الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ذكر من اسمه عبد العزيز
[317]
عبد العزيز بن النَّفيس بن هبة الله بن وهبان بن روميِّ بن سلمان البغداديُّ:
وقد سيق نسبه بتمامه، عند ذكر أخيه أبي نصر عبد الرحيم.
يكنّى أبا القاسم، كان يعاني نوع الأدب، ويتعاطى نظم الشعر، وكان لطيفًا مطبوعًا، ذ فضل وأدب ومروءة، وسماحة، فمن شعره قوله:[من المنسرح]
أمسيت صبًّا ذا مدمعٍ صبب
…
قد ذهبت عنك ظبية الذَّهب
[فـ] يا ربيعًا خلت مرابعه
…
من غصن بانٍ يهتزُّ في كثب
روميَّة من يرومها كلفٌ
…
مثلك إلَّا بكثرة الذَّهب
أعطتك لون اسمها فوجهك مصـ
…
ـفرٌّ بورس الغرام والشَّحب
وأوقدت في حشاك وجنتها الـ
…
ـحمراء نارًا شديدة اللَّهب
أصبحت بالموصل الغداة بلا
…
وصل حبيبٍ مستعذب الغضب
كاسٍ من العلم والمناقب والمجـ
…
ـد وعارٍ من حلَّة النَّشب
ما ذات شعرٍ كالليل فوق سنى
…
صبح بشعرٍ ينال أو خطب
أكلَّ يومٍ تصبيك غانيةٌ
…
رود الصِّبا ذات منظرٍ عجب
هب أنَّ بغداد كنت ماجنها
…
منهمكًا في السُّرور والطَّرب
فكيف ترجو وأنت مغتربٌ
…
إلفًا بلا عسجدٍ ولا ذهب؟
في كلِّ أرض تهوى الملاح وتلـ
…
ـقينا بشكوى هواك في العطب
كلا الهوائين عندك اجتمعا
…
للباردين الشّتاء والنَّشب
خمسون يومًا أقمتت في بلدٍ
…
ولم تنل بغيةً من الطَّلب
/285 ب/وقد أتاك الشِّتاء تبعثه
…
مقدِّمات الرِّياح والسُّحب
قل لي بماذا تلقى عساكره
…
إذا أغارت في جحفلٍ لجب
ماذا الخمول الذي دهاك وما
…
زلت نبيهًا يا أفصح العرب؟
وقد تفيّأت ظلَّ ذي نسبٍ
…
معرِّقٍ في العلاء والحسب
أخيَّ مذ صرت في جناب جمًا
…
ل الدِّين عانيت حرفة الأدب
لا تيأسن إنَّما عنايته
…
يأتيك منها الجناح عن كثب
فارقت بغداد فهي شيِّقةٌ
…
إلى بديع المديح والنَّسب
كنت بها زهرة الرَّبيع وقد
…
جيدت بهامي الرَّباب منسكب
فاليوم تشتاقك المواسم والـ
…
ـدُّولة والجالسون في الرُّتب
سقيًا لأيامنا التي سلفت
…
بنهر عيسى ومائه السَّرب
ونحن بين الرِّياض في زهرٍ
…
نوَّاره المستنير كالشُّهب
حيث المخاليف لا تخالفنا
…
يا سعد في لذَّة ولا أدب
لهم قسيٌّ من الجفون ومن
…
عيونهم أسهمٌ لمكتئب
من كلِّ ظبي حبوب مغرزه
…
لآليءٌ أو تراصف الحبب
يحمي بسيف الجفاء مجلسه
…
إذا سقانا سلافة العنب
ذاك زمانٌ مضى بلذَّته
…
فكيف أصبحت من جوى الكرب
أنشدني الشيخ الأجل، العالم نجيب الدين أبو الفتح نصر الله بن أبي العزّ بن أبي طالب الشيباني الدمشقي بها في المحرَّم سنة أربعين وستمائة، قال: أنشدني أبو القاسم عبد العزيز بن النفيس بن هبة الله بن وهبان البغدادي لنفسه ما قاله بدمشق من قصيدة: [من الرمل]
هاج وجدي عند تغريد الحمام
…
فصبا قلبي إلى دار السَّلام
بلدةٌ جانبتها إلا عن قلىً
…
وإليها جذب الشَّوق زمامي
شاقني بالكرخ من غربيِّها
…
رشأ من سقم جفنيه سقامي
مخطف القدِّ رشيقٌ راشقٌ
…
بسهام اللحظ أبناء الغرام
لؤلؤيُّ الثَّغر معسول اللَّمى
…
عندميُّ الخدِّ عسَّال القوام
كيف لي بالورد من ريقته
…
وبوردٍ أجتنيه بالشام؟
وهو محميُّ الحمى من قدِّه
…
ومن اللحظ برمحٍ وحسام
وهب الطيف اهتدى حين سرى
…
هل تلاقي الطيف إلَّا في المنام؟
بعده طرفي وسمعي هجرا
…
لمنامٍ ذا وهذا لملام
عقَّني إذ عاقني عن قصده
…
زمنٌ مغرىً بتشتيت التامي
أبدًا يرشقني من صرفه
…
بسهامٍ وقعها فوق سهام
وأنشدني قال: أنشدني لنفسه في غلام فقيه: [من مجزوء الرمل]
يا فقيهًا طرفه الفتـ
…
ـتان قد أفتى بقتلي
والذي تلقي دروس الـ
…
ـسِّحر عيناه وتملي
أيُّ شرعٍ حلَّ هجري
…
فيه أو حرَّم وصلي؟
قد رماني لحظ عينيـ
…
ك من الغنج بنبل
ولكم قد قتلت مقـ
…
ـلتك الكحلاء قبلي
يا بديعًا يسجد البد
…
ر له عند التَّجلِّي
ما يرى مثلك في الحسـ
…
ـن ولا في الحزن مثلي
وأنشدني قال: أنشدني أيضًا فيه لنفسه: [من مجزوء الكامل]
يا قاتلي بصدوده
…
لك في الوجيز أجيز قتلي
أم طرفك الفتتاك قد
…
أفتاك في تحريم وصلي؟
وأنشدني قال: أنشدني في غلام يرمي بالنشاب: [من مجزوء الكامل]
روحي الفداء لشادنٍ
…
روحي تعذَّب في يديه
في كفِّه سهمٌ وقو
…
سٌ غير محتاجٍ إليه
وسهامه من لحظه
…
حظ ورده من وجنتيه
إن أخطأت يده فما
…
تخطي رماية مقلتيه
وأنشدني له قال: أنشدني يداعب شخصًا لقبه نجم الدين: [من السريع]
يا أيُّها النَّجم الذي لم نزل
…
في ظلمة الفسق به نهتدي
النَّجم ينقضُّ على ماردٍ
…
وأنت تنقضُّ على أمرد
وأنشدني قال: أنشدني لنفسه من قصيدة: [من البسيط]
لا يطمع العذل في إذنٍ على أذنٍ
…
فلست أصغي للومٍ لا يلائمني
ولا جفوني في طيب الرُّقاد ولا
…
فؤادي الصَّبُّ أن يخلو من الشَّجن
مادام لي نظراتٌ تحتها طمعٌ
…
فإنَّ لي زفراتٍ ما تفارقني
وكيف أعدم يوماً من دمشق هوىً
…
وقد بليت بغزلانٍ تغازلني
أين التفتُّ رأت عيناي بدر دجىً
…
من كلِّ ناحيةٍ فيها يطالعني
وقد تملَّك رقِّي منهم رشأ
…
أراق إعراضه دمعي وأرَّقني
إن صدَّني عن لماه العذب عذبني
…
وإن حمى رشف ذاك الظَّلم يظلمني
فكيف لي بوصال وهو يعجزني
…
أم كيف بالصَّبر عنه وهو يعوزني؟
وأنشدني قال: أنشدني لنفسه: [من الكامل]
هجر الحبيب وهجر قول معنفي
…
قدحا بقلبي لوعةً ما تنطفي
عجبًا أذمُّ على الهوى الواشي به
…
وتشي دموعي فيه بالسِّرِّ الخفي
مالي أراعي عهد من لا يرعوي
…
وإلى وصالي لا يفيء ولا يفي؟
يا صاحبي أودى هواه بمهجتي
…
وظمئت فانقع غلَّتي بالقرقف
قم فاسقنيها خمرةً ذهبيَّةً
…
واذهب بصرف الراح همِّي واصرف
من كفِّ ذي غيدٍ يجود إذا سقى
…
كالغصن معتدل القوام مهفهف
ظبيٌ من الأتراك لم تترك ظبا
…
أجفانه فعلًا لحدِّ المرهف
شاكي السِّلاح إذا رنا وإذا انثنى
…
أردى الكميَّ بصارمٍ ومثقَّف
في دوحةٍ جاد السَّحاب رياضها
…
فالنَّبت بين مدَّبحٍ ومفوَّف
[318]
عبد العزيز بن محمَّد بن عبد الرحيم بن عبد الرحمن بن الحسن بن عبد الرحمن بن طاهر بن محمَّد بن محمَّد بن الحسن بن علي بن زيدٍ الكرابيسيُّ النَّيسابوريّ، أبو محمَّد بن جعفر بن العجميِّ:
من أهل حلب، ومن بيت معروف بها في التقدُّم والرئاسة والثروة واليسار، كانت ولادته في شهر صفر سنة اثنتين وتسعين وخمسمائة، وتوفي يوم الجمعة، ثالث عشري جمادى الآخرة سنة أربع وثلاثين وستمائة، ودفن بالقرب من مقام إبراهيم عليه السلام في مشهد أنشأه والده شرقي المقام.
كان عدلًا على الخزانة، من قبل ولاة حلب، الملك العزيز غياث الدين، وبعده لولده الملك الناصر يوسف، وكان أوَّلًا قد قرأ فقهًا ونحوًا وأدبًا، وسمع الحديث النبوي على جماعة منهم القاضي أبو المحاسن يوسف بن رافع بن تميم الأسدي، وأبو الحجاج يوسف بن خليل بن عبد الله الآدمي، وابن روزبة، وغيرهم، من الذين قدموا محروسة حلب، وفهم طرفًا جيّدًا من الفرائض، والحساب، وقال شعرًا صالحًا من المقطعات النادرة.
وكان مع ذلك فيه مروءة وسماحة، يحبّ أهل الفضل، وأرباب العلم، أنشدني من شعره ولده كمال الدين أبو يوسف أحمد قال: سمعت والدي ينشد لنفسه:
[من الطويل]
سقى الله دهرًا كان يجمع بيننا
…
إذ العيش غضٌّ والحبيب قريب
نجرِّر أذيال الصِّبا في رياضه
…
ويدعو بنا داعي الهوى فنجيب
وأنشدني أيضًا ولده قال: أنشدني والدي من شعره: [من الطويل]
وقد كنت أرجو أنَّ عهدي دائمٌ
…
وأنَّ مكاني من ودادك لا يخلو
فأخلقت الأيّام ظنِّي بعهدكم
…
وإن كان قلبي لا يملُّ ولا يسلو
وأنشدني نجم الدين عثمان قال: أنشدني ابن عمّي أبو محمد بن أبي جعفر لنفسه: [من الوافر]
ألا لله من عيش تقضَّى
…
عساه يعيد لذَّهته إليّا
وذه فيروز لمّا أن تغنَّت
…
ظنّنا معبدًا قد عاد حيّا
علقت بحبِّها طفلًا صغيرًا
…
وأسكرني الهوى سكر الحميّا
إذا قبَّلتها قالت بغنجٍ
…
لق أضجرتني فتنحَّ هيَّا
ومن شعره أيضًا ما كتبه إلى وزير الوقت، زين الدين عبد المحسن بن محمد بن عبد الواحد بن حرب، وهو يتولّى يومئذ وزارة الملك العزيز محمد بن الملك الظاهر غازي بن يوسف بن أيوب، بمحروسة حلب:[من الوافر]
إذا ما طاولتني الشُّهب يومًا
…
رأت شرفًا ينزَّه عن عيان
بقربك لا بقرب سواك خلقًا
…
وجدت مكانتي أعلى مكان
وكيف أخاف حربًا من فلانٍ
…
وأنت السِّلم لي أبد الزَّمان؟
[319]
عبد العزيز بن محمَّد بن أبي الفضائل بن أبي البركات، أبو محمَّد ابن أبي المعالي البغداديُّ الواعظ، المعروف بابن الدِّيناري:
كانت ولادته بمدينة السلام بباب المراتب، ليلة الجمعة العاشر من رجب سنة ستٍّ وخمسين وخمسمائة، وقرأ القرآن الكريم على أبي الحسن علي بن عساكر بن
المرحب البطائحي وغيره، وسمع الحديث على جدِّه لأمّه محمد بن إسماعيل بن إبراهيم بن هبة الله بن أبي طالب الفرغاني الديناري، وقرأ الأدب على الإمام أبي البركات عبد الرحمن بن محمَّد الأنباري، وأبي محمد إسماعيل بن موهوب بن أحمد بن محمد بن الخضر الجواليقي النحوي، وأبي الحسن علي بن عبد الرحيم بن العصار اللغوي البغدادي، وأبي العز محمد بن محمد بن مواهب الخراساني، وأبي محمد الحسن بن عبيدة المقرئ الكرخي، وتفقه على الشيخ أبي طالب البارك بن المبارك الكرخي المعروف بغلام ابن الخل الفقيه الشافعي.
ثم قدم الموصل، وتفقَّه بها على القاضي أبي الرضا سعيد بن عبد الله بن القاسم الشهرزوري، وأبي المظفر محمد بن علوان بن مهاجر، وقرأ الفرائض على أبي الثناء الضرير الفرضي، واشتغل بالوعظ وتميّز فيه، واشتهر به.
وكان مليح الكلام، حلو العبارة، حسن الإيراد، أقام بالموصل يعظ بالمدرسة الأتابكية العتيقة، ثم توجَّه إلى الشام، ودخل ديار مصر، وسكنها مدّة، يعظ ويفيد الناس، ثمَّ عاد إلى الموصل في سنة أربع عشرة وستمائة، ومكث بها مديدة على عزم العودة إلى الشام، ونزل دمشق، وتوفي بها يوم الجمعة، رابع ذي القعدة سنة اثنتين وعشرين وستمائة.
وكان متميزًا متقنًا، ينظم الشعر الرائق، أنشدني من شعره الإمام أبو المجد إسماعيل بن هبة الله بن باطيش الموصلي الفقيه الشافعي- أيَّده الله تعالى- بحلب سنة أربع وثلاثين وستمائة قال: أنشدنا أبو محمد عبد العزيز الديناري بالموصل في ثاني عشر المحرم سنة خمس عشرة وستمائة لنفسه في الغزل: [من مجزوء الكامل]
مالزال يمطلني بديني
…
بدرٌ له قدُّ الرُّديني
/290 ب /ظبيٌ غريرٌ أحورٌ
…
يسبي بخدٍّ كاللُّجين
ترمي سهام جفونه
…
فينا قسيُّ الحاجبين
كم يسترق متيَّمًا
…
بعذاره والسَّالفين
سفكت دمي ألحاظه
…
عمدًا بسهم المقلتين
ما لي ألوم على الهوى
…
قلبي وطرفي جرَّ حيني؟
أنا كلَّ يومٍ معهما
…
في حرب بدرٍ أو حنين
أألام في قمرٍ على
…
خدَّيه صورة عقربين؟
دبَّت على قلبي وما
…
جلب البلية غير عيني
وأنشدني أيضًا قال: أنشدني عبد العزيز بن أبي المعالي يرثي شيخنا الإمام أبا المظفر محمد بن علوان بن مهاجر، [وكان قد] توفي يوم الأحد، ثالث المحرّم من سنة خمس عشرة وستمائة- رحمه الله تعالى-:[من الخفيف]
أوحشتنا لمَّا تولّى الدُّروس
…
والفتاوى بكته والتَّدريس
آه واحسرتاه على شرف الدِّين
…
ومن كان صمته تقديس
وإذا فاه بالفوائد تملى
…
صحفٌ من علومه وطروس
ولكم كان ينشر الدُّرًّ إن نا
…
ظر في محفلٍ وتجلى عروس
ولكم عمَّ حزنه وتساوى
…
في عزاه الرئيس والمرؤوس
كلُّ عينٍ عرى وكلُّ فؤادٍ
…
فيه من حزنه الطويل رسيس
ولقد ألبس الزَّمان حدادًا
…
فهو بالحزن ظلمةٌ خندريس
عجبًا كيف حلَّ في اللَّحد طودٌ
…
وهو في ضيق تربه مرسوس
ولبحرٌ ثوى بقعر الثَّرى فيه
…
من المأثرات درٌّ نفيس
ولقبرٌ حوى بضيقته ليـ
…
ثًا هزبرًا له ثراه حبيس
ولئن أظلمت لحودٌ ففي قبـ
…
ـرٍ حواه من العلوم شموس
أو شكت وحشةً فقد حلَّ في لحـ
…
ـدٍ به حلَّ من بقاه أنيس
وبه الدَّهر كان طلق المحيّا
…
وهو الآن حين بان عبوس
ولو أنَّ المصاب يفدى بشيءٍ
…
لفدته من الحمام النُّفوس
وأنشدني القاضي الإمام كمال الدين عمر بن أحمد بن أبي جرادة الفقيه الحنفي
المدرس- أدام الله تأييده- بحلب في سنة أربعين وستمائة قال: أنشدني أبو محمد عبد العزيز بن محمد بن أبي الفضائل بن أبي البركات الفقيه الشافعي البغدادي الواعظ المعروف بابن الديناري لنفسه بحلب سنة اثنتين وعشرين وستمائة:
[من الطويل]
غزالٌ سباني فاتر الطَّرف أحور
…
يقدُّ الردينيات بالقدِّ أسمر
إذا ما رنا أصمى الرَّميَّة لحظه
…
وفي طرفه سيفٌ من اللَّحظ أبتر
وكم قتلت ألحاظه من متيَّمٍ
…
يسلُّ عليه باللواحظ خنجر
وقد أمرضت جسمي مراض جفونه
…
ومذ فترت سقمي بها ليس يفتر
بخدٍّ نقيٍّ كاللُّجين بياضه
…
ومن فوقه وردٌ من الحسن أحمر
وثغرٌ هو الإغريض لا بل لآليءٌ
…
منضدةٌ عند التَّبسُّم تبهر
ترى الدرَّ منظومًا إذا كان باسمًا
…
ولكنَّه للدُّرِّ بالنُّطق ينثر
ونكهته المسك الذكيُّ تخالها
…
بعيد الكرى بل مازج المسك عنبر
وريقته يشفي المتيَّم رشفها
…
ورائقها عند الترشُّف يسكر
بأجفانه إمَّا دنا سحر بابلٍ
…
ومن لفظه أو لحظه الصَّبُّ يسحر
إذا صدَّ الصَّبر عنّي بصدِّه
…
ويهجرني طيف الكرى حين يهجر
وأنشدني أيضًا قال: أنشدني لنفسه: [من المتقارب]
حفظت العهود وضيَّعتم
…
فأين الحفاظ وأين العهود؟
ففي القلب منكم جوىً ناره
…
لها في الحشا مذ حللتم وقود
أأكتم ما بي من حبِّكم
…
وقد خدِّدت بالدُّموع الخدود
وإن أنا أنبأت سرَّ الهوى
…
فها زفرتي ودموعي شهود
وقد كنت قبل الهوى صابرًا
…
جليدًا وفي الحبِّ يفنى الجليد
سقى الله نجدًا وأرض الحمى
…
ملثًّا بتلك المغاني يجود
أحبُّ زرودًا وتلك الرُّبوع
…
فكم جمعتنا قديمًا زرود
زكم قد سحبت برود الشَّباب
…
بها فازهتني تلك البرود
وكان الشَّباب شفيعي ولي
…
غدائر تسبي المحبِّين سود
فشبت وما شاب وجدي بكم .. وإن كنت شبت فحبي وليد
وأنشدني أيضًا قال: أنشدني لنفسه أبياتًا عملها في طريق مكة، وقد حجَّ من العراق في سنة ثلاث وستمائة، وحجَ في تلك السنة صدر جهان وكانت الوقفة الجمعة، وهلك من الحاج خلق كثير من العطش، ولا سيَّما في منزلة به تسمى العسيلة:[من مجزوء الكامل]
يا سائلي عمّا جرى
…
إنِّي اختصرت لك العبارة
إنَّ العسيلة أصبحت
…
فينا حلاوتها مرارة
وكذا النُّقيرة قبلها
…
عدم الفتى فيها قرارة
كم من شبابٍ شاحبٍ
…
بعد الملاحة والنّضارة
أضحى بقفرٍ عادمًا
…
فيه أقاربه وجاره
مستوطنًا بمفازةٍ
…
وفراشه فيها الحجارة
لا ليله ندري به
…
عند الظَّلام ولا نهاره
ولكم رأى من يستجيـ
…
ـر به ولكن ما اجاره
ترك النِّساء أراملًا
…
وجفا لسفرته دياره
كم من وقورٍ عادمٍ
…
بالموت بينهم وقاره
متوسِّد يمناه فو
…
ق جبينه ألقى يساره
كم مرضعٍ ورضيعها
…
تومي إلينا بالإشارة
من ذا يبرِّد غلَّتي
…
بالماء يربح بالتِّجارة؟
كم مترفٍ ومنَّعمٍ
…
والرمل قد أضحى دثاره
كم مات منهم جالسٌ
…
بين الحجارة والمحارة
كم من وجوهٍ سوِّدت
…
من قبل كانت مستشارة
كم من قطارٍ مات والـ
…
ـجمَّال متَّبعٌ قطاره
وجميعهم صرعى كأنَّ
…
السُّكر ألأبسهم خماره
وأتاهم البيت الحرا
…
م إلى العسيلة للزِّيارة
إنَّ الملائكة الكرا
…
م أتت إليهم بالبشارة
إنَّ الإله رضي لهم
…
في جنة المأوى جواره
قد كان ينتفع الفتى
…
بالذِّكر لو أبدى ادِّكاره
أو كان يفتكر اللَّبيـ
…
ـب ويكثر الدَّهر افتكاره
لرأى بعين العقل أنَّ
…
محاسن الدُّنيا معاره
فاترك تجارتها فإنَّ
…
تجارة الدُّنيا خسارة
فالملك فيها لا يدو
…
م فكيف يفرح بالإمارة
واعدل إذا ولِّيت أمـ
…
ـرًا فالإمارة بالعمارة
وقوله:
وأتاهم البيت الحرا
…
م إلى العسيلة للزِّيارة
قيل: رأى بعض الحاج في منامه كأنَّ البيت الحرام مشى، فقيل: إلى أين؟ فقال: إلى زيارة الموتى بالعسيلة.
[320]
عبد العزيز بن قرّى، ينعت بالقاضي الأمجد المصري:
كان من الفضلاء في زمانه أدبًا، وفضلًا، وعلمًا، وتبريزًا، له يدٌ في كتابة الإنشاء، مع حفظ القرآن، وتدريس الفقه، وقول الشعر، والأدب الوافر.
ومن شعره: [من الكامل]
قد كنت أحذر من وقوع فراقكم
…
وأعافه وأخافه حتَّى جرى
سبق القضاء به فقدَّر يومه
…
حتمًا فلا ردٌّ لما قد قدِّرا
ساروا فلو ألقي يسير تشوُّقي
…
يومًا على الصَّخر الأصم تفطّرا
ولو أنَّ بحرًا صادفته قطرةٌ
…
من دمعتي لجرى نجيعًا أحمرا
يا عاذل العشَّاق جهلًا بالهوى
…
ما كان أحسن أن ترقَّ وتعذرا
إن كنت لم تر قطُّ يومًا قيمة الـ
…
ـدُّنيا ففارق من تحبُّ لكي ترى
[321]
عبد العزيز بن محمَّد بن عليِّ بن حمزة بن القبَّيطيِّ، أبو البركات، الحرَّانيُّ الأصل، البغداديُّ المولد:
شيخ فاضل حافظ القرآن العظيم، متقن له، مجيد لأدائه، حسن التلفّظ به، شيخ صالح، ذو سكون ظاهر، سمع الحديث، وكان فيه فضل وأدب، سمع شهدة بنت الإبري، ومن بعدها، وحدث وسمع، وكانت وفاته في منتصف ربيع الأول سنة أربع وثلاثين وستمائة بمدينة السلام.
أنشدني أبو طالب علي بن الحسن بن عثمان بن عبد الله البغدادي، بمدينة السلام سنة تسع وثلاثين وستمائة [قال] أنشدني عبد العزيز بن محمد بن القبيطي لنفسه من قصيدة طويلة في المستنصر بالله- رضي الله عنه:[من الطويل]
حمى شرعة الإسلام من كلّ باطل
…
إمام هدى برٌّ كريم الشمائل
إمام هدىً أعطى الخلافة حقَّها
…
وقام بمفروضاتها والنوافل
وأعلى من الإسلام كلَّ دعامةٍ
…
وشيَّد من أركانه كلَّ مائل
يذبُّ عن الإسلام منه حميَّةً
…
يبيد أعاديه عديد الجحافل
ويحمي ثغور الدِّين في كل وجهةٍ
…
ويدفع عنها بالرِّماح الذَّوابل
يسحُّ على العافين سيب نواله
…
كما سحَّ هطَّال العيون الهواطل
برحمته عمَّ الخلائق كلَّهم
…
ونال المنى من برِّه كلُّ آمل
بمستنصرٍ بالله نسأل ربَّنا
…
فيكشف عنَّا كلَّ لأواء باطل
به تكشف البلوى ويستنزل الحيا
…
وتدنو الثُّريا من يد المتطاول
لقد منح الله الخلافة راحمًا
…
رؤوفًا جوادًا جامعًا للفضائل
فنسأل ربَّ العرش تطويل عمره
…
على مرِّ دهرٍ دائمٍ متطاول
[322]
عبد العزيز بن عثمان بن منصور بن أبي الفوارس، أبو أحمد الفزاريُّ الإربليُّ:
كان شابًا، لهج بقول الشعر، وأكثر النظم، وادّعى أنَّه من بني فزارة، وكثيرًا ما يذكر ذلك في شعره ويردِّده مفتخرًا به، خرج من إربل قاصدًا ملوك الشام أبناء أيوب، فامتدحهم، وأخذ صلاتهم وحسنت حاله، ثم توجه نحو إربل، فوصل نصيبين في أوائل صفر سنة ست وعشرين وستمائة، وكانت ولادته في حدود سنة ثلاث وتسعين وخمسمائة، وكان معه غلامان له، فتحاملا على قتله، وأخذا الموجود من ماله ومتاعه، وهربا.
وذكر لي بإربل أنه كان يسرق الأشعار، ويمدح بها، وقد عثر له جماعة على السرقة. أنشدني أبو القاسم بن أبي النجيب بن أبي يزيد التبريزي قال: أنشدني أبو أحمد عبد العزيز بن عثمان لنفسه، ما كتبه إلى الوزير الصاحب شرف الدين أبي البركات المستوفي يهنيه بعيد الأضحى، وزعم أنه عمل ذلك بديهو:[من الطويل]
أبا البركات العيد وافاك مقبلًا
…
بسعدٍ فكن يا سعد للبرِّ قابلا
أتاك أناسٌ للتَّهاني فصادفوا
…
من اسمك فألًا فيه للخلق شاملا
فولُّوا وجاء الدَّهر في إثر سعيهم
…
يقيم لهم عذرًا ويخضع سائلًا
ونقلت من خطه قوله، وقد جاء ولد، وهو ما كتبه إلى الشرف أبي بكر محمد بن علي بن حامد، يسأله أن يضع له اسمًا:[من الكامل]
حيِّ الفتى الشَّرف بن حامد إنَّه
…
غيثٌ بغير عطائه لا أقنع
يحدو الركاب وفي يده ورأسه
…
رمحٌ أشقُّ وصارمٌ لا يطبع
يسعى على شرف الطُّروس بغربه
…
كيلا تلوح به الشُّموس الطُّلَّع
تروى أحاديث النَّدى مأثورةً
…
عنه وأصدقها عليه تسمع
فبكفِّه شمل اللُّهى متفرِّقٌ
…
ولديه شمل المكرمات مجمَّع
لله كم لفتىً شقيٍّ من يدٍ
…
يضاء تبرع في السَّماح وتبدع
ما إن قصدتك في اكتساب فضيلةٍ
…
إلَّا وبرُّك للفضائل يتبع
ألبست [فيك الشعر ما يزهو] به
…
يثني عليك معمَّمٌ ومقنَّع
نوَّهت بي بعد الخمول وزدتني
…
شرفًا به تومي إليَّ الإصبع
ولقد صحا جدِّي العثور وأقبل الإقبال نحوي في خطاه يسرع
وأتى يبشِّرني البشير بدرَّةٍ
…
في غير تاج فزارةٍ لا ترضع
بدرٌ تكامل نوره في ليله
…
وتزيده عشرٌ تمرُّ وأربع
فاختر له اسمًا يبق فوق جبينه
…
وسمًا ..... والمرصع
وقال من قصيدة: [من الطويل]
تفرَّق شعب الحيِّ وانصدع الشَّمل
…
فلا كثبٌ تدنو إلينا ولا رمل
وشطَّت بمن نهواهم غربة النَّوى
…
وأقصاهم عن ناظري الحزن والسَّهل
فما ساعدت سعدى محبًّا بوصلها
…
ولا أجملت من قبل وشط النَّوى جمل
وأنشدني الحسن بن علي بن محاسن قال: أنشدني عبد العزيز لنفسه من قصيدة: [من الكامل]
جاد العهاد ملاعبًا ومعاهدًا
…
وسقى وهادًا باللِّوى ومعاقدا
وصبت بدمنتها الصَّبا وتنسَّمت
…
فيها الشَّمال تجرُّ بردًا باردا
دمنٌ سحبت بها ذيول شبيبتي
…
وهصرت غصن العيش لدنًا مائدا
أيام لا أخشى الوشاة ولم أخف
…
في حبِّ علوة كاشحًا ومعاندا
وسعاد تسعد بالوصال وقد سها
…
جفن الرَّقيب وبات عنّا راقدا
ونديمنا خنث المعاطف وجهه
…
بدرٌ لديه البدر أمسى ساجدا
حيّا بكأسٍ خلتها في كفِّه
…
برقًا تحدَّر أو ضرامًا صاعدا
مدَّت على وجناته من نورها
…
شفقًا فصار بوجنتيه جامدا
رشا له دين المسيح عقيدةٌ
…
وبذاك للزُّنَّار أضحى عاقدا
كم قد نصبت له الحبائل ابتغى
…
صيدًا له فغدا لقلبي صائدا
يا شاردًا بالأمس يلقي نظرةً
…
إياك تتلف فيك قلبًا شاردا
لا تسفكنَّ دم المحبِّ تعمُّدًا
…
فالإثم لا يلقاك إلَّا عامدا
إن أنكرت جفناك قتلي أظهرت
…
لي من دمي وجنات خدٍّ شاهدا
ته في الملاحة كيف شئت فلم أطع
…
في دين حبِّك لائمًا أو حاسدا
يا راقدًا عنِّي وحبِّك إنَّني
…
مذ غبت ما صاحبت حبًّا راقدا
أأنام والنِّيران حشو حشاشتي
…
يذكي الرفيق بها زنادًا زائدا
يا سعد هل لك أن تعين أخا هوىً
…
لم يلق غيرك في الغرام مساعدا
قف دون ما حوت الخيام مناشدًا
…
قلبًا غدوت له برغمي فاقدا
نكِّب بها طيب العذيب مجانبًا
…
وازجر قعودك عن قعودك واخدا
وصل الوجيف إلى الذَّميل بجسرةٍ
…
تذر الرِّياح العاصفات رواكدا
خرقت بطون الخرق في إرقالها
…
وغدت تقدُّ أما عزًا وجلامدا
فإذا وصلت إلى الحمى من رامةٍ
…
وشممت للقيصوم عرفًا صاعدا
ورأيت ثمَّ قنابلًا وقبائلًا
…
وذوابلًا وصواهلًا ومجالدا
فهناك حيُّ بني فزارة قف به
…
وأغث بنصرهم محبًّا واجدا
وقل: السَّلام عليكم من ناحلٍ
…
لم يلق بعدكم الصَّبابة عائدا
ابني فزارة كيف ذلَّ فتاكم
…
ويراكم أسدًا له وأساودا
أأخذتم بدلًا به واهًا له
…
من بعد قربٍ لم غدا متباعدا
وأنشدني أبو إبراهيم فارس بن عسكر بن الحسن الإربلي قال: أنشدني عبد العزيز لنفسه من قصيدة: [من الطويل]
نعم هذه نعمٌ وتلك المعالم
…
فهل أنت للبرق الشاميِّ شائم؟
حمتها من السُّمر الدِّقاق ذوابلٌ
…
ومن جوهر البيض الرِّقاق صوارم
ومن أسدٍ أسدٌ ضوارٍ لسمرها
…
ثعالب تردى من سطاها الضَّراغم
تثنَّت فأثنى الغصن لمَّا تمايلت
…
على قدِّها والغصن ريَّان ناعم
إذا أقبلت تختال في حلل الصِّبا
…
غدا غادرًا فيها عذولٌ، ولائم
تعذِّب قلبي والجوى يستزيدها
…
فآثمة والمستزيد ............
لها حاجبٌ يسطو بعامل قدِّها
…
وناظرها بين الرَّعيَّة ظالم
رفعت إليها قصَّةً لي فوقَّعت
…
على رأسها ما في الهوى لك راحم
أحلَّت دم العشَّاق في مذهب الهوى
…
وفي الشَّرع حقًّا ما تحلُّ المحارم
بكيت دمًا في حبِّها فتبسَّمت
…
وإن أعجب الأشياء باكٍ وباسم
ونهنهت دمعي إذ تولَّت بها النَّوى
…
وللدَّمع شؤبوبٌ على الخدِّ ساجم
ولما دعا داعي الفراق وحثَّت النِّياق غدا قلبي بها وهو هائم
وحلَّت بأكناف العقيق من الحمى
…
وحالت بها غيطانه والمحارم
تعسَّست حتى قال صحبي صريمة
…
من النَّار هاجتها الرِّياح النَّواسم
خليليَّ إلَّا تسعداني على الهوى
…
فقلبي في سحر الصَّبابة عائم
نشدتكما إن جئتما بانة اللِّوى
…
سلا هل سليم العامريَّة سالم؟
وإياكما ماء العذيب فحوله
…
حماةٌ بأيديها رماحٌ حوائم
وإلَّا قفا لي أنَّني بعد بعدها
…
بحتفي إن لم أدن منكم لعالم
سأركب ظهر العزم نحو خيامها
…
وما تحمل الأثقال إلَّا العزائم
وأسأل خفَّاق النَّسيم فإنَّه
…
عليمٌ بما تحوي الرُّبى والمعالم
قطعت إليها كلَّ بيداء سملق
…
بعيد المهاوى حيث تدمى المناسم
ومرَّت بمرت ضلَّ فيه دليله
…
وما صاحبي إلَّا جوادٌ وصارم
وخضت ظلام اللَّيل وهو أنيسه
…
وبحر المنايا موجه متلاطم
فإنِّي قد آليت لا أطعم الكرى
…
وللرُّمح أنبوبٌ وللسيف قائم
إلى أن بدت حزوى ولاحت خيامها
…
وناحت على رند العقيق الحمائم
وقد نصبت سود الأسود ببابها
…
بروج قنىً أفلاكهنَّ اللَّهازم
تخطَّيتها والليل ملق جرانه
…
وقد غفل الواشون والدَّهر راغم
وبتنا وقلب اللَّيل يخفق خيفةً
…
علينا وحول الخافقين النمائم
إلى أن سرت ريح النَّسيم عليلةً
…
وفرَّ سهيلٌ هازئًا والنَّعائم
ومالت نجوم الشَّرق للغرب جنَّحًا
…
ورقَّت حواشي الليل والصُّبح قادم
ومنها يقول:
متى رمت عن أهلي رحيلًا تعرَّضت
…
إليَّ خطوبٌ بالمقام لوازم
وما إربلٌ لي دار سكنى أقيمها
…
وإن عقدت فيها عليَّ التمائم
حللت بها في معشر هان عندهم
…
مديحي [وعزَّت دون ذاك] الدَّراهم
متى لم أزر قالوا ثقيلٌ وأحمقٌ
…
وإن زرتهم قالوا العطايا مواسم
فيا ليت شعري كيف أصنع فيهم
…
وحظَي منهم حالك اللون عاتم
سأرحل عنهم لا قلىً بل تغرُّبًا
…
ففي الهند ما للمندل الرَّطب سالم
وأقصد أبواب الملوك فإنَّني
…
كفيلٌ لنفسي بالَّذي أنا عازم
متى قلت إنِّي ما ترخَّصت بالذي
…
ادَّعيت وقال الخلق إنِّي ناظم
تم الجزء الثالث
والحمد لله أولًا وآخرًا
يتلوه في الجزء الرابع إن شاء الله تعالى
عبد العزيز بن إبراهيم بن علي
بلغ المقابلة من أصل مؤلفه بخط يده
والحمد لله على .........