المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌محاورة في إصلاح التعليم في الأزهر [*] - مجلة المنار - جـ ١

[محمد رشيد رضا]

فهرس الكتاب

- ‌التعريف بالمجلة

- ‌ترجمة صاحب المنار

- ‌التعريف بمنهج المنار

- ‌المجلد رقم (1)

- ‌شوال - 1315ه

- ‌مقدمة الطبعة الثانية للمجلد الأول من المنار

- ‌فاتحة السنة الأولى للمنار

- ‌اصطلاحات كُتَّاب العصر

- ‌مشروع مفيد

- ‌مجمل الأحوال السياسية

- ‌29 شوال - 1315ه

- ‌محاورة في سعادة الأمة [

- ‌مجمل الأحوال السياسية

- ‌اليهود في فرنسا وفي مصر

- ‌7 ذو القعدة - 1315ه

- ‌التمدن

- ‌التعصب

- ‌الطبيب الدجال

- ‌ذو القعدة - 1315ه

- ‌تبصرة وذكرى لقوم يعقلون

- ‌سؤال وجواب

- ‌21 ذو القعدة - 1315ه

- ‌الموالد أو المعارض [*]

- ‌المنار في بلاد الشام

- ‌الشرقين الأدنى والأقصى

- ‌28 ذو القعدة - 1315ه

- ‌منكرات الموالد [*]

- ‌صدمة جديدة على اللغة العربية(1)

- ‌خبر واعتبار

- ‌رئيس الولايات المتحدة والحرب

- ‌5 ذو الحجة - 1315ه

- ‌كيف السبيل

- ‌صدمة جديدة على اللغة العربية(2)

- ‌رواية اليتيم

- ‌19 ذو الحجة - 1315ه

- ‌الأدب الصحيح [*]

- ‌سعي مشكور

- ‌26 ذو الحجة - 1315ه

- ‌ما أكثر القول وما أقل العمل [*]

- ‌الشعر والشعراء(1)

- ‌اكتشاف

- ‌الحرب

- ‌إحصاء الحجاج سنة 1315 [*]

- ‌منار عجيب

- ‌أنيس التلميذ [*]

- ‌المحرم - 1316ه

- ‌الاعتبار بما هو جار

- ‌الشعر والشعراء(2)

- ‌تونس

- ‌11 المحرم - 1316ه

- ‌كتاب الإسلام [*]

- ‌الشعر والشعراء(3)

- ‌18 المحرم - 1316ه

- ‌بهتان عظيم [*]

- ‌البوفيه وما فيه

- ‌دار السعادة

- ‌25 المحرم - 1316ه

- ‌صيحة حق [*]

- ‌القوة في المال

- ‌بيع سكك الحديد السودانية

- ‌رسالة التوحيد

- ‌أهم أخبار العدد (13)

- ‌2 صفر - 1316ه

- ‌النميمة والسعاية [*]

- ‌الدين والمدنية في الشرق

- ‌أخبار الآستانة

- ‌أهم الأخبار المحلية

- ‌9 صفر - 1316ه

- ‌المدارس الوطنية في الديار المصرية [*]

- ‌حاجة البشر إلى الرسالة

- ‌الحرب بين أمريكا وأسبانيا

- ‌مراكش

- ‌مشاكل الدول

- ‌خلاصة البهجة

- ‌اختيار الوزراء

- ‌16 صفر - 1316ه

- ‌إلى أي تعليم وتربية نحن أحوج

- ‌محاورة في دعوى ضرر الدين والجامعة الإسلامية

- ‌وظيفة الرسل عليهم السلام

- ‌إيران

- ‌تعصب اليونان واعتداؤهم على المسلمين

- ‌قضية البرنس أحمد سيف الدين بك

- ‌23 صفر - 1316ه

- ‌الجيوش الغربية المعنويةفي الفتوحات الشرقية [*]

- ‌الشعر العصري

- ‌المنار في سوريا

- ‌الحرب

- ‌30 صفر - 1316ه

- ‌مشروع سكة حديد بين بورسعيد والبصرة [*]

- ‌رسالة لصاحب الاكتشاف في الهيئة الأرضية

- ‌7 ربيع الأول - 1316ه

- ‌العلم والحرب [*]

- ‌مشروع سكة حديد بين بورسعيد والبصرة

- ‌من نحالف

- ‌مقتبسات من الجرائد

- ‌14 ربيع الأول - 1316ه

- ‌نهضة مسلمي الهند(1)

- ‌مناقشة

- ‌مقتطفات من الجرائد

- ‌طول الحيوة

- ‌شؤونات إسلامية

- ‌مراقبو الجرائد في سوريا

- ‌كريت

- ‌21 ربيع الأول - 1316ه

- ‌بارقة نجاح

- ‌نهضة مسلمي الهند(2)

- ‌تأثير الاعتقاد في العمل

- ‌رواية الفتاة الشركسية

- ‌مقتطفات من الجرائد

- ‌تقريظ المنار

- ‌مشائخ الطرق

- ‌هكذا فليكن

- ‌28 ربيع الأول - 1316ه

- ‌سلطة مشيخة الطريق الروحية [*]

- ‌ وَاللَّهُ يَقُولُ الْحَقَّ وَهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ [[*]

- ‌الشعر العصري

- ‌مقتطفات من الجرائد

- ‌5 ربيع الثاني - 1316ه

- ‌سلطة مشيخة الطريق الروحية [*]

- ‌حالنا

- ‌الإسلام في الصين

- ‌مقتطفات من الجرائد

- ‌12 ربيع الثاني - 1316ه

- ‌عيد الجلوس الهمايوني [*]

- ‌ فَادْعُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ [[*]

- ‌رأي في موضوع المنار

- ‌نصيحة في معالجة فضيحة

- ‌19 ربيع الثاني - 1316ه

- ‌سجايا العلماء [*]

- ‌ فَادْعُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ [[*]

- ‌العقيدة الإسلامية

- ‌مأثرة جليلة

- ‌26 ربيع الثاني - 1316ه

- ‌التعصب [*](1)

- ‌اقتراح القيصر

- ‌ثورة السودان

- ‌متفرقات

- ‌3 جمادى الأولى - 1316ه

- ‌التعصب [*](2)

- ‌مقتطفات من الجرائد

- ‌تصريح إنكلترا بامتلاك السودان

- ‌10 جمادى الأولى - 1316ه

- ‌مقدمة كتاب الحكمة الشرعيةفي محاكمة القادرية والرفاعية [*]

- ‌مقتطفات من الجرائد

- ‌17 جمادى الأولى - 1316ه

- ‌الاتحاد [*]

- ‌التشبه والاقتداء

- ‌مقتطفات من الجرائد

- ‌تعصب أوربا على الدولة العلية

- ‌24 جمادى الأولى - 1316ه

- ‌ما لا بد منه [*]

- ‌رسالة الحاسد والمحسود(للجاحظ)

- ‌مقتطفات من الجرائد

- ‌2 جمادى الآخرة - 1316ه

- ‌ وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ القُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ [[*]

- ‌رسالة الحاسد والمحسود(للجاحظ)

- ‌الحكمة الشرعية في محاكمة القادرية والرفاعية

- ‌مقتطفات من الجرائد

- ‌9 جمادى الآخرة - 1316ه

- ‌ رَبَّنَا إِنَّا أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَاءَنَا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلَا [[*]

- ‌الرسالة الحاتمية

- ‌(سوانح وبوارح)

- ‌رسالة التوحيد

- ‌جرائد سوريا المستعبَدة

- ‌المسلمون في جاوا

- ‌16 جمادى الآخرة - 1316ه

- ‌اليأس والرجاء في مصر

- ‌الإنصاف من مزايا الأشراف

- ‌عبرةالمنار وجريدة طرابلس

- ‌23 جمادى الآخرة - 1316ه

- ‌الجرائد(وظائف أصحابها)

- ‌أدبيات

- ‌شذرات علمية

- ‌كريت

- ‌5 رجب - 1316ه

- ‌ظلم الدول للمسلمين في كريت

- ‌الموسوعات

- ‌أدبيات

- ‌ما أشبه اليوم بالأمس

- ‌12 رجب - 1316ه

- ‌مقتطفات من الجرائد

- ‌الإباء والصدق

- ‌آثار عن إمبراطور ألمانيا في الشام والقدس

- ‌انتقاد

- ‌19 رجب - 1316ه

- ‌فلسفة التربية الحقة [*]

- ‌شبهة وجوابها

- ‌المنار في بلاد البرازيل

- ‌الإصلاح في الدولة العلية

- ‌أخبار تونسيةملخصة من جريدة الحاضرة الغراء

- ‌26 رجب - 1316ه

- ‌الإصلاح المطلوب [*]

- ‌السعادة الحقيقية

- ‌الشعر العصري

- ‌عجيبة عجيبةأو العدل في القضاء

- ‌اقتراح على مجلس إدارة الأزهر الشريف

- ‌مدارس الخرطوم

- ‌3 شعبان - 1316ه

- ‌الإصلاح الديني المقترح على مقام الخلافة الإسلامية [*]

- ‌ليلة المعراج

- ‌السعادة الحقيقية

- ‌الشعر العصري

- ‌تاريخ دول العرب والإسلام

- ‌إحياء سنة أو سننوإماتة بدع

- ‌10 شعبان - 1316ه

- ‌الإصلاح الديني المقترح على مقام الخلافة الإسلامية [*]

- ‌الغرب الأقصى

- ‌خطبة ناظر خارجية ألمانيا

- ‌17 شعبان - 1316ه

- ‌مستقبل الإسلام [*]

- ‌عالم قريشالإمام محمد بن إدريس الشافعي

- ‌آثار علمية أدبية

- ‌24 شعبان - 1316ه

- ‌محاورة في إصلاح التعليم في الأزهر [*]

- ‌انتشار الإسلام

- ‌خطاب اللورد كرومر

- ‌وميض لمع في ظلمات بدع

- ‌2 رمضان - 1316ه

- ‌رمضان المبارك [*]

- ‌سيرة الإمام الشافعي

- ‌موافقة وانتقاد

- ‌الاستعمار الأوربي

- ‌9 رمضان - 1316ه

- ‌بسمارك والدين [*]

- ‌الجزية والإسلام

- ‌الاختلاف والتفرق في الدين

- ‌شكوى الزمان

- ‌أيها المسلم

- ‌الحكم بالشريعة في السودان

- ‌بغداد والتجارة

- ‌التقاريظ

- ‌16 رمضان - 1316ه

- ‌مَن المسئول الحكومة أم الشعب

- ‌الجزية والإسلام

- ‌اسطقس الحق

- ‌مصاب مصر بالسودان

- ‌23 رمضان - 1316ه

- ‌الوعظ والوعاظ [*]

- ‌الإسلام والترقي

- ‌اسطقس الحق

- ‌الاعتقاد بالجمادات

- ‌عجائب أمريكا

- ‌الشعر عند الإنكليز

- ‌الجنسية العثمانية المصرية

- ‌المدرستان الروسيتان بطرابلس الشام

- ‌طائفة من الأخبار

- ‌8 شوال - 1316ه

- ‌الصنائع والتربية والتعليم [*]

- ‌صلاة الجمعة في جامع عمرو

- ‌دمشق الشام

- ‌وعود فرنسا في تونس

- ‌فرنسا والسودان

- ‌إنكلترا والسودان

- ‌الصوم والفطر

- ‌تنازع أوربا الممالك الإسلامية

- ‌سلطانا العثمانيين والمغرب الأقصى

- ‌15 شوال - 1316ه

- ‌القوة والقانون [*]

- ‌حجة ناهضة وشبهة داحضة

- ‌ملوك المسلمين والتاريخ

- ‌ولي العهد للخديوية المصرية

- ‌ليلة الجمعية الخيرية الإسلامية

- ‌حرية الجرائد في السودان

- ‌22 شوال - 1316ه

- ‌الأُخوَّة والصداقة [*]

- ‌الاشتراكية والدين

- ‌الإصلاح الإسلامي والجرائد

- ‌منتدى سمر

- ‌خاتمة السنة الأولى للمنار

الفصل: ‌محاورة في إصلاح التعليم في الأزهر [*]

الكاتب: محمد رشيد رضا

‌محاورة في إصلاح التعليم في الأزهر [*]

لولا أن اليأس من رَوْح الله مقصور في كتاب الله على القوم الكافرين لقلنا:

كيف يرجى إصلاح حال أمة يعتقد علماؤها أن الإصلاح محال، وأن العمل على

إرجاع مجد الدين عبث وضلال، لأن الزمان فسد والساعة قربت وظهر في الناس

مصداق الأحاديث بغوايتهم وتركهم للدين، ولا يوجد أحاديث أخرى تدل على أنهم

يرجعون إلى هديه. وأن العلوم العصرية حتى الحساب والتاريخ مضلة للأمة صادَّة

لهم عن سبيل الحق مسجلة عليهم الحرمان من السعادة. وأن السعادتين الدنيوية

والأخروية اللتين حث عليهما الإسلام لا تُنالان إلا بدراسة هذه الكتب المطولة في

النحو والفقه، وإن كان أكثرها عقيمًا لا يُصلِح لسانًا ولا عملاً، ولا يقي الآخذ به

زيغًا ولا زللاً، وأن ما سوى ذلك من علوم التفسير والحديث والتهذيب لا ضرورة

تدعو إليها، بل لا حاجة لتعلمها، إذ تقليد الفقهاء هو المحتَّم على كل فرد من أفراد

الأمة، ومن اعتقد صحة حديث نبوي مخالف لقول فقهاء مذهبه وقال: آخذ بالحديث

دون قول الفقيه، فذلك زنديق (نعوذ بالله تعالى) .

وهل يوجد في علماء المسلمين من هبط بدينه وعقله إلى هذه الاعتقادات

والآراء؟ نعم، وإننا لنخجل من كتابة ذلك عنهم ونشره بين الناس، ولكن

الضرورة تلجئنا إلى نشره؛ لأنه أدوأ أمراضنا ومن كتم داءه قتله.

اجتمع بعض الناس بشيخ من أكابر علماء الأزهر وتذاكرا فيما لهجت به

الجرائد من الإصلاح، وأن تعليم الأزهر لا يرجى منه خير للملة كما جاء في بعض

الجرائد الهندية، ونقلته الجرائد المصرية (المؤيد والمنار) فقال (الإنسان) : لا

حاجة إلى تكليف كل طالب للعلم أن يدرس جميع مطولات كتب الفقه، لا سيما ما لا

يتعلق به عمل، كفقه المالكية والشافعية ما عدا العبادات وما في معناها، فمن

الإصلاح في التعليم أن يخصص بعض فقهاء المالكية مثلاً لقراءة المطولات لمن

يرغب في ذلك، وتتوجه همته إليه من الطلاب، إذ هذا الفريق هو الذي يرجى منه

حفظ المذهب وإتقانه، ويقتصر باقي الطلاب على درس الكتب المختصرة أو

المتوسطة بحيث يعرفون الواجب عليهم من ذلك، ويعرفون أساليب الفن، حتى إذا

ما دعتهم الحاجة إلى التوسع فيه أمكنهم ما أخذوه من تحصيل ما لم يأخذوا، وأن

يصرف هؤلاء الوقت الذي كانوا يصرفونه في قراءة مطولات الفقه إلى علم القرآن

والحديث وأخلاق الدين التي هي الفقه الحقيقي عند الله ورسوله؛ لأنها هي التي

يكون بها الوعظ والإرشاد والبشارة والإنذار، قال عز وجل: {فَلَوْلَا نَفَرَ مِن كُلِّ

فِرْقَةٍ مِّنْهُمْ طَائِفَةٌ لِّيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ} (التوبة: 122) .

قال حجة الإسلام الغزالي في هذا المقام ما معناه: ومعلوم أن علم الإجارة

والسَّلَم ونحوه مما يسمونه فقهًا لا يحصل به الإنذار، ولا يرجى به الحذر من أسباب

الشقاء، فليس مما عناه القرآن.

فأجاب (الشيخُ) هذا (الإنسانَ) بما محصله: أن علم الحديث لا حاجة إليه

في هذه العصور ألبتة، أما من حيث الرواية فقد فرغ منه من قرون، وأما من حيث

الدراية فلا يجوز لمسلم أن يأخذ بالحديث، بل الواجب الأخذ بكلام الفقهاء، ومن

ترك كلام فقهاء مذهبه للأخذ بحديث مخالف له فهو زنديق (كبرت كلمة هو قائلها)

فتعجب الإنسان وقال: أنا أرى أن الذي يترك كلام صاحب الشريعة المعصوم الذي

يعتقد صحته وأنه قاله ويأخذ بكلام فقيه يجوز عليه ترك الحق عمدًا وخطأ - هو

الزنديق، فقال الشيخ صاحب الكلمة: يجوز أن يكون الحديث الذي يأخذ به ضعيفًا

أو موضوعًا، فقال الإنسان: إنما كلامنا في حديث يعتقد أن النبي صلى الله عليه

وسلم قاله، ولا أقدر أن أفهم معنى إسلام رجل ينبذ ما يعتقد أن نبيه قاله لقول أي

إنسان من الأناسيّ.

ومن الغريب أن كثيرًا من الشيوخ يعتقدون صحة قول صاحب هذه الكلمة

الأثيمة وسنبين في الكلام على تقصير العلماء أن هذه الكلمة لبعض المتفقهة الذين لا

يؤخذ بقولهم في الترجيح والتصحيح فضلاً عن الاستنباط أو التشريع، ولم تنقل عن

أحد من المجتهدين (حاشاهم) بل صح عنهم الأمر بالأخذ بالحديث وضرب

عرض الحائط بكلامهم إذا هو خالفه، كما رأيت في العدد الماضي عن الإمام

الشافعي. وكما يقولون تلك الكلمة في شأن الحديث يقولونها في شأن القرآن أيضًا،

وهي أعظم ضلالة وقع فيها أصحاب العمائم الإسلامية، وقد اتبعوا فيها سنن من

قبلهم.

فقد كان الكتاب المقدس عند الأمم النصرانية مقصورًا على رجال الدين، لا

يجوز لأحد أن يتناوله إلا على سبيل التبرك، ومن قال فهمت منه كذا أو أعمل بما

أفهم منه، وإن خالف كلام قسوس الكنيسة وأحبارهم - حكموا بمروقه من الدين،

وهكذا كان شأن اليهود من قبل أيضًا. ومع هذا فإن هؤلاء الشيوخ يفسرون حديث:

(لتتبعن سَنَن مَن قبلكم) إلخ، بما يشتهون، فإذا خاضوا في غيبة الحكام وأبناء

الدنيا قالوا: واأسفاه قد ضاع الدين، وصدق فينا كلام الرسول صلى الله عليه وسلم

فاتبعنا سنن من قبلنا، فترك حكامنا العمائم والجبب والفرجيات والبوابيج الصفر

ولبسوا الطربوش والبنطلون والجزمة إلخ إلخ، وأكلوا على الموائد المرفوعة بالآنية

الإفرنجية

إلخ إلخ، فكأن الدين إنما أنزل لبيان الأكل واللباس، ولا يقوم إلا

بذلك، وفاتهم أن النبي عليه السلام لبس الجبة الرومية والطيالسة الكسروية ولكنه لم

يوسع أردانه ويجر أذياله كما يفعلون.

وقد جمح بنا القلم فلنعد إلى المحاورة.

قال (الإنسان) : إذا سلمنا أن الأخذ بكلام الفقهاء متعين وإن خالف الحديث

الصحيح، فهل يفيد ذلك أن الحديث لا فائدة فيه مطلقًا؟ أليست آداب الدين وفضائله

مبثوثة في الأحاديث النبوية؟ ألا يكون المتفقه الواقف على الحديث على بينة من

مذهبه؟ ألا ينبغي له إذا رأى فقهاء مذهبه قد تركوا الأخذ بحديث أن يبحث عن

السبب في ذلك ليطمئن قلبه لقولهم؟ ومن هنا انتقلا إلى البحث في ترقية الأمة

الإسلامية.

فقال الإنسان المشار إليه: إن الدين انتشر بالتعليم والإرشاد، فإذا صلح أمر

التعليم والإرشاد يصلح حال المسلمين ويعود للدين شأنه.

فخالفه الشيخ في كل ما ذهب إليه غير قيام الدين بالدعوة والتعليم والإرشاد

قائلاً: إن الحكومة هي ترقي الأمة وتقويها وبدونها لا يكون في الأمة ترقٍ أو

إصلاح.

فرد عليه بنحو ما كتبناه في إبطال هذا الزعم غير مرة.

ثم قال له: نحن نتكلم في إصلاح شؤون الأمة المِلّية لا الإدارية والسياسية،

فقال الشيخ بعد غض النظر عن كون هذا يُطلب من الحكام أيضًا، أقول: إن الذي

حل بالمسلمين هو مصداق الأخبار الصحيحة، ولا يمكن زواله فهو دليل قرب

الساعة وانقضاء عمر الدنيا (هذا غاية استفادته من علم الحديث، فإن كان كل من

يقرأ الحديث في الأزهر يقع في القنوط واليأس من إصلاح الأمة فنحن على رأيه في

عدم لزومه أو في لزوم عدمه) وأورد عليه حديث: (بدأ الإسلام غريبًا وسيعود كما

بدأ) .

فقال له الإنسان: إن هذا حجة لي فأنا أقول: إن الإسلام غريب ويعود كما بدأ

بالدعوة والتعليم والإرشاد، فيجب على المسلمين عامة والعلماء خاصة أن يعملوا

على إعادته.

هذا بعض من كل، أوردناه على سبيل الاعتبار بحالتنا والتصديق لما كتبه

العلامة شبلي النعماني مدرس العلوم العربية في كلية عليكره في الهند من أن تعليم

الأزهر لا يرجى منه خير للإسلام إذا بقي على حاله. ولكن لنا الأمل بعلمائه العقلاء

أن يتبصروا ويتدبروا، ويمعن النظر من لم يقف منهم على أحوال الزمان بأقوال من

وقف واختبر ويتعاونوا جميعًا على إصلاح التعليم، ومتى أنصفوا في المذاكرة

تنجلي لهم شبههم التي يحتجون بها على اليأس من الإصلاح، وأن الخير في هذه

الأمة إلى يوم القيامة، وقد ورد أنها كالمطر لا يدرى الخير في أوله أو في آخره،

وسنعود إلى هذه المواضيع إن شاء الله تعالى وبالله التوفيق.

_________

(*) هي المقالة الثانية من العدد الثاني والأربعين الصادر في يوم السبت 24 شعبان سنة 1396 الموافق 26 ك 2 (ديسمبر) سنة 1899 وحذفنا المقالة الأولى لأننا أعدنا نشرها في المجلد التاسع (ص 664 م 9) كما تقدم.

ص: 822