المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌القوة في المال - مجلة المنار - جـ ١

[محمد رشيد رضا]

فهرس الكتاب

- ‌التعريف بالمجلة

- ‌ترجمة صاحب المنار

- ‌التعريف بمنهج المنار

- ‌المجلد رقم (1)

- ‌شوال - 1315ه

- ‌مقدمة الطبعة الثانية للمجلد الأول من المنار

- ‌فاتحة السنة الأولى للمنار

- ‌اصطلاحات كُتَّاب العصر

- ‌مشروع مفيد

- ‌مجمل الأحوال السياسية

- ‌29 شوال - 1315ه

- ‌محاورة في سعادة الأمة [

- ‌مجمل الأحوال السياسية

- ‌اليهود في فرنسا وفي مصر

- ‌7 ذو القعدة - 1315ه

- ‌التمدن

- ‌التعصب

- ‌الطبيب الدجال

- ‌ذو القعدة - 1315ه

- ‌تبصرة وذكرى لقوم يعقلون

- ‌سؤال وجواب

- ‌21 ذو القعدة - 1315ه

- ‌الموالد أو المعارض [*]

- ‌المنار في بلاد الشام

- ‌الشرقين الأدنى والأقصى

- ‌28 ذو القعدة - 1315ه

- ‌منكرات الموالد [*]

- ‌صدمة جديدة على اللغة العربية(1)

- ‌خبر واعتبار

- ‌رئيس الولايات المتحدة والحرب

- ‌5 ذو الحجة - 1315ه

- ‌كيف السبيل

- ‌صدمة جديدة على اللغة العربية(2)

- ‌رواية اليتيم

- ‌19 ذو الحجة - 1315ه

- ‌الأدب الصحيح [*]

- ‌سعي مشكور

- ‌26 ذو الحجة - 1315ه

- ‌ما أكثر القول وما أقل العمل [*]

- ‌الشعر والشعراء(1)

- ‌اكتشاف

- ‌الحرب

- ‌إحصاء الحجاج سنة 1315 [*]

- ‌منار عجيب

- ‌أنيس التلميذ [*]

- ‌المحرم - 1316ه

- ‌الاعتبار بما هو جار

- ‌الشعر والشعراء(2)

- ‌تونس

- ‌11 المحرم - 1316ه

- ‌كتاب الإسلام [*]

- ‌الشعر والشعراء(3)

- ‌18 المحرم - 1316ه

- ‌بهتان عظيم [*]

- ‌البوفيه وما فيه

- ‌دار السعادة

- ‌25 المحرم - 1316ه

- ‌صيحة حق [*]

- ‌القوة في المال

- ‌بيع سكك الحديد السودانية

- ‌رسالة التوحيد

- ‌أهم أخبار العدد (13)

- ‌2 صفر - 1316ه

- ‌النميمة والسعاية [*]

- ‌الدين والمدنية في الشرق

- ‌أخبار الآستانة

- ‌أهم الأخبار المحلية

- ‌9 صفر - 1316ه

- ‌المدارس الوطنية في الديار المصرية [*]

- ‌حاجة البشر إلى الرسالة

- ‌الحرب بين أمريكا وأسبانيا

- ‌مراكش

- ‌مشاكل الدول

- ‌خلاصة البهجة

- ‌اختيار الوزراء

- ‌16 صفر - 1316ه

- ‌إلى أي تعليم وتربية نحن أحوج

- ‌محاورة في دعوى ضرر الدين والجامعة الإسلامية

- ‌وظيفة الرسل عليهم السلام

- ‌إيران

- ‌تعصب اليونان واعتداؤهم على المسلمين

- ‌قضية البرنس أحمد سيف الدين بك

- ‌23 صفر - 1316ه

- ‌الجيوش الغربية المعنويةفي الفتوحات الشرقية [*]

- ‌الشعر العصري

- ‌المنار في سوريا

- ‌الحرب

- ‌30 صفر - 1316ه

- ‌مشروع سكة حديد بين بورسعيد والبصرة [*]

- ‌رسالة لصاحب الاكتشاف في الهيئة الأرضية

- ‌7 ربيع الأول - 1316ه

- ‌العلم والحرب [*]

- ‌مشروع سكة حديد بين بورسعيد والبصرة

- ‌من نحالف

- ‌مقتبسات من الجرائد

- ‌14 ربيع الأول - 1316ه

- ‌نهضة مسلمي الهند(1)

- ‌مناقشة

- ‌مقتطفات من الجرائد

- ‌طول الحيوة

- ‌شؤونات إسلامية

- ‌مراقبو الجرائد في سوريا

- ‌كريت

- ‌21 ربيع الأول - 1316ه

- ‌بارقة نجاح

- ‌نهضة مسلمي الهند(2)

- ‌تأثير الاعتقاد في العمل

- ‌رواية الفتاة الشركسية

- ‌مقتطفات من الجرائد

- ‌تقريظ المنار

- ‌مشائخ الطرق

- ‌هكذا فليكن

- ‌28 ربيع الأول - 1316ه

- ‌سلطة مشيخة الطريق الروحية [*]

- ‌ وَاللَّهُ يَقُولُ الْحَقَّ وَهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ [[*]

- ‌الشعر العصري

- ‌مقتطفات من الجرائد

- ‌5 ربيع الثاني - 1316ه

- ‌سلطة مشيخة الطريق الروحية [*]

- ‌حالنا

- ‌الإسلام في الصين

- ‌مقتطفات من الجرائد

- ‌12 ربيع الثاني - 1316ه

- ‌عيد الجلوس الهمايوني [*]

- ‌ فَادْعُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ [[*]

- ‌رأي في موضوع المنار

- ‌نصيحة في معالجة فضيحة

- ‌19 ربيع الثاني - 1316ه

- ‌سجايا العلماء [*]

- ‌ فَادْعُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ [[*]

- ‌العقيدة الإسلامية

- ‌مأثرة جليلة

- ‌26 ربيع الثاني - 1316ه

- ‌التعصب [*](1)

- ‌اقتراح القيصر

- ‌ثورة السودان

- ‌متفرقات

- ‌3 جمادى الأولى - 1316ه

- ‌التعصب [*](2)

- ‌مقتطفات من الجرائد

- ‌تصريح إنكلترا بامتلاك السودان

- ‌10 جمادى الأولى - 1316ه

- ‌مقدمة كتاب الحكمة الشرعيةفي محاكمة القادرية والرفاعية [*]

- ‌مقتطفات من الجرائد

- ‌17 جمادى الأولى - 1316ه

- ‌الاتحاد [*]

- ‌التشبه والاقتداء

- ‌مقتطفات من الجرائد

- ‌تعصب أوربا على الدولة العلية

- ‌24 جمادى الأولى - 1316ه

- ‌ما لا بد منه [*]

- ‌رسالة الحاسد والمحسود(للجاحظ)

- ‌مقتطفات من الجرائد

- ‌2 جمادى الآخرة - 1316ه

- ‌ وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ القُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ [[*]

- ‌رسالة الحاسد والمحسود(للجاحظ)

- ‌الحكمة الشرعية في محاكمة القادرية والرفاعية

- ‌مقتطفات من الجرائد

- ‌9 جمادى الآخرة - 1316ه

- ‌ رَبَّنَا إِنَّا أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَاءَنَا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلَا [[*]

- ‌الرسالة الحاتمية

- ‌(سوانح وبوارح)

- ‌رسالة التوحيد

- ‌جرائد سوريا المستعبَدة

- ‌المسلمون في جاوا

- ‌16 جمادى الآخرة - 1316ه

- ‌اليأس والرجاء في مصر

- ‌الإنصاف من مزايا الأشراف

- ‌عبرةالمنار وجريدة طرابلس

- ‌23 جمادى الآخرة - 1316ه

- ‌الجرائد(وظائف أصحابها)

- ‌أدبيات

- ‌شذرات علمية

- ‌كريت

- ‌5 رجب - 1316ه

- ‌ظلم الدول للمسلمين في كريت

- ‌الموسوعات

- ‌أدبيات

- ‌ما أشبه اليوم بالأمس

- ‌12 رجب - 1316ه

- ‌مقتطفات من الجرائد

- ‌الإباء والصدق

- ‌آثار عن إمبراطور ألمانيا في الشام والقدس

- ‌انتقاد

- ‌19 رجب - 1316ه

- ‌فلسفة التربية الحقة [*]

- ‌شبهة وجوابها

- ‌المنار في بلاد البرازيل

- ‌الإصلاح في الدولة العلية

- ‌أخبار تونسيةملخصة من جريدة الحاضرة الغراء

- ‌26 رجب - 1316ه

- ‌الإصلاح المطلوب [*]

- ‌السعادة الحقيقية

- ‌الشعر العصري

- ‌عجيبة عجيبةأو العدل في القضاء

- ‌اقتراح على مجلس إدارة الأزهر الشريف

- ‌مدارس الخرطوم

- ‌3 شعبان - 1316ه

- ‌الإصلاح الديني المقترح على مقام الخلافة الإسلامية [*]

- ‌ليلة المعراج

- ‌السعادة الحقيقية

- ‌الشعر العصري

- ‌تاريخ دول العرب والإسلام

- ‌إحياء سنة أو سننوإماتة بدع

- ‌10 شعبان - 1316ه

- ‌الإصلاح الديني المقترح على مقام الخلافة الإسلامية [*]

- ‌الغرب الأقصى

- ‌خطبة ناظر خارجية ألمانيا

- ‌17 شعبان - 1316ه

- ‌مستقبل الإسلام [*]

- ‌عالم قريشالإمام محمد بن إدريس الشافعي

- ‌آثار علمية أدبية

- ‌24 شعبان - 1316ه

- ‌محاورة في إصلاح التعليم في الأزهر [*]

- ‌انتشار الإسلام

- ‌خطاب اللورد كرومر

- ‌وميض لمع في ظلمات بدع

- ‌2 رمضان - 1316ه

- ‌رمضان المبارك [*]

- ‌سيرة الإمام الشافعي

- ‌موافقة وانتقاد

- ‌الاستعمار الأوربي

- ‌9 رمضان - 1316ه

- ‌بسمارك والدين [*]

- ‌الجزية والإسلام

- ‌الاختلاف والتفرق في الدين

- ‌شكوى الزمان

- ‌أيها المسلم

- ‌الحكم بالشريعة في السودان

- ‌بغداد والتجارة

- ‌التقاريظ

- ‌16 رمضان - 1316ه

- ‌مَن المسئول الحكومة أم الشعب

- ‌الجزية والإسلام

- ‌اسطقس الحق

- ‌مصاب مصر بالسودان

- ‌23 رمضان - 1316ه

- ‌الوعظ والوعاظ [*]

- ‌الإسلام والترقي

- ‌اسطقس الحق

- ‌الاعتقاد بالجمادات

- ‌عجائب أمريكا

- ‌الشعر عند الإنكليز

- ‌الجنسية العثمانية المصرية

- ‌المدرستان الروسيتان بطرابلس الشام

- ‌طائفة من الأخبار

- ‌8 شوال - 1316ه

- ‌الصنائع والتربية والتعليم [*]

- ‌صلاة الجمعة في جامع عمرو

- ‌دمشق الشام

- ‌وعود فرنسا في تونس

- ‌فرنسا والسودان

- ‌إنكلترا والسودان

- ‌الصوم والفطر

- ‌تنازع أوربا الممالك الإسلامية

- ‌سلطانا العثمانيين والمغرب الأقصى

- ‌15 شوال - 1316ه

- ‌القوة والقانون [*]

- ‌حجة ناهضة وشبهة داحضة

- ‌ملوك المسلمين والتاريخ

- ‌ولي العهد للخديوية المصرية

- ‌ليلة الجمعية الخيرية الإسلامية

- ‌حرية الجرائد في السودان

- ‌22 شوال - 1316ه

- ‌الأُخوَّة والصداقة [*]

- ‌الاشتراكية والدين

- ‌الإصلاح الإسلامي والجرائد

- ‌منتدى سمر

- ‌خاتمة السنة الأولى للمنار

الفصل: ‌القوة في المال

الكاتب: محمد رشيد رضا

‌القوة في المال

رسالة حكيمة وردت إلينا من أحد كتاب دمشق الشام الأفاضل، فأثبتناها لما

فيها من التنبيه والفائدة، شاكرين فضل مُرْسِلها وغيرته وهي:

نِعْمَ المُعِينُ على المروءة للفتى

مال يصون عن التبذل نفسه

لا شيء أنفع للفتى من ماله

يقضي حوائجه ويجلب أنسه

وإذا رمته يد الزمان بسهمه

غدت الدراهم دون ذلك ترسه

المال ولا أزيد القراء به علماً من أعظم أسباب السعادة والرفاه، وبواعث

السؤدد والمنفعة والجادة، بل هو المحور الذي تدور عليه الأعمال، وتناط به

الآمال، وتحط عنده الرحال، وتوجه إليه همم الرجال، فلا يستغنى عنه في حال من

الأحوال.

لابد للمرء من مال يعيش به

وداخل القبر محتاج إلى الكفن

بالمال تقضى الحاجات، تنال الرغبات، وترد اللهفات، وتضاعف

الحسنات، وتستجلب الدعوات، وتعمل الخيرات، وترفع الدرجات، فهو زينة

الحياة، وغاية الغايات.

شيئان لا تحسن الدنيا بغيرهما

المال تصلح منه الحال والولد

زين الحياة هما لو كان غيرهما

كان الكتاب به من ربنا يرد

والفقر أعاذنا الله وإياكم منه، هو البلاء الأكبر، والموت الأحمر

إذا قل مال المرء قل حياؤه

وضاقت عليه أرضه وسماؤه

وأصبح لا يَدْرِي وإن كان حازمًا

أَقُدَّامُه خير له أم وراؤه

كم صير العزيز ذليلاً، والشريف وضيعاً، وقد ورد فيه: (كاد الفقر أن يكون

كفراً) وما ضرب العباد بسوط أوجع من الفقر.

غالبت كل شديدة فغلبتها

والفقر غالبني فأصبح غالبي

إن أبده أفضح وإن لم أبده

أقتل فقبح وجهه من صاحب

فلا مجد في الدنيا لمن قل ماله

ولا مال في الدنيا لمن قل مجده

وفي الحديث الشريف: (لا خير في مَن لا يحب المال ليصل به رحمه،

ويؤدي به أمانته، ويستغني عن خلق ربه) ، ومن كلام الإمام الثوري: المال في

هذا الزمان عز للمؤمن. ومن كلامه أيضًا المال سلاح المؤمن في هذا الزمان.

هذا قليل من كثير مما قيل في فضل المال وفوائده ومنافعه، بالنظر للأفراد،

وأما بالنظر للأمة ففوائده أعظم وأجل، وفقده أدهى وأمر، قال حكيم: لا دولة إلا

بالرجال، ولا رجال إلا بالمال، ولا مال إلا بالعمارة. فالمال هو ميزان قوة الأمة،

وداعية مجدها واستقلالها، خصوصاً في هذا الزمان الذي أضحى مدار الأعمال فيه

على المال؛ إذ بالمال تسد الثغور، وتشاد القلاع والحصون، بالمال تجمع الجموع،

وتحشد الجيوش، بالمال تصان الحدود من هجمات الأعداء، وتسير الأساطيل في

عرض البحار، بالمال تبتاع العدد من أسلحة ومدافع وذخائر، فالقوة كل القوة في

المال، كما أن كل الصيد في جوف الفرا، ولا حياة للأمة بلا مال، ولا وجود ولا

استقلال، ومعلوم أن ثروة كل دولة من ثروة أمتها، وثروة الأمة من ثروة الأفراد،

فإذا كان الأفراد أغنياء كانت الأمة غنية، وإذا كانت الأمة غنية كانت الدولة قادرة

على حفظ دمارها، وحماية بيضتها وصد هجمات الأعداء عنها، ومنع مطامع

الطامعين فيها، إذ لا يخفى أن الجسم المادي كبيرًا كان أو صغيرًا - من الكرة التي

يلعب بها الأولاد الصغار إلى أكبر الثوابت - هو مؤلف من جواهر فردة، وقوته

عبارة عن مجموع قوة هذه الجواهر، فكذلك الدول العظيمة مؤلفة من مجموع أفراد

تبعتها، وقوتها عبارة عن قوة تلك الأفراد، فإذا أعنت صانعاً على إحياء صناعته، أو

تاجراً على توسيع تجارته، أو زارعاً على إتقان زراعته، فقد أحسنت إلى ذلك

التاجر والصانع والزارع (أولاً) ، وزدت في ثروة بلادك (ثانيًا) ، وفي أمتك

ودولتك (ثالثاً) ، والعكس فالصانع والتاجر والزارع يجب أن يكون لهم المقام الأول

في الهيئة الاجتماعية؛ لأن عليهم مدار الثروة والقوة.

فإذا علمت هذا ظهر لك خطأ بعض الجهلاء، المُتَّسِمين بسمة العلماء، الذين

يُزهِّدون الناس في الأشغال والأعمال، ويثبطون هِمَمهم عن العمل بحجة أنهم

يُزهِّدونهم في الدنيا الفانية، ويقربونهم من الآخرة الباقية، وإن الساعة على وشك

القيام، فلا حاجة إلى هذا الاهتمام، يحسبون بذلك أنهم يُحسنون صنعاً، ألا ساء ما

يعملون، يعتاضون بهذا عن تنشيطهم الناس بصفة أنهم قادة العقول، إلى النهوض

من سنة الخمول، إلى الكد والجد ومناظرة غيرهم في جهاد الأعمال والأشغال، فإن

الدنيا مزرعة الآخرة، والشرع الإسلامي لم يحظر على أحد الكسب والارتزاق

بالوجوه المشروعة، وقد جاء في الحديث: (اعمل لدنياك كأنك تعيش أبدًا، واعمل

لآخرتك كأنك تموت غدًا) ، وما ورد من التزهيد في الدنيا يراد به الزهد بما في

أيدي الناس.

وأما احتجاجهم على وشك قيام الساعة، فالساعة علمها عند الله سبحانه وتعالى،

كما جاء في الكتاب، وما يعنينا إن كانت قريبة أم بعيدة، فعلينا أن نعمل بتلك

القاعدة الذهبية التي وضعها أحد الفضلاء، وتربى أولادنا عليها وهي: (إذا أخبرنا

مَلَك من السماء بأننا سنموت غدًا فيجب أن نتم واجباتنا اليوم ونموت غدًا) ، ومعلوم

أن موارد الكسب ثلاثة: الزراعة والتجارة والصناعة (سنفرد لكل واحد منها مقالة

في المستقبل) ، وقوامها كلها بالتوفير والاقتصاد، وليس المراد بالتوفير الشح

والبخل المذمومين شرعًا وعقلاً، بل إتقان أساليب الكسب والارتزاق وتوفير الثروة

العمومية وإصلاح التجارة والزراعة والصناعة على الطرق التي يجري عليها

الغربيون، ورائد ذلك كله العالم الصحيح، كما سنبينه في فرصة أخرى.

والقصد من هذا التمهيد كله ذكر بعض ما شاهدته في الديار المصرية مما

يُذْهِب ثروة أهلها وملاشاتهم، إن ظلوا على سباتهم وغفلتهم، وذلك أني زرت

الديار المصرية منذ عشرين سنة وزرتها في العام الماضي، فوجدت فرقاً كليًّا في

الزيارتين، وجدت في الزيارة الأولى مصر للمصريين، وفي الثانية مصر للدخلاء

والغرباء، وجدتهم قابضين على الوظائف المهمة، والأشغال العظيمة، وجدت

المالية بيدهم، وكذا التجارة، والبنوكة، والأشغال العمومية، وجدت الوطنيين آلة

صماء بأيديهم، وجدت أكثر أبناء الأعيان الذين هم رجال المستقبل منغمسين في

المنكرات، عاكفين على اللذات، ينفقون المال جذافاً في سبيل البذخ والشهوات،

وكثيرين منهم باعوا ما تركه لهم أسلافهم من الأطيان والعقار وأضاعوه في المقامرة

وأخواتها من الفواحش، وجدت الوطنيين مثقلين بالديون للأجانب، وجدت أكثر

سراتهم ووجهائهم عاكفين على اللهو والبطالة، وأحوالهم في تأخر وتقهقر،

والأجنبي يبتز أموالهم ويتملك أطيانهم، وإذا سافر أحدهم إلى البلاد الأوربية، كما

هي عادة بعضهم في زمن الصيف وإبان القيظ، فلا يعود منها بتجارة أو صناعة

تعود عليه وعلى بلاده بالنفع والفائدة، بل بأحمال من الأزياء والعادات الإفرنجية،

التي تذهب بجانب كبير من ثروته إذا لم تذهب بمجموعها. وقد شاهدت واحداً منهم

فتح مخزناً كبيراً لتجارة واسعة قرب الأزبكية، فتنازل الخديوي أيده الله يوم فَتْح

المخزن لتشريف مخزنه بذاته الكريمة، وهنأه بذلك تنشيطًا لغيره باحتذاء مثاله.

ثم جُلت في الأرياف حتى انتهيت إلى الحدود، فرأيت مثل ما رأيت في

البنادر الكبيرة وزيادة: رأيت الدخلاء قد نصبوا فيها للفلاحين المساكين فخاخ

المسكر والميسر والفواحش والربا الفاحش، يوقعونهم فيها ويستولون على أطيانهم.

رأيت في الأقصر دارًا كبيرة حمراء على هيئة البرابي المصرية القديمة لرجل

أجنبي، قدم البلاد منذ بضع سنين، فسمع أن الفلاحين يستدينون الجنيه الواحد

بخمسة غروش في الشهر، فاستوطن ذلك المحل، وأخذ يقرض الفلاحين الدنانير

بذلك الربا الفاحش، فأثرى إثراءً مفرطاً، وبنى تلك الدار على الهيئة التي ذكرناها،

وقلما مررت بكفر إلا ورأيت فيه المواخير والحانات ومحلات المقامرة والفحش،

والعمد والفلاحين عاكفين عليها أي انعكاف، وكنت إذا مررت بعزبة عامرة وفيها

الآلات المتقنة لري الأرض أسأل عنها فيقال لي: إنها لفلان الأجنبي ابتاعها حديثًا

من فلان الوطني، وإذا مررت بعزبة عامرة تسقَى بالشادوف أو الساقية أسأل عنها

فيقال لي: إنها لفلان الوطني، وهو على وشك أن يبيعها؛ لأنه مثقل بالديون بالبنك،

أو لفلان الأجنبي، وفي الجملة إنني رأيت تنازع البقاء في هذا القطر بالغاً أشده

بين الوطنيين والدخلاء، ولا بد أن يؤدي إلى نتيجته المعلومة (بقاء الأنسب) أي

ملاشاة الوطنيين (لا سمح الله) إذا ظلوا على حالتهم الحاضرة، وقيام الدخلاء

مقامهم، فيصبحون لديهم أجراء يستخدمونهم كما يستخدمون البهائم، فبمثل هذا

يجب الوعظ والإنذار، ولمثل هذا يجب توجه الأفكار وتنبه الهمم، ولما كانت

جريدتكم من الغيرة والحمية بالمكان الذي نعلمه ويعلمه الجميع كتبت إليها بهذه

العجالة مع علمي أني بذلك كمهدي السمك إلى البحر، والتمر إلى هجر، وبالله

التوفيق.

_________

ص: 225

الكاتب: محمد رشيد رضا

بيع الحكومة المصرية لسفنهاوأطيانها وسككها [1]

باعت الحكومة المصرية لأجل حملة السودان البواخر الخديوية لشركة

إنكليزية وكانت قررت بيع تفتيش الوادي لكن لم يبرم الأمر فيه؛ لأنه وقف،

وقررت أخيرًا بيع الدائرة السنية لشركة إنكليزية فرنسوية مصرية، لكن الشركة

تطلب تحويرًا في شروط البيع، فلم يحصل القبول للآن، وعزمت على بيع سكك

حديد السودان، فأرسل الباب العالي رسالة برقية للجناب الخديوي في ذلك وهذا

ملخصها على ما جاء في جريدة الأهرام الغراء.

(إن إنكلترا باحتلالها مصر قد أعلنت مرارًا احترام حقوق السلطة العثمانية

على وادي النيل، مما نشكرها عليه، ولما كانت سكك حديد السودان طريقاً حربية،

فإنه يستحيل بيعها إلى شركة، ولا سيما إذا كانت أجنبية، ونحن نعلم احتياج مصر

إلى المال للقيام بنفقة الحملة السودانية، ولكن الأموال متوفرة في صندوق الدين،

فيمكنها أن تتناول منه ما تحتاج إليه، ومع ذلك فإن الباب العالي يسمح لمصر بعقد

سلفة لنفقات السودان، وهو مستعد لإصدار فرمان شاهاني بذلك) اهـ.

_________

(1)

وردت هذه النبذة في العدد الثاني عشر.

ص: 230