الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الباب الثاني
صفات الحروف
صفات الحروف
…
الباب الثاني
صفات الحروف
صفات الحروف
الصفة: يراد بها كيفية تولد الحرف وخروجه من مخرجه.
وذلك أنهم يسمون الهواء الخارج من الرئة إن خرج بطبعه دون أن يحتك بأوتار الصوت نفسًا فإن وجه الإنسان بإرادته هذا الهواء إلى أوتار الصوت الموجودة في الحنجرة فاحتك بها وحدث له تموج وتذبذب مسموع فإنهم يسمونه حينئذ صوتًا، ثم هذا الهواء المصحوب بهذه التموجات الصوتية يتوجه إلى مقطع من مقاطع الفم أو الحلق، أي: إلى حيز محدد منها فإذا مر به وانحصر فيه تولد الحرف، ثم الكيفية التي يكون عليها مرور هذه التموجات الصوتية الممزوجة في النفس بذلك المقطع هي ما نسميه بصفة الحرف. فبالمخرج إذن تعرف ماهية الحرف، ويتولد شكله ويتحدد.
وبالصفات يحصل التمييز بين الحروف، وخاصة تلك التي تتحد مخارجها أو تتقارب كالطاء والتاء مثلًا فإنهما حرفان متحدان في المخرج ولولا الإطباق والاستعلاء في الطاء دون التاء لما استطعت التمييز بينهما.
وصفات الحروف كثيرة، ذكر مكي بن أبي طالب في الرعاية، أربعًا وأربعين صفة وذكر ابن الجزري في التمهيد أربعًا وثلاثين صفة، لكنه اقتصر في المقدمة على أشهرها وأهمها وهي سبع عشرة صفة، تنقسم إلى قسمين:
أ- صفات لها أضداد وهي:
1 الجهر وضده الهمس.
2 الشدة وضدها الرخاوة.
3 الاستعلاء وضده الاستفال.
4 الانطباق وضده الانفتاح.
5 الإصمات وضده الإذلاق.
ب- صفات ليس لها أضداد وهي:
1 الصفير. 2 القلقلة. 3 اللين 4 الانحراف.
5 التكرير 6 التفشي. 7 الاستطالة.
وإليك بيان هذه الصفات بالتفصيل:
1 الهمس: هو في اللغة الصوت الخفي، ويراد به في اصطلاح التجويد: جريان النفس في مخرج الحرف عند النطق به فيكون الصوت حينئذ خفيًا ضعيفًا لضعف انحصاره في المخرج.
وحروفه عشرة جمعها ابن الجزري في قوله: فحثه شخص سكت.
2 الجهر: هو ضد الهمس أي: انحباس النفس في المخرج عند النطق بالحرف فيكون انحصاره فيه قويًا ولذلك يصدر الصوت من المخرج مجهورًا واضحًا قويًا، وحروفه هي ما سوى حروف الهمس.
3 الشدة: في اللغة القوة، ويراد بهذه الصفة في الاصطلاح:
انحباس الصوت في المخرج. وذلك أنه لكمال قوة الانحصار وطبيعة الحرف الذي يراد تولده ينحبس الصوت في المخرج انحباسًا شديدًا ثم ينطلق مع انطلاق الهواء، ولذلك كانت معظم الحروف مجهورة ما عدا التاء والكاف فإنهم عدوهما مهموستين مع أن الهواء في بداية النطق بهما ينحبس في مخرجهما مع انحباس الصوت ولكن لضعف هذا الانحباس لم يعتبر جهرًا، ولذلك فإن الصوت ينطلق بالتاء والكاف خفيفًا لطيفًا بعد انحباسه.
حروف الشدة جمعها ابن الجزري في قوله: أجد قط بكت.
4 الرخاوة: هي ضد الشدة، فيراد بها: جريان الصوت في مخرج الحرف، وذلك لضعف انحصار الصوت فيه، وحروفها ما سوى حروف الشدة والتوسط، ولا يلزم من جريان الصوت في الحروف الرخوة أن يجري النفس فيها أيضًا، فالضاد مثلًا حرف رخو مجهور، وكذلك الظاء والغين.
5 التوسط: أي بين الرخاوة والشدة، ويسميها بعضهم: البينية، وحروف هذه الصفة خمسة مجموعة في قولهم: لِن عمر.
وذلك أن هذه الحروف توسطت في طبيعتها بين أن تكون شديدة محضة أو رخوة محضة، بل كانت درجة رخاوتها ضعيفة بحيث قربت من الشدة.
6 الاستعلاء: في اللغة الارتفاع، ويراد به في اصطلاح التجويد: ارتفاع جزء كبير من اللسان أو معظمه عند النطق بالحرف.
وحروفه سبعة مجموعة في قولهم: خص ضغط قظ.
وأعلى درجاتهه في الصاد، والطاء، والضاد، والظاء، فيرتفع معظم اللسان عند النطق بها.
راجع الشكل رقم 8، 4، 6، 12.
ثم يكون أقل في القاف، والخاء، حيث يرتفع أقصى اللسان، أي: الجزء الذي يلي الحلق، ثم يكون أضعف في الغين.
7 الاستفال: في اللغة الانخفاض، وهو في التجويد بعكس الاستعلاء: أي: انخفاض جزء كبير من اللسان أو معظمه عند النطق بالحرف.
وحروفه ما عدا حروف الاستعلاء.
وإذا نطقت بالحرف المستعلي فإن الصوت يتضخم نتيجة لارتفاع اللسان وهو ما يسمونه بالتفخيم، أما إذا نطقت بالحرف المستفل فإنك ترقق الصوت نتيجة لانخفاض اللسان وهذا ما يسمونه بالترقيق.
8 الانطباق: وذلك أنه تزيد درجة الاستعلاء في أربعة أحرف هي: الصاد، والضاد، والطاء، والظاء. حتى يكاد اللسان ينطبق على الحنك الأعلى، وينحصر الهواء بين اللسان والحنك انحصارًا يجعل الصوت في هذه الأحرف قويًا، وأقوى درجاته في
الطاء لارتفاع درجة الإطباق فيها ثم الضاد، ثم في الصاد، ثم أضعفه في الظاء.
9 الانفتاح: في سائر الحروف الباقية، إما لضعف درجة الاستعلاء فيها، وذلك في الغين والخاء فإنهما لا إطباق فيهما وهما حرفان مستعليان، وإما لكونها حروفًا مستفلة فيبتعد اللسان عند النطق بها عن الحنك الأعلى تاركًا فتحة يمر منها الهواء والصوت.
10 الإصمات: هو في اللغة المنع: يقال: أصمته فصمت، أي: منعته فامتنع، ومنه الصمت أي: الامتناع عن الكلام، أما المراد بالإصمات في الاصطلاح فقد نقل ابن الجزري عن ابن دريد قال: الحروف المصمتة حروف منعت أن تختص ببناء كلمة في لغة العرب إذا كثرت حروفها وذلك لاعتياصها -أي: صعوبتها - على اللسان فهي حروف لا تنفرد بنفسها في كل كلمة أكثر من ثلاثة أحرف. ويمكن بناء على ذلك أن يقال: إن الإصمات هو:
امتناع انفراد الحروف المصمتة أصلية في الكلمات الرباعية والخماسية.
وشرح ذلك: أن كل كلمة مكونة من أربعة أو خمسة أحرف أصلية يمتنع أن تكون فيها هذه الأحرف كلها مصمتة بل لابد أن يوجد معها شيء من الحروف المذلقة.
فإذا وجدت كلمة رباعية أو خماسية غير مزيدة، وليس فيها
حرف مذلق، فذلك من الأدلة على عجمتها في الغالب مثل: عسجد، إسحاق.
وإنما امتنع بناء الكلمات الرباعية والخماسية دون أن يدخل في تركيبها حرف مذلق لأن العرب كانوا يلجئون إلى كل يسير سهل في النطق، والحروف المذلقة كذلك، ومن أجل ذلك سميت مذلقة من الذلاقة بمعنى: السهولة والطلاقة، فالحروف المذلقة سهلة المخارج لطيفة الصفات، بخلاف الحروف المصمتة فإنها أصعب منها مخرجًا وصفات.
11 والحروف المذلقة هي: الفاء، والراء، والميم، والنون، واللام، والباء جمعها ابن الجزري في قوله: فِرَّ مِنْ لُب، وقالوا في تعريف الإذلاق إنه: خروج الحرف بسهولة ويسر.
هذه هي الصفات المتضادة، ومجموعها عشر صفات - إذا لم نحسب التوسط- يضاف إليها الصفات السبع الآتية فيصير مجموع الصفات سبع عشرة صفة:
1 الصفير: يراد به الصوت الزائد الذي يشبه الصفير يخرج عندما تنطق بالصاد أو الزاي أو السين.
ودرجة الصفير أقوى في الصاد، ثم في الزاي، وأضعف في السين.
2 القلقلة: في اللغة الحركة والاضطراب، ويراد بها هنا: تحريك المخرج والصوت بعد انضغاطهما وانحباسهما. وذلك أنك أولًا تحبس الصوت في المخرج حتى ينضغط فيه انضغاطًا شديدًا
ثم تفك المخرج فكة سريعة فينطلق الصوت محدثًا نبرة قوية وهزة في المخرج، هذه النبرة هي القلقلة.
وحروفها خمسة مجموعة في قولهم: قطب جد.
فإذا تأملت هذه الحروف المقلقلة وجدتها كلها شديدة مجهورة، لما علمت من أنه لا بد قبل القلقلة من انحباس الصوت والهواء فيها.
وأقوى درجات هذه الصفة في الساكن إذا وقفت عليه، وهي مختفية في المتحرك ضمن الحركة وهي أقوى في القاف، ثم في الطاء، ثم في الجيم، ثم في الباء والدال.
ويجب ألا تزيد القلقلة حتى تصل إلى حد تنقلب فيه إلى حركة.
3 اللين: المراد به خروج الصوت بسهولة وامتداد. وهو صفة لثلاثة أحرف: الألف مطلقًا، والواو والياء إذا سكنتا بعد حركة مجانسة اتصفتا باللين والمد في الصوت، فإذا انفتح ما قبلهما نقص المد وبقي اللين فقط. فهما حرفا لين: إذا كانا ساكنين بعد فتح.
4 الانحراف: في اللام، والراء.
قال المجودون: فيهما انحراف في المخرج والصفة، والمراد أن في هذين الحرفين قابلية شديدة للانحراف، فاللام فيها ميل فإذا لم يحترس القارئ عند النطق بها مال مخرجها إلى مخرج غيرها من المخارج المجاورة، ثم هي حرف متردد بين الشدة والرخاوة ولذلك
عدوها من الحروف المتوسطة، والراء كذلك فيها انحراف إلى مخرج اللام أو الياء، أي: أنها قابلة لأن تنحرف عن مخرجها إلى أحد المخرجين؛ لأن طرف اللسان لا يستقر بها في حيز محدد من الحنك الأعلى بل يتحرك ليسمح للصوت بالمرور في سهولة ويسر، ولذلك فإن الراء مع رخاوتها هي الحرف الوحيد الذي يتصف بالتكرير، إلا أنه لما لم تكن رخاوتها كاملة بل كان الصوت ينحبس انحباسًا يسيرًا في مخرجها عدوها متوسطة وسموا قابليتها لكلا الصفتين مع قابليتها للميل إلى كلا المخرجين: انحرافًا.
5 التكرير في حرف واحد هو الراء، والمراد بتكريره: أن طرف اللسان لا يستقر عند النطق به بل يرتعد، وبارتعاده يتذبذب الصوت ويمر في المخرج دون ضغط ولا شدة، وهو حرف قابل لزيادة التكرير فلو ترك له العنان لازداد ارتعاد طرف اللسان به حتى تتولد عدة راءات، وهذا ما حمل بعض المجودين على القول بأنه يجب الاحتراس من التكرير ومرادهم الزيادة، يقول ابن الجزري في التمهيد:
ولا بد في القراءة من إخفاء تكريرها1.
أقول: وطريقة ذلك أن يترك الإنسان طرف لسانه يرتعد ارتعادة واحدة لطيفة خفيفة بعد أن يحاذى به أصول الثنايا ثم يلصقه بها حتى يمنع استمرار التكرير. وأوضح ما تكون هذه
(1) التمهيد: "ص 28/ ط بمصر سنة 1326هـ" وانظر النشر: ج1: 204.
الصفة في الراء إذا كانت مشددة ولذلك ينبغي الحرص على عدم الزيادة في التكرير عند النطق بالراء المشددة.
وذلك مثل {وَخَرَّ مُوسَى} {أَشَدُّ حَرًّا} {الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} .
6 التفشي: في اللغة الانتشار، وهو صفة للشين والمراد به:
أن الهواء ينتشر في الفم وفي اللسان عند النطق بالشين، وذلك أن الحروف المهموسة يجري الهواء في مجرى مخارجها المحددة ولا يتجاوزها إلا في الشين فإنه يزيد جريانه فيفيض حتى يتفشى وينبسط وينتشر على اللسان.
7 الاستطالة: صفة للضاد المعجمة، والمراد:
امتداد الصوت في مخرجها من أول الحافة إلى آخرها. وذلك أن الضاد مخرجها طويل وهو ما يحاذي الأضراس من حافة اللسان اليمنى أو اليسرى. والضاد حرف قوى مجهور مطبق مستعل، فإذا استعلى اللسان عند النطق بها وانطبقت حافته على الأضراس وانحبس والهواء امتد الصوت نتيجة لضيق المخرج حينئذ، وانحباس الهواء حتى يشمل الحافة من أولها إلى آخرها، وامتداد الصوت فيها ناتج من كون الضاد حرفًا رخوًا.
هذا آخر ما ذكره ابن الجزري من الصفات في مقدمته.
وقد قسم المجودون هذه الصفات إلى قسمين آخرين:
صفات قوية وهي: الجهر، والشدة، والاستعلاء، والانطباق، والإصمات، والصفير، والقلقلة، والتكرير، والانحراف، والتفشي، والاستطالة، والغنة في الميم والنون.
صفات ضعيفة وهي: الهمس، والرخاوة، والتوسط، والاستفال، والانفتاح، والإذلاق، واللين.
ولابد لكل حرف من حروف العربية أن يتصف بخمس صفات من الصفات المتضادة، وواضح أنه لا تجتمع في الحرف صفتان متضادتان، ثم يحكم للحرف بأنه قوي أو ضعيف حسب أغلبية الصفات الموجودة فيه فإن تساوت صار حرفًا متوسطًا بين القوة والضعف، وبناء على ذلك فإن الحروف تنقسم حسب القوة والضعف إلى خمسة أقسام:
1 أقوى: وحروفه: الطاء، والضاد، والقاف، والظاء.
2 قوي: وحروفه: الجيم، والدال والصاد، والغين، والهمزة.
3 أضعف: وحروفه: الحاء، والتاء، والهاء، والفاء.
4 ضعيف: الألف اللينة، والتاء، والخاء، والذال، والراء، والسين، والشين، والعين، والكاف، واللام، والميم، والنون، والواو، والياء.
5 متوسط: وله حرفان: الزاي، والباء.
وأقوى الحروف على الإطلاق الطاء المهملة، وذلك لأنه اجتمع فيها ست صفات قوية وليس فيها من الصفات الضعيفة شيء.
وأضعف الحروف على الإطلاق الفاء، وذلك لأنه اجتمع فيها خمس صفات ضعيفة وليس فيها من الصفات القوية شيء.