الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
تموت غدا ما قدر أن يزيد في العمل شيئا. وقال موسى بن إسماعيل التبوذكي: لو قلت لكم: إني ما رأيت حماد بن سلمة ضاحكا لصدقت، كان مشغولا: إما أن يحدث أو يقرأ، أو يسبح، أو يصلي، وقد قسم النهار على ذلك. قال يونس المؤدب: مات حماد بن سلمة وهو في الصلاة، رحمه الله تعالى عليه)).
أثقل الساعات على الخليل بن أحمد ساعة يأكل فيها
!
وقال أبو هلال العسكري في كتابه ((الحث على طلب العلم والاجتهاد في جمعه)) (1): ((كان الخليل بن أحمد - الفراهيدي البصري، أحد أذكياء العالم، المولود سنة 100، والمتوفي سنة 170 رحمه الله تعالى - يقول: أثقل الساعات علي: ساعة آكل فيها)). فالله أكبر ما أشد الفناء في العلم عنده؟! وما أوقد الغيرة على الوقت لديه؟!.
أبو يوسف ساعة موته يباحث في مسألة فقهية
وهذا الإمام أبو يوسف القاضي (يعقوب بن إبراهيم الأنصاري الكوفي ثم البغدادي)، المولود سنة 113، والمتوفي سنة 182 رحمه الله تعالى، صاحب الإمام أبي حنيفة وتلميذه وناشر علمه ومذهبه، وقاضي الملوك الخلفاء العباسيين الثلاثة: المهدي والهادي والرشيد، وأول من دعي: قاضي القضاة، وكان يقال له: قاضي قضاة الدنيا:
يباحث - وهو في النزع والذماء: النفس الأخير من الحياة - بعض عواده في مسألة فقهية، رجاء النفع بها لمستفيد أو متعلم،
(1) ص 87.
ولا يخلي اللحظة الأخيرة من لحظات حياته من كسبها في مذاكرة علم وإفادة واستفادة.
((قال تلميذه القاضي إبراهيم بن الجراح الكوفي ثم المصري: مرض أبو سيف، فأتيته أعوده، فوجدته مغمى عليه، فلما أفاق قال لي: يا إبراهيم، ما تقول في مسألة؟ قلت: في مثل هذه الحالة؟! قال: ولا بأس بذلك، ندرس لعله ينجو به ناج؟
ثم قال: يا إبراهيم، أيما أفضل في رمي الجمار - أي في مناسك الحج - أن يرميها ماشياً أو راكباً؟ قلت: راكباً، قال: أخطأت، قلت: ماشياً، قال: أخطأت، قلت: قل فيها، يرضى الله عنك. قال: أما ما كان يوقف عنده للدعاء، فالأفضل أن يرميه ماشيا، وأما ما كان لا يوقف عنده فالأفضل أن يرميه راكباً. ثم قُمت من عنده، فما بلغت باب داره حتى سمعت الصراخ عليه، وإذا هو قد مات، رحمه الله عليه (1).
(1) هكذا غلاء العلم عند السلف، يتذاكرون به ويبحثون في مسائله ومشكلاته حتى عند الموت ووداع الحياة! فلله درهم ما أحب العلم إلى قلوبهم؟ وجاء في ((توالي التأنيس بمعالي محمد بن إدريس)) أي الإمام الشافعي، للحافظ ابن حجر، ص105، ((قال ابن أبي حاتم: سمعت المزني يقول: قيل للشافعي: كيف شهوتك للعلم؟ قال: أسمع بالحرف - أي بالكلمة - مما لم أسمعه، فتود أعضائي أن لها أسماعا تتنعم به مثل ما تنعمت به الأذنان. فقيل له: كيف حرصك عليه؟ قال: حرص الجموع المنوع في بلوغ لذته للمال. فقيل له: فكيف طلبك له؟ قال: طلب المرأة المضلة ولدها ليس لها غيره)). وبمثل هذا الشغف والعشق للعلم يتكون النبوغ والإمامة فيه.