الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مقدمة
…
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أفضل المرسلين وعلى آله وأصحابه أجمعين، وبعد:
فقد نظرت في كثير مما ألف في التجويد على رواية حفص من المصنفات القديمة فاستقر عزمي على تأليف كتاب للطلاب، أجمع فيه خلاصة ما في تلك الكتب وأرتبه بأسلوب مناسب لمداركهم في هذا العصر، وقد بذلت غاية جهدي لأكمل ما نقص، وأوضح ما أبهم، ولأختار من التعريفات والتقسيمات أكثرها دقة، وخاصة في باب مخارج الحروف، حيث يختلفون فيه اختلافًا ملحوظًا مع أنه أهم أبواب هذا الفن، ويليه باب الصفات، وهذان البابان يعتمدان اعتمادًا كبيرًا على دقة التطبيق العملي للنطق الصحيح الفصيح، وقد كنت أخضع ما يقوله بعض الشراح والعلماء من أهل هذا الفن للتجارب العملية في فصول الدراسة عند تدريس القرآن في المعهد الثانوي بالجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة، وإن كنت لم أجد من الإمكانات أكثر من ذلك للتحقيق لكنني بذلك توصلت إلى بعض النتائج التي تيسر على الطالب قواعدها هذا العلم..
والأمر يحتاج إلى مزيد من الدراسات الدقيقة والجهود المخلصة والإمكانات والوسائل الحديثة لتستخدم في هذه الدراسات، والمقصود الرئيسي خدمة القرآن الكريم، والتوصل إلى النطق العربي النبوي الفصيح لكتاب الله.
وليعلم كل من درس هذا العلم أو قام بتدريسه أنه وإن كان يعتمد على النقل والرواية فحسب إلا أن مرجعه في الحقيقة الذوق العربي السليم الفصيح، لأن القرآن نزل بلسان العرب، وكانوا يلجئون في لغتهم دائمًا إلى الحسن الجميل السهل في النطق، ويفرون من الثقيل على ألسنتهم المستبشع في أذواقهم، فكالنوا يحلون كلامهم بكل مستحسن جميل في النطق ويميلون إلى السهولة واليسر.
ولذا وصف التجويد بأنه حلية التلاوة وزينة الأداء، وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:"زينوا القرآن بأصواتكم" رواه الحاكم، وقال ابن الجزري في المقدمة:
وهو أيضًا حلية التلاوة
…
وزينة الأداء والقراءة
وعلى مدرسي هذا العلم أن يلحظوا أثناء تدريسهم أنه لابد من الإكثار من التطبيق وممارسة النطق الصحيح من الطلاب، وهناك ثلاث مراحل ينبغي أن يتدرج فيها المبتدئ في هذا الفن:
الأولى: تصحيح نطقه بتحقيق مخارج الحروف وصفاتها اللازمة حتى لا يخلط الحروف ببعضها، وحتى يتعود التمييز بينها، والنطق بها نطقًا صحيحًا، بإخراج كل حرف من مخرجه المحقق، وبالمحافظة على حركات الإعراب، والتنبه للوقوف اللازمة أو الممنوعة التي يترتب عليها إخلال بالمعنى، وفي هذه المرحلة يعنى المعلم أولًا بتصحيح اللحن الجلي المعروف حده وتعريفه في هذا الفن، وبتصحيح الخلل الواضح في النطق الذي يؤدي إلى خلل في المبنى أو في المعنى.. ويعنى أيضًا
بالأحكام الواجبة، كالمدود اللازمة، والطبيعية، ومواضع الإظهار ونحو ذلك.
الثانية: يرتقي فيها المعلم مع التلميذ إلى العناية بأحكام الحروف وصفاتها التكميلية، أي: لا تتوقف صحة النطق عليها، ولكنها من مقتضيات الفصاحة والكمال، كالترقيق والتفخيم، والغنة، والإدغام والإخفاء والإقلاب، والمدود الجائزة، ومن الصفات مثل القلقلة واللين، والانحراف، والإصمات، والإذلاق، وتحقيق التكرار، ومن الوقوف: المواضع الواضحة التي يظهر فيها تعلق المعنى أو عدم تعلقه وحسنه أو قبحه، ويبدأ في هذه المرحلة بتصحيح الأخطاء الخفية.
الثالثة: وهي المرحلة الأخيرة وتعتبر مرحلة المتقنين، فالتلميذ فيها يكون مجودًا محققًا لأحكام الحروف ومخارجها وصفاتها، ويكون نطقه سليمًا من الأخطاء الجلية، ومعظم الأخطاء الخفية، إلا أنه بعد لم يكتمل إتقانه، ولم يبلغ درجة كافية من المهارة في النطق، وحتى لو بلغ درجة المتقنين، فإن المتقنين على مراتب متفاوتة، والإتقان درجات بعضها فوق بعض، وقمة الإتقان ومنتهاه نطق رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي لم يأذن الله لشيء ما أذن له وهو يقرأ القرآن يجهر به ويتغنى به1
في هذه المرحلة الأخيرة يهتم المعلم بالنواقص الخفية التي تخل بالإتقان لا بالنطق، كالتدقيق في مقادير المدود ودرجاتها، ومراعاة المعاني الدقيقة في الوقوف، وبلوغ الغاية من المهارة في تحقيق الصفات.
1 أخرجه الشيخان
وينبغي أن يوفر المعلم أثناء درس التجويد والقراءة فرصتين لتلاميذه:
إحداهما: السماع للنطق الصحيح، فيقرأ لهم وهم يتابعونه في المصحف أو على السبورة.
والأخرى: النطق الصحيح، فيقرءون وهو يستمع ويتابع ويصحح الأخطاء.
وليعلم كل طالب علم معنيّ بهذا الفن العظيم أنه من الفنون والعلوم العملية التي لا يمكن أخذها من الكتب وحدها، بل لابد من الممارسة والتطبيق، والإكثار من التمرين حتى يستقيم لسانه ويعتاد النطق السليم، قال ابن الجزري:
وليس بينه وبين تركه
…
إلا رياضة امرئ بفكه
كما أنه من العلوم التي ترجع إلى السماع والنقل ولا مجال فيه للقياس فلابد من سماع القرآن من مجود متقن وعرضه عليه، وليحذر طالب التجويد الذي يروم التقحيق والإتقان أن يتلقى القراءة إلا من مجود متقن وكان السلف يشترطون في ذلك اتصال السند إلى النبي صلى الله عليه وسلم لأن هذا العلم سنة متبعة يأخذها الآخر عن الأول كما ثبت عن عمر وزيد بن ثابت رضي الله عنهما.
ولكن المعاصرين كثيرًا ما يخطئون فيه، وكذا أهل الأداء ومن انتسب إليهم، فإن العناية اليوم بالتحقيق ضعيفة، خاصة في هذا الميدان. حتى صار من الصعب الوثوق بمجود يقرر حكمًا حتى يثبت مرجعه أو اتصال سنده.
واعتمادي في هذا لكتاب على عدد من مراجع هذا الفن من كتب السلف المعتمدة، أولها: المقدمة فيما على قارئه أن يعلمه، وشروحها وهي كثيرة، لكنني رجعت إلى: شرح ابن المصنف مخطوطًا، وشرح الملا علي القاري، وشرح الشيخ زكريا الأنصاري، وتعليقات الشيخ خالد الأزهري.
ومما دفعني إلى تأليف هذه الرسالة ما علمته من اهتمام والدي رحمه الله الشيخ عبد الفتاح القارئ -وهو شيخي في القراءة- بتأليف راسلة في رواية حفص استجابة لطلب إدارة الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة ورئيسها سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز وفقه الله وبارك في عمره، لكن عاق والدي عن ذلك الأجل المحتوم الذي أدركه، أسأل الله له الرحمة والرضوان، وأن يتقبل مني عملي هذا وينفع به طلبة القرآن، إنه سميع قريب.
كتبه بالمدينة النبوية في المحرم عام 1393 هـ أبو عاصم عبد العزيز بن عبد الفتاح القارئ