الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
اجعل شعارك دائما أن تسائل نفسك: (ماذا عملت في وقت فراغي)؟ هل كسبت صحة، أو مالا، أوعلما، أو نفعا لنفسي أو لغيري؟ وانظر هل خضع وقت فراغك لحكم عقلك؟ فكان لك غاية محمودة، صرفت فيها زمنك؟ إن كان كذلك فقد نجحت، وإلا فحاول حتى تنجح.
أخلق بذي الصبر أن يحظى بحاجته
…
ومدمن القرع للأبواب أن يلجا
فقليل من الزمن يخصص كل يوم لشيء معين، قد يغير عندك مجرى الحياة، ويجعلك أقوم مما تتصور، وأرقى مما تخيل.
إن الأمة تعيش عشر ما ينبغي أن تعيش! أو أقل من ذلك!! سواء في إنتاجها المالي، أو ثقافتها العقلية، أو حالتها الصحية، وباقي حياتها هدر، في كسل أو خمول! أو بين نرد وشطرنج ولهو ولغز! أو في لا شيء! ولا ينقصها لتعيش كما ينبغي إلا أن تكتشف طريقة ملء الزمن وخضوعه لحكم الشرع والعقل)). انتهى.
الوقت هو الحياة وهو أغلى من الذهب
وقال الأستاذ الراشد المرشد حسن البنا رحمه الله تعالى، في مقالة له بعنوان:((الوقت هو الحياة)) (1):
((يقال: الوقت من ذهب!! وها صحيح من حيث القيم المادية للذين لا يقيسون الوجود إلا بها، ولكن الوقت هو الحياة للذين ينظرون إلى أبعد من ذلك.
(1) في كتاب ((منبر الجمعة للإمام الشهيد حسن البنا)) المجموعة الأولى، ص 53، إعداد وتقديم محمد عبد الحكيم خيال.
وهل حياتك أيها الإنسان في هذا الوجود شيء، غير الوقت الذي يمضي بين الوفاة والميلاد؟ وقد يذهب الذهب وينفد، ولكنك تستطيع أن يكون معك منه أضعاف ما فقدت، ولكن الوقت الذاهب والزمن الفائت، لا تستطيع له إعادة أو إرجاعا!! فالوقت إذن أغلى من الذهب، وأغلى من الماس، وأغلى من كل جوهر وعرض، لأنه هو الحياة.
وليس النجاح متوقفا على الخطة الدقيقة، والظروف المواتية فحسب، ولكنه متوقف على اللحظة المناسبة كذلك، وقد كانوا يحذرون من الرأي الفطير، ومن الرأي المتأخر أيضا (1)، والتوفيق أن يقع العمل في لحظته المناسبة (والله يقدر الليل والنهار)(2).
ولهذا كان أعظم الناس تعرضا للخسارة والإخفاق أولئك الغافلين! (ولقد ذرأنا لجهنم كثير من الجن والإنس، لهم قلوب لا يفقهون بها، ولهم أعين لا يبصرون بها، ولهم آذان لا يسمعون بها، أولئك كالأنعام بل هم أضل، أولئك هم الغافلون)(3).
ومن أروع الصور التي عرض فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم قيمة الوقت الكريم: ((ما من يوم ينشق فجره إلا وينادي: يا ابن آدم، أنا خلق جديد، وعلى عملك شهيد، فتزود مني، فإني لا أعود إلى يوم القيامة)) (4).
(1) وفي المثل: شر الرأي الدبري. وهو الذي يسنح بعد فوات الوقت.
(2)
من سورة المزمل، الآية 20.
(3)
من سورة الأعراف، الآية 179.
(4)
لم أجده بهذا اللفظ، وفي ((جمع الجوامع)) للسيوطي، اللوحة 733 ((ما من يوم طعت شمسه إلا يقول: من استطاع أن يعمل في خيرا فليعمله، فإني غير مكرر عليكم أبدا،
…
)) أخرجه البيهقي في ((الشعب)) عن عثمان بن محمد بن المغيرة الأخنس مرسلا، والديلمي عنه عن سعيد بن المسيب عن ابن عباس)).
إذن ليس في الوجود أغلى من الوقت، وإن الأوقات لتتفاوت في يمنها وبركتها، وحسن حظها وسعادة جدها، فساعة أعظم بركة من ساعة، ويوم أفضل عند الله من يوم، وشهر أكرم من شهر:
هو الجد حتى تفضل العين أختها
…
وحتى يكون اليوم لليوم سيدا (1)
ولقد وجهنا رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى قيمة الوقت وطريق الانتفاع به، فيما ورد عنه في كثير من الأحاديث، مشيرا إلى أن ((المؤمن بين مخافتين: بين عاجل قد مضى، لا يدري ما الله صانع فيه، وبين آجل قد بقى، لا يدري ما الله قاض فيه)) (2). فليأخذ العبد من نفسه لنفسه، ومن دنياه لآخرته، ومن الشبيه قبل الهرم، ومن الحياة قبل الموت. فيا أيها الأخ العزيز، اغتنم الوقت، فالوقت كالسيف، ودع التسويف فلا أضر منه، وسل الله التوفيق للعمل المقبول، والوقت الفاضل)). انتهى.
وفقنا الله وإياك أيها القارئ الكريم إلى حفظ الوقت وملئه بالعمل الصالح والعلم النافع، وجعلنا من الذين يعرفون قيمة الزمن والحياة، فلا يبغون أنفسهم ولا أمتهم وبلادهم، وأولئك هم الراشدون.
(1) الجد: الحظ. والبيت للمتنبي في ((ديوانه)) 276:1.
(2)
قال الحافظ العراقي في ((تخريج الإحياء)) 204:2 ((أخرجه البيهقي في ((الشعب)) عن الحسن البصري عن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، وفيه انقطاع)). انتهى فهو حديث ضعيف. يقول العبد الضعيف عبد الفتاح أبو غدة: فرغت من تصحيح هذه الطبعة الخامسة للكتاب في شهر ربيع الأول سنة 1409، راجيا أن تنالني دعوة صالحة ممن ينتفع به، والحمد لله رب العالمين.