المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ذكر مفاريد الأسماء في هذا الحرف - قلائد الجمان في فرائد شعراء هذا الزمان - جـ ٢

[ابن الشعار]

الفصل: ‌ذكر مفاريد الأسماء في هذا الحرف

‌ذكر مفاريد الأسماء في هذا الحرف

[206]

سنجر بن المقلد بن سليمان بن مهارش بن المُجلي بن سكِّيت بن قيان بن شغب بن المقلد بن جعفر بن عمرو بن المهيا بن يزيد بن عبد الله بن ىيزيد بن قيس بن حوثة بن طهفة بن ربيعة بن حزن بن عبادة بن عقيل بن كعب بن ربيعة بن عامر بن صعصة بن معاوية بن بكر بن هوازن بن منصور بن عكرمة بن خصفة بن قيس بن عيلان بن مضر/63 ب/ بن نزار بن معد بن عدنان، الأمير أبو الحارث العقيليُّ:

ملك العرب، وشجاعها المقدم، وفارسها المعظم، وله البيت الأصيل، والمجد الأثيل، في اصطناع المعروف، وقرى الضيوف، وكان أميرًا كبيرًا، سيد أسرته، ومتقدمًا على عشيرته.

ومن شعره يفتخر، أنشدني أبو عبد الله محمد بن أحمد بن سعيد الأزري قال: أنشدني محمد بن أبي الفضل العراقي قال: أنشدني الأمير سنجر لنفسه من قصيدة يفتخر فيها: [من الوافر]

أما أنا سنجر وأبى مليكٌ

شعاع الشَّمس نور العالمينا

أنيس مضربي وزفير خيلي

وردِّي عن كريعان الكمينا

كريعان: تصغير كرعان، وهي قبيلة مشهورة من عبادة.

[207]

سعد الله بن أبي الفتح بن معالي بن الحسين، أبو نصر المنيجي.

شيخ فاضل من أهل الأدب والعلم، عارف في فن الأدب، كثير الشعر، وديوان

ص: 97

أشعاره/64 أ/ يدخل في مجلدين، سافر إلى بلاد خراسان، وتوغل فيها، ورزق حظوة من ملوكها، وأقام بها زمنًا طويلًا، ثم عاد قافلًا إلى بلاد الشام، فنزل دمشق، وسكن مسجدها الجامع، وهو مقيم به، ينتمي إلى التصوف، وطريقة الفقر. لقيته به وسألته عن مولده فقال: لي الآن سبعون سنة، وكان سؤالي له في أوائل شهر ذي الحجة سنة تسع وثلاثين وستمائة، وأنشدني كثيرًا من شعره، وأجازني جميع رواياته وأشعاره، ومما أنشدني لنفسه وهو مما كتبه بخطه:[من الطويل]

لكلِّ امريء في كلِّ حادثة تطرا

عليه من الدُّنيا وأحوالها ذكرى

وما المرء في شيء إذا ضاع عمره

ومن طلب الدُّنيا فقد ضيَّع العمرا

يا ربِّ خذ بيدي ها قد مددت بها

إليك إنَّك نعم الجار للجار

يا ربِّ قد قلَّ فيما أنت تعلمه

صبري وقلَّ إلهي فيك أنصاري

تبارك الله لا أهلٌ إلى نار لتحرقني

أحرق النَّار ما عندي من النَّار

/64 ب/ وأنشدني أيضًا لنفسه: [من البسيط]

لست الحريص على الدُّنيا يجادبها

كما يجاذب في الدهوَّة الجعل

يا ربِّ رزقًا كرزق الطَّير ألقطه

لا كالوحوش على الأرزاق تقتتل

وأنشدني الشيخ أبو نصر الله لنفسه: [من الخفيف]

أوضح الخمر في الخلاعة عذي

مذرآني في حانة الخمر أجري

بين قوم لا يعرفون سوى الرَّا

ح عروسًا تجلى بطبل وزمر

ورياحين قام فيها رياحيـ

ـن قدود تاوَّدت كالسُّمر

وندامي غرِّ الوجوه كرام

ينشدني أطراف أغزال شعري

إسقياني إذا ارتدت ظلمة الليـ

ـل رداء من النُّجوم الزُّهر

وإذا الجوُّ صفَّقته رياح

قد تكيَّفن من أفاويح زهر

بنت كرم تغلي الحباب كجمر

يتلظَّى وما علت فوق جمر

كم أتتنا بكف ظبي غرير

علَّها إذا أقلَّها خمر سحر

فانتشت من جفون عينيه سكرًا

غير عهدي وعهدها من سكر

ص: 98

فست في عروقنا ليس ندري

حين تسري من سكرها أين تسري

/64 أ/ وأنشدني لنفسه أيضًا في التاريخ المذكور: [من مخلّع البسيط]

لا خير يا سعد في كثير

ممَّن رأينا ولا قليل

الناس وحل وأنت تدري

مشقَّة المشي في الوحول

إن صدقوك الوداد ملُّوا

وغير مجدودُّ الملول

وإن سعوا كالصِّلال دُّبوا

إليك في الوعر والسُّهول

هذا تداري وذا تماري

وذا تجاري إلى الفضول

بين ثقيل ومستقيل

ومستحيل ومستميل

مصدَّع الرأس بين قال

تسمعه منهم وقيل

وأنت منهم على كثيب

إن عرضت حاجة مهيل

وإنَّهم إن سخوا بفلس

دقُّوا على الفلس بالطُّبول

لا ابتغي منهم خليلًا

وإنَّما درهمي خليلي

رئيسهم ويحهم ضعيف

يجذب في محمل المشي والخمول

ما أحسن المرء ذا كفاف

يُغنيه عن رؤية البخيل

فإن في وجهه عذابًا

يُقطع بالشَّد والرَّحيل

/65/ وأنشدني أيضًا لنفسه وحفظه في التاريخ: [من الخفيف]

أحرق البين مهجتي فتأنَّى

بوقوف على الكئيب المعنَّى

قف لعلِّي أقول والدَّمع يجري

بوشيك الفراق منك ومنَّا

آه ما أقتل الفراق مع الحبِّ

وقول المحبِّ كانوا وكنَّا

كان ذيَّاك ملء عيني زمانًا

فافترقنا وليتنا ما افترقنا

والذي أضحك المحبَّ وأبكا

هـ وأبقاه في هواه وأفنى

ما تمنيت في حضورك شيئًا

أنت كلُّ المنى فما أتمنى؟

عجبًا يا حبيب تزداد حسنًا يملأ العين كلَّما ازددت سنّا

وإذا قوَّم الحقيقة جزء

لزم الذّات أيَّ وقت فرضنا

والذي الجزء منه والكلُّ منِّي

مستحيل زواله إن أسنّا

ص: 99

كلَّما ماس قدُّه الأهيف اللَّد

ن بكأس من المدام علمنا:

أنَّ لله في الشَّمائل سرًّا

ما علمنا أقلُّ مما جهلنا

وأنشدني أيضًا لنفسه من قصيدة فيها: [من الكامل]

/66 أ/ أنا عبده أشكو إليه حبَّه

ما لي إلى أحد سواه شكاة

ما ملَّه قلبي بأية حالة

وهو الحياة وهل تملُّ حياة!

لله ليلة هبَّ حين تواترت

بالدِّيك بعد مؤذن صيحات

يدعو بأسماء النِّدام تنبَّهوا

من نومكم ما هذه الغفلات؟

هبُّوا إلى اللَّذَّات في أوقاتها

فسقاتها قسمًا لهم أوقات

وتغنَّموا شرخ الشَّباب وطيبه

قبل الشَّتات فللشَّتات شتات

يا ضيعة العمر المنام وما لمن

هو نائم عقل ولا لذَّات

فأتى النّديم إلى النّديم وقلبَّلت

فاه النَّديم من الكروم فتاة

أربت على تسع وقارب سنُّها

عشرًا ففيها الشُّوم والبركات

[208]

الساطع بن عبد الباقي بن المحسن بن أبي حصين عبد الله بن المحسن بن عبد الله بن محمد بن عمر بن سعيد بن محمد بن داود بن المطهر بن زياد بن الحارث بن ربيعة بن أرقم بن أنور بن أسحم بن النعمان- ويقال له التالع- بن عديِّ بن عبد غطفان بن عمرو بن بريح بن جذيمة بن تيم الله بن/66 ب/ أسد بن وبرة بن تغلب بن حلوان بن عمرو بن الحاف بن قضاعة لقب واسمه عمرو- بن مالك بن عمرو بن مرة بن زيد بن مالك بن حمير بن سبأ بن يشجب بن يعرب بن قحطان، القاضي الأديب الشاعر، أبو البيان المعريُّ التنوخيُّ:

ص: 100

من شعراء معرة النعمان، وأبناء أفاضلها ومقدميها في كل نوع من العلم، وأماثلها، وكان شاعرًا مجيدًا مداحًا للملوك من بني أيوب، حسن الشعر، لطيف التغزل.

حدثني القاضي الإمام أبو القاسم عمر بن أحمد بن أبي جرادة الحنفي- أدام الله تأييده- من لفظه في شهر ربيع الآخر بمنزله المعمور، في سنة أربع وثلاثين وستمائة قال: أقام الساطع بحلب، ومرض بها، وحمل إلى معرة النعمان، فمات في الطريق بين المعرة وحلب، وذلك سنة إحدى وعشرين وستمائة، سمعت منه هذه القصيدة التائية، ينشدها الملك الظاهر غياث الدين غازي بن يوسف بن أيوب- رحمه الله تعالى- بالقلعة المحروسة في بعض ليالي شهر رمضان/67 أ/ من سنة اثنتي عشرة وستمائة، ويهنيه بولد جاءه، لقبه بالملك الناصر، فاستحسنها الملك الظاهر، و [لا سيما] البيت الذي يذكر فيه: جدوده أم أبوه أم عمومته، وكان ذلك بحضرة البهنسي رسول الملك الأشرف موسى بن أبي بكر بن أيوب- أدام الله سلطانه- ثم أنشدني القصيدة وهي:[من البسيط]

أما لحجِّ تلاقي الحيِّ ميقات

ولا لرمي جمار الهجر أوقات؟

لعلَّ في عرفات من عوارفكم

وصلًا لصبِّ له بالخبت إخبات

فليت يجمعنا جمع ويشعرنا

سعيًا بمشعر تلك الدَّار ساعات

كيما أقوم مقامًا لا أخاف له

نوى فتشرح من حالي مقامات

يا راحلين وقلبي في رحالهم يحدوه إن غفل الحادون روعات

ص: 101

عودوا وإلَّا عدوًا وصلًا بقربكم

فللجميل وللإحسان عودات

عهدي بنا قبل وشك البين يجمعنا

ظلٌّ ظليل وروضات أريضات

في جنَّة سرحت أنهارها وزهت

أزهارها فلها باللَّهو لذّات

تدير فينا شموس الراح في فلك

من الزُّجاجة أقمار منيرات

كرمية كرمت صونًا متى فقدت

حشا الأباريق صانتها الحشاشات

/67 ب/ لو أنَّها كُنيت من حيثما اعتصرت

أمَّ العناصر لم تُخط الكنايات

هوًا وماء ونار والإناء لها

من جوهر التُّرب فهي الاسستقصَّات

ونحن في جنَّة ما فات ساكنها

فيها نعيم ولا واتته آفات

سماؤها الدَّوح يبدو الزَّهر من زهر

وأرضها كيف سار الطَّرف روضات

قد أبدع الله فيها كلَّ رائقة فأوحيت فنواحيها بديعات

ما أعربت قينة إلا شدت طربًا

من أعجم الورق في الأغصان قينات

نمارق وزرابيّ ملفَّقة

نسج الربيع لرابيها أنيقات

كأنَّها دولة الغازي التي كملت

وصفًا فعمَّت رعاياها الرِّعايات

الظَّاهر الظَّاهر المخلوق من ملك

ومن أياديه أنواء مطيرات

تخافه الأسد في الأخياس مشبلة

وتستحي من حياة المستهلَّات

يا أيها الملك السُّلطان لا برحت

تهدى إليك التَّهاني والمسَّرات

هنِّيت بالناصر الثَّاني ودمعت له

ما دامت الأرض تعلوها السَّماوات

ملكٌ أبى الله إلا أن يكون له

جدٌّ كجديه تتلوه السَّعادات

ماذا يقول الذي ما إثره [

]

في مشهد الحمد لو تغني المقالات

جدوده أم أبوه أم عمومته

أم الخؤولة حسبي والتَّحيات؟

/68 أ/ وأنشدني القاضي أبو القاسم بن أبي جرادة قال: أنشدني ساطع لنفسه: [من الطويل]

دعاها فبرق الأبرقين دعاها

أيا حادييها والغرام دعاها

ص: 102

ذراها تباري الرِّيح نحو مرامها

فجذب البرى عما تروم براها

ولا تلوياها أن تحاول باللِّوى

ديونًا لها بعد المزار لواها

ألم ترياها كالحنايا وفي السُّرى

سهامًا ورام بالحنين رماها؟

أنشدني القاضي أبو الفتح منصور بن معالي بن منصور التدمري الشافعي قال:

أنشدني ساطع المعري- رحمه الله هذه الأبيات، وذكر أنه عملها لما دخل حلب بعد موت السلطان الملك الظاهر- قدس الله روحه- وقد تغيرت الأحوال عن ما كان يعهد:[من الوافر]

قفا بي صاحبيَّ على الرُّبوع

لترويها سحائب من دموعي

منازل طال ما كانت لعيني

لياليها كأيَّام الرَّبيع

تصدَّع شعبها وغدت خلاء

من القوم الألى شعبوا صدوعي

/68 ب/ فوالهفي عليها من بدور

تعوَّضت الأفول من الطُّلوع

[وله في ابنة توفيت: [من الطويل]

جزى االه عني

من فقدتها

وإن وجدت وجدًا على فقدها نفسي

غير كفوٍ

... عروقي وعن نكس

..

.... إليه ولاذت بالكريهة والرمس

وقال القاضي ساطع بن أبي حصين: [من الطويل]

تذكر أيام التَّصابي وطيبها

دعاني إلى حبِّ البياض ولبسه

وبيض أعدن البيض عنِّي شوامسا

وشيب رمت ليل الشَّباب بشمسه

ورائعة العينين راعت بأحرف

... يمحو النَّفس كاتب طرسه

أعدَّت لعيني مغنم العيش مغرمًا

وأيُّ نفيس لا يصاب بعنسه؟

ومن يومه أمسى إلى الموت مسلمًا

فمن حقِّه يبكي على فقد نفسه]

وقال أيضًا ابتداء قصيدة أولها: [من الكامل]

طرقتك داعية الصَّبابة تهتف

وهنا تنظِّم سجعها وتؤلِّف

ص: 103

يشجي الخليَّ حنينها بله الَّذي

في صدره ريحُ الكآبة تعصف

يا برق أهد إلى جزيرة قبرس

غيثًا يبيت بها يجود ويغرف

حتى يرى التَّيار في بطمونها

وله به زجل يهدُّ ويرجف

تلك الرُّبوع ظباؤها محروسة

بظبا الصًّوارم والقنا يتقصًّف

وبديعة اللَّحظات زرقة طرفها

من دونها زرق الأسنَّة ترعف

خطرت فقلت السَّمهري قوامها

ورنت فقلت اللحظ سيف مرهف

وتبسَّمت عن واضح لعقودها

رتل عليه من الرُّضاب القرقف

وثنت بجيد جداية لحظاتها

عنِّي ومال بها القوام الأهيف

نظرت مخالسة إليّ كأنَّها

وسني الجفون أو السَّقيم المدنف

يقظى تجور بصدِّها ولدى الكرى

تحنو على الدَّنف الكئيب وتعطف

عجبًا لزائر طيفها أنَّى اهتدى

نحوي ودوني لُجَّةٌ أو نفنف

/69 أ/ آي ابن مريم أوتيت أم نفثة

من طرفها وعُبابها يتخطف؟

لله أشواقي وما ترك الهوى

بحشاشتي من لوعة تتردَّف

ووجدت من شعره ما كتبه إلى القاضي بهاء الدين أبي محمد الحسن بن إبراهيم بن سعيد بن يحيى- أدام الله إقباله-: [من البسيط]

أبا محمد المولى تفضُّله

وليَّه من وليِّ الفضل والكرم

ومن حوى خلقًا كالرَّوض باكره

صوب الغمام وحلم الشِّيب في الحكم

كم منَّة لك عندي لست أكفرها

ونعمة قد أنافت لي على النِّعم

وكتب إليه أيضًا- أيده الله تعالى-: [من البسيط]

وما ذكرتك إلَّا صحت من حرق

يا مقلتيّ على أحبابنا جودي

ولا ذكرت ليالينا التي سلفت

وإلّا وقلت: ليالي وصلنا عودي

ولا تلهبت الأحشاء من كمد

إلا وقلت لها يا لوعتي زيدي

وكتب إليه أيضًا يمدحه- أدام الله إقباله- من معرة النعمان: [من الطويل]

ص: 104

إليك بهاء الدِّين تعثير واحد

على الدَّهر لمَّا أن نأت عنك داره

/69 ب/ عظيم الأسى قد ملَّ منه أساته

مرارًا قريب الودِّ ناء مزاره

متى أسلمت ريح الشّمال بنشركم

طوت نشر صبر ما استقر قراره

فللَّه عيش قد تقضَّى بأرضكم

هو العمر إذ عصر الشَّباب اعتصاره

حياه وحيَّاه حيًا عمَّ ضاله

وأخلت به الأقطار عفوًا قطاره

سقى عهده صوب العهاد ومعهدًا

عهدناه لا يخشى من الجور جاره

بباب مليك قد أبى الله أن يرى

لباب سواه ملكه واقتداره

له شرف لو شرَّف البدر تمُّه

لما غاله عند التَّمام سراره

وبهرام جور لو يجار بظلَّه

لخاف وبهرام النُّجوم وجاره

وكسرى أنوشروان لو عدل ملكه

رأى قال هذا العدل هدي شعاره

أو الفلك الدَّوار حمِّل همَّه

وهمَّته أعيا بذين مداره

تحمَّل أعباء الممالك كافلًا

لها وأقام الحقَّ يعلو مناره

وقصَّر عنها طول كلِّ مطاول

ونفَّره والرُّعب منه نفاره

وأسهر في حفظ الممالك طرفه

على طرف عزم لا يرجى عثاره

وخطَّ بسمر الخطِّ نهر مخافة

وأمن تساوى ليلة ونهاره

وكم خامرت أسيافه من مخامر

صريعًا إلى يوم المعاد خماره

/70 أ/ وكم أسكرت من مارق ودم الطُّلى

طلاه ومن عصر الوريد عقاره

فمن تبَّع أو عمر وهند وقيصر

وقد قصرا عمّا اقتضاه اقتصاره

فلا زال في ملك تنير شموسه

بسعد ولا تخبو مع الدَّهر ناره

وقال يمدح الملك المنصور صاحب حماه: [من الطويل]

دعاه الهوى نحو الخليط المودَّع

وحنَّ إلى حيِّ بأكناف لعلع

ديار عهدت الشَّمل فيها مجمَّعًا

سقتها الغوادي من طلول وأربع

منازل من قوم على غير ريبة

بسمر القنا يحمى لئام لبرقع

فمن غادة كالشَّمس أو اغيد حكى

سنى البدر يبدو بعد عشر وأربع

أسكَّانها عطفًا عليَّ بزورة

عسى مورد يصفو بشمل مجمَّع

هجرت الكرى هجرانكم لمودتي

فماذ يفيد الطَّيف لو زار مضجعي

ص: 105

وكيف يزور الطَّيف طرفًا مسهَّدًا

يعوِّض عن طيف الرقاد بأدمع

إذا قلت أنَّ القلب يشفى من الجوى

غدًا وهو من ذكر الأحبة موجع

يراجعه شوق ليشتاق كلَّما

ترجَّع تغريد الحمام المرجَّع

ومنها في المدح:

/70 ب/ هو الملك المنصور والنَّاصر الَّذي

له عاد ذئبًا عاويًا كلُّ مسبع

ومرسلها مثل السَّعالي عوابسًا

فوارسها من كلِّ ليث مدرَّع

يجود بآمال النُّفوس فجوده

لراجيه طبع لم يكن بتطبُّع

أب للمعالي وهي وقف حبيسة

عليه بجدِّ صادق غير مبدع

[209]

أبو السعود بن الحسن بن أبي منصور بن مردويه الواسطي:

خبرت أنه شيخ كبير قد أربى على المائة، وذهبت إحدى عينيه، وكان يعلم الصبيان بواسط بدو أمره، فلما أسن تصرف في الأعمال الديوانية، ومال إلى قول الشعر، وامتدح به الرؤسا المقدمين، وأرباب الولايات، واستكثر من نظمه، وديوان شعره في نحو أربعة أجلاد.

وهو شاعر هجاء سفيه اللسان، ممن يتقى شره، ويخاف من هجوه، وذكر لي في سنة ثلاث وثلاثين وستمائة أنه حي يرزق، ولما توجهت إلى مدينة السلام سنة تسع وثلاثين وستمائة، واتفق انحدار الأمير /71 أ/ ركن [الدين] أبي شجاع أحمد بن قرطايا – أبقاه الله – إلى واسط، ثم إلى البطائح، وهي الأقطاع التي أقطعه إياها الخليفة المستنصر بالله –خلد الله دولته- فاستصحبني معه، فلما نزلنا واسط، وسألت عن من بها الشعراء، فذكر لي بأن أبا السعود هذا لحق باللطيف الخبير في الشعر الأول من جمادى الأولى سنة تسع وثلاثين وستمائة.

أنشد [ني] أحمد بن محمد بن سعيد بن البلاسي الواسطي بمدينة أربل قال:

ص: 106

أنشدني أبو السعود لنفسه من قصيدة: [من الكامل]

وخط المشيب فأنكرتني زينب

وتنمَّرت مني وقالت: أشيب

ثمّ انثنت شبه القضيب إذا انثنى

دلاّ لأذيال الملال تسحِّب

وتحجَّبت فالنَّوم في جنح الدُّجى

بحجابها عن مقلتي يتحجَّب

ونأت فلا منها خيال زائر

كلَاّ ولا منها مزار يقرب

والسّقم في جسدي يدبّ لبينها

يوم الرّحيل كما تدبُّ العقرب

كم قلت للُّوّام لما أسرفوا

واتوا بلوم لا يفيد وأطنبوا

لوموا عليها والحيا ما شئتم

أو فنِّدوا في حبها أو أنِّبوا

/71 ب/ فأخو الملامة للذي لا يرعوي

يشقى على طول الزَّمان ويتعب

وأبعد ما أهواه شبت على الصبا

واستنفرت مني الرَّداع الخرعب

وبقيت مذ نزل القتير بعارضي

كرهًا كما بقي البعير الأجرب

وله في بعض الرؤساء: [من البسيط]

لئن بخلت فلا بدع ولا عجب

فالبخل عندك إرث عن أب فأب

المرتجي منك نيلًا أو يروم ندى

كالمرتجي ثمرًا من يابس الخشب

دع الفخار ولا تعرض له ابدًا

فكيف يفجر كلب أبتر الذَّنب؟

وأنشدني قال: أنشدني أبو السعود لنفسه: [من المديد]

مات أيري آه والهفي

ليت شعري من يكفِّنه

فاندبوا حزنًا عليه معي

وارشدوني أين أدفنه؟

وأنشدني محمد بن حيدر بن الدُّنبدار الشاعر الواسطي قال: أنشدني أبو السعود لنفسه من قصيدة، وكان محمد بن حيدر بإربل، وأبو السعود بالبصرة، يخاطب بهاء الدين أرغش زعيم البصرة:[من الوافر]

/72 أ/ أنا الدُّنبداري اقتسمنا

بأرباب الركائب في البلاد

فأضحى باتكين له معينًا

وأنت حصلت قسمي يا عتادي

ص: 107

وأنشدني أبو منصور بن أبي عبد الله بن أبي منصور الواسطي قال: أنشدني أبو السعود لنفسه من قصيدة أولها: [من الطويل]

مريض هواكم من يعوده

وعصر تداني وصلكم من يعيده؟

نايتم فما حظِّي من النَّوم في الدجى

إذا رقد السمار إلا شريده

وثوب اصطباري مزَّقته يد النَّوى

ورث على بعد المزار جديده

فإن عدتم عاد السُّرور بأسره

وعاد من العيش الهني رغيده

وله وقد رتب في بلد الكاس وهي قرايا من أعمال واسط، كتبها إلى ناظر واسط، وهو ابن المصطنع:[من البسيط]

ونائب الحضرة العلياء حيث رأى

في الكاس زهدي أرماني إلى الكاس

فعند بدو شبابي ما ولعت به

فكيف عند بياض الفود والراس

فكتب إليه ابن المصطنع مجاوبًا: [من البسيط]

/72 ب/ أبا السُّعود زهدت الكأس من قصر الإرتفاع وليس الزُّهد في الكاس

[210]

أبو سرايا بن خزرج بن ضحاك بن أحمد بن خزرج بن ضحاك، الكاتب الأنصاري الدمشقي:

هكذا أملى علي هذا النسب، وكتبه لي بخط يده، وسألته عن أسمه فقال: لا أعرف لي أسمًا، أسمي كنيتي، وأخبرني أنه ولد في تاسع عشر ذي الحجة سنة تسع وثمانين وخمسمائة بدمشق، وكان اجتماعي به في ذي الحجة سنة تسع وثلاثين وستمائة بدمشق المحروسة، وخبرت أن والده كان من المياسير المحمولين وذوي النعمة والثروة الوافرة، بالغ أبوه في تهذيبه وتأديبه، وأنفق عليه أموالًا، ونشأ أبو السرايا هذا محبًا للأدب والفضل، استظهر الكتاب العزيز، وسمع قطعة من الحديث

ص: 108

النبوي، وعني بسماع الآداب، فلازم الإمام أبا اليمن زيد بن الحسن الكندي، فقرأ عليه جملة من الأشعار، وضروب الأدب، وحفظ كتبًا من الكتب الشعرية، منها: الحماسة لأبي تمام، وديوان أبي /73 أ/ الطيب المتنبي، وأدب الكاتب، حفظًا جيدًا، وغير ذلك.

وعانى نوع المنثور، وفن الكتابة، وترامى إليها، فأول من خدم من الملوك الملك الفائز، سابق الدين، إبراهيم بن الملك العادل سيف الدين أبي بكر بن أيوب، فكتب له الإنشاء، ثم قلده وزارته، فلما توفي الملك الفائز، جذبه الملك المعظم عيسى بن الملك العادل إليه، وقدمه وعظم قدره، وقربه، وأضاف الملك الناصر داود ابنه إليه، وأقره على ما كان، وسافر معه إلى مدينة إربل، فبقي في خدمته مدة متطاولة، ثم سخط عليه الملك الناصر صلاح الدين داود، وصرفه عن خدمته، ففارقه، ونزل دمشق، فكتب ناصحًا، فتقبله الملك الصالح عماد الدين أبو الفدا إسماعيل، وجعله منشئًا في ديوانه، و [كان] مع ذلك ينسخ الكتب للملك الأشرف موسى شاه أرمن بالجراية والجامكية الدَّارَّة، وهو اليوم أقوم أهل زمانه بصناعة الكتابة الإنشائية، وأعرفهم بإنشاء الرسائل والتقليدات، والتقييدات، وأحسنهم خطًا وعبارة، وأسرعهم قلمًا ولسانًا لائق الكتابة، كأن الله قد خلق يده لها، وربما كتب في يوم واحد /73 ب/ عدة من الكتب الإنشائية، في أصناف مختلفة متفرقة، مما يعجز عن ذلك غيره من الكتاب المترسلين، ومع ذلك فله الباع الطويل في حل التراجم، وفتح مشكلاتها، وقدره شديدة في استخرجها.

أنشدني لنفسه يمدح الملك الصالح أبا الفدا إسماعيل بن الملك العادل سيف الدين ابي بكر بن أيوب، مهنئًا له بقدوم أخيه الملك الأشرف شاه أرمن من مصر، وقد استدعاه ليلًا، ولم يكن عنده أحد على مجلس الشراب، فأجلسه إلى جنبه، فأنشده هذه القصيدة فأعجبته:[من الطويل]

ص: 109

أهاجك ترحال الحبيب المودِّع

وشاقك إيماء البنان المقمّع؟

فرحت وراء الظَّاعنين بعبرة

تصوب وقلب من جرى البين موجع

لحا الله دهرًا لا يزال يروعني

لحادث دهر أو ببين مروِّع

أهيم أسى إن عنَّ في الجوِّ بارق

ويطربني نوح الحمام المسجَّع

ودوِّية كم سرت في بطن خبتها

على متن طرف لاحق الإطل مسرع

/74 أ/ كميت كأن الصبح في قسماته

وأرساغه نهد – إذا كلَّ – أفرح

وليل دجوجيِّ كأن نجومه

فرادى حباب فوق كأس مدعدع

سريت به حتى الصَّباح وبان لي

دوارس بانت من جناب وأربع

دوارس بانت غير نؤي مهدَّم

وموقد نار أقتم اللوم أسفع

وغير ثلاث من أثاف كأنها

ثلاث حمامات على الأرض وقّع

إلام يروع البين قلبي صبابة

وحتَّى م يستمري التفرق مدمعي؟

وحتَّى لا أنفك في ظهر شامخ

من الشُّم أو في بطن مكَّاء بلقع؟

لقد كلَّ من حمل المهنَّد عاتقي

وكلَّ سفاري كلُّ هوجاء ميلع

أمون إذا ناجى شواها عثارها

بجاويَّة الإبقاء منها بدعدع

لقد ملَّت البيداء تكرار وخدها

وما ملت الوجناء رحلي وأنسعي

سعيت بها يعيي الرياح لحاقها

تقيس ملاء البيد منها بأذرع

تلاعب إنشاء الزِّمان إلى فتى

يلاعب أطراف الوشيج المزعزع

إلى الأشرف السُّلطان شاه أرمن الذي

يسير إلى أبوابه كل مهيع

إلى الملك المحيي النَّدى بهباته

إلى الواهب البرِّ الرؤوف السَّميدع

وركب كأمثال الحنيَّة شمَّروا

على مثلها للسير في كلِّ مدفع

/74 ب/ تباروا بأجواز الفلا وتذاكروا

حديث النَّدى ما بين ماض وموضع

فقلت لهم والصِّدق ليس بصاحب

يصاحبه الإنسان في كلِّ موضع

إلى الصَّالح السُّلطان حثُّوا مطيَّكم

تفوزوا ويا طوبي لمن قالها معي

إلى الملك المعطي الألوف عفاته

إذا الغير اعطى من ثلاث وأربع

ص: 110

فمذ سمعوا قولي وعته قلوبهم

وما كلُّ من حدَّثته مسمعًا يعي

فسرت أؤمُّ القوم لم أرض منزلًا

من الأرض حتى جئت بالركب أجمع

إلى ملك في السِّلم والحرب حلمه

وصولته ريحا رخاء وزعزع

إلى خير غيث في أياديه مقنع

لعاف وليث بالحديد مقنَّع

إلى خير من أعطى وأشرف من وفى

وأكرم من لبَّى العفاة وما دعي

تقول العلا لما حللنا جنابه

إلا خير ذود حلَّ في خير مرتع

تبيت النُّجوم النيِّرات كليلةً

نواظرها عن مجده المترفِّع

تمنَّع في يوم النِّزال ببأسه

وما هو في يوم النَّدى بممنّع

يجود إذا ما الحيُّ أكدت لبونه

وأجدب من أرجائها كلُّ ممرع

فزعت إليه من زماني فرعته

ومن قبله كان الزّمان مروعي

فيا حادثات الدَّهر ما شئت فافعلي

ويا نوب الأيّام ما شئت فاصنعي

/75 أ/ فلست أخاف الحادثات ومانعي

حمى ملك حامي الحقيقة أروع

إذا افترَّ باهي حسنه كلَّ نيِّر

وإن جاد عنَّى جوده كلَّ مدقع

وإن صال أغنى بأسه كلَّ باسل

وإن قال أعيا شأوه كلَّ مصقع

ليهنك يا هارون موسى قدومه

كبدر الدُّجى في نوره من كلِّ مطلع

لقد باهت الأيام عند لقائه

وضاع نسيم النَّصر أيَّ تضوُّع!

مليك يسحُّ الجود فينا تبرُّعًا

إذا غيره أعطاك غير تبرُّع

تدرَّع بالصَّبر الجميل وبالحجى

وبالحلم والإحسان أيَّ تدرُّع!

أيا ملكًا نحو المعالي استماعه

إذا كلَّ عن ذكر العلا كلُّ مسمع

لقد صنت وجهي عن سواك تكرُّمًا

وأنجحت آمالي وصدَّقت مطمعي

ولكنَّني في أمة قال حاسدي

أوارث كسرى أم خليفة تبَّع؟

فلا زلت منصور اللواء مظفَّرًا

سعيدًا على رغم العدوِّ المفجَّع

ص: 111