الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ذكر من اسمه عبد الرحمن
[267]
عبد الرَّحمن بن محمَّد/ 176 ب/ بن عبد السَّميع بن عبد الله بن عبد السَّميع بن عليِّ بن القاسم بن الفضل بن الحسين بن أحمد بن جعفر بن سليمان بن عليِّ بن عبد الله بن العبَّاس بن عبد المطَّلب، أبو طالب بن أبي الفتح الهاشميُّ العبَّاسيُّ الواسطيُّ:
كانت ولادته بواسط في شهر رمضان سنة ثمان وثلاثين وخمسمائة، وتوفي بها، ودفن بدير وردان، غربي واسط، في سادس المحرم سنة إحدى وعشرين وستمائة.
كان يسمى بواسط: الشيناتي؛ لأنه اجتمع فيه سبع شينات، لم تجتمع في أحد سواه من ذوي الشرف.
كان شيخًا في العلم والآداب، شافعي المذهب، يلقب شرف الدين، شريفًا شاعرًا، شروطيًا شاهدًا، وقد نظمت هذه الألفاظ ببيت شعر وهو:[من الخفيف]
شرف الدِّين شيخنا شافعي
…
شاعر شاهد شريف شروطي
وهو من بيت العلم الغزير، والجاه الوافر، اعتنى بالحديث وسماعه، فصار فيه
إمامًا، يشار إليه، سمع بواسط من أبي جعفر ابن البوقي، وأبي الحسن علي بن المبارك بن نغوبا، وأبي طالب/ 177 أ/ محمد بن علي الكتّاني، وسمع ببغداد من أبي المظفر هبة الله بن أحمد ابن الشبلي وأبي الفتح بن البطي، ويحيى بن ثابت في جماعة، حدث بمسند مسدّد ابن مسرهد، عن علي بن نغوبا.
وكان ثقة صحيح السماع، فاضلاً، مصنفًا، عذب المنطق، حسن الفصاحة، جيد الكلام في الوعظ، ينشئ الخطب والفصول في المواعظ، وله مديح كثير في الإمام الناصر لدين الله أبي العباس أحمد رضي الله عنه.
وصّنف كتبًا مفيدة منها: كتاب "اللباب المنقول في فضائل الرسول صلى الله عليه وسلم"، و"كتاب الدرّ المنثور في معرفة الأيام والشهور"، وكتاب "المناقب العباسية"، وكتاب "مجموع الرسائل والوسائل"، وكتاب "تعبير الرؤيا"، وكتاب "الدرّة الفريدة في العقيد"، وهي أرجوزة، وكتاب "النخب في الخطب"، وكتاب "الخواطر العقلية والفصول الوعظية"/ 177 ب/، إلى غير ذلك من المصنفات.
أنشدني أبو نصر بن أبي طاهر البغدادي الهاشمي قال: أنشدني الشريف أبو طالب بن أبي الفتح لنفسه يذم الدنيا: [من البسيط]
دع ما يزول من الدُّنيا وزخرفها
…
واطلب رضا الله في قول وفي عمل
ولا تطع آمرًا بالظُّلم مبتغيًا
…
نيل الحطام غبيَّ الحسِّ ذا خطل
يغريك بالنور جهلاً منه بغيته
…
ظلم العباد كثير الغيِّ والزَّلل
واعلم بأنَّك مسؤول فكن حذرًا
…
من الوقوف غدًا في موقف الخجل
واشفق على الخلق إن وفِّقت مجتهدًا
…
مادمت مقتدرًا واصفح عن الخلل
فالعفو والصَّفح عمَّن زلَّ مغتنم
…
ولا تكن عجلاً فالخطء في العجل
واسأل إلهك توفيقًا وكن ورعًا
…
تمسي وتصبح في خوف وفي وجل
وأنشدني أيضًا قال: أنشدني لنفسه: [من مجزوء الكامل]
دار تكدرِّ صفوها
…
وسرورها غير الليالي
ويحيل بهجة حسنها
…
صرف الرَّدى في كلِّ حال
غدَّارة خوَّانة
…
أفراحها مثل الخيال
وكمال صحَّتها يؤو
…
ل إلى فناء أو خبال
من كان ساكنها يعدُّ
…
الزَّاد حقًا لارتحال
أو كان مغترًا بها
…
ألقته في شرك الوبال
/ 178 أ/ فارفض علائق حبِّها
…
فصحيحها عين المحال
واعلم بأنَّك راحل
…
عنها إلى دار المال
والموت قد نادى بنا
…
فتأهبوا يا للرجال
وقال أيضًا في الوعظ: [من المنسرح]
إلى متى ذا الغرور يا غافل
…
تخوض طول الزَّمان في الباطل
تضيع العمر منك في عمل
…
لا يرتضيه لنفسه عاقل
وتدَّعي العلم ثمَّ تتركه
…
مرتكبًا ما يعافه الجاهل
تستمع الوعظ ثمَّ ترفضه
…
وأنت للَّغو سامع قائل
حبُّك دنياك لو عقلت فيه
…
داء لعمري مستمكن قاتل
غرَّك حتى أطعته سفهًا
…
وبعت أخراك منه بالعاجل
دع عنك ما أنت فيه مغتنمًا
…
ما قد تبقَّى من عمرك الزَّائل
واعمل ليوم الحصاد مجتهدًا
…
عساك تحظى من ذاك بالحاصل
وقل إلهي، لا تقطعن أملي
…
منك وكن لي في بغيتي كافل
جد لي بما أنت أهله كرمًا
…
يا خير مولى يعنو له الآمل
وأضرع إلى الله جلَّ مبتهلاً
…
فإنَّه لا يخيِّب السَّائل
وأنشدني قال: أنشدني لنفسه: [من البسيط]
/ 178 ب/ تبًا لمن همُّه الدُّنيا وبغيته
…
زيادة المال فيها وهو منتقص
يسعى ويدأب فيها ليس يدركه
…
حرصًا وتنتابه الأسقام والغصص
كم أسعف الدَّهر أقوامًا يبغيهم
…
فيها وأعطى فلمّا زادهم نقصوا
وكلَّما أدركوا ما أمَّلوا بطروا
…
وكلَّما زيد في أموالهم حرصوا
رأس الخطيئة حبُّ المال فاسخ به
…
واسمح وجد فذوو الأفضال قد خلصوا
والباخلون حظوا بالذَّمِّ إذ بخلوا
…
وقتَّروا وعلى أعقابهم نكصوا
واحذر مصارعهم إن كنت متَّعظًا
…
فقد أتتك به الأنباء والقصص
[268]
عبد الرَّحمن بن صالح بن عمَّار بن عربدّ بن رافع بن المزعفر العربدَّيُّ، أبو محمَّد التَّغلبيُّ الدُّنيسريُّ:
كان يتولى الحسبة بدنيسر، تعلق بسبب قوي من علم العربية والعروض، وحفظ القرآن العظيم، وفهم طرفًا من اللغة والأدب، وكان شاعرًا فصيحًا، فيه سماحة ومروءة، حبسه الملك المنصور ناصر الدين أرتق أرسلان بن إيلغازي بن ألبي بن إيلغازي بن تمرتاش الأرتقي، صاحب ماردين/ 179 أ/ بسبب قصيدة نظمها في الملك الأشرف موسى بن الملك العادل أبي بكر بن أيوب، وكان يومئذ محاصرًا قلعة ماردين، فأنكر الملك المنصور تخلفه عن الصعود إليه إلى ماردين، وأنه امتدح الملك الأشرف، فأخذه وسجنه خمس سنين، ومات مسجونًا في أواخر ذي الحجة سنة سبع وعشرين وستمائة.
أنشدني أبو الثناء محمود بن أسعد الهمذاني قال: أنشدني أبو محمد لنفسه:
[من الوافر]
تزايد في هوى أملي جنوني
…
وأورث مهجتي سقمًا شجوني
وصرت أغار من نظر البرايا
…
عليه ومن خيالات الظُّنون
وأحرص أن يكون له وفاء
…
من الأبصار قلبي أو جفوني
ويعذب لي عذابي في هواه
…
وهذا نصُّ معتقدي وديني
فقل للَاّئمين عليه جهرًا
…
دعوني لست أدركه دعوني
وقال أيضًا: [من البسيط]
دع الملامة فيه أيُّها اللَاّحي
…
فما أطيع عليه قول نصَّاحي
/ 179 ب/ شدُّوا علىَّ فسدُّوا باب مصلحتي
…
وظنُّهم أنهم جاءوا بإصلاحي
وهزَّة السُّكر لا يخطى بلذَّتها
…
إلاّ خليع تحاشى حشمة الصَّاحي
وقال أيضًا: [من الكامل]
لاحي المتيم بالملام متيَّم
…
وبما يضر أخا الصَّبابة تحكم
يلحاه وهو مدلَّه بأحبَّة
…
لفؤاده ملكوا وفيه خيَّموا
سنُّوا الجفا فكلُّ هجر متلف
…
في سنَّة العشَّاق يروى عنهم
وفتى تنمُّ بسرِّة أجفانه
…
إن زمَّت الأجمال أنَّى يكتم؟
بالله يا ركب الحبيب ترفَّقوا
…
بالمستهام أخي الصَّبابة وارحموا
لا تعجلوا قلص الرِّكاب فتتلفوا
…
دنفًا بعيد فراقهم ما يسلم
متلهِّب الزَّفرات نار غرامه
…
ما تأنلي في قلبه تتضرَّم
عملت جراح الهجر فيه ومالها
…
إلَاّ الوصال وعزَّ ذلك مرهم
وإذا أتت برضا الأحبَّة خطَّة
…
تردي فمثل الشَّهد منها العلقم
رفقًا بحقَّكم على ذي لوعة
…
عنها تنشَّأ لحمه والأعظم
ما فارق الحمد المبرِّح قلبه
…
نفسًا ويعدم والهوى لا يعدم
وقال من قصيدة/ 180 أ/ يمدح الملك المنصور أرتق أرسلان، صاحب ماردين:
[من الكامل]
لم تولينَّ الصَّبَّ يا ذات اللَّمى
…
وتحلِّلين من الصُّدود محرَّما؟
يا ضرًّة القمرين بل يا غلطة
…
الدُّنيا حجى وصيانًة وتكرُّما
إن كان في قتلي رضاك فقطِّعي
…
كبدي بهجرك واسفكي منّي الدِّما
فلقد أطعت صبابتي وأضعت من
…
كلفي الصَّواب وقد عصيت اللُّوَّما
وغدوت مكتئب الفؤاد مدلَّهًا
…
قلق الحشا قرح الجفون متيَّما
فتكاد تحرق زفرتي أثل الغضا
…
أسفًا وتغرق عبرتي أهل الحمى
يا من يبدِّد شمل دمعي في الهوى
…
من وصفه لفظ وثغر نظِّما
قل للعباهلة الكرام بحرزم
…
شرَّفتم عن كلِّ واد حرزما
هل تعرف مع الهجوع بأنني
…
ما زلت بعدكم أناجي الأنجما
ليلي وليلكم سواء إنَّما
…
قضَّيته سهدًا وبتُّم نوَّما
من كان عن ورد المراد محَّلاً
…
ألفى حلاوة كلِّ شيء علقما
كم نظرة جنت الهوى وألذُّ من
…
نظر العدوِّ منعَّمًا صفة العمى
يا عادليَّ بحقِّ ربِّكما ارحما
…
ولهي لعلكما غدًا أن ترحما
/ 180 ب/ وترفَّقا بحشاشتي وتأيَّدا
…
في قصَّتي بلِّغتما ما رمتما
إن كنت أخدع عن هواها إنَّني
…
من جود أرتق ذي النَّدى غيث هما
ما سلَّ سيفًا فوق طرف أو رمى
…
يوم الهياج إلى عدوٍّ أسهما
إلَاّ ظننت البدر حمِّل بارقًا
…
ريح الصَّبا وأقض عنها أنجما
وقال أيضًا: [من الكامل]
أنا أوحد العشَّاق يتلف مهجتي
…
من ساق سائلة الظّغائن أوحدا
قرح الجفون يظن ناقف حنظل
…
إثر الظَّعائن أو مريضًا أرمدا
ومنها يقول:
لولا منظَّم ثغره وكلامه
…
ما ظلَّ دمعي في الرُّسوم مبدَّدا
رشا أرقُّ من الهوى جسمًا حوى
…
قلبًا قسا فحكى لحيني جلمدا
يا ذاكرين تذَّكروا كلفًا بكم
…
ما نام قطُّ ولو سقوه المرقدا
بيد يردُّ بها الحداة عن السُّرى
…
ويردُّ من وله على كبد يدا
أسفي على يومي القصير بوصلكم
…
كيف استحال مع القطيعة سرمدا
يا عاذليَّ أتعلمان حقيقًة
…
أنِّي أطيق مع القضا ردَّ الرَّدى
لو كنت أملك مهجتي يوم النَّقا
…
ما كنت أنصف من على ضعفي اعتدى
/ 181 أ/ وقال أيضًا: [من البسيط]
لا والَّذي بيديه البرء والسَّقم
…
ما لي سوى وجنتيه في الهوى قسم
أحوى حوى السِّحر في أجفانه وعلى
…
خدَّيه من مهجات المدنفين دم
مزنَّر الخصر واشوقًا إلى خصر
…
في فيه يقصر عنه البارد الشَّبم
كالماء جسمًا ولكن قلبه حجر
…
وما سباني إلَاّ وهو لي صنم
وقال أيضًا: [من البسيط]
أما وجفنيك والسِّحر الَّذي بهما
…
لقد تقطَّع قلبي للنَّوى ندما
أظبية الخيف ألحاظًا متى سفكت
…
دمًا غزيرًا بلا جرم لحاظ دمى؟
أما لهذا القلى والصدِّ من أمد
…
أما رثيت لمقتول يذوب أما؟
وحرمة الحبِّ إيمانًا بمولده
…
وصبوة الصًّب عشقًا عزَّ ذا قسما
زمُّوا الجمال عليها كلَّ مشبعة
…
من الجمال لخضر يستغيث ظما
لمياء سحَّارة الأجفان ما تركت
…
بالخيف إلَاّ مخافَّا يشتكي ألما
لها ذوائب تحكيها الأراقم من
…
صاف مبين فويق الأرض ما رقما
كأنَّها ليل مهجور وأعجب ما
…
في حسنها جمعها الأنوار والظُّلما
[269]
عبد الرحمن بن يخلفتن/ 181 ب/ بن أحمد، أبو زيد الفازازيُّ المغربيُّ، الساكن بمدينة مراكش:
فاضل عالم مقدّم في الأدب، كبير المحل في الفضل، شاعر مقتدر على الكلام، صاحب فصاحة في الإنشاء، نزل مراكش، وتقدم عند مليكها، وحظي لديه، وقلده الوزارة، وكتابة الإنشاء، وله شعر كثير في كل نوع.
أنشدني أبو القاسم عبد الرحيم بن أحمد بن علي بن طلحة الأنصاري السبتي، بمدينة إربل في أواخر ذي الحجة سنة ثلاثين وستمائة قال: أنشدني الوزير أبو زيد عبد الرحمن الفازازي لنفسه: [من الطويل]
أزيد اشتياقًا كلَّما زدتني بعدًا
…
وآلف وجدًا حين أطَّرح الوجدا
وتشفع عندي في صدودك لوعة
…
تجاذبني لا أستطيع لها ردَّا
وما مرَّ يوم من شديد مودتي
…
وحقّك إلا زدت في غده ودّا
كأنَّ الهوى جسم ثوى بين أضلعي
…
فضمَّ عليه الشَّوق من جسدي بردا
أرى نار إبراهيم بين جوانحي
…
نشبُّ ولكن لا سلامًا ولا بردا
وما جزعي للموت إلا لعلَّة
…
إذا لم تقرَّ العين لا تشمت الأعدا
عجبت لأهل الوجد ماتوا بوجدهم
…
وما اعتنقوا غصنَّا ولا ارتشفوا شهدا
/ 182 أ/ فلو أنَّ ما أهواه في علم من مضى
…
لما عشقت لبنى ولا مدحت سعدى
ولا مشت الخنساء تسحب ذيلها
…
ولا علَّقت عفراء في جيدها عقدا
إذا ظفرت عيناي منك بنظرة
…
فقد أسكنت عدنًا وجاوزت الخلدا
[270]
عبد الرَّحمن بن الحسن بن عليِّ بن الحسن بن عليِّ بن الحسين بن أحمد بن محمَّد بن عيسى بن محمَّد بن حمدويه بن دينار بن شيلة بن شيلمة بن فذهر مز بن آه بن أوه بن أشك بن شكرك بن زاذان فرّوخ بن بيغان بن زاذان فرُّوخ الأكبر –وزير الحجاج بن يوسف-، وهو أخو
يزدجرد بن هرمز بن نوشروان ملك الفرس، المعروف بابن بصلا البندنيجي، وبصلا لقب لمحمَّد بن حمديه، أحد أجداده.
هكذا ساق هذا النسب شيخنا أبو عبد الله محمد بن سعيد الدبيثي قال: أملاه عليّ من حفظه أبو المكارم عرفة بن علي، والد شيخنا عبد الحميد، وأثنى عليه خيرًا.
وعبد الرحمن، يكنى أبا محمد، كان متصوفًا، وسمع الحديث، وصحب الصوفية، قال القاضي أبو القاسم الحنفي: / 182 ب/ شيخ حسن صالح، وقور فاضل، من شيوخ الصوفية، قدم علينا حلب في صحبة شيخنا عمر بن محمد السُّهروردي، وسيره رسولاً إلى ملك الروم، ثم قدم مرّة أخرى في سنة ثماني عشرة وستمائة، وسمعنا منه الجزء الثاني والرابع من أمالي المحاملي بسماعه من أبي بكر أحمد بن المقرئ أبي الحسين بن الحسن الكرخي، وأبي القاسم يحيى بن ثابت بن بندار البقال.
وكانت ولادته سنة خمس وأربعين وخمسمائة، وله أشعار، فمنها ما أنشدنيه أبو جعفر محمد بن عبد الحميد بن محمد الهمذاني قال: أنشدنا أبو محمد عبد
الرحمن بن بصلا لنفسه، وقد طلبت منه الإجازة:[من البسيط]
أجزت للولد المذكور ما سألا
…
آتاه رِّبي التُّقى والعلم والعملا
فليرو عنِّي ما صحَّت روايته
…
لديه ممَّا روى عنِّي وما نقلا
ويتَّق الله فالتَّقوى له شرف
…
وأكرم النَّاس في تقواه من عقلا
وليجعل العلم مالاً يستعين به
…
وليس ينفع إلَاّ من به عملا
ومن تحمل علمًا ليس يحمله
…
فإنَّما هو أسفار لها حملا
وحامل العلم من يخشى الإله ومن
…
يكون في كلِّ حال خاشعًا وجلا
/ 183 أ/ ومن تحمَّل علمًا وهو حامله
…
فهو الَّذي عند أهل العلم قد كملا
فالله ينفع من هذا السُّؤال له
…
والله أكرم مسؤول إذا سئلا
ثمَّ الصَّلاة على المبعوث من مضر
…
خير الأنام ومن فاق الورى فعلا
[271]
عبد الرَّحمن بن نجم بن عبد الوهَّاب بن عبد الواحد بن أبي الفرج بن محمَّد بن عليِّ بن يعيش الأنصاريُّ، أبو الفرج الواعظ:
هو من ولد سعد بن عبادة صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، المعروف بابن الحنبليّ الدمشقي.
من أشهر بيت بدمشق في العلم، وأكبره، وهو واعظ حسن، فقيه حنبلي، محدث مفسر، عالم سائر الذكر ببلاد الشام، كانت ولادته فيما أخبرني [سابع عشر شوال] سنة خمس وخمسين وخمسمائة، وتوفي بدمشق، ثالث المحرم سنة أربع وثلاثين وستمائة.
و[كان] يقول الأشعار، أنشدني أحمد بن إسماعيل بن نجم الحنبلي الدمشقي قال: أنشدني أبو الفرج عبد الرحمن لنفسه: [من السريع]
يا صاحبي إن كنت لي ناصحًا
…
فمر وسلِّم لي على جلِّق
/ 183 ب/ وابرد بوادي بردى واستمع
…
الحان طير طيِّب المنطق
واذكر أحاديث ليال مضت
…
بالنيرب الأعلى وبالجوسق
وأنشدني قال: أنشدني أبوالفرج قوله: [من الكامل]
اذكرتني ناسي وما فعل الصِّبا
…
بالنَّيرب الأعلى على باناس
نهر كحدِّ السَّيف تكسو متنه
…
الأزهار غمدًا فهو عار كاس
وجواسق مثل القصور شواهق
…
ومقاعد محفوفة بالآس
فهي الشِّفاء لعلَّتي ولربما
…
طال السَّقام بسوء فعل الآسي
وأنشدني قال: أنشدني أيضًا لنفسه: [من الرمل]
سلَّم الله على قوم سروا
…
وفؤادي بعدهم قد أسروا
عاهدونا وتناسوا عهدنا
…
فدموعي غدر مذ غدروا
ما لصبحي سحر بعدهم
…
مات حزنًا أم له قد سحروا
يا نسيم الرِّيح من أرضهم
…
خبِّريني ليس عندي خبر
هل هم في راحة أم تعب
…
كدت من همَّي بهم أنفطر
خبِّريهم أنَّني حلف الضَّنى
…
ما بقي منِّي إلَاّ الأثر
[272]
عبد الرَّحمن بن عمر/ 184 أ/ بن الحسن بن نصر بن سعد بن عبد الله بن باز، أبو محمَّد الموصليُّ:
كان يكتب القصص بالأجر، ويعمل أشعارًا، ويمدح بها الناس، وكان مخلاً بفردعين، متشيعًا، خارجًا في التشيع، وربما كان يظهر منه في حق الصحابة كلام رديء، وتوفي بالموصل سنة عشر وستمائة.
حدثني سبطه أبو محمد الحسين بن إبراهيم بن حماد، النبع الموصلي قال: رأيت جدي في المنام بعد موته، وهو بزيّ جميل، وهيأة حسنة، فقلت له: ما فعل الله لك؟ قال: غفر لي، فقلت: بماذا وقد كنت تتناول أبا بكر وعمر، وتطعن في صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقال: إنني رجعت عن ذلك وتبت عنه قبل موتي بشهر، فتاب الله عليَّ.
أنشدني أبو الفضل مودود بن مسعود الإربلي قال: أنشدني عبد الرحمن بن عمر بن باز الموصلي لنفسه: [من الطويل]
رأت غصني بعد النَّضارة ذاويًا
…
وماء شبابي غاض عن كلِّ مورد
فنفَّرها ما كان من لون لمَّتي
…
فصدتَّ وقالت أيبض بعد أسود
فقلت ضلالاً واهتديت فأعرضت
…
وقالت ألا يا ليت لم تك تهتدي
/ 184 ب/ ألم تدر أنَّ الشَّيب ذنبك عندنا
…
فقلت لها لا تعجلي وتأيَّدي
بهجرك أضرمت الغضا في حشاشتي
…
فهذا شرار النَّار من غير موقد
وأنشدني قال: أنشدني لنفسه عبد الرحمن، من قصيدة يمدح بها الملك الناصر صلاح الدين يوسف بن أيوب:[من الكامل]
يا مستميح الحمد دعوة نازح
…
عن داره أوفى بحلية شاعر
وله من الحدباء أكرم موطن
…
فيه منه الجيران خير مجاور
ورأيت من الحدباء أكرم موطن
…
فيه من الجيران خير مجاور
ورأيت من شعره هذه القصيدة يمدح بها أتابك نور الدين أبا الحارث أرسلان شاه بن مسعود بن مودود بن زنكي –رضي الله عنه ويهينه بتشريف أمير المؤمنين الناصر لدين الله –رضوان الله عليه-: [من الخفيف]
أيُّها المالك المؤيَّد نور الد
…
دين قرَّت لديك عين الزمان
حيث أصبحت للخليفة ظهرًا
…
ظاهر المجد عالي الأركان
فأتاك التَّشريف منه فللتَّشـ
…
ـريف فخر الإسلام في الأديان
/ 185 أ/ واكتسى منك أشرف الرُّتب العلـ
…
ـياء حتَّى علا على كيوان
وكذا الغمد يكتسي الشَّريف العا
…
لي بحدِّ العضب الحسام اليماني
ولواء الحمد الذي عقد النَّصـ
…
ـر به في مثقف وسنان
وجواد تعلو به قمم الأعـ
…
ـداء قبل السِّباق في الميدان
فانتهز فرصة الزَّمان فقد أمـ
…
ـكن منه نهاية الإمكان
واملك الأرض كلَّها فهي طوع
…
لك مشحونة من الأعوان
عصرك اليوم منك يسمو على الأعـ
…
صار مثل الرَّبيع في الأزمان
وعلى الدَّهر من أياديك وسم
…
فوق جيد يسمو بأرسلان
إنَّما سائر الملوك كألفا
…
ظ كلام وأنت فيها المعاني
فاشمل الجند بالعطاء فللإنـ
…
ـعام وقع التَّعجيل عند التَّواني
فجميع الأنام أعبد آما
…
ل وقيد الإنسان بالإحسان
جد وطل وابق في نعيم مقيم
…
وعلوَّ ورفعة وأمان
وتملَّ الصِّيام فالله راض
…
عنك فيما تأتيه من رمضان
ولك الله ناصر ومعين
…
وظهير في كل شيء تعاني
ومنها يقول في آخرها:
/ 185 ب/ فاستمع نبذًة أتت من محبٍّ
…
أخلص العهد منه بالإيمان
ينظم المح في معاليك كالدُّر
…
روما المدح نظمه كالجمان
فلهذا أضحى يوالي مواليـ
…
ـك ويشنا بهجوه للشَّاني
[273]
عبد الرَّحمن بن أبي بكر عليِّ بن أحمد بن عبد الله، المؤدِّب البغداديُّ المعروف بابن الحمّامي:
أصله من نيسابور، وكانت ولادته ببغداد، وتوفي بها ليلة الجمعة، سابع عشر جمادى الأولى سنة عشر وستمائة. وكان يؤدب الصبيان، ويشعر، والذي وقع إليّ من شعره، يقول في رجل يلقب الشميس الفقيه الأنباري، ويعرف بالحيوان، وكان قد أضاف صبيًا من أهل سنجار أمرد مليح الصورة، وقدّم له قطايف، فحين أكلا، تقدم إليه فقبّله، فغضب الصبيّ، فقام إليه، فضربه ضربًا مؤلمًا، فقال في ذلك عبد الرحمن:
[من الطويل]
/ 186 أ/ لقد دام دهرًا للشّميس دبيبه
…
فظلَّ على علَاّته يستطيبه
يدبُّ إذا ما اللَّيل أرخى ستوره
…
عليه فلا يدري بذاك رقيبه
ولا يشعر النُّوَّام من حوله وقد
…
أغار على سرم الغلام يصيبه
فغيره الدَّهر الغشوم عن الَّذي
…
تعوَّده والدَّهر جمٌّ خطوبه
فصادف من سنجار ليثًا فظنَّه
…
غزالاً فأهوى نحوه يستجيبه
وجذَّره لمّا حواه قطايفًا
…
ليشغله والقلب باد وجيبه
وأهوى إلى تقبيله فرأى فتى
…
من الحيوان النَّذل حالاً تريبه
فدقَّ قفاه ثمَّ شجَّ جبينه
…
وغادره يبكي عليه طبيبه
طريحًا جريحًا بالدِّماء مضرَّجًا
…
ينادي ضعيف الصَّوت من لا يجيبه
ومن يدلِّي للواط عصيبًة
…
فأكثر من هذا لعمري يصيبه
[274]
عبد الرَّحمن بن عبد الله بن أبي المحاسن، أبو الدُّرِّ الرُّوميُّ:
هكذا قرأت نسبه بخط يده في غير موضع، كان اسمه ياقوتًا، مولى منصور الجيلي التاجر، فسمى نفسه عبد الرحمن.
نشأ ببغداد/ 186 ب/ وحفظ القرآن العظيم، وشدا طرفًا حسنًا من العربية، وتفقه على مذهب الإمام الشافعي –رضي الله عنه وقال الشعر الرائق الألفاظ، واستكثر منه في فن الغزل والتصابي، وذكر المحبة والغرام، وراق شعره، وتحفظه الناس، وتناقله الرواة، وغنّى به المغنون.
وكان تاليًا للقرآن، مشغوفًا بمذهب الإمامية، والتعصب لهم، كثير الميل إلى أهل البيت –صلوات الله عليهم- سيّر فيهم عدة قصائد اشتهرت في البلدان، ومدحهم مدحًا كثيرًا، وكان مع ذلك يحفظ كلّ غريبة ونادرة، ويذاكر بالأشعار، وملح الحكايات، وكانت وفاته فيما بلغني يوم السبت رابع عشر جمادى الأولى سنة اثنتين وعشرين وستمائة، وجد في بيته ميتًا.
وكان عزبًا لم يتزوج قط، أنشدني أبو القاسم بن أبي النجيب بن أبي يزيد التبريزي قال: أنشدني أبو الدرّ الرومي لنفسه، وكتب ذلك لي بخط يده:
[من الكامل]
أتظننُّي أسلو هواك وأنتهي
…
عن جنَّة تجني النُّفوس وانتهي
/ 187 أ/ برح الخفاء وشاب صبري في الهوى
…
ووهى وها عزمات وجدي لم ته
بأبي الَّذي أنا منته في حبِّه
…
شغفًا كما هو في الملاحة منتهي
يا منتهى أملي أما لي من مدى
…
في الحبِّ أو أمد إليه أنتهي؟
أمط اللِّثام فلثم ثغرك واللَّمى
…
وهواك غاية ما أروم وأشتهي
تجني وأصبر في هواك فأجتني
…
بالصَّبر شهدًا من مقبَّلك الشَّهي
وقال نشدني أبو الدرّ لنفسه: [من البسيط]
إن غاض دمعك والأحباب قد بانوا
…
فكلَّما تدَّعي زور وبهتان
وكيف تأنس أو تنسى خيالهم
…
وقد خلا منهم ربع وسكَّان؟
لا أوحش الله من قوم نأوا فنأى
…
عن النَّواظر أقمار وأغصان
ساروا فسار فؤادي إثر ظعنهم
…
وبان جيش اصطباري ساعًة بانوا
لا افترَّ ثغر الرُّبى من بعد بعدهم
…
ولا ترنَّح أيك لا ولا بان
أجرى دموعي وأذكى النَّار في كبدي
…
غداة بينهم همٌّ وأحزان
فماء نوح ثوى في مقلتيَّ وفي
…
طيِّ الحشا لخليل الله نيران
لو كابد الصًّخر ما كابدت من كمدي
…
فيكم لجاد له أحد وثهلان
يا من تملَّك رقِّي حسن بهجته
…
أمما لسلطان هذا الحسن إحسان؟
/ 187 ب/ كن كيف شئت فما لي عنك من بدل
…
أنت الزُّلال لقلبي وهو ظمان
وأنشدني قال: أنشدني من شعره: [من الكامل]
جسدي لبعدك يا مثير بلابلي
…
دنف نحيل ما أبلَّ بلى بلي
يا من إذا ما لام فيه لوائمي
…
أوضحت عذري بالعذار السَّائل
إن كنت تجهل ما أتى في النصَّ من
…
تحريم سفك دم المحبِّ فسائل
ما قول أرباب الشَّريعة والتُّقى
…
والعلم والفضل العميم الشَّامل
أأجيز قتلي في الوجيز لقاتلي
…
أم حلَّ في االتَّهذيب أم في الشَّامل
أم في المهذَّب أن يعذَّب عاشق
…
ذو مقلة عبرى ودمع سائل
أم طرفك الفتَّاك قد أفتاك في
…
تلف النُّفوس بسحر لحظ بابلي
أو ما علمت بأنَّ سحر جفونك الـ
…
مرضى الصَّحاح يفوق حدَّ الذَّابل
والسِّحر إن قتل المتيَّم غالبًا
…
وجب القصاص على الظُّلوم القاتل
رفقًا بجوهر جسم صبٍّ مغرم
…
غادرته غرضًا كخصر ناحل
وجعلت أسهم مقلتيك وسيلة
…
وذريعًة حتَّى أصبن مقاتلي
إن أنكرت عيناك قتلي في الهوى
…
فبخدِّك القاني وضوح دلائلي
لكنَّ طرفك ناعس والشَّرع قد
…
كفَّ القصاص عن النؤوم الغافل
لا تأخذوا بدمي فإنِّي عبده
…
والحرَّ ليس لعبده بمماثل
/ 188 أ/ طرفي تسبَّب وهو ناشر قتلتي
…
فلمن ألوم ولحظ طرفي قاتلي؟
وأنشدني الإمام عماد الدين أبو المجد إسماعيل بن هبة الله بن باطيش الفقيه الشافعي الموصلي قال: أنشدني أبو الدر لنفسه ببغداد: [من الطويل]
خليليَّ لا والله ما جنَّ غاسق
…
وأظلم إلَاّ جنَّ عاشق
أحبُّ سواد اللَّيل حبًا لشادن
…
يواصلني ليلاً وصبحًا يفارق
إذا سمت قلبي الصَّبر زاد تشوُّقًا
…
فقلبي مشوق واصطباري شائق
وما الصَّبر بالمشتاق عمَّن يحبُّه
…
وإن ساءه منه خلائق لائق
بروحي من روحي تساق إذا حدا
…
مطاياه حادي البين أو ساق سائق
مفارقة الأحباب لولاك لم يذب
…
فؤاد ولا شابت لصبٍّ مفارق
أمنت الجوى والبين غبَّ فراقه
…
فلست أبالي بعده من أفارق
وأنكحت أجفاني السُّهاد لبعده
…
وقلت لنومي بعده أنت طالق
وأنشدني أبو القاسم التبريزي قال: أنشدني [أبو الدرّ] أيضًا: [من الهزج]
إذا ما ضحك الورد
…
وماس البان والرَّند
/ 188 ب/ وعاد العود مخضرًا
…
له من زهره برد
وأضحت ترقص الأشجا
…
ر إذ أطيارها تشدو
فلي والرَّاح من راحـ
…
ـة من هيَّمني ورد
هلال ماله في حسـ
…
ـنه شبه ولاندُّ
إذا ما أعوز الرَّاح
…
وعزَّ المسك والنَّدُّ
فلي من ريقه راح
…
ومن نكهته ندُّ
ومن حاجبه آس
…
ومن وجنته ورد
بروحي رشأ ذلَّت
…
له في غابها الأسد
رشيق القدِّ ميَّاس
…
سباني ذلك القدُّ
يكاد الخصر من لين
…
إذا ما قام ينقدّ
غزال وصله وعد
…
ولكن هجره نقد
كأنَّ الورد من أهوى
…
دنوُّ بعده بعد
فلا ذاك له ودٌّ
…
ولا هذا له عهد
ومالي منه إذ واصـ
…
ـل أو قاطعني بدُّ
وأنشدني عبد الكريم بن الذكي/ 189 أ/ بن شبانة الحظيري المعلم قال: أنشدني أبو الدرّ لنفسه يمدح أهل البيت –صلوات الله عليهم-[من الوافر]
دعا عذلي وكفّا عن ملامي
…
فعذل عوذالي يغري غرامي
وكيف يرام صرفي عن هداة
…
بهم عرف الحلال من الحرام
ليوث كريهة وغيوث محل
…
بدور هدى مصابيح الظَّلام
بهم فيي يقظتيي شغفي ووجدي
…
وذكرهم سميري في منامي
إذا ما شئت أن تمسي وتضحي
…
عريًا من ذنوبك والأثام
فزر بمدينة الزَّوراء موسى الـ
…
إمام بن الإمام بن الإمام
وأمَّ بأرض سامرّا وطوس
…
قبور أئمَّة غرر كرام
وقف بالطَّف وابك بكربلاء
…
على ظمانهًا والماء طامي
وعذ من كلِّ نائبة وخطب
…
بحبِّ أبيهم البطل الهمام
وحي بيثرب أجداث قوم
…
هم خير البريَّة والأنام
فما خابت مساعي مستجير
…
تمسَّك منهم ذيل الذمِّام
وأنشدني أبو عبد الله الحسين/ 1889 ب/ بن عربشاه بن عبد الوهاب البغدادي قال: أنشدنا أبو الدرّ الرومي لنفسه: [من الطويل]
فؤادي على مرِّ الزَّمان متيَّم
…
وصبري ووجدي ظاعن ومخيِّم
أيا جنَّتي غادرت بالبعد في الحشا
…
جحيم أسى نيرانه تتضرَّم
ألست من الولدان أحلى شمائلاً
…
فكيف سكنت القلب وهو جهنَّم؟
نفرتم فنفَّرتم رقادي ببينكم
…
وثوَّرتم الأحزان يوم أثرتم
إذا ما خلت منكم منى لا خلت منى
…
ولا جادها جون من المزن مرزم
أنادي مناديكم وقد عزَّ عنكم
…
عزائي ألا لا أوحش الله منكم
ربيعي جمادى مذ نأيتم ومنزلي
…
به صفر منكم ونومي محرَّم
جفا الغمض جفني والكرة بعد بينكم
…
كأنَّ الكرى طيب وجفني محرَّم
ظننتم وبعض الظَّن إثم بأنَّني
…
سلوت هواكم والسُّلوُّ مذمَّم
هواكم يقين والسُّلوُّ توهُّم
…
وأين من الأمر اليقين التَّوهم
أنا ذلك الصَّب المعنَّى بحبكم
…
وأنتم وإن خنتم عهودي أنتم
[275]
عبد الرَّحمن بن بدر بن الحسن/ 190 أ/ بن المفرِّج، أبو محمَّد النابلسيُّ، المنبوز بمدلويه:
أحد الشعراء المعروفين، والفضلاء الموصوفين، كثير الشعر، نبيه الذكر، ذو نظم مستجاد، أحسن في إنشائه وأجاد، يجمع السهولة والمتانة والعذوبة والرصانة.
امتدح الملوك من بني أيوب، ملوك الشام، وأكرموه لفضل أدبه غاية الإكرام، ثم غيرهم من الأمراء والقضاة والوزراء والولاة، تأدّب على الإمام الأديب أبي اليمن زيد بن الحسن بن زيد الكندي البغدادي النحوي، وقرأ عليه كثيرًا من مسموعاته، واشتغل في صباه على الشهاب فتيان بن علي الأديب الفاضل الشاغوري، ورحل إلى مدينة السلام، وقرأ بها المقامات الحريرية على أبي الفضل منوجهر بن محمد بن
تركانشاه البغدادي الكاتب، عن مصنفها، واتصل بأخرة بالملك المعظم شرف الدين عيسى بن الملك العادل أبي بكر بن أيوب، صاحب دمشق، ولم يزل منقطعًا إليه إلى أن توفي بدمشق، يوم الجمعة في العشر الأولى من ذي الحجة/ 190 ب/ سنة تسع عشرة وستمائة، عن ستّ وستين سنة، وكانت ولادته في سنة ثلاث وخمسين وخمسمائة.
وكان مشغوفًا بشرب الخمر، مفتونًا بها، منعكفًا عليها، إلى حين مماته، وكان نزقًا، مرّ المذاق، شرس الأخلاق، جافي الطباع، غليظ الجواب، يخاطب من يستنشده شعره خطابًا بشعًا، ولا ينشده من شعره غير مرّة واحدة، كذا كانت شيمته مع الناس، وكان يحتمل لفضله وموضعه من الأدب، وديوان شعره يدخل في مجلدين كبيرين.
أنشدني أبو بكر محمد بن نصر الله النابلسي الشاعر قال: أنشدني أبو محمد عبد الرحمن بن بدر النابلسي لنفسه، يمدح الملك المظفر تقي الدين عمر بن شاهنشاه بن أيوب بن شاذى –رضي الله عنه[من المنسرح]
زار وسيف الصَّباح مسلول
…
واللَّيل ملقى لديهمقتول
معفر خدُّه ومن دمه
…
قان على المشرقين مطلول
والأنجم الزُّهر في مواكبها
…
منهزم داهش ومذهول
/ 191 أ/ كأنَّها والصَّباح يلفتها
…
قسرًا إلى الغراب أعين حول
فالنَّسر يهوي كأنَّه ملك
…
وللثُّريا عليه إكليل
والرٌّمح رمح السِّماك منحطم الـ
…
ـقناة والحدُّ منه مفلول
والقطب قطب الشَّمال معتقل
…
في أوجه كالأسير مكبول
وقد تغنّى لجاشريته
…
ديك له في الغناء ترتيل
حيَّ على مجلس الصَّبوح إذا
…
كان له بالصَّباح تكميل
زار وقد رنَّحت شمائله
…
راح بها راح وهو مشمول
أهيف عذب الرُّضا قامته
…
وثغره عاسل ومعسول
قام ينادي وعطفه ثمل
…
وطرفه بالنُّعاس مكحول
قم يا نديمي إلى الصَّبوح فما
…
عذر مخلِّي الصَّبوح مقبول
نشرب في بيعة بساحتها
…
تتلى المزامير والأناجيل
بين قوس كأنَّ أوجههم
…
لدى محاريبهم قناديل
على عذارى ملحور بهجتها
…
من النَّصاري بيض عطابيل
أوانس أنطقت مناطقها
…
وأخرس السُّور والخلاخيل
تحسبها والقباب تحجبها
…
هياكلاً بينها تماثيل
/ 191 ب/ ومن بني الرُّوم شاذن غنج
…
حلو مكان الوشاح مجدول
مكتحل بالفتور ناظره
…
ولم يجل في جفونه ميل
لشعره الجعد فوق غرَّته
…
كما لعزمي لديه ترجيل
مزنًّر راق عقد مبسمه
…
فعقد صبري عليه محلول
يقرأ للحسن فوق وجنته
…
سطر بشكل الجمال مشكول
ولاية وقَّع العذار بها
…
لكنًّ والي العذار معزول
فامدح مليكًا تبقى ولايته
…
ما مدَّ يحكي نواله النِّيل
خير فتى يمَّمت مواهبه
…
على النَّوى البزَّل المراسيل
وانقلبت عن نداه يثقلها
…
منه القناطير لا المثاقيل
الملك الأروع المظفَّر من
…
لمجده في العلاء تأثيل
نجل الألى منهم الأكاسرة الأنـ
…
ـجاب والسَّادة البهاليل
هم المناسب في مناقبهم
…
وجلُّ من في الورى مجاهيل
لله منهم هاد إلى سنن الـ
…
ـرُّشد إذا عمَّت الأضاليل
غيث ولكن سحابه يده
…
ليث ولكن يراعه الغيل
كالسَّهم عزمًا والسَّهم منصلت
…
والسَّيف رأيًا والسَّيف مصقول
/ 192 أ/ بحر نوال عذب الموارد لا
…
يقدر عرض له ولا طول
يسبق إحسانه الوعود فإن
…
أوعد فالعفو منه مأمول
مطلق باع النَّدى لسائله
…
ساعة باع الكريم مغلول
يصان بالمال مجده فكم الـ
…
مال لديه مبذول
ومنشر العدل في البريَّة فالظُّلـ
…
ـم قد اغتال ذكره غول
ولابس العزِّ ذيل أنعمه الضَّا
…
في على الخافقين مسدول
تحمل أمواله كرائمه
…
وللنَّدى حامل ومحمول
إذا ملوك تكلَّفوا كرمًا
…
فهو على المكرمات مجبول
يا طالب الرِّفد بابه فبه
…
للمعتفي حظوة وتنويل
مل نحو ظلٍّ لكلِّ مفتقر
…
مال إليه غنى وتمويل
مولي الأيادي مولى الملوك تقـ
…
ـيِّ الدِّين لا خاب فيه تأميل
ملك له في عفاته نعم
…
لها عليهم برد وتظليل
كماله في عداته نقم
…
ترميهم طيرها الأبابيل
فجنَّة الخلد في رضاه لمن
…
شاء وفي السُّخط منه سجّيل
حبر إذا سوجلت فضائله
…
حار لها سائل ومسؤول
/ 192 ب/ ينطق فصل الخطاب واليقظ الـ
…
ـمدرة عن الجواب مذهول
ويوسع الحلم والرَّضانة إذ
…
حبل ثبير بالطَّيش موصول
خرق أقلُّ النَّوال من يده
…
فيه لجود الغمام تبخيل
قرم إذا أغمد الظُّبا خور
…
فعرفه كالقضاء مسلول
حيث لحدِّ العضب المهنَّد في
…
خدِّ الشُّجاع الكميِّ تقبيل
يقدم في الرَّوع كالأتيِّ وللضَّـ
…
ـرب بهام الكماة تنكيل
ساعة ذو الجأش دمعه طلق
…
وعقله كاليدين معقول
فكم له وقفة على غرر
…
لا ينقضي ذكرها وتحجيل
ورتبة ما استوى الأجل الحتـ
…
ـم بها من يشاء مثكول
كان لدين الهدى بساحتها
…
عزٌّ وللمشركين تذليل
أفرط فيما ينيل من كرم
…
حتَّى النَّدى من يديه مملول
وجاز في البأس حدَّه فلذًا
…
تحار في وصفه الأقاويل
فهارب لم يلذ بساحته
…
لحم بناب الخطوب مأكول
وغالب لم يصل بنصرته
…
على صروف الزَّمان مخذول
/ 193 أ/ قضى بتفضيله الحسود وللـ
…
ـفضل بهذا القضاء تسجيل
وأطرب المدح في علاه كأن
…
يسمع منه آي وتنزيل
فهو نبيٌّ للمكرمات وما
…
أتاه بالمعجزات جبريل
يا عمر العدل ما لذي أمل
…
في الأرض إلا عليك تعويل
يا من إذا أربع العلا درست
…
فربعه بالعلاء مأهول
دان لأيّامك البقاء فلا
…
يرى لنعمى عليك تبديل
وعشت ما غرَّد الحمام وما
…
حنَّ مشوق وأن متبول
فارغ قلبه من الهموم ومن
…
يشناك بالحادثات مشغول
لا جيل يبلي الزَّمان جدَّته
…
إلَاّ ويفديك ذلك الجيل
وقال يمدح الملك الناصر صلاح الدين أبا المظفر يوسف بن أيوب ابن شاذى –قدّس الله روحه- وهي تقرأ وزنين وقافيتين: [من الرجز]
بدر دجى نوَّر ليل السَّفر أم شمس ضحى
…
جلت دياجي الظُّلم
أم واضح الغرَّة بالحسن بدا متَّشحا
…
بكى المحبُّ وابتسم
/ 193 ب/ لاح فغضَّ طرفه من لمحبِّيه لحا
…
يقرع سنَّ ذي ندم
معتدل يميله الدَّل صبًا ومرحا
…
وجائر إذا احتكم
معربد سكران من خمر الدَّلال ما صحا
…
مسكر عذب المبتسم
صيَّر جسمي في هواه بالسَّقام شبحا
…
وجوده يحكي العدم
وغادر الدَّمع لطول هجره منسفحا
…
ممتزج الماء بدم
كأنَّما جدوله جدوى الصَّلاح سمحا
…
به يداه للأمم
من عرفه وعرفه الرَّوض إذا ما نفحا
…
ضاع أريجًا وفغم
ومن نداه ويداه للغمام فضحا وأزريا
…
على الدّيم
ومن صيال بأسه لصوله الأسد محا
…
أسد العرين والأجم
كعبة جود فاز من طاف بها أو انتحى
…
فهي من الدَّهر حرم
ما زارها ذو حزن إلا وعاد فرحا
…
مبرًا من كلِّ هم
عاد بما أمَّل غاد صدره منشرحا
…
يحمد محمود الشِّيم
طاف بباب لم يزل لسائل مفتَّحا
…
لا بل لعرب وعجم
ينهلُّ للعافي نداه منحًا فمنحا
…
وينهل العاتي سقم
يسقي الموالي خمر جود قدحا فقدحا
…
ويسكر الأعداء سم
/ 194 أ/ مرتديًا برد الجلال بالعلا موشَّحا
…
له من المدح علم
لو عدله في الذِّئب والشَّاء عدا لاصطلحا
…
واطَّرحا ضغن القدم
محمَّد من لم يزل من الورى ممدَّحا
…
سامي العلا خلاه ذم
يسمح طبعًا إن يجد ذو كرم تسمُّحا
…
فيا له من ذي كرم
أيُّ حسام لم يفل حدَّه مجرّحا
…
وأيَّ داء ما حسم
أيُّ غنى لم يبنه لسائل مجترحا
…
وأيَّ فقر ما هدم
أربح من تاجره بشعره ممتدحا
…
وحاز ما شاء وضم
وكيف لا يرجع من أمَّ حماه مربحا
…
يرفل في ثوب النِّعم
قريب إيراء زناد جوده مقتدحا
…
بعيد عزم وهمم
تدو من آرائه على أعاديه رحى
…
ينقض منهم ما انبرم
ملك ترى الملوك ما بين يديه سرحا
…
تجرُّ أذيال الخدم
لو وزنت نداه بالبحر ندى لرجحا
…
على ندى البحر الخضم
أو ناضلا أحدًا ورضوى حلمه تطحطحا
…
واثناهما طود أشم
يخدمه الإقبال والسَّعد ألا لا برحا
…
له عبيد وخدم
يا من يقرُّ ضدُّه بفضله مصرَّحا
…
إن حاسد فضلاً كتم
/ 194 ب/ إلمح تجد من غرر الآداب فيها ملحا
…
يفض عنها كلُّ فم
لو أعجميٌّ ذاقها سمعًا لعاد مفصحا
…
ينثر درًا إن نظم
تلذُّ للسَّامع إذ يسمعها مفتتحا
…
كما تلذُّ مختتم
وله وقد رأى بين يدي الملك الأفضل نور الدين أبي الحسن علي بن يوسف صبيًا حسن الصورة، بديع الحسن، بين عبدين أسودين، شنيعي الخلق:[من البسيط]
لله من عاينت عيني محاسنه
…
يومًا فعوذته بالله من عيني
يختال كالغصن تيها في تمايله
…
ما بين عبدين لون اللَّيل علجين
فقلت والشَّوق يطويني وينشرني
…
لم ألق قبلك صبحًا بين ليلين
فمرَّ يضحك من قولي وقال بلى
…
كم قد رأى النَّاس سعدًا بين نحسين!
واقترح عليه السلطان الملك الناصر صلاح الدين يوسف بن أيوب –قدس الله روحه- بمرج عكّا، ما يعتذر به عن الشيب، أنه ليس بوهن، ولا ضعف، ولا كبر، فقال:[من الرجز]
/ 195 أ/ يا من لآيات شبا
…
بي في الهوى تأوَّلت
ما شيبة قد فعلت
…
بلمَّتي ما فعلت
لكنَّها نار شبا
…
بي قويت فاشتعلت
وقال أيضًا: [من السريع]
لا تنكري رأسي عن ريبة
…
ولا تظنّي أنَّه أشيب
فإنَّه في مفرقي العنبر ابـ
…
ـيضَّ وخير العنبر الأشهب
وقال أيضًا في معناه، وفيه لزوم ما لا يلزم:[من مجزوء الرجز]
رأت بليل لمتي
…
كواكبًا قد طلعت
وأوقعت في نفسها
…
من كبري ما أوقعت
وإنَّها دليل أيام
…
شبابي لو وعت
فآية اللَّيل إذا
…
زهر النُّجوم اجتمعت
وقال أيضًا: [من الطويل]
لئن شاب رأسي قبل حين مشيبه
…
وذاك من الأيَّام غير عجيب
فمن بعد أوطاني وقرب صبابتي
…
ووصل علاقاتي وهجر حبيبي
/ 195 ب/ وإن تهجر السُّود الغرايب لمَّتي
…
فلي سؤدد في المجد غير غريب
وإنِّي لأغنى عن شبابي بهمَّتي
…
ويغني وقاري عن بياض مشيبي
فإمَّا تريني نازعًا عن غوايتي
…
أنادي من الأحباب غير مجيب
فقدمًا أرى والغانيات يرينني
…
بعين مريد لا بعين مريب
شفيعي نضار عندها ونضارة
…
تحلُّ ويحلو في طللى وقلوب
وكتب إلى الملك الأفضل نور الدين، وأشار في ذلك إلى بعض كتابه:
[من السريع]
قف بجناب الملك الأفضل
…
وناد يا ذا الشَّرف الأطول
إصرف طويسًا إنَّه كاتب
…
يراعه أحصد من منجل
واحذر على ملكك من رجله
…
فكعبه أقلع من معول
ألا ترى قبلك آثاره
…
في السَّلف الأوَّل فالأوَّل
فاقبل وأبعده وإلَاّ فعن
…
قرب ترى إن كنت لم تقبل
وكتب إلى هذا الكاتب: [من مجزوء الكامل]
لا توحشنَّك سطوتي
…
إنِّي نحيف الجسم بالي
فالنَّجم تنظره صغير الـ
…
ـجرم من فرط التًّعالي
/ 196 أ/ والشَّمس وهي الشَّمس في الـ
…
أفلاك تكسف بالهلال
وقال غزلاً: [من مجزوء الرجز]
وأهيف يخزي الغصو
…
ن قدُّه إذا انثنى
ويفضح الظَّبي إذا
…
أتلع جيدًا ورنا
لم يره طرف امرئ
…
في النَّاس إلَاّ وزنى
قلت له ممازحًا
…
وقد دنوت ودنا
في ليلة لوصله
…
نبذت فيها الوسنا
لو طلع البدر لكا
…
ن ضوؤه آنسنا
فقال لي مبادرًا
…
ويك وما البدر أنا؟ !
وأنشدني أبو الفتح نصر الله بن أبي العز قال: أنشدني أبو محمد لنفسه عند الكبر: [من المتقارب]
أرى النَّاس يستعذبون الحياة
…
وغايتهم أن يصيروا رفاتا
فمن دبَّ شبَّ ومن شبَّ شاب
…
ومن شاب مات ومن مات فاتا
وقال مثله: [من السريع]
/ 196 ب/ وساحر المقلة في حبِّه
…
عصيت لوَّامي والعذَّلا
ناديته لمّا أبى في الهوى
…
إلَاّ صدودًا إذ نوى أو قلى
يا راجلاً بالكره عن ناظري
…
تطيق عن قلبي أن ترحلا
وقال أيضًا: [من المديد]
وغزال بات معتنقي
…
آنسًا بي غير ذي فرق
ظلت من وجد بزورته
…
لاثمًا للخدِّ والعنق
والدُّجى من لون طرًّته
…
قد تردَّى حلَّة الغسق
وهو والبدر المنير وقد
…
تمَّ بدر التمِّ في نسق
فتخيَّلت الفراق فلم
…
أستطع صبرًا ولم أطق
وجرى من أدمعي غدق
…
فاض حتّى خاف من غرقي
وقال أيضًا، وأنشدنيه عنه أبو الفتح نصر الله بن أبي العز بن أبي طالب الصّفار الشيباني الدمشقي:[من مخلّع البسيط]
/ 197 أ/ أما وأجفانك المراض
…
إنِّي بما ترتضيه راضي
كم فيك للحسن من معان
…
ترتع منهنَّ في رياض
بسطت كفّي إليك أبغي
…
حسنى فما زلت في انقباض
وسيف جفنيك من فتور
…
فما له في القلوب ماضي؟
يا ماطلي في الهوى ديوني
…
ما آن أن تحسن التَّقاضي
قد كنت في الحبِّ ذا انتصار
…
لو أنَّ للعاشقين قاضي
وقال أيضًا، وأنشدنيه أبو الفتح عنه:[من السريع]
يا للهوى هل فيكم مسعد
…
يقرضني الصَّبر فقد أعوزا
أصبحت من وجدي في مأتم
…
قد خانني الصَّبر وعزَّ العزا
وما رزاني الدَّهر لكنَّه
…
ريم من الرُّوم لقلبي غزا
وقال غزلاً: [من الطويل]
طبعت على دين الوفاء وشرعه
…
فما شيمتي للغدر أن أتطبَّعا
فيا يوسفيَّ الحسن لم غصن قدِّك الر
…
رطيب بوصل لا يرى قطُّ مونعا
لقد أفرغت فيك الملاحة وسعها
…
وصاغك صواغ الجمال فأبدعا
/ 197 ب/ وملّكت أهواء النُّفوس فكلُّها
…
تجيب إّا داعي هواك به دعا
فديتك لا أنفكُّ أودع مهجتي
…
لديك ولا ألفاك إلَاّ مودِّعا
وقال أيضًا: [من المنسرح]
يا من عيون الأنام ترقبه
…
رقبة شهر الصِّيام والفطر
وإنَّما يرقب الهلال فلم
…
ترقب بعد الكمال يا بدري
وقال في مملوك له: [من مجزوء الرجز]
وشادن كالغصن في
…
رشاقة وهيف
والظَّبي في طرف يجي
…
ء سحره بالطُّرف
والبدر في كماله
…
وليس بالمنكسف
حفَّ إلى أمر على
…
حسِّي المعنَّى ما خفي
فقمت في ضربي له
…
كالخابط المعتسف
وكدت أن أتلفه
…
وكان أيضًا تلفي
وقال أيضًا، وأنشدنيه عنه أبو الفتح نصر الله بن أبي العزّ بن أبي طالب/ 198 أ/ الشيباني الدمشقي بها في أوائل المحرم سنة أربعين وستمائة:[من الطويل]
أدرها على برد النَّسيم فإنَّها
…
لداء همومي يا نديم دواء
مشعشعة للشَّب منها إذا دجا
…
صباح منير مسفر وضياء
سطت فهي نار في العقول وإنَّها
…
ولا شكَّ في عين الحقيقة ماء
تخال إذا فضت ختوم دنانها
…
مجامر فيها عنبر وكباء
وتحسب من فرط الصَّفاء كؤوسها
…
فوارغ منها والكؤوس ملاء
وقال يصف الشراب الأصفر: [من الكامل]
ومدامة صفراء فاقع لونها
…
يجلو سناه دجى الظَّلام الرَّاكد
بزغت على ندمانها فرأيتهم
…
من راكع صعق وآخر ساجد
صفراء كلّلها فريد حبابها
…
بتمائم من درِّه وفرائد
مسكيَّة النَّفحات تحسب نشرها
…
أنفاس ما اشتملت عليه قلائدي
لم تدن من شفة امرئ إلاّ شفت
…
همًا يدين لقربها بتباعد
فكأنَّها ويد المزاج تشجُّها
…
نار تسعَّر بالزُّلال البارد
وكأنَّها والكأس محدقة بها
…
ذهب مذاب في لجين بارد
/ 198 ب/ وقال أيضًا، وأنشدنيه عنه أبو الفتح نصر الله بن أبي العز ابن أبي طالب الشيباني الدمشقي، في سنة أربعين وستمائة، في المحرم:[من الكامل]
إشرب على الورد الجنيِّ مدامًة
…
تجنيك أثمار المني صهباؤها
ذهبيَّة لهبيَّة لطفت فما
…
في الكأس إلَاّ نورها وبهاؤها
نار ولكن في الكؤوس ضرامها
…
شمس ولكن في النُّفوس ضياؤها
لا عيش غير صبوحها وغبوقها
…
لا عمر إلَاّ صبحها ومساؤها
نهّابة لهمومنا وهَّابة
…
أبدًا مسرَّات النُّفوس عطاؤها
ورد وورد مدامة تشفي الجوى
…
حتم عليَّ ولاؤه وولاؤها
وقال غزلاً، وأنشدنيه أبو الفتح نصر الله بن أبي العزّ بن أبي طالب عنه:
[من الطويل]
/ 99 أ/ ومهزوزة الأعطاف أمَّا قوامها
…
فرمح وأمَّا طرفها فحسام
حكت رشفات من لماها وأسكرت
…
ولا غرو شهد ريقها ومدام
وصحَّت مرامي لحظها في قلوبنا
…
وإن كان فيها فترة وسقام
أحلَّت دم العشَّاق وهو محرم
…
فلم وصلها وهو الحلال حرام؟
وقال أيضًا: [من مجزوء الرجز]
وليلة قضيتها
…
من اللَّيالي الغرِّ
يسَّر فيها من أحبـ
…
ـب للوصال أمري
خريدة قد كحلت
…
أجفانها بسحر
تبسم عن مثل الذي
…
تقلَّدت في النَّحر
بيضاء صبح وصلها
…
من مزَّق ليل الهجر
تسفر عن وجه لهت
…
أنواره بالبدر
وتستبي بمنطق
…
له فعال الخمر
فإن بدت فقمر
…
وإن شدت فقمري
وقال أيضًا: [من مجزوء الكامل]
من لي بفاترة الجفو
…
ن غريرة نشوى المعاطف
/ 199 ب/ هيفاء مخطف خصرها
…
إذ ينثني للعقل خاطف
ما اهتزَّ رامح قدِّها
…
إلَاّ وفي الأجفان سائف
كم رمت عنها سلوًة
…
والعطف لي عن ذاك عاطف
يا ليتني يومًا لور
…
دة خدِّها باللَّحظ قاطف
وقال في غلام له، لعب معه بالنرد وغلبه، فبدا منه ما ضربه عليه:
[من مجزوء الرجز]
وشادن نادمته
…
وقد تجنَّى وعتب
وقد لعبنًا ندبًا
…
فناح منه وندب
في قبله منه ومنِّ
…
ـي إن غلبت في وهب
فقال لي بغيظة
…
وقلبه قد التهب
وعقله لغلبه
…
قد بان عنه وذهب
تضربني وريقتي
…
تصفع بالنَّعل الضَّرب؟ !
علام ذا يا مالكي
…
قلت على سوء الأدب
وقال أيضًا: [من مجزوء الرمل]
علَّم الغصن التَّثنِّي
…
قمر حلو التَّجنِّي
غصن ثمر الأماني
…
منه لا تجنى ويجني
/ 200 أ/ خلته لما تبدَّى
…
الشَّمس في حلَّة دجن
وقال أيضًا، وأنشدني أبو الفتح نصر الله بن أبي العز الشيباني قال: أنشدني أبو محمد لنفسه: [من مجزوء الكامل]
حوت الجمال بأسره
…
فقلوبنا في أسرها
وتقلَّدت فحسبت ما
…
في نحرها في ثغرها
هيفاء صبح وصالها
…
أنسى ليالي هجرها
وأنشدني أبو الفتح نصر الله بن أبي العز بن أبي طالب قال: أنشدني أبو محمد عبد الرحمن بن بدر النابلسي لنفسه: [من الكامل]
ومعربد الأجفان صرف الرَّاح في
…
فيه فمائس عطفه كيف انتشى
رشأ يعار الرُّمح هّزة قده
…
ويغار غصن البان منه إذا مشى
في خِّده ماء ونار أسكنا
…
لصدوده في ناظريًّ وفي الحشا
وأنشدني قال: أنشدني أبو محمد لنفسه: [من مجزوء الرجز]
/ 200 ب/ وساحر بالفخِّ في
…
حبَّة قلبي نفثا
شمس ضحى جنـ
…
ـاه والصَّد عثا
بدر دجي حفظت عهـ ـ- حبِّه إذ نكثا
ما بعث الطيف ولـ
…
ـكن يتلاقى عبثا
يا حسنه لو رقَّ لي
…
مما أقاسي ورثا
وقال أيضًا: [من مجزوء الكامل]
يا عتب حمَّلت المتيَّم
…
في الهوى ما لا يطيق
وتركته سكران من
…
خمر الصَّبابة لا يفيق
فعلت به عيناك ما
…
لا يفعل الخمر العتيق
ورحيق ثغر في حشا
…
ي على ترشُّفه حريق
............... وطار بأوطان تضمنَّها العقيق
لولا عقوقك ما جرى
…
دمعي ولؤلؤه عقيق
ولقد فرقت وقد تحمَّ
…
ـل نحو كاظمة الفريق
فحشا تذوب ومقلة
…
بالدمع ناظرها غريق
وقال أيضًا: [من مجزوء الرجز]
/ 201 أ/ أيُّ بريق ومضا
…
هيَّج وجدي ومضى
غضَّ من الطَّرف وأذ
…
كى في الحشا جمر غضا
يا ظالمًا للعهد من
…
بعد الوفاء نقضا
أصبح في حبّكم
…
جوهر جسمي عرضا
غادرتموني لسها
…
م البين منكم غرضا
إذا رضيتم بالجفا
…
قتلي فصبرًا ورضا
وقال أيضًا، وأنشدنيه أبو الفتح نصر الله بن أبي العزّ بن أبي طالب الشيباني الصفار الدمشقي في المحرم سنة أربعين وستمائة، قال: أنشدني أبو محمد لنفسه:
[من مجزوء الخفيف]
وساحر الطَّرف أغيد
…
لدن المعاطف أملد
مثل الهلال تجلَّى
…
وكالقضيب تأود
ريم يصدّ بعينـ
…
ـه ......... أصيد
/ 201 ب/ الخمر من فيه تجنى
…
فطرفه كيف عربد
ظبي شرود ونومي
…
عنِّي به قد تشرَّد
أذاب بالهجر قلبي
…
فمدمعي كيف يجمد
وسنان وكِّل طرفي
…
برعي نجم وفرقد
فلا أسرُّ بنوم
…
ولا أقرُّ بمرقد
وأنشدني أبو الفتح نصر الله بن أبي العزّ قال: أنشدني أبو محمد لنفسه:
[من الوافر]
أقاسي من صدودك ما أقاسي
…
وقلبك لا يزال عليَّ قاسي
وعهدك ذكره أبدًا سميري
…
وأنت مضيِّع للعهد ناسي
وما مثِّلت لي وشربت إلَاّ
…
مزجت بدمعي المنهلّ كاسي
تحكَّم فيَّ ما تهوى وغادر
…
سقامي لا تداركه الأواسي
فمهما تأتني من فعل سوء
…
فمحمول على عيني وراسي
وقال أيضًا: [من مجزوء الرجز]
قل للحبيب الهاجري
…
والواصلي خياله
يا غصنًا جاد علـ
…
ـيَّ في الهوى اعتداله
/ 202 أ/ وبدر تمٍّ لم يزل
…
يشيبني جماله
فديت منك هاجرًا
…
دلاله إدلاله
فليس يرجى من جميـ
…
ـل وجهه إجماله
مهفهف يخال من
…
حبة قلبي خاله
خيَّبت فيه أملي
…
لا خيِّبت آماله
وقال أيضًا: [من مجزوء الكامل]
زار الحبيب فقلت أهـ
…
لاً بالحبيب ومرحبا
ونايت عنه مهابًة
…
فدنا إليَّ تقرُّبا
وسألت منه قبلًة
…
عند الدُّنو فما أبى
ورشفت مبسمة فكا ن من المدامة أعذبا
فرأيت يومًا مذهبًا
…
للهمِّ رغدًا مذهبا
وعهدته متجرِّمًا
…
متجنِّيًا متجنِّبا
فظللت أظهر حيرًة
…
في أمره وتعجُّبا
فرنا إليَّ مغازلاً
…
وشدا بلحن أطربا
/ 202 ب/ إنِّي بليت بما بليـ
…
ـت به فصرت مهذَّبا
وقال يستدعي صديقًا إلى مجلس الشراب، وفيها لزوم ما لا يلزم:[من الوافر]
فديتك مجلسي عطل فأنعم
…
فإن أنعمت عن عجل تحلّى
ولي من وجهك الميمون [بدر]
…
وأحسن ما يكون إذًا تجلّى
وعندي قهوة كالمسك ريحًا
…
وحاشا أن يناسبها وكلاّ
وشاد شادن لو أنَّ [عيسى]
…
تمثله لصام له وصلَّى
وقد صلبت إلى لقياك روحي
…
فأدركها تجد بردًا وظلاّ
فسهمك في المكارم والمعالي
…
على طول المدى السَّهم المعلَّى
وعجِّل مسرعًا من غير بطء
…
تحز شكري الَّذي تهوى وإلا
وقال يشكو قلة الإنصاف في العشرة، وعدم الصديق:[من المجتث]
نادمت روحي وراحي
…
ومنزلي وغلامي
إذ لا نديم عليها
…
يخلى من الإيلام
/ 203 أ/ من كلِّ مجنيك شهدًا
…
بالقول خافي السِّمام
لئيم طبع فما إن
…
يخشى مضيض ملام
فكان منها سراجي الـ
…
ـوهَّاج عند الظَّلام
وكان منها شميمي
…
الضَّواع عند اشتمامي
أجل وكان قعودي
…
لكاسها وقيامي
ولا يزال عليها
…
تحيَّتي وسلامي
فيا ابنة الكرم من لي
…
عليك بابن كرام
عليه أعقد في الو
…
دِّ خنصري وبهامي
هيهات لا في عراق
…
هذا ولا في شام
ولا من العرب يلفى
…
ولا من الأعجام
ولا أرى من صديق
…
خياله في منام
وقال أيضًا: [من الخفيف]
قتلتني بسحرها الألفاظ
…
وسبتني بغنجها الألحاظ
وحبيبي أغنُّ أغيد مازا
…
ل عند نومه استيقاظ
فإذا نام عامدًا لوصال
…
برحت بي وشأنه الإيقاظ
/ 203 ب/ هو لي جنَّة ولكن بقلبي
…
منه في حالة الصُّدود شواظ
رقَّ لي قلبه ولكن بلائي
…
رقباء في حبِّه أغلاظ
وقال غزلاً: [من مجزوء الخفيف]
من لصبّ بحلوة الـ
…
ـقدِّ مهضومة الحشا
كالغزال الغرير في الـ
…
ـلحظ والجيد كالرَّشا
تخجل الغصن في التَّثنـ
…
ـني إذا قدُّها مشى
وتعير السُّلاف سكـ
…
رًا إذا طرفها انتشى
وتغير البدر المنيـ
…
ـر تجلَّى بعد العشا
فلها حكمها على
…
عاشقيها كما تشا
وقال أيضًا: [من الخفيف]
إن نقضتم فإنَّني حافظ العهـ
…
ـد وإن خنتم فلست أخون
أيُّها المعرضون بالودِّ عنَّا
…
لكم في الحشا مكان مكين
لست أرتدُّ عن هواكم لدين
…
حبُّكم شرعة لقلبي ودين
لا تبيعوا بالغدر ودِّي وحبِّي
…
إنَّني بالوداد عنكم ضنين
لي قلت أضحى بقبضة عينيـ
…
ك وتستملك القلوب العيون
/ 204 أ/ وقال أيضًا: [من مجزوء الكامل]
يا من جنى ولحاسدي
…
من وصله الثَّمر الجني
من سقم جفنك قد سقمـ
…
ـت فعد كما أمرضتني
إنِّي الفقير إلى لقا
…
ك وأنت عن هجري غني
وقال وقد تفكر [في] أحوال الدنيا: [من المجتث]
ما لي أحاول علمًا
…
بالغامض المكنون
الأمر أعظم حالاً
…
من هاجسات الظّنون
وهل أنا غير خلق
…
من الحما المسنون؟
وقال غزلاً: [من مجزوء الرمل]
ريقك العذب الفرات
…
وثناياك النَّبات
وإذا ما متَّ بالبيـ
…
ـن فلقياك الحياة
يا غزالاً غزلي فيـ
…
ـه تهاداه الرُّواة
لا يرى يومًا لشمليـ
…
ـنا مدى العمر شتات
تغفل العذَّال عنّا
…
ويوالينا الوشاة
وقال مثله: [من الخفيف]
/ 204 ب/ لي حبيب إليه منه المعاذ
…
كبدي من صدوده أخّاذ
ما لقلبي من طاقة بتجنّيـ
…
ـه ولو أنَّ قلبي الفولاذ
صار دمعي وبلاً عليه وقدمًا
…
كان يجري عليه وهو رذاذ
وقال أيضًا: [من مجزوء الرجز]
وشادن رأيته
…
وحوله النَّاس زمر
كأنَّه البيت لمن
…
حجَّ إليه واعتمر
فقلت هل أحدوثة
…
تتلى عليكم أو تمر
فقيل لا بل عجب
…
ننظر في الأرض قمر
فقلت لي فراسة
…
إن صدقوا فهو عمر
وأنشدني القاضي الأمين الأجل، بهاء الدين أبو محمد الحسن بن إبراهيم بن سعيد بن الخشاب أيده الله تعالى –بحلب المحروسة قال: أنشدني عبد الرحمن بن النابلسي لنفسه مبدأ قصيدة يمدح بها الملك الظاهر غياث الدين –رحمه الله تعالى-
[من الرجز]
/ 205 أ/ جار عليه البين لمَّا حكما
…
فلم يدع من نفسه إلَاّ الذِّما
وهكذا حكم الفراق دائمًا
…
ما سئل الإنصاف إلَاّ ظلما
أحبابنا لا لذَّ طرفي بكرى
…
إن كان مذ فارقتموه هوَّما
وإن رقت جفونه من بعدكم
…
فلا جرت دموعه إلَاّ دما
أو نظرت إلى سواكم نظرة الـ
…
ـمحبِّ عاث في ماقيها العمى
لا وهواكم ما السُّلو خاطر
…
بخاطري وجلَّ [هذا] قسما
ولا حمى عن ناظريَّ نومها
…
إلاّ كم يا ساكني روض الحمى
يا للهوى هل فيكم متيَّم
…
يرحم منِّي عاشقًا متيَّما
ينشدُّ قلبي للغضا فإنَّه
…
والصبر يوم البين منِّي عدما
واعجبًا طلَّ طلا الخيف دمي
…
هيهات لو لم ينتظر تلك الدما
رنا من التُّرك غزال أغيد
…
يصبي ويصمي إن رنا وإن رمى
يرمي سهامًا من فتور لحظه
…
وراش من هدب الجفون الأسهما
حلو اللَّمى مرُّ الصُّدود والقلى
…
أبيض يجلي الأسمر المقوَّما
لم أعص في حبِّي له صبابًة
…
ولا أطيع ما حييت اللُّوَّما
بدر دجى من قبل سهمي لحظه
…
لم تر عيني في هلال أنجما
/ 205 ب/ ولا ظننت قبل ما لثمته
…
بأنَّ درًا حلَّ عذبًا شبما
منعم لو نسمت ريح الصَّبا
…
وهنًا أذابت جسمه الممنعًّما
راق روقَّ خدُّه فلو سرى الـ
…
ـوهم على وجنته تألّما
يعقِّد الصُّدغ إذا سلسله
…
رأيت منه عقربًا وأرقما
أصبح وهو في الجمال ملك
…
فكيف للفتنة أمسى صنما؟
أطلب ريَّا من رضاب ثغره
…
وكلَّما رشفته زدت ظما
كذا اللَّمى المعسول يستشفي به
…
من حرِّ وجد من يريد [الألما]
واستطبُّ نظرًة من طرفه
…
وقلَّما يبري سقيم سقما
يريك منه التِّيه قلبًا كافرًا
…
لا يعرف العطف وعطفًا مسلما
كما يريك وصله الجنَّة والـ
…
مزيد من هجرانه جهنَّما
كالملك الظاهر إن صان وإن
…
صال استهل أنعمًا ونقما
مولي الأيادي مشرقًا ومغربا
…
مولى الملوك عربًا وعجما
[276]
عبد الرَّحمن بن عبد المجيد بن إسماعيل بن حفص بن الصَّفراوي:
كان أحد أجداده/ 206 أ/ من موضع يقال له الصَّفراء، قريب من مدينة النبي صلى الله عليه وسلم.
وكان من أعلم الفقهاء المالكية في زمانه، رأسًا في الفقه، وفي غيره من العلوم الدينية، وكان مفتي الإسكندرية في وقته، وسمع الحديث النبوي كثيرًا، مع نظره في علم الأدب واللغة، ومعرفة القرآن والقراءات والتفسير، وتشدُّ إليه الرحال في زمانه، وصنف كتابًا في علم القرآن سماه "العنوان".
وخبّرت أنه توفي سنة أربع وثلاثين وستمائة ولي منه إجازة كتبها إليّ من ثغر الإسكندرية، وأنا مقيم بإربل –رحمه الله تعالى-.
قال أبو القاسم عبد الرحمن بن عبد المجيد بن الصفراوي الإسكندري، يمدح الفقيه الحافظ أبا طاهر أحمد بن محمد السِّلفي نثرًا:
[كان] ممَّا ينتقده ديوان المفاخر صحفًا، [ومما] يتقلَّده منكب المعالي مرهفًا، وتقصر عنه أنفاس المدائح، وتستفتح له سرائر القرائح، ويتعين على الأعيان نظمه ونثره في ترصيع لآليء أوصاف سيدَّنا عقودًا، ووشي مناقبه برودا، وتحبير ما ضاق الزَّمان عن حصره انتفاعًا، وتدوين ما لم تبلغ شاو وصفه/ 206 ب/ الشُّهب ارتفاعًا، حتى استوى في العجز عن إدراك حصر أوصافه، والقصور عن الإحالة ببعض أطيافه، اللَّسن المسهب، والمكثار المطنب، والعجز الآخر، والحصر القاصر، إذ كان حافظ نظام الشَّريعة، وخير هذه الملَّة الرفيعة، وبيده حلُّ إحكام هذا الدِّين وعقده، وإليه ألقي نظامه وعقده، فهو عين الَّزمان، وأوحد الأنام، وإمام الأئمة، ولسان السُّنًّة، وإشراق شمس الهداية، وفريد علم الرِّواية:[من الكامل]
سمحت به العلياء وهي بخيلة
…
وبمثله من حقِّها أن تبخلا
ألفته رحب الباع آخر سيِّد
…
منّا وفي سبق المعالي أوّلا
لمَّا سما شرفًا ومحض جلالًة
…
لم يرض منزلة السِّماك الأعزلا
كن كيف شئت فمفضل أو فاضل
…
ومتى ارتقيت إلى المديح تبدَّلا
كم بين من فنيت محابر أمَّة
…
فيه وبين من اسمه لن ينقلا
ومدائح الفقهاء فيه يزيدهم
…
شرفًا ول يخشون منه تبذُّلا
والسّيد الندب البصير مميز
…
بين القريض المجتنى والمجتلى
/ 207 أ/ سيِّد عمَّ نواله، وغمر إفضاله، وأشرق زمانه، وأغرق إحسانه، وفاح روضه، واستفاض فيضه:[من السريع]
(ليس على الله بمستنكر
…
أن يجمع العالم في واحد)
وليس بغريب للبحر الزَّاخر، والبدر الزَّاهر أن ينعم الأنام نداه، وتهتدي الكافَّة بشمس هداه، جاد به هذا الثَّغر على الثغور، وزها به هذا الدَّهر على الدُّهور، فكأنَّما نشاهده قسُّا في الفصاحة، وسحبان في البلاغة، ولبيدًا في اليقظة والبراعة، والسَّلف الصَّالح في السُّنَّة والجماعة، وتنظر منه إلى معاوية حلمًا، وشريح حكمًا، وحاتم كرمًا، والمبرِّد قلمًا، ومالم إتقانًا، والشافعيِّ برهانًا:
[من الكامل]
جمعت فضائل من مضى في واحد
…
فرد فعبَّر عالم عن عالم
فكم من مشكلة أوضحها، ومعجمة أفصحها، ومعوجَّة صحَّحها، ومنيحة منحها، أرضع الأفهام سلسبيل العلوم، وهذَّب القرائح بمعرفة المنثور والمنظوم:
[من الطويل]
وإنِّي وإن كنت البخيل بأن أرى
…
مرصِّع مدح في فتى أو منظِّما
/ 207 ب/ وأمزج جاه العلم بالشِّعر مرًة
…
ولو كنت منه بالسِّماك مخيِّما
أرى مدح صدر الدِّين أحمد شيخنا
…
مبدًّى على كلِّ العلوم مقدَّما
شهرته بعلوِّ الأسانيد، والعلوِّ في معرفة المراسيل والمسانيد، والعناية بحفظ الآثار، والتَّبصُّر في الأخبار، محيل الشَّمس شمعًة،
والأسد ضبعًة، منه يستمدُّ فقهاء الإسلام، وأئمَّة الهدى الأعلام، وهذا الشَّأن لم ينفرد به في هذا العصر، ولا شاتهر به في سالف الدهر:[من الطويل]
سوى أحمد النَّدب الذي شهدت له
…
سعود المعالي بل صدور المحابر
بأنَّ اسمه مازال يتلى ويجتلى
…
على كلِّ هضب في رؤوس المنابر
فكم ببابه من ركب نازل، وراكب زائل، وملك زائر، وقمر زاهر، وظافر بمناه، وعارف بنداه، كلُّهم يرتوون من بحر فضله، ويكرعون في منهل جوده المعين:[من الكامل]
زره تجده للعفاه إذا طمى
…
بحرًا وللسَّارين بدرًا مشرقا
وإذا امتطى عند الحوادث جسرًة
…
ألفيته في الحرب نارًا محرقا
وأمّا أنا فمستضيء بشمس هدايته، ومستظلٌّ بظلِّ عباءته/ 208 أ/ يعينني على المقال، وإن عجز الخاطر عن مدحه واستقال، وعلى الجملة فإنِّي أقول:
[من الكامل]
ما المجد إلَاّ ما احتواه الماجد
…
علمًا فإمَّا فاقد أو واجد
والعلم ما شهدت بوافر حظِّه
…
لفظ المحابر لا الأغنُّ الشَّاهد
والعلم موروث النَّبيِّ محمَّد
…
لا يمتري في مثل ذلك جاحد
والصَّدر صدر الدِّين لا صدر الخنًا
…
والسَّيِّد السَّامي الإمام الناقد
دع عنك فخرًا للجدود وللملا
…
لا يبخسنك علاه ربٌّ واحد
المجد ما جنَّ الجنان وعبَّرت
…
عنه سطور أو لسان حامد
ومتى ترد علمًا وفضلاً أو حجى
…
فاقصد محلاًّ للسَّعادة ساعد
من ذلَّت الأيَّام وهي عزيزة
…
بجلاله فهو الأجلُّ الماجد
ومن اغتدى بحر العلوم فلا ترى
…
بذراه إمّا مورد أو وارد
يا أحمد العالي نداء متيَّم
…
بهواك مات بما جزيت الحاسد
ما الفخر إلَاّ ما عقدت لواءه
…
بركات أقوام لهنَّ سوعد
ومقصِّر ومبالغ ومواصل
…
ومقاطع ومحاسد ومساعد
فخر الأئمة كم دعاك من امرئ
…
دان وكم وافاك قاص قاصد
/ 208 ب/ فأجبت هذا واستمعت مقاله
…
ونصرت هذا وهو ليث شارد
والحافظ المفني خزائن ماله
…
بالبذل لا من ماله متزايد
جمَّعت من شمل العلوم مفرَّقًا
…
فبك العلوم وأهلها تتزايد
فلكم حديث مشكل إسناده
…
أوضحته وجوابه متابعد
ومصنفات قد حفظت بها لنا
…
أركان دين الله فهي فرائد
وفصاحًة إن عرِّيت عن مشكل
…
فنعتَّها للنَّفس ماء بارد
من كان ينثر في الورى درَّ العلاً
…
نظمت له فيما ينيل قلائد
قالوا الإمام الحافظ العلم الهدى
…
فأجبتهم هو للسَّماح الواحد
هذي مناقبه تبدت في الضُّحى
…
شهبًا وفي الإظلام صبح صاعد
عذب وعضب في النَّدى أو في الرَّدى
…
ردء فإما موعد أو واعد
لا يدرك الماشي مفازة راكب
…
لا يستوي من جدَّ لا والقاعد
شمت الكرام
…
عن فضلكم
…
وشروق مرآهم إليهم قائد
عزَّت صفاتك أيُّها الحبر الَّذي
…
بيمينه للمكرمات قلائد
ومهابة لله جلَّ ثناؤه
…
وعقيدة تزداد فهي عقائد
ندب لدين الله فيه حراسة
…
وتواضع وتذلُّل وتوجًّد
/ 209 أ/ زهد تبيَّن في تقى فمنامه
…
إن نام إمَّا راكع أو ساجد
علَاّمة بل قطب أعلام الهدى
…
عدد كثير وهو شخص واحد
يا من شرفت به بأعلى منزل
…
إعرف مكاني إن وشى بي عاند
واعلم بأنِّي إن مدحت فمقصدي
…
مض الولاء ولي بذلك شاهد
صوني القريض عن الأنام ونظمه
…
لا في سؤال أدله لتشاهد
ولهمَّتي ولأنت تعلم شأنها
…
تأبى شعار الشِّعر وهي شواهد
لكنَّ من يطريك ليس بشاعر
…
هو عالم بل عامل بل عابد
إن كنت ذا شرف بعلم أو تقى
…
فالشِّعر في علياك عزٌّ زائد
يا من تنوَّع في المفاخر تارًة
…
قمرًا وأخرى بحر علم مائد
وتقسَّمت أوصافه وصفاته
…
نار تشبُّ وبحر جود
…
أهديتها هيفاء رودًا طفلًة
…
للطَّيف رقَّتها يلين الجاحد
خذها موشَّحة البرود سنيَّة
…
تدعى قصيدًا وهي فيك قصائد
وليهن عيد النَّحر أنك سالم
…
فلذاك جاد وعطفه يتمايد
وقال أيضًا يمدحه: [من الكامل]
لولاك ما بسط المقال لساني
…
ولما تهذَّب خاطري وجناني
/209 ب/ ولما غرست فكنت غصنًا يانعًا
…
يزهو بمنظره على الأغصان
وأنا الذي في بحر جودك غارق
…
قد فزت منه بوابل هتَّان
ألبستني من عزِّ فضلك حلَّة
…
فأنا أتيه بها على الأقران
وإليك يا فخر الأئمة أحمد
…
أعزى ولولا ذاك ضلَّ زماني
ما كنت أوَّل من ألمَّ ببابه
…
فغدا يميس مفوَّف الأردان
لم لا أبوح بشكر ما أوليتني
…
وأذيعه في السِّر والإعلان؟
وجميل رأيك قد بنى لي سلَّمًا
…
أعددته سببًا إلى كيوان
قالوا وكيف حويت مدحًا يرتقي
…
سنن الأكابر جاء بالبهتان
أتراهم جهلوا غراس مروءة
…
لا والرَّحيم القادر الرَّحمن
ما يعرفون بفيض فضلك فيهم
…
ورضاعك الآداب للولدان
ما قال قط صغار من آويتهم
…
وكلأتهم كبراء أهل زماني
أم معجبون لشاعر من مصرهم
…
أربى على متباعد أو داني
إن كنت فيهم عالمًا
…
... أو كنت فيهم داعيًا بلساني
[277]
عبد الرَّحمن بن أحمد بن القصريِّ:
[من شعره]: [من السريع]
/ 210 أ/ سقيًا لأيامي على حاجر
…
إذ ما على اللَّذات من حاجر
وناظري يرتع في روضة
…
أريضة للزَّمن النَّاضر
وللهوى ربع غدا عامرًا
…
بمن سباني من بني عامر
بحسن دلِّ عاد ذلّي به
…
من بعد عزٍّ طاهر ظافر
طاب الهوى العذريُّ في حب من
…
أصبح فيه عاذلي عاذري
ظبي من الأعراب أعربت في
…
عشقي له عن عقلي الوافر
فحسنه الطَّائر ما وكره
…
إلَاّ سويدا قلبي الطَّائر
قد ضلَّ قلبي فيه حيث اهتدى
…
لرشده يا للرَّشا الجائر
شكوت وجدي وشكرت الهوى
…
فاعجب لشاك في الهوى شاكر
خاطرت في عشقي له جاهلاً
…
فما وهى من نظرة الخاطر
بحسن قدٍّ قدَّ قلبي أسى
…
بلحظ طرف فاتن فاتر
أنا الذي طلَّ دمي عامدًا
…
من مستبيح لدمي هادر
لمّا عتبت القلب في حبِّه
…
أحال بالذَّنب على النَّاظر
وقال هذا الباعث الوجد لي
…
وكنت منه في حمى ساتر
هذا الَّذي أوقعني لحظه
…
في لجِّ بحر للهوى زاخر
/ 210 ب/ قلبي وطرفي اشتركا في دمي
…
الجور من قلبي ومن ناظري
قلبي محتاج إلى قالب
…
وناظري أيضًا إلى ناظر
في هجره أوثر قتلي عسى
…
أخلص لكن بيد الهاجر
وأشتهي طرد همومي بكا
…
سات عقار بيدي عاقر
صفراء لم تنزل بقلب امرئ
…
بحادثات الهمِّ من صافر
فهاتها يا صاح واشرب ودع
…
من لام يبغي صفقة الخاسر
ما طاعتي إلَاّ لمن أمره
…
يطاع في النَّاهي وفي الآمر
وقال أيضًا يمدح كمال الدين أبا القاسم عمر بن العديم: [من المنسرح]
وأسمر صرت في هواه قمر
…
لو قامر البدر بالجمال قمر
أهيف ترزي الغصون قامته
…
بحسن التَّثنِّي إذ تثنى وخصر
قلوب عشَّاقه على خطر
…
منه إذا ماس معجبًا أو خطر
أحوى حوى مهجتي وتيَّمني
…
مليح غنج بطرفه وحور
هاروت ماروت في لواحظه
…
المرضى الصَّحيحات مقلًة ونظر
الرِّدف عبل والخصر مختصر
…
فيه لحتفي والرِّيق فيه خصر
/ 211 أ/ آه عليه ومنه واحربا
…
واعظم وجدي كم ملَّني وهجر
أقسم لو عاين العذول بلا
…
علم عليه حسن العذار عذر
فجل ناري من جلِّنار بخذ
…
يه ووجه كائن أليف قمر
ظبي من التُّرك لست أتركه
…
عشقًا ولو نلت في هواه سقر
فاعجب لملكي وقد تملَّكني
…
وخلّف أسري وللفؤاد أسر
عقرب أصداغه وحيتَّها
…
تسعى للسب القلوب وهي شعر
جدَّ بوجدي والهزل شيمته
…
وصين عنِّي بعفَّة وخفر
خاطرت في حبِّه ولم أدر أنَّ العشق يجني على المحبِّ خطر
فاق جمالاً كلَّ الملاح كما
…
فاق كمال الدِّين الإمام عمر
بالعلم والحلم والسَّماح فقد
…
شيَّد أركان مجده وعمر
الأوحد العالم العظيم تقى
…
والحبر كاس من العفاف حبر
أحيا لميت العلوم علمًا وأحـ
…
ـيا ميِّت الجود حيث كان غبر
مفتي الفريقين لا يرجع في الفتـ
…
ـيا ومفني الأموال لا بقدر
والله قد خصَّه خصائص ما
…
خصَّ بها قبل في الأنام البشر
/ 211 ب/ علمًا وحلمًا ونائلاً وعلاً
…
وعفَّة نورها عليه ظهر
هذا ابن قاضي القضاة سيِّدنا
…
هذا أبو القاسم العظيم خطر
مولاي يا من يولي الجميل لمن
…
والاه طبعًا منه وحسن نظر
منَّا لك المدح حيث منك لنا
…
المنُّ الذي سيبه العفاة غمر
خذها عروسًا بكرًا أتاك بها
…
كفوًا بمدحيك قلِّدت بدرر
منسرح بحرها لمنسرح الـ
…
جود نوالاً من كفِّه ببدر
واهنأ بعيد الفطر السَّعيد فلا
…
زلت مهنَّا بنيل كلِّ وطر
وابق سعيدًا ما هبَّ ريح صبًا
…
وما صبا سامر لطيب سمر
[278]
عبد الرَّحمن بن محمَّد بن عبد العزيز بن سليمان بن محمَّد، أبو القاسم اللَّخميُّ:
كانت ولادته بقوص في سنة خمس وخمسين وخمسمائة، كان فقيهًا حنفيًا، فاضلاً، شاعرًا، متأدبًا، عالمًا حسن الشعر، استوطن مصر مدة مديدة.
أنشدني أبو عبد الله محمد بن عبد القاهر بن هبة الله بن النصيبيني بحلب قال: أنشدني أبو القاسم لنفسه: [من الكامل]
/ 212 أ/ عجب من الأيمان كيف يقرُّ في
…
صدر الفقير المقتر المتذلِّل
من كان ذا صبر عليه فإنَّه
…
ذو البرِّ والتَّقوى وذو القدر العلي
وأنشدني قال: أنشدني لنفسه يصف كتاب البسيط: [من البسيط]
خصَّ البسيط بمجد ذاع وانتشرا
…
بين الأئمَّة والحكَّام والوزرا
شمِّر إلى حفظه تشمير مجتهد
…
فقد حوى باتِّفاق ذائع دررا
كذا المهذَّب أهل الدِّين كلُّهم
…
مضوا عليه فمن يعرف لذاك ذرا
ففيه سرٌّ عجيب فاعتبره ترى
…
ما قد رأى وروى من قبلك الكبرا
وأنشدني قال: أنشدني لنفسه: [من الكامل]
الفقر باب للمروءة والتُّقى
…
والصَّبر والإيمان إلَاّ من كفي
فهو الصَّبور المؤمن الورع التُّقي
…
طوبى له قد خصَّ باللُّطف الخفي
وأنشدني قال: أنشدني لنفسه في كتاب كتبه لأبي إسحاق: [من البسيط]
يا من يروم صعودًا لازمًا أبدا
…
في دينه ثم دنياه وما قصدا
عليك بالحفظ للتنبيه ملتزمًا
…
تعش به في نعيم عيشًة رغدا
/ 212 ب/ نعم الذَّخيرة صنه صون مجتهد
…
طريقه من نحاه يقتبس رشدا
فرحمة الله تغشى روح جامعه
…
مدى الدُّهور مع الأبرار والشهُّدا
وأنشدني قال: أنشدني لنفسه: [من الطويل]
سلام عليكم كلَّ وقت فإنَّني
…
أتوق إلى تلقائكم وأودُّه
وأوثر تخفيفًا مع الشَّوق دائمًا
…
خلاصة قلبي ملككم وهو ودُّه
وأنشدني قال: أنشدني لنفسه: [من السريع]
صبرًا على الفقر لتحظى بما
…
قد ناله خير رجال السَّلف
فالفقر خير من غنى مقتر
…
أدَّى إلى الكبر وقبح الصَّلف
[279]
عبد الرَّحمن بن يوسف بن عبد الرحمن بن عليِّ بن محمد بن عبد الله بن الجوزيِّ، أبو الفرج بن أبي محمد:
من البيت المشهور بالعلم والدين والتصنيف في كل فن من الفقه، والتفسير، والحديث، والوعظ، والتاريخ، وأيام الناس.
وأبو الفرج هذا ربي في حجر والده، فتأدب بآدابه، وبحلو أخلاقه، وتحلّى بحليته، / 213 أ/ واتصف بصفته، وحذا حذوه، وسلك طريقته الواضحة، واقتدى بأفعاله الصالحة، ونابه في الحسبة، ثم استقل بها، وخلفه في التدريس في المدرسة المستنصرية، فقام مقامه، وسدّ مسدّه، وكان أذن له في الوعظ في الأيام الظاهرية، وعمره إذ ذاك ثماني عشرة سنة.
وكان يجلس في كل أسبوع يومًا، ويحضره الخلق الكثير، واستمر ذلك وصارت له الملكة التامة، واليد الطولى في الوعظ، وهو مليح العبارة، لطيف الإشارة، حسن
الصورة، جميل الأوصاف، طيب الإنشاد، حلو الإيراد، وله نظم ونثر.
ومن شعره في المستنصر بالله أمير المؤمنين –أدام الله أيامه-: [من المتقارب]
حرام على مقلتيَّ المنام
…
وقد طرد الشَّوق عنها المناما
ومن هام وجدًا بطيف الكرى
…
يكون على مقلتيه حراما
فاه على طيب عيش مضى
…
لنا بالمحصَّب لو كان داما
ألا ما لجيران ذاك الجناب
…
رحلن فأسكنَّ قلبي غراما
فليتهم حين سارت بهم
…
مطاياهم ودَّعوا المستهاما
/ 213 ب/ لقد عاد من بعد بعد الحبيب
…
فؤادي في كلِّ واد وهاما
فهل من سبيل إلى نظرة
…
تبلُّ الغليل وتشفي الأواما
أيدري غزال الحمى أنَّه
…
بقلبي لا بالحمى قد أقاما
يميط لثام الأسى والجوى
…
إذا زارني وأماط اللِّثاما
بروحي حبيب بديع الجمال
…
أرى وصله فرصًة واغتناما
ويسكرني بعتيق الحديث
…
حتَّى كأنِّي ارتشفت المداما
كما أنني لست أبغي النَّسيب
…
إلَاّ لأمدح هذا الإماما
لقد بذَّ آباءه الراشدين
…
بأجمعهم همَّة واعتزاما
وأولى الهبات وأدَّى الصِّلات
…
وأحيا العفاة وفاق الغماما
وسنَّ العطايا وأسنى الصَّفايا
…
وخصَّ الرَّعايا بعدل وداما
أبا جعفر ثق بفتح قريب
…
ونجح مديد المدى لا يسامى
مضى رجب شاكرًا جودكم
…
وأظهر شعبان حمدًا مداما
تملَّ بشهر الصِّيام الَّذي
…
أتى شاكرًا برَّك المستداما
فكم لك من نائل في الصِّيام
…
وبرٍّ غزير يعمُّ الأناما
فلا وجد الرَّاضعون النَّدى
…
مدى الدَّهر من راحتيك الفطاما
/ 214 أ/ فعش أبد الدَّهر يا من به
…
تهنَّى المواسم عامًا فعاما
[280]
عبد الرَّحمن بن عبد المنعم بن نعمة المقدسيُّ، أبو محمد:
كانت ولادته في يوم عاشوراء، سنة أربع وتسعين وخمسمائة.
يروي عن عبد الرحمن بن إبراهيم المقدسي، وعبد الله بن أحمد بن محمد بن قدامة المقدسي، وغيرهما.
أنشدني أبو عبد الله محمد بن عبد القاهر بن هبة الله بن النصيبيني، بحلب قال: أنشدني عبد الرحمن بن عبد المنعم المقدسي لنفسه: [من الطويل]
أتى الرَّكب من أرض الحجاز مخبرًا
…
بأخبار أحباب أتوا عرفات
فقلت وفي القلب المعذَّب جمرة
…
من البعد إذ لم أحظ بالجمرات:
ألا ليت أنِّي كنت بالقرب من منى
…
فنلت المنى بالوصل قبل مماتي
ويا ليتني قد كنت بالخيف من منى
…
فما الخيف إلَاّ الخوف من تبعاتي
سعيتم فلا خابت مساع سعيتم ولا زلتم في أرفع الدَّرجات
وأنشدني بالإسناد: [من البسيط]
وحقِّ ذمة ما بيني وبينكم
…
من الوداد ومن عهد وميثاق
/ 214 ب/ إنِّي مقيم على وجدي بكم أبدًا
…
وإنَّ ودكم بين الحشا باقي
وله بالسند: [من الطويل]
أضمُّ يدي من خوف حرصي إلى الحشا
…
فيعرض منك الحلم لي فأمدُّها
فأذكر ما في سالف الدَّهر أسلفت
…
فأقبضها من خوفه وأردُّها
[281]
عبد الرَّحمن بن الحسين بن عبد الله، أبو منصور النُّعمانيُّ، المعروف بشريح:
قاضي النيل والنُّعمانية.
كان فقيهًا فاضلاً، له أدب وشعر ورسائل، دمث الأخلاق، حسن العشرة، سجن ومات في سجنه يوم الخميس تاسع عشر ربيع الأول سنة ثلاث وستمائة، ودفن في داره، وقيل عنه: إنَّه لمّا حضره الموت أذكر الله فقال: [من البسيط]
تألّق البرق نجديًا فقلت له:
…
يا أيُّها البرق إنِّي عنك مشغول
[282]
عبد الرحمن بن إبراهيم/ 215 أ/ بن نصر بن ظافر بن هلال، أبو القاسم بن أبي إسحاق، الحمويُّ أصلاً، المصريُّ مولدًا:
من بيت فيه علم ونباهة، وكان والده يتقلد القضاء بقوص، وقع إليّ هذه الأبيات، أنشدنيها عنه أبو المكارم فتيان بن محمد بن فتيان بن سمينة الجوهري قال: أنشدني أبو القاسم لنفسه: [من الطويل]
إذا لم يلذَّ الطَّرف منكم بنظرة
…
فما ضركم ذكر يلذُّ به سمعي
فوالله مالي بعد بعدك فرحة
…
ولا بلذيذ العيش بعدك من نفع
ولو نلت مقصودًا بطيب وصالكم
…
لما كنت مغرى بالكثيب وبالجزع
ولكنَّها فرع وأنتم أصولها
…
ومن لم يصل للأصل حنَّ إلى الفرع
تذرّعت في حرب الغرام بعشقكم
…
ولكنَّ سهم الهجر ينفذ في روعي
وأصبحت عبدًا مفرد الاسم سالمًا
…
ولكنَّني أخشى أن أكسر بالجمع
وبي ألف من قدِّ طيَّات لفِّها
…
تكون إلى وصل ولم تك للقطع
واسمك اسم معرب متمكِّن
…
بقلبي ومنه النَّاس في الضَّرِّ والنَّفع
ولولا بقلبي من هواه حرارة
…
تنشِّف طرفي كنت أغرق في دمعي
أقول لعذّالي عليه أطلتم
…
فما دينكم ديني ولا شرعكم شرعي
[283]
/ 215 ب/ عبد الرحمن بن محمود بن بختيار بن عزيز بن محمد، أبو حامد، الكاتب الإربليُّ والدًا، الموصليُّ مولدًا ومنشأ:
كان شابًا قصيرًا، أسمر اللون، تفقه على مذهب الإمام الشافعي –رضي الله عنه على أبي إسحاق إبراهيم بن عمر بن زبيدة الجزري، وكان متصلاً بالقاضي أبي منصور المظفر بن عبد القاهر بن الشهرزوري، وانقطع بأخرة إلى أبي الكرم محمد بن علي بن مهاجر الموصلي، يتولى خدمته.
لقيته غير مرة، ولم آخذ عنه شيئًا، أنشدني الإمام عماد الدين أبو المجد إسماعيل بن هبة [الله] بن باطيش الموصلي –أدام الله سعادته- قال: أنشدني أبو حامد لنفسه، لما مررنا بدير الحافر، قاصدين حلب، يتشوق إلى الموصل:[من الطويل]
يقول زميلي حين جدَّ بنا السُّرى
…
وعاين منِّي فيض دمع المحاجر
أشوقًا إلى الأوطان وهي قريبة
…
إليك فما ألفاك عنها بصابر؟
فقلت له: مهلاً وكن لي عاذرًا
…
فأين ربى الحدباء من دير حافر؟
وأنشدني موفق الدين أبو الثناء/ 216 أ/ محمود بن يوسف بن إسماعيل بن مكي ابن الهائم الفقيه السنجاري، قال: أنشدني أبو حامد عبد الرحمن بن محمود بن بختيار بن عزيز بن محمد الكاتب الإربلي لنفسه: [من البسيط]
خمر بثغرك أم ضرب من الضَّرب
…
سكرت منه وهذا غاية العجب
ما خلت أنَّ رضاب الثَّغر يفعل في
…
عقل الفتى أبدًا فعل ابنة العنب
يا أسمرًا صرت في حبِّي له سمرًا
…
بين الأنام حليف الهمِّ والنَّصب
سللت سيف لحاظ حدُّ مضربه
…
يفلُّ حسنًا سنى الهنديَّة القضب
إن دام لي منك وصل قد حصلت على
…
صفاته نلت أقصى غاية الأرب
وأوائل هذه الأبيات إذا جمعت كانت اسم خميس.
ومن شعره قوله في سليمان بن جبرائيل الفقيه الشافعي: [من السريع]
قل لسليمان الَّذي جهله
…
لو كان علمًا فاق كلَّ الورى
تذكر للدَّرس ولكنَّما
…
ذكرك إيًّاه شبيه الخرا
/ 216 ب/ وقال أيضًا يمدح قاضي القضاة حجة الدين عند قوله مترسلاً، ويهنيه بعيد النحر أيضًا:[من الوافر]
محبٌّ ليس يثنيه الملام
…
وقلب بات يغريه الغرام
ودمع فوق خدَّ ليس يرقا
…
وجفن ذو سهاد لا ينام
فبين الجفن والنَّوم افتراق
…
وبين الدَّمع والخد التئام
بنفسي صارم للودِّ طبعًا
…
وودِي ماله الدَّهر انصرام
غرير بتُّ أعذل فيه ظلمًا
…
وبين جوانحي منه اضطرام
الأم على هواه وليس يدري
…
بأني في هواه له ألام
أروم وصاله في الدَّهر يومًا
…
ودون وصاله الموت الزُّؤام
لقد لذَّ التَّهتُّك في هواه
…
كما لذَّت لشاربها المدام
كلفت به فأعداني سقام
…
لجفنيه فلذَّ لي السَّقام
رمى عن قوس حاجبه سهامًا
…
نكصن لها العوالي والسِّهام
وأعمل لحظه عضبًا حسامًا
…
فدان لحدِّه العضب الحسام
وفاق ملاحًة دون البرايا
…
وبي برح يطول له المقام
/ 217 أ/ كما في الفضل فاق الخلق طرًا
…
حليف المجد والنَّدب الإمام
فتى خلق الحيا من راحتيه
…
فسحُّهما انسكاب وانسجام
فقل لمؤمِّليه وقاصديه:
…
عرى نعماه ليس لها انفصام
تفرَّد في خلائقه وأضحى
…
فريدًا في الخلائق لا يرام
رضيع البذل قبل [كون] طفلاً
…
فما لرضاعه أبدًا فطام
سما أهل الدُّنى علمًا وحلمًا
…
فلا كهل لديه ولا غلام
له قلم مدى الأيَّام طولاً
…
لزاخر بحر سطوته النِّظام
تنوب عن القواضب شفرتاه
…
وفي أبوابه الجيش اللَّهام
فحدُّ غراره ماض طليق
…
وحدُّ سواه مفلول كهام
سبرت الناس سبرًا بعد سبر
…
فكنت التِّبر والنَّاس الرَّغام
فكلُّ فريدة نثرت لديهم
…
لها في سلك علياك انتظام
حماك حمى منيع لا يبارى
…
وجارك لا يذلُّ ولا يضام
ورفدك دائم في كلِّ وقت
…
دوامًا لا يضرُّ به دوام
فيا مولى له في كلِّ وقت
…
يد تهمي كما يهمي الغمام
ويا قاضي القضاة أقول حقًّا: لقد شرفت بمقدمك الأنام
/ 217 ب/ نأيت فحلَّ بالحدباء همٌّ
…
لنأيك لا يضاهيه اهتمام
وبان ضياء نورك عن رباها
…
فحاق بجنب ساحتها الظَّلام
إلى أن أبت في أمن ويمن
…
فعاد بها ابتهاج وابتسام
لنا عيدان عيد حيث وافى
…
قدومك للإله به سلام
وعيد النَّحر فانحر للأعادي
…
فحشو جسومهم خوفًا ....
ومن عمَّ الأنام بكلِّ فضل
…
فأنَّى ينتهي فيه الكلام؟
وقال أيضًا يهجو شخصًا وجماعة منتمين إليه، ومستند ذلك سبب يطول شرحه، ويمتدح فيها الأمير الكبير الأصفهسلار بدر الدنيا والدين، والقاضي حجة الدين:
[من مجزوء الكامل]
نفسي فداؤك من مشير
…
سمعًا لذا العلق الظَّهير
ذي حلقة مطروقة
…
أبدًا على مرِّ الدُّهور
من لم يزل ......
…
من ......... الأمور
لو جئته فوجدته
…
يبغي الفسوق مع الفجور
/ 218 أ/ لحظيت منه بما أرو
…
م من المسرَّة والحبور
لكنني وافيته
…
بفرائد الدُّر النَّثير
فوجدته في فهمها
…
كالتَّيس أو بعض الحمير
بالله أقسم إنَّه
…
أزرى ببيت الشَّهرزوري
رأس بخفَّة مخِّه
…
والرُّوح أثقل من ثبير
مستهترًا بالجهل طو
…
ل الدَّهر في شرب الخمور
وله من الوزراء من
…
يزرون بالكلب الحقير
مثل الشّقرَّاق القبيـ
…
ـح الخبر من بين الطُّيور
تالله لولا خالقي
…
ألقيته بين الصُّقور
تنتاشه بمخالب
…
تنسيه أيَّام السُّرور
وكذا الموزَّر ....
…
تبًّا لذلك من وزير
ذو الحكمتين الفيلسو
…
ف وصاحب العقل الغرير
لا تبغ شيئًا عنده
…
لا كان ذلك من نظير
ولقد أتانا نجله
…
يختال ما بين القدور
أضحى حوائج كيسه
…
لشرا الطُّبول أو الزُّمور
/ 218 ب/ وكأنَّه في الجبَّة الـ
…
ـخضراء جاء من الحضير
وكذاك سقف .......
…
كهيأة التَّيس الكبير
بسواد وجه كالغداف
…
ولحية كخرا النّسور
فلتنقرنًّ قفيَّهم
…
نقر الدُّفوف بل فتور
فليأخذوها كالسِّها
…
م تغير عن شخص غيور
لا يرتدي ثوب الهوا
…
ن ولو تجلب بالحصير
إن كنت من قصري أهنـ
…
ـت فليس شعري بالقصير
أو كنت أظلم في البريَّـ
…
ـة فانتصاري بالأمير
مولى يخاف سطاه أر
…
باب الممالك والثُّغور
ليث وغيث في الورى
…
وحليف معروف وخير
بدر ببهجة وجهه
…
يزهو على كلِّ البدور
لم يبق فيض يمينه
…
في النَّاس من شخص فقير
أضحت قلائد برِّه
…
تسمو على كلِّ النُّور
وغدت تميس لذكره
…
الأيَّام كالغصن النَّضير
ذكر تضوَّع عرفه
…
كالمسك فاح أو العبير
/ 219 أ/ مولاي يا حلف النَّدى
…
سمعًا كلامًا غير زور
لمَّا أمرت بنفيه
…
ومنعته سكنى القصور
شكرتك أبناء الدُّنى
…
وأثبت من ربٍّ غفور
أنت المبخِّل حاتمًا
…
كرمًا وذو البأس الخطير
مولاي بدر الدِّين أقـ
…
ـسم بالمصاحف والزًّبور
لو شئت كنت جعلته
…
في الحال من أهل القبور
لكن رعيت حقوق هـ
…
ـذا البيت بالصَّدر الكبير
قاضي القضاة أخو النَّدى
…
كهف الطَّريد المستجير
لازال ملك شاملاً
…
لهم على كلِّ الأمور
[284]
عبد الرَّحمن، أبو القاسم القليوبي:
أنشدني وجيه الدين الإسكندري قال: أنشدني أبو القاسم لنفسه: [من الطويل]
تجلَّى الَّذي أهوى عن الشِّبه والمثل
…
فيا عاذلي دعني وخلِّ من العذل
ورقَّ لما ألقاه من فرط حبَّه
…
ولا تحسبن العذل لي في الهوى يسلي
/ 219 ب/ وكن لمعاني حسنه متأمِّلاً
…
تجد كلَّ جزء فيه معنى من الكلِّ
فبدر الدُّجى والشَّمس من نور وجهه
…
فمن لي بأن أقضي على حبَّه من لي
وكلُّ صفات الحسن بعض صفاته
…
فواحسرتي قد حار في وصفه عقلي
خضعت له في موقف الحبِّ طائعًا
…
وقابلت عزِّي في المحبَّة بالذُّلِّ
فهمت به إذ قد فهمت جماله
…
وأصبحت عن كلِّ البريَّة في شغل
تعلَّمت فيه النَّوح والحزن والبكا
…
وأمسيت من علم اصطباري في جهل
تهتَّك سترى فيه بعد تستُّري
…
فواخيبتي إن لم أفز منه بالوصل
ولست أخاف الموت في الحبِّ إذ أمت
…
غرامًا فقد مات المحبُّون من قبلي
[285]
عبد الرَّحمن بن عيسى بن أبي الحسن بن الحسين، أبو الفرج البزوريُّ الواعظ
كان يعظ بالجانب الغربي بجامع المنصور.
وكانت ولادته في سنة تسع وثلاثين وخمسمائة، وقرأ القرآن، وسمع الحديث، وقرأ شيئًا من الفقه.
وكانت وفاته يوم الإثنين لست مضين من شعبان سنة أربع وستمائة، ببغداد/ 220 أ/، ودفن بمقبرة أحمد بن حنبل –رضي الله عنه.
قال أبو الحسين القطيعي: أنشدني أبو الفرج البزوري لنفسه: [من الرجز]
إذا ذكرت ما مضى من وصلهم
…
بين الرِّياض فالنَّقا فالمنحنى
أهجت بلبالي ففاضت أدمعي
…
وأصبح القلب عليهم حزنا
لله درُّ الوصل لو عاودني
…
بذلت نفسي في هواه ثمنا
[286]
عبد الرَّحمن بن عبد المحسن بن عبد الله بن أحمد بن محمَّد بن عبد القاهر بن هشام بن أحمد بن محمَّد بن المظفر، أبو أحمد بن أبي القاسم ابن الطُّوسيِّ، الموصليُّ المولد والمنشأ:
كانت ولادته على ما أخبرني من لفظه ليلة الأربعاء سادس عشر رمضان سنة ثلاث وسبعين وخمسمائة.
وتوفي يوم الإثنين مستهل ربيع الآخر سنة ست وعشرين وستمائة بالموصل –رضي الله عنه.
من أبناء الخطباء، ومن بيت عريق في الخطابة أيام الجمع، بعد أبيه بالموصل، بجامعها العتيق، وسمع الحديث على والده، وحفظ/ 220 ب/ الكتاب العزيز، وقرأ شيئًا من فقه الإمام الشافعي –رضي الله عنه وهو أحسن الناس قراءة وترنُّمًا بالقرآن، وأطيبهم صوتًا، خصوصًا في المحراب.
وكان مقبول الشهادة عند الحكام، متواضعًا ورعًا، من المتدينين، حسن الخطابة والتفوة بالكلام، شاعرًا عذب الشعر. ومن شعره يمدح المولى المالك الرحيم بدر الدنيا والدين، عضد الإسلام والمسلمين، أبا الفضائل، نصير أمير المؤمنين –أعّز الله أنصاره-:[من الكامل]
الملك ما عقدت لكمم تيجانه
…
والمدح ما نظمت لكم أوزانه
والبأس ما شهدت به لكم ظبا
…
يوم الطِّعان وسهمه وسنانه
والجود ما هطلت به أيديكم الـ
…
ـهطلات لا كفُّ الحيا وبنانه
أنتم بحور ندى وغيركم إذا
…
وصفوا وبولغ فيهم غدرانه
عجبًا لكفٍّ لا يبارحه ندى
…
بحر ولا تطفى وغى نيرانه
ولمركب غاد عليه ورائح
…
غيث ولم تورق به عيدانه
بأبي الفضائل أسعد الله الورى
…
وبراح راحته ارتوت غلمانه
وبأيّما بدر كبدر الدِّين أضـ
…
ـحى ابن الخطيب صقيلًة أذهانه
/ 221 أ/ يا مالكًا يكفي وليًا جامعًا
…
يحوي الصِّفاط لمصطفاه عيانه
ومن الَّذي للجود أضحى بأبه
…
بيتًا تقبل دائمًا أركانه
يهب الجرائم قدرًة فكأنَّما
…
ثمر الجرائم عنده غفرانه
ما قابلت فرسان جيش جأشه
…
إلَاّ أتته فريسًة فرسانه
شكرًا لرأي خليفة الله الذي
…
أبدًا يسيح تعطُّفًا سيحانه
لمَّا رأى ديوانه قرح الورى
…
داوى بكم قرح الورى ديوانه
ولمن حباك إمارة الملك الذي
…
لولاك ما جمع السُّعود قرانه
ولَاّك ملكًا ما سواك ظهيره
…
ونصيره وقرابه وصوانه
لا كان ملك ما إليك مردُّه
…
وتسلُّط ما في يديك عنانه
كم بات حين أبيت إلَاّ عزَّة
…
عبد إلى الله التَّضرُّع شانه
وانسلَّ ذّبًا عنك صارم دعوة
…
ممَّن جفت فيك الكرى أجفانه
كذبت ظنون الحاسدين وطاب من
…
ذي الغمر ما غمر النَّدى إحسانه
وغدا المثبَّت بينكم إيمانه
…
من كان ثابتًة بكم أيمانه
وأنشدني لنفسه في التجنيس: [من مجزوء الكامل]
ما لاح ناظر مقلتيـ
…
ـه لناظر إلَاّ وشامه
/ 221 ب/ للصُّبح يشبه والظَّلا
…
م إذا بدا خدًا وشامه
فاقت محاسنه الحسا
…
ن عراقه فينا وشامه
يا ليته مثلي يقو
…
ل لمن إليه بنا وشى: مه
وله ما كتبه صدر كتاب تعزية: [من البسيط]
لو كان ينفع فيما يجزع الجزع
…
لكنت أوَّل من بالحزن يدَّرع
لله أقضية في الخلق واقعة
…
ما في خلاص امرئ من أمرها طمع
النَّاس كلُّهم موتى وما أحد
…
يبقى ولكنَّهم ماض ومتَّبع
فانظر لنفسك واعمل ما تنال به
…
الزُّلفى فذاك به في الحشر ينتفع
واعلم بأنَّ ضمانات المنى خدع
…
تلهي وأقطع ما للأخدع الخدع
وقال وقد خلع على القاضي أبي منصور المظفر بن عبد القاهر الشهرزوري خلعة بيضاء: [من الرمل]
أيُّها المولى الذي بحر النَّدى
…
من يديه في جميع الأرض جاري
لم يغب عن ملك الأرض الَّذي
…
للبرايا عدله أمنع جار
إنَّ للأهبة من هيبتكم
…
لا خلت عن دستكم أبهى شعار
/ 222 أ/ علموا أنَّك شمس فاصطفوا
…
لك دون الخلق ثوبًا من نهار
أبدًا تجري سعاداتكم
…
من سماء المجد في أعلى المجاري
وقال أيضًا: [من الطويل]
ونور زهور مثل نور زواهر
…
تبرّجن حسنًا في بروج رياض
فلم ندر ما أسنى إذا ما تقابلاً
…
نجوم سماء أم نجوم أراضي
وقال أيضًا ما كتب به إلى بعض الشرفاء: [من مجزوء الرمل]
أيُّها المولى الَّذي يمـ
…
لأجودًا كلَّ عين
والذي أضحى على كـ
…
ـلِّ عناء أيَّ عون
والذي يسن أياديـ
…
ـه وشكري أيُّ بون
غيَّرت ألوان آلا
…
ئك بالتَّحجيل لوني
يا جمال الدِّين حسبي
…
يا كريم الحسبين
أيُّ دين لك أقضيـ
…
ـه بمدحي أيُّ دين؟
ليس يستغرب إحسا
…
ن من ابن الحسنين
[287]
عبد الرَّحمن بن عبد الله/ 222 ب/ بن رشيد بن عليٍّ، أبو محمَّد بن أبي الغريب التَّميميُّ، المعروف بالصَّيقل، الموصليُّ مولدًا ومنشأ:
كانت ولادته فيما أخبرني ليلة الجمعة، سابع ذي الحجة سنة اثنتين وستين وخمسمائة بسكَّة أبي نجيح.
وتوفي بالموصل ظهر يوم الثلاثاء الخامس والعشرين من ذي الحجة سنة اثنتين وثلاثين وستمائة، ودفن بالصحراء الكبيرة بباطن المدينة –رحمه الله تعالى-.
وكان أبوه من حلم سريا، قرية من نواحي دجيل، ورد الموصل، وسكنها، وولد أبو محمد ولده بها، وأحب الأدب والشعر من صغره، وحضر مجالس أهل العلم والفضل، وعاشر العلماء، وخالط الأدباء، وأغري بقول الشعر، وحفظ آلته، وبرز فيه على نظرائه، وسلك قديمًا في ابتدائه مسلك الشعراء المتقدمين، واستعمال اللفظ الحوشي في أشعاره، فأعرض عن ذلك، ونهج طريقة المولدين في الرقة والسهولة، وحذا حذو شعراء بلده الخالديين، والسري الرفاء. وغيرهم، وهو واسع الحفظ لأشعار/ 223 أ/ العرب والمحدثين، ويحفظ في كل فن عجيب من فنون الشعر يهذّه هذًا، وكأنه يقرأه من وراء كفه، وهو حسن الاستخراج لمعاني الشعر، لا يصعب عليه شيء منها، من أحسن الناس، إنشادًا، وأعذبهم ألفاظًا وإيرادًا، وكثيرًا ما يذاكر بشعر
أبي تمام، وشعر البحتري، وشعر مسلم بن الوليد، وعلى خاطره جملة كثيرة من أقاويلهم، وإلى غير ذلك من الأخبار والسير وأيام الناس.
ومع ذلك لم يزل حظه ناقصًا من الزمان وأهله، كتبت عنه كثيرًا من قوله ورواياته.
ومما أنشدني يمدح مولانا السلطان المالك الملك الرحيم بدر الدنيا والدين، عضد الإسلام، غياث المسلمين، سيد أمراء المشرق والمغرب، أتابك [أبا] الفضائل، نصير أمير المؤمنين –أنفذ الله أمره-:[من البسيط]
ته كيف شئت على العشَّاق يا قمر
…
وصل فكلُّ دم أجريته هدر
يا قامة الغصن المَّيال كم ملل
…
صلني فإنَّك أنت الرُّوح والبصر
أفديك من رشأ يلويه من ترف
…
مرُّ النَّسيم ويدمي خدَّه النَّظر
/ 223 ب/ مقلَّد بحسام من لواحظه
…
يكاد منه فؤاد الصَّب ينتثر
تصمي لواحظه العشَّاق عن أمم
…
بأسهم من لحاظ ما لها وتر
مبلبل الصُّدغ قد أوهى قوى جلدي
…
كأنَّما قلبه القاسي لنا حجر
عذب المراشف مخضرُّ السَّوالف ريـ
…
يان المعاطف في أجفانه حور
نمَّ العذار بخدَّيه فأعرب عن
…
وجدي به وبرى أجفاني السَّهر
كم ليلة بتُّ أجني ورد وجنته
…
والعيش لا رنق فيه ولا كدر
وبات لا تحتمي عنِّي مراشفه
…
أيَّام غضُّ شبابي يانع نضر
يسعى وفي كفِّه حمراء صافية
…
على النَّدامى ولي من ريقه سكر
مشمولة من بنات الكرم ما بزلت
…
إلَاّ وفاح علينا نشرها العطر
تخالها وهي في الكاسات يحملها
…
أنَّ السُّقاة لما في خدِّه عصروا
يا سالبي جنَّة قد كنت مستترًا
…
بها فمن بعدها بالسُّقم أستتر
لا تحسبنَّ غرامي فيك يا أملي
…
يفنى وإن قلَّ عذَّالي وإن كثروا
لا والمشاعر والبيت الحرام ومن
…
عليه أنزلت أنزلت الآيات والسُّور
وحقِّ ما حاز بدر الدِّين من كرم
…
جمٍّ به تخجل الأنواء والمطر
الباذل المال والأعوام مجدبة
…
لطالبي رفده والضَّيغم الهصر
/ 224 أ/ إذا الوفود أناخوا حول حجرته
…
في حادث الدَّهر يعطي وهو معتذر
هو المليك الذي جلَّت صنائعه
…
بين البريَّة والإحسان والسِّير
ملك حوى قصبات السِّبق عن كرم
…
موف ولازال مقسومًا له الظَّفر
مازال يعطي اللُّهى في كلِّ نازلًة
…
حلَّت وكان لما يوليه يحتقر
هذي سمات المعاني فيه لائحة
…
تثني على فعله الأملاك والبشر
إذا الحروب بدت أبطالها وغدت
…
نيرانها بالمنايا وهي تستعر
بكلِّ سابحة تدمى شكائمها
…
وكلِّ سابغة كأنَّها غدر
والبيض محمرَّة الأطراف تخضب من
…
دم الهوادي وليل الخطب معتكر
والسَّمهريَّة ما بين القتام ترى
…
كأنَّها في الدَّياجي أنجم زهر
سقى ينابيعها ماء الكلى فترى
…
هام العدا وهي في أغصانها عثر
لا ينثني عزم بدر الدِّين حيث سطا
…
على الكتائب إلَاّ وهو منتصر
وقال أيضًا يمدحه: [من مجزوء الكامل]
يا من غدا بالملك أحرى
…
ما بالهم سمَّوك بدرا؟
وعليك من نور الإله
…
دلائل توليك فخرا
ولقد أبان الله يا
…
ربَّ المكارم فيك سرّا
/ 227 ب/ وغدت مكارمك الجسا
…
م على بني الآمال تترى
سر حيث شئت فإنَّ ر
…
بَّ العالمين حباك نصرا
واجعل أعاديك الطُّغا
…
ة لديك في الأصفاد أسرى
يا كافل الأيتام عن
…
آبائهم جوزيت أجرا
يا من غدا وكأنَّ فو
…
ق جواده ليثا وبحرا
يا من صنائعه سرت
…
بين الورى سرًا وجهرا
كم يطمعون عداك في
…
أن يدركوا مسعاك قهرا
ويخيب سعيهم فما
…
نالوا به دنيا وأخرى
راموا مساعيك التي
…
قد هجَّنت في العدل كسرى
وتأمَّلوك فصادفو
…
ل لدى الوغى ليثًا هزبرا
يا من إذا أكدى السَّحا
…
ب وكانت الأعوام غبرا
تهمي أنامله الجسا
…
م على بني الآمال نهرا
وإذا المنايا أوقدت
…
نيرانها لهبًا وجمرا
وغدت متون البيض فيـ
…
ـها من دم الأبطال حسرى
تسعى بكلِّ مدجَّج
…
بالحرب مشغوفًا ومغرى
فعزيمة الماضي لدى
…
أعدائه أمضى وأبرا
أأبا الفضائل دم إلى
…
كم توسع الجانين عذرا؟
وإلى متى تغني الزَّما
…
ن على المدى صلًة وبرّا؟
قم باكر اللَّذات فالـ
…
أيَّام ما تعصيك أمرا
واشرب معتَّقة كأ
…
ىَّ بكأسها ذهبًا ودرّا
حمراء قد صاغ المزا
…
ج لرأسها عقدًا وشذرا
أو ما ترى وجه الرَّبيـ
…
ـع الطَّلق يكسو الأرض زهرا؟
وأنشدني لنفسه يمدح الوزير الصاحب شرف الدين أبا البركات المبارك بن أحمد بن المبارك المستوفي، بإربل –رحمه الله تعالى-:[من الخفيف]
قل لمن لام في هواه وفنَّد
…
وغرامي به غرام مجدَّد
كيف يصغي إلى الملامة صبٌّ
…
مستهام بادي الصًّبابة مكمد
/ 225 ب/ كلَّما شام بارقًا يوم حزوى
…
شاقة بالبراق رسم ومعهد
بات يستنجد الدُّموع على رسـ
…
ـم محيل بالرَّقمتين تأبد
واقفًا في معالم طال ما غا
…
زل فيها لدى المعاطف أغيد
شادنًا كلَّما تيبسَّم أبدى
…
من ثنايا فيه جمانًا منضَّد
كقضيب الأراك قدًّا إذا ما
…
هزَّ أعطافه الصبا وتأوَّد
بابلي اللِّحاظ سلَّ على العشَّـ
…
ـاق من مقلتيه سفيًا مهنَّد
تم عذري في حبِّه حين خطَّ الـ
…
ـمسك في خدِّه عذارًا مقيَّد
كم سقاني من ريقه وثنايا
…
هـ على الحالتين قهوة صرخد
من مدام إذا سقاها النَّدامى
…
خلتها من خدَّيه يجنى زبرجد
في زمان صفا ورقَّ فأضحى
…
وهو غضٌّ يحكي خلال ابن أحمد
الجواد الذي إذا جاد غيث
…
وهو ليث إذا سطا وتهدَّد
والوزير الأريب والفاضل النَّد
…
ب المرجَّى والأريحيِّ الممجَّد
كلَّما أخلف السَّحاب وأكدى
…
أمطرت كفُّه لجينًا وعسجد
جاد حتَّى خلنا ندى راحتيه
…
من مسيل الأتيّ أندى وأجود
كتبه تفتح الحصون العوالي
…
وهي للملتجين حصن مشيَّد
/ 226 أ/ والَّذي في يراعه للموالي
…
والمعادي جود وعيش منكَّد
هو في كفِّه وبين يديه
…
للبرايا من بأسه تتوقد
أيُّها السَّيِّد الذي لأياديـ
…
ـه على النَّاس مَّنة ليس تحجد
أنت أخجلتني بجودك حتَّى
…
صار شكري عليك وقفًا مؤبد
وبألفاظك اهتديت فأهديـ
…
ت إلى ظلِّك المديح المردَّد
من قواف كأنَّها حين تنشد
…
يتغنًّى بها الغريض ومعبد
فابق واسلم على الزَّمان ومانا
…
ح على غصنه الحمام وغرَّد
وقال فيه أيضًا يمدحه: [من الكامل]
حيِّيت من دمن ومن عرصات
…
بالأبرقين محيلة الآيات
وسقى معالمك الحيا وغدت بعر
…
صتك الرِّياح عليلة النَّفحات
فلكم قضيت بك اللُّبانة لاهيًا
…
بأوانس مثل الدُّمى خفرات
ومنها يقول:
لاحظته والكأس في يده وقد
…
لعبت بمشيته يد النَّشوات
في ليلة جمع النَّعيم بها وما
…
أذنت كواكب أفقها بشتات
فكأنَّما الجوزاء فيها قينة
…
باتت تساعدنا على اللَّذَّات
/ 226 ب/ والبدر في كبد السَّماء كأنَّه
…
في حسن طلعته أبو البركات
وأنشدني لنفسه أيضًا: [من الكامل]
دار السَّلام فقل هديت سلام
…
فيها لمرتاد النَّدى إنعام
ومواقف نبويَّة قرشيَّة
…
في ظلِّها التَّبجيل والإعظام
ومكارم ومحامد ورزانة
…
منها تعلَّم يذبل وشمام
فإذا وصلت قباب خير خليفة
…
شرفت به الأخوال والأعمام
قيل ترى عزماته وحياضًه
…
فرعًا بها للمقتفين مرام
هو حجَّة الله التَّي نزلت على
…
أبياته الآيات والأحكام
وملاذ كلِّ مومِّل يثني على
…
إحسانه ونواله الأيتام
وهو السِّراط المستقيم فمن هوى
…
عما يروم هوت به الأيَّام
وسماحه أحيا الأنام وجوده
…
روَّى متون الأرض وهي حرام
اقنى الإمام مكارمًا ومحامدًا
…
ما تنقضي أو تنقضي الأيَّام
ملأ البلاد رفائدًا وكتائبًا
…
بهما العراق مزلزل والشَّام
وعليه من نور النَّبي دلائل
…
ما تنظفي أنوراها ووسام
فإذا سطا أو ثال يوم كريهة
…
خرس القضاء ودقَّت الأقلام
/ 227 أ/ فخرًا بني العبَّاس إنَّكم على
…
رغم العدا الخلفاء والحكَّام
وأبوكم أسقى الحجيج على الظَّما
…
وبه استهلَّ على البلاد غمام
منعت حمى البيت الحرام سيوفكم
…
وحماكم في الله ليس يرام
أعززتم الدِّين الحنيف وقمتم
…
في نصره والعالمون نيام
يا ابن الخلائف والَّذين بهديهم
…
عرف الهدى وتمهَّد الإسلام
هذا حسامك مثل عزمك مرهف
…
تفرى الخطوب به وهنًّ جسام
فاستبق للمهديِّ منه مضاربًا
…
فلأنت زند للهدى وإمام
فتكًا أمير المؤمنين به على
…
أعدائكم ولباسك الإقدام
وإذا الحروب توقَّدت أنفاسها
…
وعلا بها بين الكماة ضرام
والخيل تعثر بالصَّوارم والقنا
…
ولها بأعلى الخافقين قتام
يسعى بكلِّ مدجَّج يقني الوغى
…
فحل البوارق والصُّفوف قيام
قابلتها بعزيمة قرشيَّة
…
للنّاكثين بها ردى وحمام
إنِّي أتيتك والحوادث جمَّة
…
عندي ومن يتيك كيف يضام؟
مستنصرًا بخليفة مستنصر
…
بالله ليس لنصره إحجام
وأنشدني أيضًا من قصيدة أوَّلها: [من المديد]
/ 227 ب/ ما على الحادين لو وقفوا
…
ساعًةة بالرَّكب أو عطفوا
فعسى يشفي بلابله
…
مستهام مغرم دنف
فله في الرَّكب معتدل
…
قدُّه قد زانه الهيف
وقضيب فوق قامته
…
بدر تمٍّ ليس ينخسف
راش من ألحاظ مقلته
…
أٍهمًا قلبي لها هدف
وغدا يفترُّ عن برد
…
طاب رشفًا حين يرتشف
قلت لمَّا راح ينهلني
…
راحه واللَّيل معتكف
أسنى برق يدير لنا
…
أم تبدَّى في الدُّجى الشَّرف
وقال فيه أيضًا يمدحه: [من الطويل]
لك الخير يا ابن السَّابقين إلى العلا
…
وخيير فتى سارت إليه الركائب
ومن بندى كفَّيه إن أخلف الحيا
…
مصائرنا لو أعوزتنا المطالب
تعلَّمت الأنواء منك فأسبلت
…
على النَّاس حتَّى ما ترام المذاهب
فجودك يحيي العالمين وهذه
…
تجاذبها هام الرُّبى والمذانب
لشتَّان ما بين النَّوالين فالحيا
…
يجود وأحيانًا يرى وهو ناضب
/ 228 أ/ وأنت على برِّ الزَّمان مواصل
…
عفاتك بالنُّعمى وجودك ساكب
أتاك بنو الآمال حسرى لواغبًا
…
فعمَّتهم من راحتيك المواهب
(فعاجوا فأثنوا بالّذي أنت أهله
…
ولو سكتوا أثنت عليك الحقائب)
فلا زال مغناك الملاذ لمن أتى
…
إلى ساحتيه وهو في الجود راغب
فزوِّده عبدًا ما يزال ثناؤه
…
عليك مقيمًا وهو حقٌّ وواجب
وأنشدني لنفسه يعاتب النقيب جمال الدين أبا طالب المعمر بن أحمد بن زيد بن محمد بن عبيد الله الحسيني الموصلي، وهو يومئذ يتولّى نقابة العلويين بالموصل:
[من الوافر]
إذا نزلت جسيمات الخطوب
…
بنا فزوالها بيد النَّقيب
كريم ما يماثله كريم
…
جواد ما يقاس إلى قريب
نؤمل منه بحرًا فاض حتَّى
…
طغا بين السُّهول إلى السُّهوب
شمائله شمائل حيدريٍّ
…
نما من ذلك البطل الحَّبيب
ألا يا ابن الأكارم من قريش
…
ويا من شعبه خير الشُّعوب
أراك غفلت عن عبد مريض
…
سلامته من العجب العجيب
/ 228 ب/ تمتُّ إليك بالأدب المصطفَّى
…
مدائحه وبالعهد القريب
على أنَّ الأديب إذا لحته
…
يد الأيَّام بالجدِّ الخشيب
وحلَّ به عظيمات الرَّزايا
…
جفاه الأقربون بغير حوب
وكيف أخاف من غير اللَّيالي
…
وجود يديك في الدُّنيا نصيبي
وكتب إليه أ] ضًا، يمدحه ويعاتبه:[من المجتث]
يا قامة القضيب
…
يا نزهة القلوب
في القلب منك داء
…
أعيا على الطَّبيب
ومن إذا تثنَّى
…
بقدِّه الرَّطيب
أيا ابن بدر تمٍّ
…
موف على كثيب
رقَّ لمستهام
…
متيَّم كئيب
إليك يا مناه
…
يشكو جوى الوجيب
ففي حشاه نار
…
مضرمة اللَّهيب
علله بالتَّلاقي
…
في غفلة الرَّقيب
ألا ومن يراه
…
يشكو إلى النَّقيب
/ 229 أ/ الطَّاهر السَّجايا
…
والفاضل اللَّبيب
فطالما تردَّى
…
بجوده الخصيب
وجرَّ ذيل لهو
…
في ظلِّه الرَّحيب
وسلَّ سيف عزم
…
من بأسه الصَّليب
فهو لمرتجيه
…
مفرِّج الكروب
آراؤه المواضي
…
تفري شبا الخطوب
وجود راحتيه
…
في عامنا الجديب
طغا ففاض بين الـ
…
ـسُّهول والجدوب
يا ابن النبي غثني
…
بآية الذُّنوب
وشى إليك واش
…
يا ابن أبي الغريب
حتَّى رفضت عمدًا
…
لصيقل أديب
ألولاه فيكم
…
يجفى بغير حوب؟
أم حالت اللَّيالي
…
بعهده القريب
علَّلته بخطٍّ
…
كبارق الجنوب
فعاد عن قريب
…
ممنَّع الشُّؤبوب
/ 229 ب/ فاسلم مع اللَّيالي
…
فردًا بلا ضريب
وقال أيضًا يمدحه، ويصف الروض:[من مجزوء الرجز]
رقَّ نسيم السَّحر
…
وطاب نشر الزَّهر
واكتست الأرض بنو
…
ر حليها المنوَّر
فانظر إلى ما صنعت
…
بالرَّوض أيدي المطر
قد دَّبجته فغدا
…
في حلل من عبقر
أما ترى الجوَّ غدا
…
في مطرف معنبر؟
يبكي فتفتر الرُّبى
…
عن أبيض وأصفر
فقم بنا نشربها
…
على حنين المزهر
وانتهز الفرصة من
…
قبل فوات العمر
من كفِّ ساجي المقلتيـ
…
ـن كالغزال الأحور
يميله الدَّل إذا
…
ماس كغصن نضر
لم أنسه وراحه
…
في كأسه المصوَّر
في ليلة بتُّ بها
…
ونجمها لم يغر
نهلني من ريقه
…
برد رضاب خصر
/ 230 أ/ يقول إذ مال به الـ
…
دَّل وجود السَّكر
واللَّيل قد قابله
…
ضوء الصَّباح المسفر
أما ترى الصُّبح بدا
…
كالطلعة المعمَّر؟
الهاشميِّ الأحمد
…
يِّ الفاطميِّ الحيدري
هبَّ إلى مديحه
…
فهو جمال السِّير
وأنشدني لنفسه يمدح أمير المؤمنين علي بن أبي طالب –عليه السلام:
[من الوافر]
نديمي هبَّ من سنة المنام
…
وباكر صبح يومك بالمدام
فقد هزمت جيوش الصُّبح لمَّا
…
تراءى مشرقًا جيش الظَّلام
وقد رقَّ النَّسيم وقد تبدَّى
…
عبير الزهر مفضوض الختام
وقد خلع الرَّبيع على ربوع الـ
…
ـحمى وعلى الرُّبى خلع الغمام
يباكرها النَّى غلسًا فتضحي
…
عقود الدُّرِّ واهية النِّظام
ألمَّ لأبها غيث] السَّما
…
ء معنبر الأطراف هامي
إذا ابتسمت ثغور الزَّهور فيه
…
بكت بغزير أدمعه السِّجام
وقد أضحت غصون الدَّوح فيه
…
نشاوى من أغاريد الحمام
/ 230 ب/ وصفَّقت في القناني
…
على صخب الأغاني والزنامي
فباكر فرصة الأيَّام إنَّ الـ
…
ـزَّمان هباته هبة اللِّئام
وخذها من يدي رشأ غرير
…
عليل اللَّحظ ممشوق القوام
أقول وقد غدا يسعى علينًا
…
بها في الكأس من نسج الفدام
أنار في الكؤوس تدير أم قد
…
تبدَّى في الدُّجى نور الإمام؟
وأنشدني أيضًا لنفسه يمدح الملك الأشرف مظفر الدين موسى بن الملك العادل أبي بكر بن أيوب –رحمه الله: [من الكامل]
دع ذكر زينب والمحلِّ الصَّفصف
…
وتولَّ عن وصف المادم القرقف
ودع النَّسيب وخلِّ أبكار الدُّمى
…
وصفاتهنَّ لكلَّ صبٍّ مدنف
واثن العنان عن الحساب مجانبًا
…
وصفًا لكلَّ مرنَّح ومهفهف
قوِّض ركابك طالبًا نيل العلا
…
فالذُّلُّ للمتقاعس المتخلِّف
فالعزُّ بين أسنَّة وأعنَّة
…
لا بين لثم مقرطق ومشنَّف
واعلم بأنَّ ذرى المكارم لا ترى
…
مبنيَّة إلَاّ بمدح الأشرف
/ 231 أ/ ملك إذا عاينته في دسته
…
أو سرجه لعدوِّه والمعتفي
عاينت ليث وغى وبدر دجنَّة
…
ذا لم يذلَّ سطًا وذا لم يخسف
يجفو لذيذ من عزِّ التُّقى
…
والمال من عزِّ القننا والمشرفي
ومنها قوله:
لكن ذئاب البرِّ واثقة به
…
وتخاف في إكرامها أن لا يفي
وترى طيور الجوِّ عاكفًة على
…
مغزاه بين محلِّق ومرفرف
ثقًة به في كلِّ يوم كريهة
…
والخيل تعثر بالقنا المتقصِّف
ألَاّ تعود بغير شبع من قرًى
…
أسياف مالكها المليك المسعف
يا أيُّها الملك الرؤوف ومن بما
…
يوليه من بعض المكارم نكتفي
يا بدر بل يا بحر بل يا ليث بل
…
يا غيث زدت على الغيوث الوكَّف
إنِّي أتيتك والحوادث جمَّة
…
حولي وريب الدَّهر منِّي مشتفي
ويد الزَّمان تنوسني بمخالب
…
هاضت جناح مذاهبي وتصرُّفي
فرضيت من زمني بما أوليتني
…
إذ كان في لقياك غير مسوِّفي
فخرًا بني أيُّوب بالملك الَّذي
…
أحيا لكم في العدل سيرة يوسف
إن كان يا موسى سميُّك أبهرت
…
آياته بعصاه عند تلقُّف
/ 231 ب/ فيمينك البيضاء صيغت للنَّدى
…
والبأس يوم تخوُّف وتعطُّف
وأنشدني لنفسه من قصيدة أولها: [من المديد]
باكر اللَّذات مصطبحًا
…
واعص من في تركها نصحا
فلقد رقَّ النَّسيم على
…
مرِّه والدِّيك قد صدحا
والدُّجى ولًّلت عساكره
…
هربًا من بعد ما جنحا
وتخال الصُّبح حين بدا
…
راهبًا بالمسح متَّشحا
وغصون الدَّوح مائلة
…
في نواحي رزضها مرحا
كلَّما طلَّت خمائلها
…
مال سكرًا بانها وصحا
وإذا ناحت حمائمها
…
هاجت الأشواق والبرحا
فاسقينها يا نديم فقد
…
قهقه الإبريق إذ رشحا
واقتبس من نروها قبسًا
…
فزناد الدَّنِّ قد قدحا
بنت كرم كلَّما سكبت
…
خلت برقًا في الدُّجى لمحا
صوِّبت في كأسها فغدا
…
نشرها كالمسك إذ نفحا
لم يدع فيها الزَّمان على
…
مرِّه من روحها شبحا
وإذا طاف السُّقاة بها
…
خلتها في الكأس شمس ضحى
/ 232 أ/ وأنشدني لنفسه ما كتبه إلى صديق له يلقب بالجمّال يتشوقه:
[من المتقارب]
سلام شج مدنف القلب بال
…
براه التَّفرُّق بري الخلال
يجنُّ إذا ما دجا ليله
…
ويرقب في النَّوم طيف الخيال
فما شاقه عذبات الغوير
…
[وما بالحمى من] ذوات المطال
ولا شااقه شادن أهيف
…
بلين القوام وبيض الحجال
ولكن تذَّكر أيَّامه
…
وعيشًا تقضَّى بقرب الجمال
معيني على نكبات الزَّمان
…
وذخري على النًّائبات العضال
وكنزي وحرزيي وعزِّي إذا
…
توالت عليَّ صروف اللَّيالي
أيا صاحبي ددون كلِّ الصِّحاب
…
ويا عدَّتي في الورى يا أمالي
سقى الله دهرًا نعمنا به
…
وعود الصَّبا خضل الغصن حالي
لهونا بكلِّ رشيق القوام
…
وغضِّ الصِّبا حسن الاعتدال
عليل اللِّحاظ بديع الجمال
…
رخيم التَّثنِّي مليح الدَّلال
إذا ما انثنى فقضيت وإن
…
أماط اللِّثام فوجه الهلال
يطوف براح حكى نشرها
…
نسيم الخزامي وريح الشَّمال
/ 232 ب/ كأنَّ بكاساتها جذوًة
…
إذا صوِّبت من فدام البزال
وقد غفل الدَّهر عن شملنا
…
وما خطر البين منَّا ببال
فلمَّا رمتنا صروف الزَّمان
…
ووشك البعاد بسهم النِّضال
بكيت على ما مضى آسفًا
…
وعصر الوصال بدمع مذال
لك الخير يا ابن الكرام الألى
…
تساموا إلى هضبات المعالي
ويا مانحي غرر المشكلات
…
وحسن المعاني ودرَّ المقال
أعِّطلت الكتب بين الأنام
…
ابن لي هديت أم النِّفس غالي
وأنشدني أيضًا لنفسه ابتداء قصيدة: [من الوافر]
فدتك النَّفس كم هذا التَّجنِّي
…
لقد أسهرت بالهجران جفني
وكيف رأيت سفك دمي حلالاً
…
بغير جناية بلغتك عنِّي
أيا صنم الملاحة فقت حسنًا
…
على كلِّ الأنام بكلِّ فنِّ
وي غصن النَّقا الميَّال أفدي
…
بما ملكت يدي ذاك التَّثنِّي
ويا قمر السَّماء غدا لتمٍّ
…
ويا شمس النَّهار ليوم دجن
شهرت من اللَّواحظ مشرفيّا
…
ومن لين القوام قوام غصن
يعنفني العذول عليك جهلاً
…
وقد كرهت سماع العذل أذني
/ 233 أ/ وحبُّك غايتي وسرور قلبي
…
وأنت بموضع العينين منِّي
سقى ليلاً نعمت بجانبيه
…
وأنت إلى فمي بالكأس تدني
وقد غفلت صروف الدَّهر عنَّا
…
لما نخشاه من فرح وحزن
وأنشدني لنفسه وقد حااجَّه شخص في الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب –عليه السلام: [من البسيط]
يا عائبًا شيعة المختار أنت بمن
…
تقتاد أم من به في الحشر تعتلق؟
زعمت أنَّ بني الزَّهراء طامسة
…
أنوارهم كيف يخفى الصُّبح والفلق
هم الميامين إن عدَّ الفخار وهم
…
أئمَّة الدِّين إن فاهوا وإن نطقوا
وأنشدني لنفسه في غلام قصد الحجّ: [من البسيط]
يا قاصد الحجر المسودِّ يلثمه
…
ولئمه للورى يشفى به السَّقم
مقلَّدًا بحسام من لواحظه
…
يبغي النِّضال وهذا الرّكن والحرم
إذا تقلَّدت وزرًا من دمائهم
…
وليس يسفك فيه للأنام دم
فأين أجرك والحجَّاج شاخصة
…
أبصارهم فيك ما حجُّوا ولا استلموا
إغمد لحاظك عنهم إنَّهم حرم
…
فقد سفكت دماء القوم يا صنم
وأنشدني لنفسه ما كتبه إلى بعض الأمراء: [من الكامل]
/ 233 ب/ قسمًا بربِّ اليعملات إلى منى
…
من متهم بمحلِّه أو منجد
إنَّ الخطوب فتكن بي فتك الظُّبا
…
بيد الأمير أخي المكارم أحمد
ملك له في كلِّ يوم كريهة
…
رأي يفلُّ به غرار مهنَّد
وله إذا عدَّ الفخار مكارم
…
وعزائم مقرونة بالفرقد
وإذا تواترت الخطوب على الورى
…
فيمينه منهلَّة بالعسجد
يا أيُّها الملك الَّذي في كفِّه
…
بحر لمن وافاه عذب المورد
أمن السَّويَّة أن أكون محلاً
…
عن مطلبي ولديك غاية مقصدي
وعليك متّكلي وأنت وسيلتي
…
وإليك قصدي يا غياث الوفّد
فاسمح بجاهك لا برحت على المدى
…
في كلِّ ننائبة ملاذ المجتدي
وأنشدني لنفسه يهجو العميد أبا نصر الحنائي بالموصل، حين عمل صهريجًا ظاهر البلد بمشهد الرأس، واحتبس في تلك النة الغيث، وتأخر مجيئه:
[من الخفيف]
يا صحابي إن اعوز الماء غورًا
…
أورأيتم أيّامنا البيض سودا
أو تنشَّا غيم فلا غرو إن أصـ
…
ـبح عنَّا مواريًا مطرودا
/ 234 أ/ كيف نرجو السَّحاب من بعد ما أضـ
…
ـحى أبو نصر في البرايا عميدا
أو نرجِّي أن يرخص الملك العلَاّم سعرًا وفضله أن يجودا
حاش لله أن نرى لك صهريـ
…
ـجًا تروِّي به الظَّماء الشَّديدا
لو روانا فيه من البارد السَّلـ
…
ـسال أضحى مهلاً وعاد صديدا
إنَّما يعمر المصانع من كا
…
ن جوادًا بماله
…
مقصودا
لا كمن صار عرضه هدفًا للنـ
…
ـناس لم يدَّخر سماحًا وجودا
يا أبا نصر كم رأينا من النَّا
…
س مليكًا صعب المرام عنيدا
كان لا يتَّقي الحوادث إن را
…
مت حماه ولا يهاب الجنودا
خطفته يد المنيَّة حتَّى
…
غادرته تحت الثَّرى ملحودا
ولذا أنت صرت تنهي لك الأيام سهمًا من المنايا سديدا
وأنشدني لنفسه يهجو المجد النشابي كاتب الإنشاء بإربل في الأيام المظفرية المعظميّة: [من الرمل]
عد إلى النُّشَّاب يا مجد فقد
…
ضجَّ ممَّا تمتطيه القلم
راحة من شأنها اليبس فلو
…
قطعوها ما جرى فيها دم
/ 234 ب/ وأنشدني لنفسه فيه أيضًا: [من المتقارب]
يصون أبو المجد من لؤمه
…
خزائن أسخى الورى ككبري
ويبذل أعراضه دونها
…
فعرض مصاب ومال بري
وأنشدني أيضًا فيه يهجوه: [من المتقارب]
أبو المجد قالوا به أبنة
…
تدلُّ على أنه كاتب
وقالوا له منزل فارع
…
وحاجبه دونه حاجب
[288]
عبد الرحمن بن محمَّد بن محمد بن عمر بن أبي القاسم بن بخمش، أبو المظفرَّ بن أبي سعيد الواسطي المعروف بابن سنينيرة:
شاهدته بمدينة الموصل سنة اثنتين وعشرين وستمائة، وهو شيخ كبير، وسألته عن ولادته، فذكر أنه ولد بواسط سنة سبع أو تسع وأربعين وخمسمائة، وبلغني أنه توفي بواسط سنة ست وعشرين وستمائة.
وكان ينتجع الناس بأشعاره، ويطوف البلاد، وكان من عوامّ الشعراء/ 235 أ/ قليل الآلة في صناعة القريض، ذا بضاعة في الأدب مزجاة، إلَاّ أنَّ له طبعًا يعينه في إنشاء الشعر لاغير.
وكان مع ذلك عنده دعاوى كثيرة، وافتخار بالنظم مفرط. قلت له يومًا في أثناء كلام، وقد جرى ذكر شعراء العراق ورقة طباعهم في الشعر، وسهولة ألفاظهم في المنظوم والمنثور –أتروي لأبي الغنائم بن المعلم والأبلة شيئًا من شعرهما؟ فالتفت إليّ كالمغضب الحاد المزاج وقال: من هما حتى أروي عنهما من أشعارهما، أنا أسحب ذيلي عليهما فضلاً ومزية.
وكان شيخًا شرسًا فيه حدّة مفرطة، ولم أر من الشعراء الذين ينتمون إلى هذا الشأن أعسر منه أخلاقًا، ولا أجفى في إنشاد الأشعار، له ولغيره، وربما كان يتبسط في بعض الأوقات، ويسلك سبيل المجون والمداعبة.
وكان قد أقام بمدينة إربل مدة، فقصد زيارته صدرها ووزيرها المفضال الصاحب شرف الدين أبو البركات المبارك بن أحمد المستوفي –كبت الله أعاديه- فلم يجده في منزله، فجاء أبو المظفر منزله، وأخبر بمجيء الصاحب/ 235 ب/ إلى زيارته، فحينئذ عزم على المصير إلى خدمته، فجاء الغيث متواليًا، وكثرت الوحول في
الطرق، فحبته عن الذهاب إلى حضرته، فأنشأ فصلاً يشتمل على نظم ونثر، وصدَّره بهذه الأبيات، وكتبها لي بخط يده:[من الكامل]
يا لحظًة سنحت بها طير المنى
…
وجرت لنا بسعودها الأفلاك
عجليَّة الأٍر الوثيق فما لمن
…
أسرت وإن بذل الفداء فكاك
سمحت بها كفُّ اللَّيالي فلتًة
…
وطباعها التَّجعيد والإمساك
فكأنَّما وهمت بها واستدركت
…
غلطًا فردَّ فواتها الإدراك
ولقد رجوت بأن تثنِّي فانثنت
…
وسبيلها التَّوحيد والإشراك
فكأنَّها طيف تعرَّض معرضًا
…
نصبت له بيد الكرى أشراك
ما شئت فاصنع يا زمان فإنَّما
…
أفتاك فينا صرفك الفتَّاك
ثمّ أورد نثرًا، وعقبه بهذه الأبيات:[من الطويل]
وكم عزمة أمضيتها للقائكم
…
فأًبح فيها للخطوب فلول
ومهري شوق سار بي نحو أرضكم
…
كأنَّ أباه شدقم وجديل
إلى أن بدا للعين آرام رامة
…
وهوَّم حاد واستراح دليل
/ 236 أ/ دنوت فحال الوحل بيني وبينكم
…
وكيف احتيالي والوحول تحول
وقال أيضًا: [من الكامل]
إذهب شباط فقد أتى آذار
…
وصفا العقار وسامح الخمَّار
ودعا لشاربها وأمَّن إذ دعا
…
غبَّ الدُّعاء العود والمزمار
وبكى السَّحاب على الرِّياض فزخرفت
…
لبكائها وتبسَّم النُّوار
وتضرجت وجنات وررد شقيقه
…
واصفر من حذر القطاف بهار
وتلفَّعت تلك التِّلاع ملاءًة
…
رقشت وشائع وشيها الأمطار
من أزرق في أصفر ومعصفر
…
في أحم قان حكاه نضار
ومفضَّض في مذهب فكأنَّه
…
صحف لها من عسجد أعشار
قد زمّكت باللَاّزورد ومسَّها
…
الإبرنج والزَّنجفر والزِّنجار
نفحاتها دارَّية فكأنَّها
…
سحق العبير لجوِّها عطَّار
وبنفسج بادي الحياء ونرجس
…
وقح ونمام نمى وعرار
من دونها برك بها نيلوفر
…
كرؤوس بطٍّ ما لهنَّ مطار
حاولن فلي صدورهنَّ تحرُّشًا
…
فبكلِّ جؤجو بطَّة منقار
ما العيش إلَاّ خمسة لا سادس
…
لهم وإن فطرت لها الأعمار
/ 236 ب/ زمن الرَّبيع وشرخ أيّام الصِّبا
…
والكأس والمعشوق والدِّينار
فاشرب مشعشعًة إلى لألائها
…
يعزى الضِّياء وتنسب الأنوار
جسمًا تألَّف من نضار مائع
…
فالماء من أجزائه والنَّار
تغشى بجوهرها البصائر مثلمًا
…
تغشى بنور شعاعها الأبصار
مذ خلِّدت في الدَّنِّ لم يكشف لها
…
بأنامل الخمّار قطُّ خمار
بكر بخاتمها لنا في شربها
…
محض السُّرور وللهموم سرار
فلها إذا رقصت لصفق مزاجها
…
في الكأس من درر الحباب نثار
من كفِّ ريم في مطاوي طرفه
…
نبل يسنُّ وصارم بتَّار
ريشت بأهداب الجفون [فأعملت]
…
رشقًا وما لقسيهِّا أوتار
ترمي فتصمي العاشقين ولا لها
…
أثر وللرامي عليه ثار
طلعت لنا في ذيل ليل [أليل]
…
شمس فليل العاشقين نهار
دلَّت محاسنه الطَّريق إلى الهدى
…
وتتبّعوا تيه الدَّليل فحاروا
كم قد أخذت يد السُّلوِّ لتوبة
…
من حبِّه فيقودني الإصرار
غصن على دعص يضيق بما جرى
…
منه الإزار وتثمر الأزرار
ويكاد يدمى بالغلائل جسمه
…
ترفًا ويجرح خصره الزنَّار
/ 237 أ/ يا من أراق دمي لغير جريمة
…
من قال إنَّ دم المحبِّ جبار؟
قسمًا بحقِّك إنَّ حقَّك واجب
…
إنِّي عليك من النَّسيم أغار
هبني أسأت فكن لذنبي غافرًا
…
إنَّ الكريم مسامح غفَّار
وقال غزلاً من قصيدة: [من مجزوء الكامل]
لو كفكف الهجران قاتله
…
ونفى القلى قلَّت بلابله
شهدت بصدق الحبِّ عبرته
…
طلاًّ وزكى الطَّلَّ وابله
والحب أطهر ما يكون إذا
…
هجر المحبُّ ولجَّ عاذله
أخفى الغرام فلا جوارحه
…
شعرت بذاك ولا مفاصله
كالسَّيف يصحبه الحمام ولم
…
يعلم بما حملت حمائله
صبٌّ رهين في صبابته
…
دنف نحيف الجسم ناحله
يهوى الصَّبا ويودُّ لو حملت
…
فيها لذي وصب رسائله
مطل الدُّيون ولا ادَّعى عدمًا
…
يستوجب الإنظار ماطله
لو قابل البدر المنير دجى
…
بجماله استحيا يقابله
ومنها قوله:
/ 237 ب/ أيحلُّ قتلي كم أبحت حمى
…
قلب قطين هواك نازله؟
حرمًا عزيز الجار يسلمه
…
للحين تغلبه ووائله
لولا الألى هجروا وما وصلوا
…
ما بات ذا سقم يواصله
صدُّوا فما أبدت شفاعته
…
نفعًا ولا قبلت وسائله
هل وقفة تشفي رسيس جوى
…
يومًا على الوادي نسائله
لو بكائي على شفائي لما
…
حمَّت لوارده مناهله
ما الجزع ما رمل العقيق وما
…
بان اللِّوى لولا مطافله
عقلت عقول العاشقين به
…
يوم النَّقا أسرًا عقائله
من كلِّ ذي قدٍّ يميد كمن
…
سرت الشَّمول به تمايله
وأغنّ ما نطقت مراسله
…
إلَاّ وقد خرست خلاخله
للرَّمل ما سترت مآزره
…
والغصن ما ضمَّت غلائله
قمر يهيج لي البلابل إن
…
ما سـ على صدغ بلابله
أمست منازله القلوب فيا
…
لله ما تحوي منازله
وقال يمدح الملك الظاهر غياث الدين/ 238 أ/ غازي بن يوسف بن أيوب صاحب حلب، وقد امتحنه، وسأله أن يرّكب من أعجاز أبيات البحتري الميمية، على صدور أبيات ينظمها، ويصف فيها القناة التي أخرجها بحلب:[من الكامل]
دون الصَّراة بدت لنا صور الدُّمى
…
لا أدم صيران الصَّريم ولا الحمى
غيد هزرن من القدور ذوابلاً
…
لدنًا ورشن من اللَّواحظ أسهما
عنَّت وكم دون الحريم أحلَّ من
…
دم عاشق عان وكان محرَّما؟
فنهبن أنقاء الصَّريم روادفًا
…
ووهبن إيماض البروق تبسُّما
وأعرن أنفاس الصَّريم من الصَّبا
…
أرجًا أبت أسراره أن تكتما
وعلى أواناكم ونى يوم النَّوى
…
جلد وعهد هوى وهى وتصرَّما
أأميم لولا فرط صدِّك لم أهم
…
ظمًا ولا أظما إلى رشف اللَّمى
ولما وقفت بسفح سلمى منشدًا
…
أمحلَّتي سلمى بكاظمة اسلما
خلَّفتني بين التَّجنِّي والقلى
…
لا ممعنًا هربًا ولا مستسلما
وتركتني أقني الزَّمان معلِّلاً
…
نفسي بذكر عسى وسوف وربما
/ 238 ب/ ولكم طرقتك زائرًا فجعلت لي
…
دون الوسادة والمها والمعصما
ومنحتني ضمًّا ولثمًا لم يكن
…
حوض العفاف بورده متهدِّما
فاليوم طيفك لو ألمّ لبخله
…
بالصَّبِّ في سنة الكرى ما سلَّما
يا سعد إنَّ حلاوة العيش الَّتي
…
قد كنت تعهدها استحالت علقما
سر بي فلي السِّرب قلب سار في
…
إثر الفريق مقوِّضًا ومخيِّما
قد فاز بالقدح المعلَّى من أتى
…
نهر المعلَّى زائرًا ومسلِّما
لو لم تكن تلك القباب منازلاً
…
ما قابلت فيها البدور الأنجما
يا ساكني دار السَّلام عليكم
…
منِّي التحيَّة معرقًا أو مشئما
وعلى حمى حلب فإن مليكها
…
ما زال صبًا بالمكارم مغرما
قرم ترى في الدِّرع منه لدى الوغى
…
ذا لبدة قرمًا وصلاًّ أرقما
ويضم منه الدَّست في يوم النَّدى
…
بحرًا طمى كرمًا وطودًا أيهما
ومنها في ذكر القناة:
روَّى ثرى حلب فصارت روضًة
…
أنفًا وكانت قبله تشكو الظَّما
أحيا رفات مواتها فكأنَّه
…
عيسى بإذن الله أحيا الأعظما
لا غرو إن أجرى القناة جداولًا
…
ولطالما بقناته أجرى الدما
وبكفِّه للآملين أنامل
…
منها العباب أو السَّحاب إذا همى
وقال يهجو الوزير ابن أبي يعلى:
إنَّ اللئيم ابن أبي يسفلٍ
…
ولا أقول ابن أبي يعلى
رأي على دين نصيرٍ يرى
…
أن عليا ربه الأعلى
عمامة من تحتها قرعة
…
فارغة تحسبها سطلا
شيعته ما شهدت مشهدًا
…
لم تلق فيه الكفَّ والنَّعلا
قد هجر الطاهر فعل الندى
…
به وعاف الجود والبذلا
وكان يهواه قديمًا فمذ
…
قدمه علمه البخلا
من جعل الخطَّاف بازيه
…
صاد له الذُّبان والنَّملا
وقال يهجو الوزير الجلالي وزير إربل:
وثقيل على الفؤاد ولا التُّخمـ
…
ـمة وافى بثقلها شوَّال
قرأت عند ثقل وطأته الأر
…
ض لممشاه أوبي يا جبال
وقصيرٍ ولا المبارك في الهمَّة لكن له قرون طوال
ذي دماغ حوى من الطيش والخفـ
…
ـفة ما حازه الوزير الجلالي
وقال يهجو الناصح يحيى بن سعيد بن الدهان النحوي الموصلي:
يقولون للدهان يحيى حليلة
…
تخيرها دون النسا من صحابه
حصان ولكن مثل ما هو ناصح
…
لأصحابه والغدر تحت إهابه
إذا ما خلا الشَّيخ الجليل بأمردٍ
…
تخلَّت بأصحاب اللِّحى في جوابه
[289]
عبد الرحمن بن أبي الفضل بن عبد الله، أبو محمَّد الأوانيُّ:
من أهل أوانا، وهي أشهر قرايا مدينة السلام، وهي فوقها بعشرة فراسخ، بجانبها الغربي.
رأيته بالموصل مرارًا كثيرًا، وكان نازلًا برباط الصوفية، وذكر لي أنه ينظم الأشعار في الغزل والنسيب، ولم ينشدني شيئاً، ثم لقيته بمدينة السلام، ووعدني أن يعلق لي جزًء من قيله، فما عدت إليه لتوان لحقني، وبعد مدة طالعت مجموع أشعار كبير، فوجدت فيه أقطاعًا من من شعره، وهي مكتوبة بخط يده، فنقلت منها قوله:
أشاقك إذ عنَّ برق لموع
…
وأغراك إذ حنَّ ورق سجوع
وما كنت أحسب أنَّ الهوى
…
له بذوي الحلم يومًا ولوع
إلى أن رأيتك في أسره
…
تقاد وأنت سميع مطيع
وأنت حفيٌّ برجع خلت
…
مرابعه وهو ناءٍ شسوع
تسائل هل مطرت أرضه
…
وهل فيه بعد نواهم ربيع؟
وتعنو إذا الركب ألفيت في
…
حقائبهم منه نشر يضوع
ألم تك ذا خلَّة لا تهي
…
لخطبٍ فكيف اعتراك الخضوع؟
وأنَّى استفزّك حتى جزعـ
…
ـت على الجزع يوم استقلُّوا الهلوع
هو الحبُّ أسهمه لا تني لموقعها تتشظًّى الدُّروع
فكيف إذا ساعدتها نوى
…
تنوء بصبري وشمل صديع
وإني أرى الصبر فيما زعمت
…
جميل العواقب لو أستطيع
ونقلت أيًا من خطه شعره:
وأبيكما إنًّ الذي تريانه
…
مغنى الهوى فسلاه عن سكَّانه
إن تنكراه ففي ثراه لطيبهم
…
عرف يدلّكما على عرفانه
وأسيل خد ما السلو بممكن
…
عنه لأنَّ القلب من أعوانه
حجبوه يوم سروا بأسمر مثله
…
لدن وأبيض سلَّ من أجفانه
وله من قطعة أولها:
دار الهوى بين الصريم وحاجر
…
هل فيك منتجع لصاد صادر؟
عهدي بربعك عامرًا ولطالما
…
عقلت به لبي عقائل عامر
عبد الرحمن بن أبي القاسم بن غنائم بن يوسف بن أحمد بن عبد الله، أبو محمَّد الكنانيُّ، المعروف بابن المسجَّف:
أصله من عسقلان، ومولده بمصر، ونشأ بدمشق، شاعر محسن بذيء اللسان، هجاء متهجم على الهجاء، متسلط على أعراض الكبراء من الناس، وذوي الجاه منهم، وعرف بالهجاء حتى عزي إليه ما ليس له، اكتسب بالشعر ثروة واسعة، ورزق منه حظَّا وافرًا.
لقيته بالموصل في شهر جمادى الأولى سنة أربع وعشرين وستمائة، وردها من بلاد الروم، فوجدته شابًا ذا نعمة ظاهرة، وحسن حال، وغلمان ظراف.
ثم سافر إلى دمشق، فتوفي بها في الرابع والعشرين من ذي الحجة سنة خمس وثلاثين وستمائة، وخلف مالًا جزيلًا، نحو ثلثمائة ألف درهم، وغيرها من الأثاث والبضائع، ولم يكن له وارث، ولا تزوج قط، وسمعت أنه كان بخيلًا ساقطًا مقترًا على نفس. فاستنشدته من أشعاره، فأنشدني كثيرًا منها، فمن ذلك قوله في ابن كساء الشاعر
المصري، يهجوه حين قدم الموصل، وسار عنها إلى العقر:
أرى ابن كساء قد تقدَّم حاله
…
وذلك بالحدباء من عجب الدَّهر
تردََّى رداء الجهل والنَّقص فانثنى
…
تدرُّ له الأرزاق من حيث لا يدري
كذلك أفعال اللَّيالي قديمة
…
وشيمتها مع كلِّ منتحل الشِّعر
ولو كان مشهورًا بأدنى فضيلة
…
لأصبح فيها ناقص الحظ والقدر
ولو لم يكن يحكي الذباب قذارًة
…
لخسَّة مقدارٍ لما صار بالعقر
وأنشدني أيضًا لنفسه فيه يهجوه:
أرى ابن كسا يسرِّق كلَّ شيء
…
مجاهرةً ويكذب حيث كانا
فلو أنَّ الًّزمان قصيد شعًر
…
يصادمنا بها سرق الزَّمانا
ولولا أنَّه رجل جبان
…
لساء الفعل وانتحل القرانا
وأنشدني لنفسه يهجو ابن عنين الشاعر:
يا علَّة القولنج لا تتركني
…
من صحَّة العالم في سقمه
ولا تخلِّي درهمًا واحدًا
…
من نجوه يخرج من سرمه
حلِّي قواه واشددي طبعه
…
حتى تروح الروح من جسمه
لتسلم الأعراض من شتمه
…
ويستريح النَّاس من ظلمه
وأنشدني لنفسه يصف الخمر:
ومدامة رقت فعيش نديمها
…
ممَّا يكدِّره الزَّمان مروَّق
وأنشدني لنفسه فيها أيضًا:
حمراء تعقب شاربيها راحة
…
فلأجل ذلك سميت بالرَّاح
طاف السُّقاة بها علينا في الدُّجى
…
فجمعن بين اللَّيل والإصباح
وأنشدني لنفسه في صديق له يلقب بالكمال، وعبد الرحمن يلقب البدر
فقال في ذلك:
يا ابن هلال الكمال أضحى
…
قدري وضيعًا وكان عالي
صاحبته فاكتسبت ذلًّا وكنت من قبل ذا دلال
والبدر لا يعتريه نقص
…
إلا إذا لاذ بالكمال
وقال في إنسان يعرف بكتيع، وله غلام اسمه شمعة، كتبها على طريق المداعبة إلى صديق له:
هام الكتيع بشمعة فنهاره
…
مع ليله عن ظهره لم ينزل
فاعجب لأسفل شمعًةٍ يطفا به
…
طول الزَّمان لهيب ذاك المشعل
وله وقد أحالوه بحوالة على إنسان يعرف بالقمر:
قل للصَّفيِّ ومن أنامل كفِّه
…
تغني إذا بخل الغمام عن المطر
كيف السبيل إلى الشَّعير ودونه
…
الشَّعرى وأخذ حوالةٍ عند القمر؟
وقال يهجو:
وكيل بيت المال قد أصبح النـ
…
ـجم وكم من حوله حاما
فهو لبيت المال أهل إذا أسقطت من آخره لاما
واخيبة الآمال في عصره
…
وضيعة الأموال إن داما
وقال يهجو أهل الموصل:
تجنب مصاحبة الموصلِّي
…
فإنَّك من تركها تربح
فلو قيل للكلب يا موصلي
…
لما عاد من بعدها ينبح
وله في ابن عنين الشاعر، حين تقلد الوزارة للملك المعظم عيسى ابن أبي بكر بن أيوب صاحب دمشق، وفي وفي البهاء ابن المتنبي، لما تولى دار الزكاة:
أرى ابن عنين والبها مذتولَّيا
…
على النَّاي ولَّى الخير عن كلِّ مسلم
فوالله يا عيسى بمن شئت منهما
…
بعثت ولو كنت المسيح بن مريم
وقال يهجو أصحاب الملك الأشرف مظفر الدين موسى بن أبي بكر:
جماعة عند موسى ليس عندهم
…
فضل ولا فيهم خير لمخلوق
ابن المحوّر والدُّخوار والفلك الـ
…
ـمصريُّ وابن جريرٍ وابن مرزوق
وقال يهجو مدينة إربل:
إربل دار الفسق حقًا فلا
…
يعتمد العاقل تعزيزها
لو لم تكن دار فسوق لما
…
أصبح بيت النَّار دهليزها
وقال فيها أيضًا:
وقال فيها أيضًا:
إربل دار الظَّلم لا أخصبت
…
ولا أشاد الله بنيانها
لو لم تكن بلدة سوءٍ لما
…
أصبح بيت النَّار عنوانها
وقال يهجو الفصيح الشاعر:
إن يشا رزقنا الذي نحن فيه
…
عدم الظَّلُّ عنده والهواء
مثل وجه الفصيح أسود مذمو
…
م قبيح الصِّفات ما فيه ماء
وقال:
رأس الضِّيا بلسان الحال يخبرنا
…
بما جنت كفُّ محيي الدِّين في الماضي
فاعجب لرأس وزيرٍ دأبه أبدًا
…
يروي أحاديث صفعٍ عن يدي قاضي
عبد الرَّحمن بن وثَّاب بن نصر الله ين وثَّاب بن أبي المنيع زمام بن هبة الله بن أحمد بن سعيد بن أحمد بن سعيد بن العبَّاس بن سعيد بن مشرف بن معاذ بن معارك بن عامر الصِّيهان بن كعب بن عبد بن أبي بكر بن كلاب بن ربيعة بن عامر بن صعصعة بن معاوية بن بكر بن هوازن بن منصور بن عكرمة بن خصفة بن قيس بن عيلان بن إلياس بن مضر بن نزار بن معدِّ بن عدنان، أبو القاسم البزاعي:
وبزاعا قرية قريبة من حلب، وهي أشهر قراها.
وجده سعيد بن العباس بن سعيد هو أخو أبي موسى محمد بن العباس بن سعيد، كان الأمير المستولي على حلب وأعمالها في زمن أحمد بن طولون، وقد امتدحه أبو عبادة البحتري بالقصيدة السينية التي أولها:
(أقام كل ملث الودق رجاس"
وهي من فرائد قصائده وأشهرها، وأبو القاسم أخبرني بحلب المحروسة أنه ولد ببزاعا في شهور سنة ست وثمانين وخمسمائة، وسمع الحديث الكثير بحلب، ودمشق، وبيت المقدس، والموصل، وحرّان، ومكة –حرسها الله تعالى- والمدينة، وبغداد، من أصحاب أبي الوقت، وحفظ القرآن الكريم، ودرس فقه الإمام الشافعي على الشيخ فخر الدين بن عساكر الدمشقي، حتى أتقن معرفته دراسة وفهمًا، وقرأ الخلاف والأصول، وتولى القضاء ببزاعا في سنة إحدى عشرة وستمائة، وأقام بها أيامًا قلائل، ثم عزل نفسه منها، ثم قدم حلب، وتولى الحسبة بظاهرها بالحاضر السليماني من سنة أربع وعشرين وستمائة، وكفّ بصره في سنة ثلاث وثلاثين وستمائه، ولم يعزل عنها، ثم أقام نائبًا عوضه في الحسبة، ثم رتِّب معيد درس الإمام عماد الدين أبي المجد إسماعيل بن هبة الله بن سعيد بن باطيش الفقيه المدرس الموصلي، بالمدرسة النورية المعروفة بالعِّزيَّة، ويختلف إليه جماعة من الفقهاء يشتغلون عليه، وهو رجل قصير، أشيب، ضرير، عالم فاضل، شاطر مناظر، له أشعار، أنشدني منها، وأنا سألته ذلك، وزعم أنه [قال] ذلك ارتجالًا:
ندبت إلى نظم القريض تأسِّيا
…
بأهل النُّهى والعلم والجود والفضل
فقلت ارتجالًا ليس لي رتبة النُّهى
…
ولا لي شعر يجتنيه أخو النِّقل
ولكنَّني صاحبت قوما أفاضلًا
…
بهم يقتدى في كلِّ عقد وفي حلِّ
فأجهدت نفسي في اقتباس علومهم
…
لعلي أنجي النَّفس من ورطة الجهل
فمن رام مِّني غير هذا فإنَّه
…
كطالب خفض العيش في زمن المحل
عبد الرَّحمن بن أبي بكر بن يوسف بن بختيار، أبو سليمان البلخي والدًا، الكرخيني مولدًا ومنشًا:
اعتنى بعلم الحديث وسماعه، فتوجه إلى مدينة السلام سنة أربع عشرة وستمائة، فسمع على مشايخها كثيرًا، وحصل منه جملة، وكان متعلقًا بخدمة بعض أمراء إربل، فارتحل أستاذه إلى مرت منولاية إربل، وهو في صحبته، فبقي بها مدة إلى شوال سنة إحدى وعشرين وستمائة. فحين جاء التتر –خذلهم الله تعالى- بنواحي إربل، فقتلوا خلقًا عظيمًا، وسبوا، فاستشهد في جملة من كان في ذلك الوقت، وذلك في التاريخ المذكور –رحمه الله تعالى-
أنشدني لنفسه بإربل من قصيدة أولها:
برح الخفاء وبان صبر الواله
…
فإلى م قلبك لا يرقُّ لحاله؟
حمَّلته عبء الغرام وجرت في
…
شرع الهوى وعدلت عن آماله
يا أيها الرَّشا الرَّشيق ومن به
…
عذب العذاب وطاب مرُّ دلاله
عد بالوصال وعدِّ عن هجري وجد
…
بالودِّ وارث لمدنف بخياله
حتى م تمنحني البعاد تعمُّداً
…
ويظلُّ طرفك راشقي بنباله
وعلام تقتل عاشقًا هجر الكرى
…
لمّا هجرت وصدَّ عن عذَّاله
يصفو إذا هبَّت صبًا فتزيده
…
وصبًا فصبُّ الدَّمع أحسن حاله
ويشوقه مر النَّسيم إذا سرى
…
عبقًا بنشر ربى العقيق وضاله
يا صاح عج بالظعن منعرج اللوى
…
ورد العذيب سقيت عذب زلاله
واستعطف الرَّشأ الأغن لمغرمٍ
…
ظامٍ إلى مارقَّ من سلساله
وأنشدني لنفسه في الخمر:
قم هاتها قهوةً تجلو دجى الظُّلم
…
وسقِّنيها ولو في الأشهر الحرم
/244 ب/
ذر الملام فقد لجَّ الغرام بها
…
هات المدام وسل ما شئت واحتكم
بكر تحدِّث عن عاد بلا كذب
…
وعن ثمود بلا شكٍّ وعن إرم
حمراء قانية تعطيك إن قرعت
…
بالمزج درًّا نظيمًا غير منفصم
ليس السُّرور الذي [تعطي] بمنقطعٍ
…
ولا النَّعيم الذي تولي بمنصرم
تقدَّست ذاتها عن أن يحيط بها
…
وصف ونعت سوى الموصوف في القدم
يديرها خنث الأعطاف ذو هيفٍ
…
مشوبةً برضاب سلسلٍ شبم
أحوى حوى الحسن والإحسان شيمته
…
تغنيك نغمته عن سائر النغم
عبد الرَّحمن بن منصور بن أبي بكر بن منصور بن الحسين بن ثامر القنطريُّ الإربليُّ:
شاب طويل أبيض اللون مشرب حمرةً، من أبناء القضاة، اعتنى بقول الشعر وعمله، من غير أن يشتغل بالأدب، فصار له طبع في إنشائه.
أنشدني لنفسه يمدح الصاحب الوزير شرف الدين أبا البركات المستوفي بإربل –أدام الله سعادته- ويعتذر إليه من شيء بلغه عنه:
أما وأيام وصلٍ بالحمى سلفت
…
وما مضى من ليالي الشعب والعلم
ومنزل باللِّوى أقوت معالمه
…
من الغواني ذوات الدَّلِّ والنعم
وما علا فوق أكوار المطيِّ ومن لبَّى ومن طاف حول البيت والحرم
لو أن لي كبداً تشتاق غيركم
…
خرجت عنها وهذا أعظم القسم
فقد حملت من الأشواق جلَّ هوى
…
لو قام رضوى بجزءٍ منه لم يقم
أكابد النَّوم في تلقاء طيفكم
…
لولا رجا طيفكم في الحلم لم أنم
ومنها في المدح:
مولاي يا شرف الدِّين الذي شرفت
…
به الأماجد من عرب ومن عجم
يا معدن الجود قد وافاك عبد وفا
…
معوَّد منك بالإحسان والكرم
معفِّرًا فوق ترب الأرض وجنته
…
خزيان يقرع أسنانًا من النَّدم
ومنشدًا بيت شعرٍ كان فاه به
…
نجل النميري في أيامه القدم
إقبل معاذير عبد جاء معتذرًا
…
يثني عليم بما أوليت من نعم
وأنشدني أيضًا لنفسه:
أحنُّ إلى رند الحمى ويشوقني
…
عرار بنعمان على العلم الفرد
يذِّكرني أيام وصلٍ تصرّمت
…
ونحن على شاطي الأجيرع من نجد
ولست كمن يشتاق دعداً وزينبًا
…
ولا أنا مشغوف بميلٍ إلى هند
ولكنني أهوى عذارًا مزرَّدًا
…
وأزهد في سعدى وأرغب في سعد
وضمِّ رشا عذب المراشف أشنبٍ
…
إلى وجنتيه تنتمي حمرة الوردً
لذيذ التَّجنِّي مائس القدِّ اهيفً
…
مليح التَّثنّي مشرق الثَّغر والخدَِّ
نعمت به عصرا مضى ليت أنني
…
قضيت نحبي قبل أن يقضين بعدي
فللَّه كم عانقته في عشيَّةٍ
…
وكم بات يسقيني حساريقه الشَّهد
وأنشدني أيضًا لنفسه:
حبَّذا حيٌّ على كاظمةٍ
…
صرعت غزلانه أسد الشَّرى
عوِّدت آرامه سفك الدِّما
…
فتقلًّدن عقيقًا أحمرا
عبد الرَّحمن بن عمر بن بركات بن شحانة، أبو محمَّد الحرَّانيُّ:
المحدِّث المؤرِّخ.
سمع الحديث الكثير بالشام، والعراق، وديار مصر، ولقي مشايخ العلم، والأدب، والحديث، وأخذ عنهم، واستفاد منهم، وكتب، وحصل وجمع، وألّف بحرّان تاريخًا كبيرًا ذا مجلدات عدة، وله شعر، وكتب لي إجازة بخطه.
أنشدني أبو الفتح محمد بن بدل التبريزي النيسابوري –رحمه الله تعالى- قال: أنشدني أبو محمد عبد الرحمن بن شحانة لنفسه:
يا قاتلي لو أنَّ قلبك جلمد
…
وشكوت أشواقي لرقَّ الجلمد
فيك اكتسيت الذُّلَّ بعد مهابة
…
وبك اشتفى منِّي العدى والحسَّد
وسهرت في حبِّيك ليلي لم أنم
…
أتراك مثلي ساهرًا لا ترقد؟
ويلاه من نارٍ بقلبي أضرمت
…
ما إن لها إلا رضابك أبرد
وقسىِّ سحر من لحاظك فوِّقت
…
فأصيب قلبي المستهام المكمد
ودمي بخدِّك قد أقرَّ بقتلتي
…
فعلام يا مولاي جفنك يجحد؟
عبد الرَّحمن بن حمد الإسعرديُّ:
شاعر من أهل إسعرد، ضعيف الشعر، مشهور ببلده.
أنشدني خاصبك بن غازي بن طغلي قال: أنشدني عبد الرحمن لنفسه من جملة أبيات أولها:
ما شمت بالجزع برقًا أو شممت صبا
…
إلا وهيج لي تذكاركم وصبا
يا نازحًا عن جفونٍ قلَّما رقدت
…
ومدمعٍ مذنأيتم قلَّما نضبا
أنهنه الدَّمع كي أطفي به حرقي
…
فلا يقلُّ ولا يفكُّ منسكبا
وما سمعنا بنار كلًّما طفيت
…
بالماء تزداد إلاًّ زفرتي لهبا
أحبابنا بليالينًا بخيف منى
…
بالأبرقين بعيش بالحمى ذهبا
هبوا لنا من هبوب الرِّيح رائحةً
…
من نشركم نفحةً نشفي بها الكربا
ومنها يقول يخاطب الممدوح:
ظننتهم لك نوَّابًا وما برحوا
…
في جمع مالك لمَّا حكِّموا نوبا
فاستكشف الأمر يا ابن الأكرمين فما
…
من الجماعة إلَاّ من شنا وسبا
لا يخدعوك بما صاغوه من ملق
…
وزخرفوه على أغراضهم كذبا
قد أضرموا في الورى بالظُّلم مسعرةً
…
فاجعلهم لسعيرٍ أضرموا حطبا
لا تتق الله يومًا في عقوبتهم
…
فليس يهزم من لله قد رقبا
عبد الرَّحمن بن محمد بن عبد العزيز بن نصر بن عبد العزيز بن نصر بن عبد الله بن إسماعيل بن إسحق بن محمَّد بن أحمد بن إسماعيل بن سويد بن مالك، أبو المحاسن الخطيب المرندي:
هكذا أملى عليَّ نسبه.
كان أجداده خطباء مرند على المنابر، وخطابته في عقبهم تتردد إلى زماننا هذا.
رأيت أبا المحاسن بمدينة إربل سنة ست وعشرين وستمائة، وردها مستميحًا نوال سلطانها الملك المعظم نظفر الدين أبي سعيد كوكبوري بن علي بن بكتكين –رضي الله عنه ومنتجعًا جدواه.
وأنشدني لنفسه في التاريخ [المذكور] قصيدة في الملك المعظم مظفر الدين، وسمعت من لا أشك في حديثه، أنَّ الشعر الذي يأتي به ليس له، إلَاّ أنَّه يسرقه ويمدح به الناس، والله أعلم.
ثم شاهدته بحلب، وبدمشق، وكان رجلًا من أشد الناس حرصًا على حطام الدنيا، يجول البلاد، ويرحل إلى الملوك يسألهم ويدخل معهم في الأمور الجدية والهزلية بكل طريق فيختارون حينئذ منادمته، لما يشاهدون منه، فتارة يوهمهم أنه خطيب، يخطب على المنبر أيام الجمع ومرّة بصنعة الطرب، والغناء، وأخرى بقول الشعر والاستجداء به، وغير ذلك.
وكان يزعم أنَّ له فصولًا وعظية من إنشائه، ولم يكن عنده مما يزعم شيء، وذكر لي أنه ولد بمرند في سنة تسع وثمانين وخمسمائة. ومات بحلب في صفر سنة أربعين وستمائة.
ومما أنشدني وزعم أنه له، القصيدة التي تقدم ذكرها، وأوَّل القصيدة:
السَّعي في طلب العلياء لا الغزل
…
والمجد يبنى على الخطيَّة الذُّبل
والعزُّ ما قاد نحو الهمِّ صاحبه
…
وما عداه فأنفاس على علل
إن كنت تشكو إلى ورد الحمى ظمأ
…
فاسق الحسام دمًا رطبًا على نهل
من لم يخض لجة الأخطار مبتدرًا
…
عدَّته أقرانه في معشر عطل
إذا تدرَّع جنح اللَّيل ظلمته
…
نضوت كالصُّبح عزمًا غير مرتحل
أنَّى أجوب على هوجاء جائية
…
ظلَّت يضلُّ بها هادي بني ثعل
وجناء جنِّيَّة الأخلاق طائشة
…
تلاحق الوحش إدراكًا على كلل
وقد تمطَّيت للإدلاج يعملةً
…
حنَّت على كللٍ وجدًا إلى كلل
أجتاب بيدًا من الأيَّام ملتمسًا
…
ميامن الغزل لا بيتًا من الغزل
ومنها قوله:
حتى إذا عالج النُّور الدُّجى سحرًا
…
تعانق الصُّبح منه نفس مرتحل
وأقبل الأشهب الخقَّاق ملتقطًا
…
[يجري] على حدق الجوزاء والحمل
والشمس تمحو من الظَّلماء آيتها
…
كمحو كهف المعالي ككبري بن علي
[297]
عبد الرَّحمن بن أبي الحسن بن عليٍّ بن عيسى بن أحمد بن يعرب البوازيجيُّ:
رأيته بإربل سنة ثلاثين وستمائة، شابًا طويلًا أشقر، ذا هوج وطيش، كثير الدعاوى في فن النظم والنثر، مفتخرًا بنفسه:
أنشدني له يمدح الصاحب الوزير شرف الدين أبا البركات المستوفي –رحمه الله تعالى-
باكر اللَّهو يا أخا اللَّذات
…
واغتنم غفلة الزَّمان المواتي
قم بنا نصرف الهموم بصرف من عصير الرُّهبان والرَّاهبات
قبل أن يفطن الزَّمان ومن قبـ
…
ـل وقوع المشيب بالشَّعرات
خذ من اللَّهو ما استطعت ومن أيـ
…
يام شرخ الشباب قبل الفوات
لا تؤخِّر يوم السُّرور ففي مقـ
…
ـدار لحظ تنبُّه الحادثات
فإلى كم أرى توانيك في الشُّر
…
ب مع الشَّرب يا أخا التُّرًّهات
إن تكن تبت يا نديمي واقلعـ
…
ـت عن الخمر بعد هاك وهات
فانفض التَّوبة التي تبت واطلب
…
حانة الخمر بالفتى والفتاة
واصطبح كالعقيق لونًا وكالعنـ
…
ـبر نشرًا يفوح بين السُّقاة
قهوًة تجلب السُّرور وتنفي
…
الهمَّ قسرًا وتطرد الكربات
مرَّة تستطاب طعمًا ومن عجب
…
شيء مرٌّ من الطيِّبات
بزلوها واللَّيل داج فلاحت
…
من بعيد كالنجم في الظُّلمات
طاف يسعى بها علينا من التُّر
…
ك غرير مورَّد الوجنات
حاز كلَّ الصِّفات حسنًا كما حا
…
ز المعالي طرَّاً أبو البركات
قد هززناه للنَّدى فانثنى غصـ
…
ـنًا رطيبًا عذب الجنى للجناة
وقصدنا جنابه فوجدنا
…
هـ غزير العطا كثير الهبات
جلَّ في الجود عن شبيهٍ فقد أصـ
…
بح فردًا في الجود والمكرمات
وتعالى عن المديح فقد جا
…
وز حدَّ الثَّنا وحدَّ الصِّفات
عبد الرَّحمن بن أبي الفوارس المخزوميُّ:
خبِّرت أنَّه من عقر الحميدية، من أعمال الموصل، ولم أعرف من حاله شيئًا لأثبته عليه، وقع إليّ من قوله قصيدة طويلة يمدح بها المولى المالك الرحيم، بدر الدنيا والدين، عضد الإسلام، سلطان المسلمين، شرف الملوك، تاج السلاطين، أبا الفضائل أتابك طغر لتكين بلكا، نصير أمير المؤمنين- أنفذ الله أمره، فما رأيت إيرادها بجملتها لطولها، وتعسف ألفاظها، وركة نظمها، فاقتصرت منها على ما اخترته من أبياتها، فإنني لم أر الإخلال بها، لكونها نظمت في معاليه، ففيها يقول:
يا أيُّها الملك العالي مناقبه
…
وصاحب الفضل هاك الفضل فانتقد
واسرح بطرفك في أطراف جنته
…
فأنت والله فينا بيضة البلد
أنت الذي هجر الياقوت مفتخرًا
…
بأحمد وكذاك البحر ذو المدد
أبو الفضائل بدر الدِّين حاتم هذا
…
العصر بل كعبة في البذل والصَّفد
أعطيت حتَّى فضلت البحر موهبةً
…
وصلت حتى فضحت الصٍّيد فاقتصد
مآثر لك لا تحصى فضائلها
…
عدَّ النُّجوم ومن بيض العطا تسد
والحق بدوحتك الغنَّاء واسم إلى
…
العلا واعل إلى ما شئت من أمد
واجلس على تختك الميمون سدَّته
…
واقص العدا واعتصب بالتَّاج واستند
واحكم ومر وانه واسلم ما عليك يد
…
محسَّد المجد مأمونًا من العند
ولا تخف حدَّ ناب ناب أو ظفرٍ
…
فسعد جدك ما ينفكُّ في صعد
واستعبد النَّاس بالإحسان سالمك الـ
…
ـزمان فالدَّهر ما يبقي على أحد
فخير ما ادَّخر الإنسان من حصن
…
حمد يضوع سناه آخر الأبد
فأنت يا خير من تحذى النِّعال له
…
عين الكمال الّتي لم ترم بالرَّمد
[299]
عبد الرَّحمن بن أبي غانم بن إبراهيم بن سندي بن أبي الحسين بن
منصورٍ، أبو الفضل الخفاجيُّ:
من أهل حلب، هكذا نسب لي نفسه لما سألته عنه، وأنَّ أصله كان من بني خفاجة، من عرب الشام.
روى عن أبي الحسن علي بن الحسن المعروف بشميم الحلي، وحماد بن خليفة، وأبي الحسن الفراء الدمشقي وغيرهم من الشعراء الشاميين.
شاهدته بحلب المحروسة، شيخاً /250 أ/ كبيراً، وروى عن جماعة من الذين أدركهم، وأخبرني أنَّه ولد يوم الأربعاء ضاحي نهاره سنة ست وخمسين وخمسمائة، وتوفي في أوائل شهر صفر سنة أربعين وستمائة بحلب، وزعم أنه لم يشتغل بشيء من علم العربية والأدب والإقراء، [ولكنه مع ذلك كان] ينظم الأشعار بصحة ذوقه، وسلامة طبعه، ووجدته إذا أنشد يتحرَّى من اللحن، قلّ أن يلحن.
وكان رجلاً تاجراً، يسافر في البلاد للتجارة من الشام إلى العراق، وديار مصر، وهو ذو طبع حسن في إنشاء الشعر، وخاطر سهل، من المشايخ الظراف، يحكي الحكايات النادرة من حظفه، ويتشيع، ويذهب مذهب الإمامية.
أنشدني من شعره قوله بحلب المحروسة: [من الطويل]
ولمَّا برزنا للوداع وأحدجت
…
جمالٌ وزمَّت للترَّحُّل نوق
وبان خليطٌ عن خليطٍ ورجَّعت
…
حداة المطايا واستقلَّ فريق
ولم يبق إلَاّ ظاعنٌ أو مشيِّعٌ
…
جرى من جفوني في العقيق عقيق
وعدت كأنِّي منتشٍ من مدامةٍ
…
وسكران خمر الوجد ليس يفيق
/250 ب/ أردِّد طرفي في ربوع ديارهم
…
وإنسان عيني بالدُّموع غريق
وأنشدني أيضاً لنفسه: [من الطويل]
أشاقك ربعٌ بالغوير محيل
…
عشيَّة زمَّت للقطين حمول
سروا فأذاب القلب حرُّ فراقهم
…
فأصبح دمعاً في الخدود يسيل
أحبَّتنا لا حلت عن حفظ عهدكم
…
ولا لام فيكم كاشحٌ وعذول
وكم يدَّعي مثلي هواكم تصنُّعاً
…
يقول لدى قاضي الهوى وأقول
وأشتاق ريَّا أرضكم فعسى بها
…
يبلُّ عليلٌ أو يبلُّ غليل
وأنتم وإن شطَّت بكم غربة النَّوى
…
بقلبي لا وادي العقيق نزول
وإن أوحشت منكم ديارٌ أنيسةٌ
…
فأنتم إذاً بين الضُّلوع حلول
وأجفان عيني مذ بعدتم قصيرةٌ
…
وليلى مذ شطَّ المزار طويل
ولا القلب تهدا مذ هجرتم جفونه
…
ولا الصَّبر من بعد الفراق جميل
وأنشدني لنفسه: [من الرمل]
عدِّ عن لومك لي يا من عذل
…
حسن صبري مذ نأى الحبُّ رحل
وغدا قلبي في إثرهم
…
حاملاً ثقل الهوى فيما حمل
ولكم ناديت في الحيِّ وقد
…
فعل الشَّوق بقلبي ما فعل
/251 أ/ يا لقومي طلَّ في الحبِّ دمي
…
بقدود السُّمر لا سمر الأسل
ولحاظ عجبي من سيفها
…
لم يفارق جفنه كيف قتل؟
حرَّم الشَّرع الدِّما في حكمه
…
فدمي يا ليت شعري كيف حل؟
يا حداة العيس إن سرتم بهم
…
فاعدلوا بالظَّعن عن سفح الجبل
وإذا جزتم على كاظمةٍ
…
فانشدوا قلبي في تلك الحلل
فبها سرب ظباً آجالها
…
راتعاتٌ بعدها يدني الأجل
فيهم بدر جمال ما بدا
…
للورى إلَاّ على البدر الخجل
قد تقضَّى العمر فيه بعسى
…
وبسوف وبربَّ ولعل
وأنشدني أيضاً لنفسه من قصيدة أولها: [من الكامل]
يا دار جادتك الدُّموع سجام
…
وسقاك من سحب الجفون غمام
وحباك خفَّاق النَّسيم مسرَّة
…
ورعى أناساً كان فيك أقاموا
عهدي بهم مثل الأهلَّة ما بدوا
…
إلَاّ تجلَّى غيهبٌ وظلام
أنأتهم أيدي الفراق فأصبحوا
…
بعد النَّوى وكأنَّهم أحلام
واستوطنوا داراً بمنعرج اللِّوى
…
منِّى عليها ما حييت سلام
حلّوا بها فتأرجت أكنافها
…
طيباً وحالت دونها الأيام
/251 ب/ وأنشدني أيضاً لنفسه من أبيات يصف فيها مجلساً في يوم ثلج:
[من الكامل]
وكأنَّ وجه الأرض وجه خريدة
…
برزت لنا في حلَّة بيضاء
والنار يحكي لونها ما بيننا
…
شمساً للغرب عند مساء
وكأنَّ نرجسنا عيون حاذرٍ
…
يسرقنا نظراً من الرُّقباء
وكأنَّما الأترجُّ يحكي لونه
…
لون المحبِّ إذا رمي بتناء
ولنا مغنٍّ إن شدا كحمامةٍ
…
وإن انثنى كأراكةٍ خضراء
يسقي النَّدامى من كؤوس رضابه
…
خمراً تنوب لهم عن الصَّهباء
كم قد أمات العاشقين بهجره
…
وأعادهم بالوصل في الأحياء
مع فتيةٍ وقفوا على كسب الثَّنا
…
أرواحهم فلهم بذاك ثنائي
غرر الزَّمان وجوههم وأكفُّهم
…
تغني العفاة بها عن الأنواء
جادوا وقد ضنَّ الورى بنوالهم
…
سمحوا وقد بخل السَّحاب بماء
[300]
عبد الرَّحمن بن إبراهيم بن أبي عليِّ بن إبراهيم الحلبيُّ:
كان جندياً في خدمة الأمير حسام الدين /252 أ/ طمان بن غازي بن بلمن بن تنجول، من جبل سلور بحلب، رأيت له أرجوزة تاريخية لمدة ستين سنة هجرية، أولها سنة تسع وستين وخمسمائة، وآخرها إلى سنة ثمان وعشرين وستمائة، تدخل في مجلدين، أولها:[من الرجز]
أقول باسم الواحد الحميد
…
الصَّمد المهيمن المجيد
أحمده حمداً كثيراً لم يزل
…
متَّصلاً بين الغدوِّ والأصل
ثمَّ صلاة الله والسَّلام
…
على الذي قام به الإسلام
محمد الهادي إلى الرَّشاد
…
قامع أهل الشِّرك والإلحاد
سألتني يا أيُّها الرَّفيق
…
والصَّاحب المساعد الشَّقيق
عن الذي عاينه عياني
…
وكلِّ ما سمعت في زماني
وكلِّ ما شاهدته من العجب
…
فيما تقضَّي من زماني وذهب
وما تهيَّا لي من المشاهده
…
عند لقا الحروب والمطارده
فاسمع حديثاً يستفزُّ السَّامعا
…
يعرفه من شاهد الوقائعا
أقصُّه عليك بالتَّاريخ
…
مطرَّد النَّاسخ والمنسوخ
وذاك عند صحبتي طمانا
…
وقد وجدت عنده إحسانا
/252 ب/ وذاك في العام الذي صحبته
…
في جلِّقٍ أوَّل ما خدمته
وكان ذاك العام في البدايه
…
تسعاً وستِّين وخمسمايه
والنَّاس يثنون على براعته
…
وعظم ما أظهر من شجاعته
ثنوا على ثنائه الخناصرا
…
وعطَّروا بشكره المحاضرا
وذكره يلذُّ للمسامع
…
ونحوه يشار بالأصابع
وهي طويلة جداً، عدد أبياتها أربعة آلاف وسبعمائة وبيت. وقال لما ختمها هذه الأبيات:[من البسيط]
الحمد لله رِّبي فهو يسَّرني
…
لنظم أرجوزةٍ جاءت على قدر
وسمتها بطمانٍ إذ أشار بها
…
ثمَّ استمرَّت فكانت سيرة السِّير
وشَّحتها بفنونٍ من حوادثها
…
من المواعظ والآداب والعبر
فلو رآها وقد جاءت موافقةٌ
…
نظم الجمان مع المرجان والدُّرر
ألفاظها لمعانيها مجانسةٌ
…
في الاتَّحاد امتزاج النُّور بالبصر
وكالهيولى الأوالي وهي واحدةٌ
…
عند القبول لأنواعٍ من الصُّور
إذاً تحقَّق أن الله أنطقه
…
بما يكون قبيل الكون في البشر
/253 أ/ والله يهدي القلوب المستنيرة بالإ
…
شراق كالشَّمس تهدي النُّور للقمر
فيدركون بنور الحقِّ عن كثبٍ
…
بعد الحوادي في مستقبل العصر
[301]
عبد الرَّحمن بن عثمان بن منصورٍ بن أبي الفوارس الإربلي، أبو زيد:
كانت ولادته في حدود سنة ست وثمانين وخمسمائة، شيخ من أهل إربل، خرج عنها، وأقام بحلب المحروسة، يتعيش في سوق البز، له قريحة في عمل الشعر، وطبع، وكنت أغشى حانوته كثيراً، وينشدني من أشعاره.
ومما أنشدني لنفسه، وكتبها إلى تاج الدين الوزير يوسف بن عبد الله بن علي بن شكر يعاتبه:[من الكامل]
يا سيِّد الوزراء إنَّ قضيَّتي
…
قد اشكلت وعليك حلُّ المشكل
أبعدتني وأنا القريب وليس لي
…
ذنبٌ يقال فكيف لي لو أنَّ لي؟
لكنَّما عثمان كان مصاحبي
…
فرفضته وعدلت عنه إلى علي
وأنشدني لنفسه أيضاً ما كتبه إليه: [من الخفيف]
/253 ب/ كم رقاعٍ كتبتها لك نظماً
…
ورقاعٍ كتبتها لك نثرا
ودعاءٍ حفظته لك سراً
…
ودعاءٍ رفعته لك جهرا
وشكاوى فضحت فيها وأوضحـ
…
ـت ولم أحتشم وألمعت عذرا
لم تفدني شيئاً وغالب ظني
…
أنَّ مولاي مضمرٌ لي شرَّا
ودليلي الحرمان منك وإحسا
…
نك عمَّ البلاد براً وبحرا
وأنشدني لنفسه في صديق كان له، واتفق أنه كان مسجوناً، ومنع الناس عن زيارته:[من الخفيف]
لا ترع إن حجبت عن أعين النَّا
…
س فهذا الزَّمان تفنى قطوعه
إنَّ بدر السَّماء ينقص حيناً
…
فإذا ما استسرَّ يرجى طلوعه
[302]
عبد الرَّحمن بن عليِّ بن يحيى بن خالد بن عمران الأمويُّ
الغماريُّ السَّبتيُّ:
ومولده في شوال سنة سبع وثمانين وخمسمائة، ببادية سبتة.
الفقيه المالكي، المدرس المفتي.
تفقه بفاس، وبها تأدب على /254 أ/ الأستاذين زيدان، وابن خروف الأديب النحوي، وبالديار المصرية، وببغداد، والشام، وسمع البخاري، والموطأ، والسنن، ومسلم بفاس، وتفنن في علوم شتى من الأصولين، والخلاف، والحساب، والفرائض، وعلوم أخر، وقيل إنَّه استظهر على ثلاثين ألف بيت من الأشعار العربية.
فمن شعره: [من البسيط]
وافى بليلٍ وليل الشَّعر ساتره
…
ظبيٌ غريرٌ غضيض الطَّرف فاتره
على قوامٍ يكاد اللِّين يمحقه
…
لولا الكثيب الذي ضمَّت مآزره
حلو الشَّمائل مكحولٌ مدامعه
…
ولم تغمَّض على كحل نواظره
كغرَّة البدر إشراقاً محاسنه
…
ولمحة البرق إيماضًا سوافره
إذا رنا فسيوف الهند نابيةٌ
…
في مضربيها ولم تنب بواتره
وإن سطت فعلى الأجساد سطوتها
…
وسيفه في صميم القلب شاهره
كأنَّما بابلٌ من سحر مقلته
…
وقد حشاها به هاروت ساحره
كأنَّ فاحمه والطِّيب غامره
…
ريش الغراب إذا التفَّت غدائره
يقبِّل الأرض من اجلال ساحبه
…
إذا تعثَّر فيه وهو ناشره
ووجنتاه كروض الورد باكره
…
طلٌّ فلم يعد أن راقت بشائره
/254 ب/ والثَّغر كالدُّرِّ لا بل من ملاحته الدُّرُّ النَّفيس إذا ما عدَّ فاخره
والرِّيق كالشَّهد أو طعم العقار إذا
…
ما عاقر اللُّبَّ يوماً فهو عاقره
لو أنَّ من في حبيس الدَّار اسمعه
…
منه حديثاً لأضحى وهو آسره
أو راء ميتاً وذاك الميت في كفنٍ
…
في قعر لحدٍ لأمسى وهو ناشره
وأنشدني لنفسه في الحمى: [من الطويل]
سرت كالخيال لا حسيسٌ ولا نبح
…
فوافت فراشي عندما اتَّضح الصُّبح
وقد سمحت بالوصل والصُّبح مسفرٌ
…
ونجم السَّماك طاح من كفِّه الرُّمح
وألقت عصاها واستقرَّ بها النَّوى
…
وحلَّت بجسمي فاستبان لها البرح
تعانقني بالرَّغم لا عن مودَّة
…
عناقاً يرى كالذبح أو دونه الذبح
وقد صار وصفي الخفض والضمُّ وصفها
…
ولم يقترب منَّا سكونٌ ولا فتح
وأصبحت منكوحاً لها وهي ناكحٌ
…
ويا من رأى أنثى يكون لها نكح
أجازت نكاح العهر من غير شرعةٍ
…
كفعل النَّصارى لا طلاقٌ ولا صلح
وأنشدنا لنفسه: [من الكامل]
عبث النَّسيم بيانه وبهاره
…
واستمطر الكافور من نوَّاره
/255 أ/ وجلا عروساً طيبها وحلُّيها
…
من مزنه وربيعه وقطاره
فسوارها وعقودها وحجولها
…
وبهاؤها من راحتي آذاره
من أحمرٍ شرق وأبيض ناصعٍ
…
ظهرت صفات الحقِّ في أنواره
من نرجسٍ وشقائقٍ وبنفسجٍ
…
يجلو ثياب العجب من أزهاره
والياسمين بها إلى نيلوفرٍ
…
ترنو لواحظه على أنهاره
عرسٌ جنت ثمر السُّرور شهوده
…
لمَّا تشابه ليله بنهاره
فالمسك والجاديُّ من مشمومه
…
والدُّرُّ والياقوت بعض نثاره
وعذابه الشُّحرور ينشد معرباً
…
بلحونه ما رقَّ من أشعاره
يشدو على غصن الأراك تعجُّباً
…
من صوته ومجاوباً لهزاره
حتَّى بكى قمريُّه للبعد عن
…
معشوقه أو إلفه أو جاره
فبكلِّ قطرٍ جئت من أقطاره
…
داود معتكفاً على مزماره
وترى الحباب على الجداول مائساً
…
فعل المتيَّم من شدا أطياره
يجلو علينا الرَّاح أحور شادنٌ
…
طلعت شموس الحسن من أزراره
فالمسك من أنفاسه وكأنَّها
…
من طيبها وقفٌ على عطَّاره
بدرٌ [يضيء فيختفي من دونه]
…
بأفوله وكسوفه وسراره
/255 ب/ لا تهتدي أن تعلق الشمس المنيـ
…
ـرة من ملاحته بذيل غباره
والفكر إما قام بين ثيابه
…
مستغرقٌ عن خمره بخماره
فالرِّيُّ كلُّ الرِّيِّ في أردافه
…
والمحل بين نطاقه وإزاره
يتفرُّ عن برد نضيد نظمه
…
كالبرق حال وميضه ومطاره
وإذا دنا فالسَّيف يقصر فعله
…
حال الضَّريبة عن فعال شفاره
غازلته حتى إذا وخط الدُّجى
…
بالشَّيب فوق جبينه وعذاره
فرمى بسهمٍ ما تكامل نزعه
…
حتى أصاب القلب في أعشاره
ومضى هزيم اللَّيل ينهض خلفه
…
جيش الصَّباح فعاث في أقطاره
ففرى أديم اللَّيل عن شمس الضُّحى
…
فمحا به ما اختطَّ من آثاره
حتى إذا طلعت لغرَّة أيبكٍ
…
شمس الضُّحى أخذ النَّهار بثاره