الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
تقدمة الطبعة الرابعة:
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله الذي علم بالقلم، علم الإنسان ما لم يعلم، وأرسل إلينا رسوله النبي المكرم، سيدنا محمدا صلى الله عليه وسلم، ورضي الله عن أصحابه وتابعيهم بإحسان ومن سار على سننهم فعلم وعلم أو تعلم.
أما بعد فقد أرشدنا الله تعالى في كتابه الكريم، وعلى لسان نبيه العظيم، إلى أهمية الوقت والتوقيت في حياتنا وأعمالنا، فرسم لنا الأحكام الشرعية، وحدد لنا أوقاتها ومواعيد أدائها، وحذرنا من التساهل والتجاوز بها عن توقيتها. وفي ذلك منه سبحانه تعليم وتربية لنا على تنظيم الأعمال والقيام بها في مواقيتها المحددة، قال عز وجل:(إن الصلاة كانت على المؤمنين كتابا موقوتا)(1).
وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم: أي الأعمال أحب إلى الله؟ قال: الصلاة على وقتها. رواه البخاري ومسلم والترمذي والنسائي (2).
(1)((من سورة النساء الآية 103. ومعنى (كتابا): فرضا مكتوبا. و (موقوتا): في أوقات محددة.
(2)
البخاري في ((صحيحه)) 9:2 من ((فتح الباري))، في كتاب المواقيت (باب فضل الصلاة لوقتها)، و6:3، في أول كتاب الجهاد (باب فضل الجهاد =
والصلاة تكرر من المسلم والمسلمة في اليوم والليلة خمس مرات، فإن أداها المسلم في أول وقتها كما طلبت منه، غرست في سلوكه خلق الحفاظ على الوقت، والدقة في المواعيد، والانتباه لتوقيت كل عمل بوقته المناسب له، الموصل إلى الغاية منه على الوجه الأتم الأكمل.
ومن هذا تبدو لنا الحكمة البالغة: لماذا خص الله تعالى ثم النبي صلى الله عليه وسلم: الصلاة بالذكر من بين سائر التكاليف الكثيرة المؤقتة، لأنها تتكرر كل يوم خمس مرات، ففي زمن يسير ينطبع سلوك فاعلها بخلق ضبط الوقت، ودقة الوعد، وأداء كل عمل في ميقاته المخصص له على الوجه الأمثل، ويصير ذلك له عادة وطبيعة متبعة في سلوكه وحياته.
وقد رسم الشرع الحنيف: التوقيت في تكاليف كثيرة غير الصلاة، فوقت في أحكام الحج، والزكاة، والصوم، وزكاة الفطر، والأضحية،
= والسير)، 400:10، في أول كتاب الأدب (باب البر والصلة)، و 510:13، في كتاب التوحيد (باب وسمي النبي صلى الله عليه وسلم عملا). ومسلم في ((صحيحه)) 2: 73 - 74، في كتاب الإيمان (باب بيان كون الإيمان بالله تعالى أفضل الأعمال). والترمذي في ((جامعه)) 326:1، في كتاب أبواب الصلاة (باب ما جاء في الوقت الأول من الفضل)، والنسائي في ((سننه)) 292:1، في كتاب المواقيت (باب فضل الصلاة لمواقيتها).
قال المناوي في ((فيض القدير)) 164:1 ((أحب الأعمال إلى الله أي أكثرها ثوابا عند الله تعالى: الصلاة على وقتها، وأفاد الحديث أن تعجيل الصلاة أول وقتها أفصل)). انتهى. والمؤمن مدعو إلى الأخذ بالأفضل دائما، فتصير فيه صفة المحافظة على أول الوقت خلقا وطبعا.
والسفر، والتيمم، والمسح على الخفين، والرضاع، والطلاق، والعدة، والرجعة، والنفقة، والدين، والرهن، والضيافة، والعقيقة، والحيض، والنفاس، وغيرها. وما ذلك إلا لمعنى هام رتب الشرع التوقيت عليه، ولحظ المصلحة والنفع به.
وقد غفل كثير من المسلمين اليوم عن هذا التوجيه الإسلامي الدقيق لهم من جانب الشرع الأغر، فجعلوا يأخذن ويتعلمون أهمية ربط الأعمال بالتوقيت المناسب، من غيرهم! وكأنهم لم يمرنوا أو يربوا على ذلك من أول يوم كلفوا فيه بأحكام الشريعة الغراء، وفي أولها الصلاة.
فيجب على المسلم أن ينتبه إلى الوقت في حياته، وإلى تنفيذ كل عمل من أعماله في توقيته المناسب، فالوقت من حيث هو معيار زمني: من أغلى ما وهب الله تعالى للإنسان، وهو في حياة العالم وطالب العلم رأس المال والربح جميعا، فلا يسوغ للعاقل أن يضيعه سدى، ويعيش فيه هملا سبهللا، ومن أجل هذا دونت هذه الصفحات حافزا لنفسي ولأبناء جنسي، رجاء الانتفاع بما فيها من أخبار آبائنا وسلفنا الماضين، والله ولي التوفيق.
وبعد فهذه الطبعة الرابعة من كتابي ((قيمة الزمن عند العلماء))، وقد قدر الله تعالى له قبولا ورواجا غير متوقع، فأقبل عليه القراء والطلبة والعلماء، واستحسنه من وقف عليه، وانتفع به خلق كثير، فلله الحمد على ذلك، وهو ولي السداد والرشاد.
وقد أضفت إلى هذه الطبعة بعض الأخبار الحافزة على حفظ الوقت وكسبه، آملا أن يستفيد من ذلك طلاب العلم وسواهم، من الذين
يقدرون للوقت والزمن في حياتهم قدره، فتنالني دعوتهم الصالحة، وأكون معهم من الذين تعاونوا على البر والتقوى، والله ولي المحسنين، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم، والحمد لله رب العالمين.
وكتبه عبد الفتاح أبو غدة
في الرياض 13 من شعبان سنة 1406