الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الكاتب: شكيب أرسلان
الشعر العصري
(من القصيدة السابقة)
فنعم رجال الشرق قومًا ومعشرًا
…
إلى جدهم أصل المعاني قد انتمى
جروا في رهان الفضل في أول المدى
…
سباقًا كما أجريت أجرد شيظما [1]
ولم يرهبوا من دونها في جهادهم
…
خطارًا فقد خالوا التوقي تقحما [2]
فهم أسسوا ركن الحضارة في الورى
…
ولم يفعلوا إلا لندرك مغنما
وهم أكنهوا سر المعارف أولاً
…
وهم عرفوا نفع العلوم مقدما [3]
فلما أحل الله فيهم قضاءه
…
ووافاهم داعي الردى متخرّما [4]
طوتهم أيادي البين من بعد أن رموا
…
من الهمة الشماء أبعد مرتمى
فغار ضياء الشرق عند غيارهم
…
وأظلم وجه الشرق وقتًا وأقتما [5]
ودالت إلى الغرب العلوم مع العلى
…
كما حكم المبدي المعيد وأبرما
وأوجف ركب السعي في طلب العلى
…
فكان بذا الجري الجواد المصمما [6]
فهادنه صرف الزمان مسالمًا
…
ونوله الخير الأتم المعمما
وباتت بلاد الشرق من بعد عزها
…
كأن لم تنل مجدًا ولم تحو مقرما [7]
إلى أن تجلى طالع العصر بعد أن
…
تحجب عن تلك الجوانب واكتمى [8]
فثابت إلى إشراقه الهمم التي
…
عن العلم قبلاً قد تقاعسن نوما
ومنها:
ألا يا بني الأوطان إن عليكم
…
إلى السعي في تلك المعالي التقدما
عليكم بها فاسعوا لها وتشبهوا
…
فمن يتشبه بالكرام تكرما
ومن قصرت أيديه فليسع طوقه
…
ومن لم يجد ماء بأرض تيمما
وقد نكتفي بالطل إن بان وابل
…
ونحجو اعورار العين خيرًا من العمي
أما نحن من سَنُّوا المآثر واقتفى
…
مآثرنا من بعدنا حاز مستمى
ألم نُعلِ أعلام العلوم بقطرنا
…
على حين حد السيف يرعف بالدما
ألم نك أهل الأولية في العلى
…
ليالي لا نثني عن المجد معزما
بلى نحن كنا أهلها فأزالنا
…
زمان توخى حيفنا وتحكما
وما زال أهل الغرب يدرون قدرنا
…
من الفضل ما أبدوا مدى الدهر معجما
متى يذكر الإفضال فيهم خطيبهم
…
على منبر صلى علينا وسلما
فلا تحسبونا قد عرينا وطالما
…
جررنا من الفضل الرداء المرقما
وهم أثروا عنا العلوم فهذبوا
…
فجروا علينا مطرف المجد معلما
تباروا بعلم بينهم وتنافسوا
…
ولا جرم أن العلم سُر فأشكما [9]
وقد بلغوا من باذخ العز منزلاً
…
يظل لسان الحال عنه مترجما
إذا نظر الشرقي حال صلاحهم
…
بكى صاحبي منها دمًا سال عندما
فيا وطني حتام تلبث غافلاً
…
وحتام يا شرقي أراك مهوِّما [10]
ألم تدُر بالغربي في الأرض سائحًا
…
على سابح من علمه ليس ملجما
فلله در العلم إن جداءه
…
لمما يفوق العارض المتسجما
لكم نال من فخر وأيد صاغرًا
…
وكم عال من فقر وقلد معدما [11]
وكم حل من عِيّ وأطلق حبسة
…
وكم فل من غي وأنطق أبكما
ومنها:
فذو العلم يلقى العز حينًا ومفردًا
…
وذو العلم يلقى العز دهرًا وتوأما
ومن نال أخطار اليراع فإنما
…
ستقرن كفاه يراعًا وصيلما [12]
فسعداً لمن في حلبة العلم قد جرى
…
وسحقًا لمن في حلبة العلم أحجما
ومنها:
لئن تبذلوا فيه النفيس فغيركم
…
لإحرازه هلك النفوس تجشما
وما غيركم والله لا أصولكم
…
نخبر عنهم لا حديثًا مرجما
وقوم هدوا في الحق هدي جدودكم
…
إلى أن غدوا الأعلون في الأمر مثلما
أولئك قد سادوا وأقصى نكاية
…
لنا فيهم ألقاب علج وأعجما
بعلم إذا ما بات فيهم متوجًا
…
فيا طالما قد كان فينا معمما
فإما لعمري قدوة بمعاصر
…
وإما تراث للذي صار أعظما
ولا نحسب الأحوال وهي عوارض
…
غير في أصل المبادي فنسأما
ومنها:
وإن الفتى مَن زان مسقطَ رأسه
…
بما ناله مِن حكمة وتعلما
فذاك الذي في بردة الفضل ينثني
…
وليس الفتى مَن بالعقيق تختما
فإن ينتظم شمل الرجال بقطرنا
…
ترتب فيه أمرنا وتنظما
لأن نجاح الصقع في حسن أهله
…
إذا كان أصل الود في القوم محكما
فكونوا كجسم واحد إن تألمت
…
له علة تلق الجميع تألما
تفوزوا بتذليل الصعاب إذا عصت
…
وتقووا على ذا الدهر إما تهضما
وتحظوا بأعلاق المنى وتحققوا
…
بهمتكم من عصرنا ما توسما
هو العصر وافى ضاحكًا عن فنونه
…
وقد كان من قبل عليكم تأجما
وختامها:
كفى عصرنا فخرًا وعزًّا إذا دعى
…
أمير الورى عبد الحميد المعظما
ليجهد في استرجاع رونق شرقنا
…
وتجديد ما من مجده قد تهدما
فلا زال في عصر الخلافة قائمًا
…
لما أناد من أمر العباد مقوما
ينث عليه الخافقان بعدله
…
ناء جميلاً بالدعاء مختما
_________
(1)
المدى هنا بمعنى المسافة، والأجرد: السبَّاق من الخيل، والشيظم: العظيم الفتيِّ منها.
(2)
الخطار: جمع خطر وهو الشرف، والإشراف على الهلاك، ومنه الخطر، للسبق يراهن عليه، والخطار مصدر لخاطر إذا أشفى على الهلاك لنيل ملك أو شرف وبمعنى راهن.
(3)
أكنهوا الشيء: وصلوا إلى كنهه وحقيقته وبلغوا غايته.
(4)
متخرما: مستأصلاً.
(5)
أغار بمعنى: غاب، وأقتم: أسود.
(6)
أوجف: أسرع، والمصمم من: صمم في السير إذا مشى على رأيه فيه.
(7)
المُقرم بضم الميم وفتح الراء: السيد العظيم، وأصله البعير المكرم الذي لا يحمل عليه ولا يذلل، ومثله القَرم بالفتح.
(8)
اكتمى: استخفى.
(9)
أشكمه: جازاه.
(10)
المهوم والمتهوم: الذي يهز رأسه من النعاس.
(11)
نال: أعطى.
(12)
الأخطار جمع خطر بالنحريك وهو الشرف والرتبة ومكانة الرجل، والصليم هنا: السيف، ومن معانيه: الداهية، والأمر الشديد، والمعنى: أن شرف العلم يوصل إلى شرف السيف وبمعنى آخر: أن شرف العلم هو الذي يأتي بشرف القوة.