المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌مقالة للأستاذ أحمد أمين في حفظ الوقت وآثار ضياعه - قيمة الزمن عند العلماء

[عبد الفتاح أبو غدة]

فهرس الكتاب

- ‌تقدمة الطبعة الخامسة

- ‌تقدمة الطبعة الرابعة:

- ‌تقدمة الطبعة الأولى:

- ‌قيمة الزمن

- ‌للنعم أصول وفروع

- ‌أصول النعم

- ‌بعض الآيات المذكرة بنعمة الزمن

- ‌تأنيب الله للكفار إذ أضاعوا أعمارهم

- ‌إعذار الله لمن بلغه من العمر ستين سنة

- ‌قَسَم الله تعالى بالزمن لبيان عظمه وأهميته

- ‌بيان السنة المطهرة لقيمة الزمن

- ‌الغيرة القاتلة على الوقت عند العابد والعاقل

- ‌حرص السلف على كسب الوقت وملئه بالخير

- ‌أمسك الشمس حتى أكلمك

- ‌ندم ابن مسعود على اليوم يمر من عمره

- ‌الليل والنهار يعملان فيك فاعمل فيهما

- ‌يا ابن آدم إنما أنت أيام

- ‌حماد بن سلمة إما يحدث أو يقرأ أو يسبح أو يصلي

- ‌أثقل الساعات على الخليل بن أحمد ساعة يأكل فيها

- ‌أبو يوسف ساعة موته يباحث في مسألة فقهية

- ‌أبو يوسف يموت ابنه فيوكل بتجهيزه ودفنه ليحضر الدرس

- ‌محمد بن الحسن لا ينام من الليل إلا قليلا

- ‌عصام البلخي اشترى قلما بدينار ليكتب ما سمعه فوراً

- ‌محمد بن سلام البيكندي ينادي: قلم بدينار

- ‌عبيد بن يعيش تلقمه أخته العشاء ثلاثين سنة ليكتب الحديث

- ‌ابن معين يقول لشيخه: أمله علي الآن أخاف أن لا ألقاك

- ‌إمامة يحيى بن معين في الحديث

- ‌كتابة ابن معين بيده ألف ألف حديثوكتابته الحديث الواحد خمسين مرة

- ‌كثرة الكتب التي خلفها ابن معين

- ‌ابن معين كان يذب الكذب عن رسول الله

- ‌شرح واقعة ابن معين مع شيخه محمد بن الفضل

- ‌حرص الجاحظ والفتح بن خاقان وإسماعيل القاضي على العلم

- ‌ابن سحنون ألقمته جاريته العشاء ولم يشعر به لاشتغاله بالتأليف

- ‌ثعلب النحوي يجيب الدعوة بشرط أن يفرغ لمطالعة كتابه

- ‌ثعلب صدمته أثناء مطالعته في الطريق فمات

- ‌حفظ ابن جريرة لوقته وعزمه أن يفسر القرآن بثلاثين ألف ورقة

- ‌عزم ابن جرير أن يؤلف التاريخ في ثلاثين ألف ورقة

- ‌ابن جرير كان يكتب كل يوم أربعين ورقة تأليفاً

- ‌مجموع ما صنفه ابن جرير نحو 358 ألف ورقة

- ‌تنظيم ابن جرير لأوقاته وأعماله

- ‌ابن جرير يكتب معلومة قبيل وفاته بساعة

- ‌بقاء ذكر ابن جرير ببقاء مؤلفاته وآثاره الخالدة

- ‌ابن الخياط النحوي يدرس في الطريق فيسقط في جرف

- ‌الحاكم الشهيد لا يكلم زواره لاشتغاله بالتأليف

- ‌كثرة مؤلفات الحافظ المحدث ابن شاهين

- ‌صرف ابن شاهين في ثمن الحبر سبع مئة درهم

- ‌تلقيب منذر المرواني النحوي (المذاكرة) لشدة تعلقه بمذاكرة النحو

- ‌أبو نعيم الأصفهاني يقرأ عليه في الطريق

- ‌البيروني يتعلم مسألة في الفرائض وهو في الغرغرة والنزع

- ‌سليم الرازي إما ينسخ أو يدرس أو يقرأ أو يتلو لا فراغ لديه

- ‌الخطيب البغدادي يمشي في الطريق وهو يطالع في كتاب

- ‌إمام الحرمين يأكل وينام اضطرارا لا عادة

- ‌إمام الحرمين وهو في الخمسين من العمر يتتلمذ لعالم نحوي

- ‌يعقوب النجيرمي يطالع كتابه خلال مشيه

- ‌ابن عقيل وابن الجوزي غاية الغايات في حفظ الوقت

- ‌ابن عقيل أحد أذكياء بني آدم

- ‌ابن عقيل لا يضيع ساعة من عمره

- ‌اختيار ابن عقيل الكعك المبلول على الخبز لكسب الوقت

- ‌تنوع علوم ابن عقيل وتنوع تصانيفه

- ‌كتابه ((الفنون)) ثماني مئة مجلدة وهو أحد كتبه

- ‌ابن عقيل يقول عند وفاته: دعوني أتهنأ بلقاء الله

- ‌القليل إلى القليل كثير وإنما السيل اجتماع النقط

- ‌أكثر الناس يضيعون الوقت بما لا ينفع

- ‌تعوذ ابن الجوزي من صحبة البطالين

- ‌قيامه بأعمال لا تمنع من المحادثة وقت لقاء الزوار

- ‌شرف الوقت لا يعرفه إلا الموفقون

- ‌حفاظ السلف على الوقت وحذرهم من إضاعته

- ‌نماذج رائعة من المحافظة على الوقت عند السلف

- ‌بيان ما يعين على اغتنام الوقت

- ‌علو همم العلماء السالفين وفضل تصانيفهم

- ‌نهم ابن الجوزي في العلم وشدة تعلقه بالكتب

- ‌كل نفس خزانة فاحذر أن تكون خزانتك فارغة

- ‌ابن الجوزي كان يكتب في اليوم أربعة كراريس تأليفاً

- ‌كتابة ابن الجوزي بيده ألفي مجلدة، بكسب الوقت

- ‌براية أقلام ابن الجوزي سخن بها ماء غسل موته وزادت

- ‌قول ابن تيمية: مصنفات ابن الجوزي أكثر من ألف مصنف

- ‌قول الذهبي: ما علمت أحدا صنف ما صنف ابن الجوزي

- ‌عبد الغني المقدسي وحفاظه على الأوقات وتنظيمها

- ‌الفخر الرازي يتأسف على الوقت الذي يذهب في الأكل

- ‌حفظ ابن سكينة لأوقاته وتنظيمها وملؤها بالأعمال الصالحة

- ‌قول ابن سكينة لتلامذته: لا تزيدوا على (سلام عليكم) مسألة

- ‌ابن تيمية الجد يقرأ عليه الكتاب إذا دخل الخلاء

- ‌الحافظ المنذري كتب بيده 90 مجلدة و 700 جزء من غير تصانيفه

- ‌الحافظ المنذري يشتغل بالعلم في حال الأكل

- ‌الحافظ المنذري لا يخرج من المدرسة لا لعزاء ولا لهناء

- ‌الحافظ المنذري يموت ابنه الغالي فيشيعه لباب المدرسة فقط

- ‌ابن مالك كان يصلي أو يتلو أو يصنف أو يقرأ

- ‌حفظ ابن مالك ثمانية أبيات قبل موته تلقينا

- ‌الإمام النووي لم يضع جنبه على الأرض نحو سنتين

- ‌النووي يقرأ كل يوم اثني عشر درساً مع الضبط والتعليق

- ‌النووي كان لا يأكل إلا أكلة واحدة في اليوم والليلة

- ‌تقشف النووي وتخشنه في مطعمه وملبسه وعيشه

- ‌مسامرة ابن النفيس بالعلم مع ابن واصل حتى الفجر

- ‌تسجيل ابن النفيس بعض مباحث الطب أثناء استحمامه

- ‌ابن النفيس كاشف الدورة الدموية قبل سبعة قرون

- ‌الشيخ ابن تيمية تآليف لا يمكن حصرها، بكسب الوقت

- ‌الشيخ ابن تيمية يطالع ويقرر العلم حال مرضه وسفره

- ‌الشمس الأصبهاني يقلل طعامه لئلا يضيع الزمان بدخوله وخروجه

- ‌الشوكاني بلغت دروسه في اليوم والليلة نحو ثلاثة عشر درساً

- ‌الآلوسي ألف تفسيره بالليل ويدرس بالنهار ثلاثة عشر درساً

- ‌عبد الحي اللكنوي مات عن 39 سنة وجاوزت مؤلفاته 110

- ‌حكيم الأمة التهانوي زادت مؤلفاته على الألف

- ‌تآليف الأئمة السابقين تدل على حفظهم للأوقات

- ‌بعض المؤلفات الكبار الضخام للسابقين في التفسير وعلومه

- ‌الأئمة المكثرون من التآليف

- ‌الباقلاني لا ينام حتى يكتب خمساً وثلاثين ورقةً تأليفاً

- ‌كثرة تأليف ابن أبي الدنيا وابن عساكر وابن شاهين

- ‌كثرة مؤلفات ابن حزم وابن أبي حاتم الرازي

- ‌كثرة مؤلفات الحاكم النيسابوري

- ‌كثرة مؤلفات أبي الحسن الأشعري

- ‌كثرة مؤلفات ابن تيمية وابن القيم والبيهقي

- ‌كثرة مؤلفات محمد بن سحنون المالكي

- ‌كثرة مؤلفات أبي جعفر الطحاوي

- ‌كثرة مؤلفات أبي عبيدة وابن سريج وابن حبيب الأندلسي

- ‌كبر تواليف جملة من العلماء السابقين

- ‌كثرة مؤلفات بعض المتأخرين لا تبلغ كثرة مؤلفات السابقين

- ‌مراعاة حفظ الوقت تطيل الأعمار وتكثر الآثار

- ‌ضخامة ما قدمه الحافظ ابن عساكر للمكتبة الإسلامية

- ‌علو همة ابن عساكر وسعة طوافه بلدان الإسلام

- ‌انقطاع ابن عساكر للعلم وكثرة شيوخه وشيخاته وقوة إتقانه

- ‌تأخر مسموعات ابن عساكر عليه وقلقه عليها حتى وصلت

- ‌حسن توزيع كل عمل على ما يناسبه من الأوقات

- ‌ذكر أفضل أوقات الحفظ وأماكنه

- ‌استحباب البعد عن الضوضاء عند الحفظ والدرس

- ‌استحسان أن يخادع المرء نفسه عند الملل والفتور

- ‌بعض ما يعالج به الملل ويطرد به النعاس والكسل

- ‌لزوم الاشتغال بالمهم وتقديمه على غير المهم

- ‌وصية العباس العلوي في تقديم الأهم على الهام

- ‌ذكر جملة من العلماء ألفوا خمسين مؤلفاً فمئة فأكثر

- ‌ذكر الروافد المعينة على كسب الوقت والانتفاع به

- ‌الأكل والنوم والاستراحة لطالب العلم بقدر الضرورة

- ‌أبو الوفاء بن عقيل يقول: أقصر بغاية جهدي أوقات أكلي

- ‌بيتان للسيوطي فيما يلزم طالب العلم لكسب الوقت

- ‌الفائت من الزمان لا يعود أبدا

- ‌الكسل بئس الرفيق وحب الراحة يورث الندم

- ‌سمو النفس إلى الفضائل والكمال عنوان شرفها

- ‌ذكر أهم ما يساعد على اغتنام الوقت

- ‌الوقت هو الحياة

- ‌قول حفصة بنت سيرين: ما العمل إلا في الشباب

- ‌قول الإمام أحمد: ما شبهت الشباب إلا بشيء كان في كمي فسقط

- ‌انتشار الكسل العقلي في صفوف طلبة العلم اليوم

- ‌الآلوسي الحفيد وحرصه الشديد على الدرس والعلم

- ‌أنت في الكبر أشغل وأضعف منك في الشباب والصغر

- ‌الشباب مظنة الجد واللذاذات والشيخوخة مظنة الضعف والمنغصات

- ‌لا تكن سبهللا في أمر الدنيا أو أمر الدين

- ‌الوقت أغلى مملوك وأرخص مضيع

- ‌مقالة للأستاذ أحمد أمين في حفظ الوقت وآثار ضياعه

- ‌الوقت هو الحياة وهو أغلى من الذهب

الفصل: ‌مقالة للأستاذ أحمد أمين في حفظ الوقت وآثار ضياعه

ولما أدركت الشيخوخة وأمراضها أبا عثمان الجاحظ الأديب المشهور، كان ينشد هذين البيتين متحسرا متألما من تقاعد الضعف والكبر والمرض به:

أترجو أن تكون وأنت شيخ

كما قد كنت أيام الشباب

لقد كذبتك نفسك ليس ثوب

دريس كالجديد من الثياب (1)

‌لا تكن سبهللا في أمر الدنيا أو أمر الدين

فالعاقل الموفق من يملأ كل لحظة وثانية من حاضر عمره ووقته بفائدة أو عمل صالح، وقد كره سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه التعطل والبطالة وإضاعة الزمن سدى! فقال: إني لأكره أن أرى أحدكم سبهللا - أي فارغا - لا في عمل دنيا ولا في عمل آخرة!

‌الوقت أغلى مملوك وأرخص مضيع

!

ورحم الله الوزير الصالح والعلامة الفقيه الأديب الأريب: يحيى بن هبيرة، البغدادي الحنبلي، المولود سنة 449، والمتوفي سنة 560، شيخ الإمام ابن الجوزي، إذ يقول (2):

والوقت أنفس ما عنيت بحفظه

وأراه أسهل ما عليك يضيع!

‌مقالة للأستاذ أحمد أمين في حفظ الوقت وآثار ضياعه

وقد وقفت على مقالة للأستاذ أحمد أمين الكاتب الأديب المصري، المتوفي سنة 1373، بعنوان (أوقات الفراغ)، أوردها في كتابه ((فيض

(1) دريس: بال. والبيتان من ترجمته في ((تاريخ بغداد)) للخطيب البغدادي 219:12.

(2)

كما في ترجمته الحافلة في ((ذيل طبقات الحنابلة)) للحافظ ابن رجب 281:1.

ص: 118

الخاطر)) (1)، فرأيت إيرادها في ختام هذه الرسالة - باختصار مع تصرف وزيادة كلمات يسيرة - لمناسبتها المقام رجاء الانتفاع بها.

قال: ((في المنازل آلاف آلاف من طلبة المدارس، يقضون أربعة أشهر أو خمسة أشهر: إجازة صيفية، فهل تساءل الآباء كيف يقضى هذا الوقت الطويل فيما يعود بالنفع على جسمهم وعقلهم وخلقهم وبلادهم؟ وفي البيوت نصف عدد الأمة من النساء، فكيف يقضين أوقات فراغهن؟ إذا كان الزمن هو المادة (الخامة) لاستغلال المال، وتحصيل العلم، وكسب الصحة، فكم من كل ذلك؟! وكم أعمار تضيع في عبث؟! لا في عمل الدنيا، ولا في عمل آخرة!

ومن نتائج ضياع الزمن ضياع كثير من منابع الثروة، كان يمكن أن تستغل لولا إهمال الزمان والجهل باستعماله، فكم من الأراضي البور كان يمكن أن تصلح، ومن الشركات يمكن أن تؤسس، ومن المؤسسات المختلفة يمكن أن تنشأ وتدار بجزء من الزمان الفارغ.

وإن من نتيجة ضياع الزمن في عالمنا كساد الكتب وعدم قراءتها، والرضا بالجهل، فليس هناك نفوس تألم من الجهل! ولكن أجساد تخلد إلى الراحة. والشأن في عالم المال كالشأن في عالم الكتب، فهناك القناعة بالقليل، والرضا بالميسور، والنوم على الوظيفة والعمل الراتب الذي لا يدعو إلى جهد، ولا يبعث على تفكير. ثم هناك الفكر المضنى، وإفساح الطريق للأجنبي النشيط الذي يعرف كيف يستغل زمنه.

ولست أريد من المحافظة على الزمن أن يملأ كله بالعمل، وأن

(1) 67:3 من الطبعة الرابعة لمكتبة النهضة المصرية، دون تاريخ.

ص: 119

تكون الحياة كلها جدا ودأبا، لا راحة فيها ولا مرح، وأن تكون عابسة لا ضحك فيها ولا بشر، وإنما أريد ألا تكون أوقات الفراغ طاغية على أوقات العمل، وألا تكون أوقات الفراغ هي صميم الحياة، وأوقات العمل على حاشيتها وطرفها.

بل أريد أكثر من ذلك: أن تكون أوقات الفراغ خاضعة لحكم العقل كأوقات العمل، فإننا في العمل نعمل لغاية، فيجب أن تصرف أوقات الفراغ لغاية كذلك، إما لفائدة صحية كالألعاب الرياضية المشروعة، وإما للذة نفسية كالمطالعات العلمية، وأما لغذاء روحي كالقيام بقراءة القرآن والحديث الشريف ونوافل الطاعات والعبادات.

أما أن تكون الغاية هي قتل الوقت، فليست غاية مشروعة، لأن الوقت هو الحياة، فقتل الوقت قتل الحياة! فالذين يصرفون أوقاتهم الطويلة في نرد أو شطرنج أو لغو أو لهو غير مشروع، لا يعملون لغاية يرتضيها العقل، وكذلك الذين يتسكعون في المقاهي والأندية والطرقات، لا يطلبون إلا قتل الوقت، كأن الوقت عدو من أعدائهم!

ومفتاح العلاج لهذه المشكلة: الاعتقاد بأن الإنسان يستطيع أن يغير موضوعات حبه وكرهه كما يشاء، ويستطيع أن يغير ذوقه كما يشاء، فيستطيع أن يمرن ذوقه على أشياء لم يكن يتذوقها من قبل، وعلى كراهية أشياء كان يحبها من قبل، ففي استطاعة أغلب الناس - إذا قويت إرادتهم - أن يقسموا أوقات فراغهم إلى ما ينفعهم صحيا، وإلى ما ينفعهم عقليا، وإلى ما ينفعهم دينيا.

ومن الأسف أن عامة الناس يعتقدون أن قراءة القصص الحقيقة والمجلات الرخيصة كافية لغذاء عقولهم، فهم يلتهمونها التهاما،

ص: 120

ويكتفون بها في لذتهم العقلية، وهي ليست إلا مخدرا للعقل، أو منبها للغرائز الجنسية. وقليل من الصبر وقوة الإرادة يجعل المتعلم صالحا للدراسة الجدية والقراءة المفيدة.

وكل مثقف يستطيع أن يحرك في نفسه هوى لشيء جدي، في نوع من أنواع المعارف، يدرسه ويتوسع فيه ويتعمقه، سواء كان أدبا، أو حيوانا، أو أزهارا، أو ميكانيكا، أو تاريخ عصر من العصور، أو أي ضرب من ضروب المعارف الإنسانية. ثم يثير رغبته فيه، ثم يخصص جزءا من يومه لدراسته والاهتمام به:

فإذا هو إنسان آخر، له ناحية من نواحي القوة، وله شخصيته المحترمة، وله نفعه لنفسه ولأبناء جنسه وسواهم.

وإذا الأمة غنية بأبنائها في شتى فروع العلم والمعارف والفنون، تعتمد على كل فيما تخصص فيه من نواحي الحياة.

وإذا الناس في مجالسهم يرقى حديثهم، ويسمو تفكيرهم، وتنضر حياتهم، ويكتسب بعضهم من بعض ثقافة وعلما وأدبا وسلوكا وتقديرا للزمن.

وإذا الثقافة ارتقت، والعقول اتسعت، والحياة سمت، والقوة ازدادت، وسبل المعيشة تيسرت وازدهرت.

إذ ذاك يشعر الناس أن عليهم واجبا أن يغدوا عقولهم كما يغذون معداتهم، وأن لا حياة لهم بدون غذاء، ولا غذاء بدون محافظة على الزمن وكسبه والاستفادة المثلى فيه، وعندئذ يرتقي المجتمع وأهله بيئة وفكرا وصناعة وإنتاجا وعطاء ونفعاً.

ص: 121