها الورداس وريحان
حمى كلَّما امتدت له كفُّ قاطف
…
حماه من الصُّدع المشوَّش ثعبان
فيا بأبي أفدي على القرب والنّوى
…
غزالًا لديَّ منه ظلٌّ وليَّان
نفورًا يفوز الغير دوني بوصله
…
وحظِّي صدود من هواه وهجران
يسدِّد سهمًا ريَّشته جفونه
…
وما السَّهم إلَّا ما أراشته أجفان
فمن منصفي من منبض السَّهم مُعرضٍ
…
حواجبه للنزع عوجاء مرنان
سقاني الحميا من يديه وثغره
…
فملت ولا عيب إذا مال سكران
عشيَّة أصلتنا القفار سعيرها ونحن بنجران فللَّه نجران
وفي ديره خمَّارة هرقلية
…
لها مسح تختال فيها وصلبان
انخنا به والليل يبدي نسيمه
…
وللغيم دمع لا يكفُّ له شان
وقد صدرت ريح الصَّبا عن عبائق تضوّع من أنباتها الرَّند وألبان
فقلنا وكادت لا تجيب لضعفها
…
وفي طرس فوديها من الكبر عنوان
اعندك يا قدسية الدَّير قهوة؟
…
فقالت: وظبي فاتر الطّرف وسنان
وأومت بأطراف البنان مشيرة
…
إلى بدر تمَّ ما تولَّاه نقصان
نزيف أمال التيه غضَّ قوامه
…
كما مال من صرف المدامة نشوان
/15 أ/ فجاء وفي إبريقه مثل خدِّه
…
عُقار بواري نورها استعر ألحان
وقال هي الرَّاح التي ما سخا بها
…
لقديسة في دير سمعان سمعان؟
يروقك في الرَّاووق منها عقائقٌ
…
يذوب لها في درّه الكأس مرجان
وطاف بها العيسي فينا وقدُّه
…
كغُصن تثنَّى في نقا وهو ريَّان
شكا خصره الرُّنَّار وارتجَّ ردفه
…
فما جت بقضبان البشامة كثبان
وبتنا أوثانًا عليها برانس
…
لها من تصاوير الكنيسة أوثان
خليليَّ لا أنسى الشباب فإنّه
…
لخيل التَّصابي في الخلاعة ميدان
فما العيش إلا قينة ظاهرية لها الملك الغازي بن يوسف سلطان
مليك له من باذخ الملك منصب
…
تكوَّن فيه قبل يوجد كيوان
وجرد تهاى في الحديد كأنها
…
أسود لها ناب السنّور خفان
وتحسبهم فوق الجياد أجادلًا
…
تطير بها في مأزق الحرب عُقبان
فوارس هيجاء تخف إلى الوغى
…
سراعًا إذا خافت من الطعن فُرسان
لها جلل من سابغي مفاضها
…
ومن يلب العادي وللبيض تيجان
/15 ب/ صدور الخيل واعتقلوا القنا
…
وخاضوا غمار الحرب والنقع طوفان
بكل جرئ لا يردُّ عنانه
…
ولو أنَّ حصباء البسيطة أقران
هو النار لكن في غدير مفاضة
…
يشق به ليل الفجاجة سرحان
يحنُّ إلى الحرب العوان فقلبه
…
بها لا بحبِّ العامرية ولهان
ويضحك واليوم العماس مقطِّبٌ
…
فيرضى له الخطيُّ والقرن غضبان
لدى ملك ما سلَّ غرب حسامه
…
فصاحب هامًا من أعاديه أبدان
ولا ركب الجرداء إلا نزعزعت
…
له وهو في أرض الشام خُراسان
ولا اهتزَّ يوم الجدِّ في صدر دسته
…
فحنَّ لمن يرجو أياديه ميزان
عُلا لا تضاهيها الكواكب رفعة وراسخ علم لا يوازيه ثهلان
فلا عجب إن زدت في الملك رفعة
…
ولا غرو إن ذلوا عداك وإن هانوا
وأنت الذي رضت الصعاب من العلا
…
بهمة من يلقى الدجى وهو يقظان
ومن دأبه رعي الرَّعايا وشأنه
…
حُنوٌّ على مستضعفيه وإحسان
بنى مجده إذ كان للمال هادمًا
…
وفي هدمه الأموال للمجد بنيان
/16 أ/ وقام بأعباء الممالك ناهضًا
…
بما عجزت عنه تميم وذبيان
وتمَّ وما تمَّ الرِّهان لحكمة
…
تبّوا منها ما تبوّأ لقمان
فحيدة الكرار في متن طرفه
…
وفوق سرير الملك منه سليمان
يعزُّ به ثغر وملك وموكب
…
ويزهى به تاج ودست وإيوان
هو الظَّاهر الملك الذي في ظهوره
…
دليل فما فيه مع الله بطلان
حواني وأيام الزَّمان أساود
…
تحاول لسبي والبرية سيدان
ومدَّ لنصري راحة مذ لثمنها
…
تروَّى بها قلبٌ إلى الجود ظمأن
وقالت يدي للنيِّرات تطامني
…
فشأني من العلياء ما فوقه شأن
ونلت وقد أصبحت خادم بابه
…
بما لم ينله بابن أيهم حسان
وخاطبت منه البحر بالفضل مفعمًا
…
فكنت لديه باقلًا وهو سحبان
وهذَّب أشعاري فصرت مهذَّبًا
…
وروحت ودوني في المدائح غيلان
فلا زال في ملك مديد رواقه
…
على الدَّهر ما أرسي ثبير ولبنان
فيا ملكًا ما فاز كسرى بملكه
…
ولا ناله من قبل كسراه ساسان
أرى الخلق جثمانًا وملكك روحه
…
ولولا وجود الرُّوح ما قام جثمان
[180]
/16 ب/ سعيد بن حمزة بن أحمد بن الحسن بن علي بن نصر بن محمَّد بن عبد الرَّحمن بن القاسم بن عبد الله بن سارخ، أيو الكاتب النيلي:
كانت ولادته بالنيل لثلاث خلون من ربيع الأول سنة ثماني عشرة وخمسمائة، وقدم بغداد في صباه بعد عشرين سنة من عمره.
وقيل: كانت ولادته ببغداد في سنة إحدى وثلاثين وخمسمائة، كذلك ذكر الشيخ أبو الحسن محمد بن أبي أحمد بن القطيعي.
توفي يوم الجمعة عاشر شهر رمضان سنة ثلاث عشرة وستمائة، ودفن بمقابر قريش بمشهد باب التبن.
كان صاحب شعر رقيق، وترسل حسن، فاضلًا متميزًا، خدم ببغداد في الأمور السلطانية، وامتدح بشعره الأمراء والولاة، وكان قد طاف بلاد الشام، سمع الحديث من أبي المظفر هبة الله بن أحمد بن الشبل الدقاق، وأبي عبد الله محمد بن عبد الله الحراني، روى عنه من شعره الشيخ الحافظ أبو عبد الله بن النجار، وابن الدُّبيثي، وابن القطيعي وغيرهم، وكتبوا عنه.
/17 أ/ أنشدني الشيخ الحافظ محب الدين أبو عبد الله محمد بن محمود بن الحسن بن النجار البغدادي بمدينة السلام، يوم الأحد ثالث شوال سنة تسع وثلاثين وستمائة قال: أنشدني أبو الغنائم سعيد بن حمزة بن أحمد بن الحسن بن محمد بن منصور بن الحارث بن سارخ النيلي الكاتب لنفسه: [من الطويل]
هوى قاطن في ساحة الصَّدر رابع
…
وبين عن الأحباب والأهل مانع
إذا قلت قد جاد الزمان بأوبة
…
تقر بها عيني وترقا المدامع
تعرَّض يرمي عن قسي من النَّوى
…
لأسهمها في قلب شملي مواقع
مُنيت بفقد الصبر إذ كان جُنَّة
…
تمنَّته من بيض الخطوب القواطع
وفقد بشاب كان فيه وسيلة
…
بقلبي إلى البيض الحسان وشافع
نضا صبغ فودي بعد ما كان حالكًا
…
وأعدى إلى خطِّي وخطِّي ناصع
فيا وفد شيبي ليت أنَّك ظاعن
…
وعصر شبابي ليت أنَّك راجع
وسامحة لي في الكرى بعد بينها
…
وقد بخلت بالوصل والشَّمل جامع
/17 ب/ وما زار منها الطَّيف إلا أزاره
…
رسيس غرام ضمِّنته الأضالع
أيا ظبية الوعساء من بطن وجرة
…
هناك الكرى إني عن النوم نازع
يرينيك عند القرب يأسي بعيدة
…
وتدنيك أطماعي وربعك شاسع
وما فقدت أطلالك البرق والحيا
…
إذا قابلتها زفرتي والمدامع
سأسعى فإن عزّت عليَّ مطالبي
…
فدون الغنى خرق من الأرض واسع
وإن أنا لم تكفل بنيل مطالبي
…
بلاد فما ضاقت عليَّ المطالع
وأنشدني قال: أنشدني ابن سارخ لنفسه: [من مجزوء الكامل]
أما الشُّؤون فقد مضت
…
والشَّأن في شأنيكما
لكنَّها نضبت وسد
…
د مفيضها شأنيكما
ثم اجعلا ما قد بقى
…
في تربتي مأقيكما
فإذا أمر تكما بفيـ
…
ـض الدَّمع من غربيكما
حلَاّ غزاليها وخد
…
دابالبكا خديكما
حتى يقال بأنَّني
…
بكما بكيت عليكما
وأنشدني قال: أنشدني أبو الغانئم من شعره: [من الطويل]
/26 أ/ لقد هجرتني أم هاجر وابتدت
…
تقول لقد خابت لنا فيك آمال
رأت رجلًا أعشى مسنًّا وما به
…
حراك وقد أرداه بؤس وإقلال
ومن جاوز التِّسعين عامًا فعدله
…
برود قواه رثَّة وهي أسمال
ولما رأت شيبي وفقري تنكرت
…
وصدَّت وحالت حين حالت بي الحال
وماذا عسى مثلي يحبُّ وماله
…
شفيع إليها لا شباب ولا مال؟
ومن شعره: [من البسيط]
يا شائم البرق من شوقيِّ
…
يبدو مرارًا وتخفيه الدَّياجير
إذا سقيت الحيا من كلِّ معصرة
…
وعاد مغناك خصبًا وهو ممطور
سلِّم على الدَّوحة الغنَّاء من سلم
…
وعفِّر الخدَّ إن لاح اليعافير
واستخبر الجؤذر السَّاجي اللحاظ أخاالتـ
…
ـعذير هل عاقه عنَّا معاذير؟
فإن يكن حال عمّا كنت أعهده
…
وشاب أيمانه البهتان والزور
فلا يغرنَّ مخلوقًا ببهجته
…
بعدي فما ذاك عند النّاس معذور
ومنها قوله:
هل من رجوع إلى الزَّوراء عن كثب؟
…
وأين من واسط بغداد والقور
وأين رقَّتها والدَّوح تسجع في
…
أغصانها بالتغاريد الشَّحارير؟
/26/ أحنُّ شوقًا إلى تلك الديار وقد
…
ضاهي بنفسجها ورد ومنثور
ومالت السَّرو في خضر الثياب كما
…
تمايلت في الحرير الأخضر الحور
فالرَّوض والماء يجري في جوانبه
…
مثل السماء على أرجائها النُّور
أو مثل سندسة تزهو وجدولها الـ
…
ـجاري حسام جلاه القين مشهور
والغصن سكران من شرب الندى فإذا
…
دعا ابن ورقاء أضحى وهو مخمور
وهاتفات على الأغصان قد رقدت
…
عنهنَّ في غسق الليل النَّواطير
فظلن يسجعن حتى كدت من ولهي
…
أقضي ولكنَّما في العمر تأخير
لكنَّ وجدي بترجيع الهديل وما
…
غرَّدن باقٍ إلى أن ينفخ الصور
وقال أيضًا، يمدح عز الدين [مسعود] بن [مودود بن زنكي] بالموصل:
من الخفيف
ناشداني برملتي يبرين
…
فغرامي بذكرها يبريني
وانظرا بين رامة والمصلّى
…
كم غزال أودي بليث عرين
يا خليليَّ خلَّياني لكي أبـ
…
ـذل بالبثِّ كلَّ سر مصون
واكتبا ما أملُّ من لاعج الشو
…
ق فويق الثرى بماء الجفون
لا تضنَّا عليَّ أن تسعداني
…
فخليل الصَّفاء غير ضنين
/67 أ/واضمنا فائت الكرى فعلى الضَّا
…
من حقًا غرامة المضمون
أمكن الوقت فاجعلا مهـ
…
ـر أبكار المعاني غبَّ المهاري العون
واذعر بالسُّرى فؤاد الدياجي
…
وبأيدي الرَّكاب قلب البين
وأنا كافل الغنى إن وصلنا
…
ربع صدر الزَّمان عزِّ الدين
لا تخافا سوء الإضافة في المو
…
صل أو حادث الزَّمان الخؤون
والفتى ذو الرياستين سديد الد
…
دولة المرتجى لدفع المنون
يا جوادًا علقت من فضله السَّا
…
بق بين الورى بحبل متين
قد أتيت الحدباء مذ عرقتني
…
مدية الفقر بعد خمس سنين
ردَّت الصَّدر يشبه التِّسع في التسـ
…
ـع وخمسًا من نسبة السِّتين
فاصرف المهمّة العليِّة في تد
…
بير حالي برأي عقل رصين
وابق ماذرَّ شارق لابسًا في الـ
…
ـفخر ثوب التأييد والتمكين
[181]
سعيد بن محمد بن محمد بن محمد بن عطَّاف، أبو القاسم الهمداني المؤدب، البغدادي المولد والمنشأ:
أصله من الجزيرة العمرية، يلقب الجرذ، /27 ب/ من أبناء المحدثين، وكان
محدثًا صحيح السماع، حدّث عن أبيه، والقاضي أبي بكر محمد بن عبد الباقي البزار الأنصاري وإسماعيل بن أحمد السمرقندي، ومات يوم الأحد ثاني ربيع الآخر من سنة ثلاث وستمائة.
له شعر حسن، ولم يقع إلى منه سوى بيت واحد من جملة أبيات، وهو ما كتبه إلى بعض إخوانه يتقاضاه حاجة:[من المجتث]
أراك تنسى وعودي
…
مذ صرت تأكل قرضي
[182]
سعيد بن محمد بن سعيد بن الموفق بن علي الخازن، أبو منصور بن أبي بكر، النيسابوري الأصل، البغدادي المولد والدار:
كان فقيهًا فاضلًا متميزًا متأدبًا، من بيت الدين والخير والتصوف.
وسكن رباط شيخ الشيوخ، وصحب المشايخ والصوفيه، وكان أبوه وجده وأبو جده من المعهودين بالتصوف، المقيمين /18 أ/ برباط شيخ الشيوخ، وإليهم أمر الخزن به، في زمن كل من تولى مشيخة الشيوخ بالرباط المذكور.
وسكن أبو منصور هذا المدرسة النظامية، واشتغل بها على الضياء ابن أبي القاسم عبد الرحمن الطيبي المعيد بها، وعلى غيره، وأقام بها من صغره، واشتغل بعلم المذهب والخلاف، وعلم الآداب والفرائض والحساب، وسمع من جماعة من مدينة السلام، وكثرت صحبته للشيخ أبي أحمد عبد الوهاب علي ابن سكينة، وسمع منه، وكتب عنه.
ولما قدم القاضي تاج الدين، وولي تدريس النظامية، لازم الاشتغال به، وسماع دروسه، واستبدل بحلقة المناظرة، كتبه، تكلم مع الفقهاء، وسمع ما كان يقرأ عليه من الفنون، وسمع منه، وكتب عنه، وقرأ عليه في مدة مقامه بالنظامية، وتعمد انفصاله عنه بالفتوى، وسمع من لفظ تاج الدين كتاب "روح العارفين"، وقرأ عليه من حفظه في سنة تسع وستمائة جميع كتاب "الخطب النباتية"، وكتاب "ألفاظ عبد الرحمن"، و"مقصورة ابن دريد"، وقرأ من حفظه عليه كتاب "الفصيح"، لثعلب، وكتاب "ملحة الإعراب"، وكتاب "المستصفى" بكماله تأليف الغزالي، وكتاب "كفاية المتفقه وتذكرة الفرضي المتنبه"، وغير /18 ب/ ذلك من التواليف.
وكانت ولادته سنة تسع وسبعين وخمسمائة ببغداد، وتوفي بها يوم الجمعة عاشر رجب سنة اثنتين وعشرين وستمائة، ودفن بالجانب الشرقي، بالمقبرة الوردية.
شاهدته ببغداد شابًا يتفقه على مذهب الإمام الشافعي، ولم أعلق عنه شيئًا من فيه، ثم وجدت له بعد موته قطعة يمدح بها بعض رؤساء إربل:[من الطويل]
سلام على المولى السديد المؤيد
…
سلام بريَّاه الرّكائب تغتدي
تحية من أضحى على العهد قلبه
…
يراه بعيني شوقه والتَّودد
إذا ضلَّ ركب نحو إربل قاصد
…
فمن طيب ما أهدى مع الركب يهتدي
يردُّهم قصد الطريق نسائم
…
تضوع بريا الماجد القيل أحمد
كريم يجول البشر في قسماته
…
فأنواره كالبرق للشائم الصَّدي
ترى ربعه بالبرِّ والخلق آهلًا
…
فمورده بالبر أعذب مورد
فلا زال في عزِّ يدوم ورفعة
…
ولا زال في جدِّ سعيد وسؤدد
وأنشدني ولده عبد الرحمن قال: أنشدني والدي لنفسه من قصيدة امتدح بها بعض الأمراء ببغداد، أولها يقول:[من الكامل]
/19 أ/ لام العذول على الغرام مململا
…
قلقًا يعقُّ من الهيام العذَّلا
رضع الهوى طفلًا ولم يك واردًا
…
بحر السلوِّ فما له أن يقبلا
كفَّ الملام فلو شربت كؤوسه
…
لعذرته وكففت عنه المقولا
صب يذوب على الحبيب تأسفًا
…
وتمثِّل الأفكار منه ممثَّلا
وبقيت رهن صبابة لم يلهني
…
إلا ندى الملك الذي حاز العلا
ملك إذا ركب الجواد تخاله
…
ملكًا على ظهر الجواد تمثَّلا
[183]
سعيد بن محمد بن سعيد بن جحدر بن الحسين بن جحدر، أبو منصور الجزري:
من أهل الجزيرة العمرية، ومن بيت مشهور بها.
كانت ولادته في يوم الأحد، رابع عشر جمادى الآخرة سنة تسع وأربعين وخمسمائة.
يروي عن شميم الحلي، ومكي بن علي بن الحسن العراقي.
صار صوفيًا، نزل الخانقاه بمصر، وعنده شيء من أدب، وله طبع يواتيه في عمل الشعر.
أنشدني أبو عبد الله محمد بن عبد القاهر بن هبة الله بن النصيبي بحلب قال: أنشدني أبو منصور سعيد بن محمد بن سعيد بن جحدر لنفسه: [من الطويل]
/19 ب/ وما كنت أرضى أن تكون كما ترى
…
ولكنَّها الدنُّنيا تجيء وتذهب
إذا كنت أسعى والمقادير حكمها
…
خلاف مرادي فالمقادير أغلب
فلا تجزعي يا نفس وارضي بما قضى
…
فإنَّ قضاء الله ما منه مهرب
لئن كانت الأيام غيّرن حالتي
…
فما ذاك بدع إنَّها تتتقلَّب
ولا تعجبي إن كان دهري يضيمني
…
فقدمًا إلى الأحرار ما زال يذنب
صبرت على الشكوى واضمرت عفَّة
…
فلا زمني أشكو ولا الخلّ اعتب
[184]
سعيد بن مودود بن سعيد بن الصباح بن المبارك، الضرير، أبو عبد الله، الكرخيني الخطيب.
كان حافظًا للقرآن العظيم، وعنده شيء من فقه، وقرأ طرفًا من الحساب والفرائض، وكان يتولى خطابة كبستدر من ولاية إربل، وبها توفي سلخ رمضان سنة أربع وعشرين وستمائة، وله شعر.
أنشدني أبو الفتح مسعود بن مودود بن الصباح قال: أنشدني أخي سعيد لنفسه من قصيدة أولها: [من الطويل]
/20 أ/ تناشأت سيفًا صفحه الصفح والشَّبا
…
وحدَّاه عزم منك يختطف العدا
وإنَّ الحيا والشمس ضدّان آلفا
…
بوجه شجاع الدين من حاز سوددا
فتى لم يدع للشِّرك شملًا مجمَّعا
…
كما لم يذر للدِّين شملًا مبدَّدا
[185]
سعيد بن سعد الله بن عيسى بن محمد، أبو الخير، المعروف بسيدا:
من أبناء الأكراد، مولده بقرية من أعمال الموصل بنواحي عقر الحميدية، تدعى خلبتا، ونشأ بإربل، وأقام بها وزمانًا طويلًا، إلى أن توفي بها ليلة الأربعاء الحادية والعشرين من ذي الحجة سنة سبع وعشرين وستمائة، وكان قد جاوز الثمانين- رحمه الله تعالى.
ختم القرآن العزيز على أبي الثناء البوازيجي، وأتقن طرفًا من النحو على أبي الثناء محمود بن الحسن الضرير المعروف بابن الأرملة.
كان شيخًا مداعبًا ساكنًا، من أهل الخير والعلم، وكان يتردد في إربل إلى أبناء أمرائها، يؤدبهم ويستفيدون منه، ويقرأون عليه، وله أشعار غريبة، أنشدني منها في الصاحب شرف الدين أبي البركات المستوفي- رحمه الله:[من الكامل]
/20 ب/ صمِّد بنشءٍ من ذؤابة أحمد
…
فهم الكرام الطيِّبون الصِّيد
لو أمَّهم يوم القيامة مجتد
…
والنار تزفر والأنام سجود
أعطوه برَّ صلاتهم وصيامهم
…
كيلا يراهم سائل مردود
يا ال موهوب بكم عُرف الندى
…
أنتم موال والأنام عبيد
وأنشدني لنفسه أيضًا فيه- رحمه الله: [من الوافر]
نجوع وأنت يا مأوى المقاوى
…
لنا ولكلِّ عاف مستجير
ونصبح في الطَّوى خمصًا ونمسي
…
ولم نقدر على خبر الشَّعير
فعش ما عقَّب الصبح الدَّياجي
…
وما بزغت براح على ثبير
وأنشدني أيضًا فيه يهنيه بالشهر: [من الوافر]
نهنِّي الشَّهر بالمولى السَّعيد
…
أبي البركات ذي الكرم التَّليد
فعقوتك الطواف بكلِّ ساع
…
ودارك ماتني حجُّ العبيد
فلا برحت عداتُك في نحوس
…
ولا زلت نجومك في سعود