الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بقدومه وبموته، وأخرج له بنو هاشم الأعواد - أي السرير - التي غسل عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم فغسل عليها، وصلى عليه الناس ودفن في البقيع، وكان الناس يقولون: هذا الذي كان يذب الكذب عن رسول الله. انتهى.
شرح واقعة ابن معين مع شيخه محمد بن الفضل
قلت: في تلقي يحيى بن معين لهذا الحديث من شيخه محمد بن الفضل لطائف غالية، وفوائد ثمينة، وذلك أن يحيى بن معين الذي عرفنا طرفا من ترجمته فيما تقدم، طلب من شيخه محمد بن الفضل السدوسي البصري الملقب بعارم: أ، يحدثه بهذا الحديث أول ما جلس إليه يحيى، فلما بدأ يحدثه واستهل التحديث بقوله: حدثنا حماد بن سلمة، قال له يحيى: لو كان من كتابك.
وإنما طلب يحيى هذا منه زيادة في التوثق والتثبت، فإن محمد بن الفضل حافظ ثبت صدوق مأمون أحد الثقات المعروفين، ولكن أراد يحيى زيادة الاستيثاق والضبط.
وكان من عادة المحدثين قبل إنشاء المدارس في القرن الخامس الهجري أن يحدث الشيخ طلابه في المسجد، أو في مكان فسيح إذا كانوا لا يسعهم المسجد، أو على باب داره إذا كان العدد قليلا، وكان الفضل بن محمد يحدث يحيى بن معين هذا الحديث على باب داره.
فلما قام محمد بن الفضل ليدخل داره ويأتي بكتابه من بيته فيحدثه منه، خشي يحيى أن يحصل لمحمد بن الفضل مانع في هذه الفترة القصيرة بين قيامه لبيته للاتيان بالكتاب وعودته إليه، فيفوت عليه سماع هذا الحديث منه، فأخذ بثيابه قبل أن يتم قيامه ليأتي بالكتاب من بيته،
ومنعه من دخول الدار حتى يحدثه بالحديث من حفظه، لشدة حرصه على سماع الحديث، خشية أن يفوته سماعه بعارض يعرض أو مانع يمنع.
وقال له: أمله علي الآن من حفظك، فإني أخاف أن لا ألقاك، فإن الحياة لها قواطعها، فأخاف أن يحال بيني وبينك فلا ألقاك، فأملى محمد بن الفضل: الحديث على يحيى بن معين من حفظه أولاً، ثم دخل داره فجاء بالكتاب فقرأه عليه منه ثانياً.
وهذه الواقعة تسجل لنا ما كان عليه الإمام يحيى بن معين، من شدة الحرص على كسب الوقت، وعظيم الحفاظ على تحصيل العلم، ومتانة التوثق فيه، وقوة المسارعة والاستباق إلى الاستفادة، وما كان عليه من الابتعاد عن الأمل والتمهل في تقييد العلم والفوائد، وخوف المباغتة من قواطع الحياة (1).
وبهذه الواقعة الصغيرة التي جاء تسجيلها عرضا، عرفنا ما كان عليه الإمام يحيى بن معين من حفظ الوقت وكسب الزمن، وأدركنا كيف تسنى ليحيى بن معين أن يكتب بيده ألف ألف حديث، ويطوف البلدان، ويسمع من الشيوخ، ويحدث بما سمعه وتلقاه ألوف المحدثين والطالبين.
وليس الإمام يحيى بن معين في هذه المنقبة نسيج وحده وفريد
(1) قال الإمام النووي رحمه الله تعالى، في المقدمة الحافلة لكتابه العظيم ((المجموع)) 68:1، في (باب آداب المتعلم):((ومن آدابه: أن تكون همته عالية، فلا يرضى باليسير مع إمكان الكثير، وأن لا يسوف في اشتغاله، ولا يؤخر تحصيل فائدة وإن قلت إذا تمكن منها، وإن أمن حصولها بعد ساعة، لأن للتأخير آفات، ولأنه في الزمن الثاني يحصل غيرها)).